كنت أتوقع أن شعوري سيتعامل مع الوضع على نحو أسوأ من هذا، لكن برودتي في هذه اللحظات أشبه ببرودة هذه الغرفة التي أجلس فيها الآن منتظرا طبيبي الذي يعقم يديه في الغرفة المجاورة.
لقد سألني قبل قليل مما إذا كنت خائفا. وعندما لم يصله جواب مني، أردف قائلا : حاول أن لا تفعل.
لا أعلم إن كنت خائفا فعلا أو لا، لكنني -وعلى الأغلب- لم أعد أشعر بشيء واضح، لقد حدثت نفسي قبل لحظات قائلا: فليكن ما سيكون... لا أعول على فرصة الحياة كثيرا.. ولكن... !
قد خفت كثيرا قبل اليوم، خفت دائما من فكرة انتهائي في يوم ما، فكرت دائما في التالي، فيم بعد الموت، في تلك اللحظات التي سيضعون التراب فيها على قبري ويرحلون. ترى كيف سأكون؟ هل سأشعر بي؟ كيف سأشعر؟ ماذا سيحدث بعد ذلك؟ كنت أفكر في ذلك وأنا أحتضن نفسي بذراعي، أحيانا كنت أبكي، كنت أبكي كثيرا على نفسي، أقول لها: سأفتقدك كثيرا.
لم أشعر يوما بأني مستعد للموت، ربما ليس للموت تحديدا، بل لما بعده. تساءلت دائما: ماذا لو كان الجحيم ينتظري؟ ماذا لو أحرقتني النار؟
لقد جربت في يوم من الأيام أن أحرق أصبعي بنار شمعة، كنت أتلوى من الألم كلما قربت أصبعي إلى اللهيب. فكرت لحظتها في ذلك الشيء الكبير، في تلك النار الهائلة إذا ما قذفت فيها بجسدي كله، ترى كيف المهرب؟ وإلى أين الفرار؟ لقد أخبرت صديقي جاك ذات يوم بذلك، أخبرته بأنني جد خائف، لكنه سخر مني وقال بأنه لا يؤمن بحياة ما بعد الموت، هو لم يشعر أبدا باعتمالات تلك المخاوف والأسئلة بداخلي، ولهذا تحاشيت خوض الكلام معه في حديث كذاك مجددا.
قبل أن أصعد إلى هذه الغرفة، طلبت إلى جاك أن يحضر لي مرآة، كنت أود أن أطبع صورتي في ذاكرتي بملامحها التي قد تكون الأخيرة. أحضر جاك المرآة وقبل أن أرفعها إلى وجهي، أرجعتها إليه، وتخليت عن رؤية وجهي حين حامت الأشياء بداخلي حول هذه الروح، هذا الشيء اللامرئي الذي لن تكشفه لي المرآة.
ثم والآن، وقد كان في أيامي ما كان، وانقضى فيها ما انقضى، وفاتني فيها ما فات، أجدني رهين هذه اللحظة، فارغ الذهن، معطل الفكر إلا من متابعة صاحب البدلة الزرقاء وهو يقترب مني .. وسؤال يتبعه من خلفه: ترى إلى أين المصير؟