بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد عدد الحصى وعدد الثرى و عدد ما نرى وعدد النجوم وعدد ما في الكون، وعدد ما تقول له كن فيكون.
أيها الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
قلت أيها الأحبة لما اتكأ الصديق رقم 01 على أحد أعمدة المسجد جاءه رجل يبتسم في وجه كل المصلين عليه لباس أبيض قديم لكنه نظيف ويشع النور من وجهه ، واقترب منه وأفشى عليه السلام ورد صاحبنا عليه التحية و انبهر من شدة ما رأى حيث كانت نظرته لهذا الرجل توحي بأنه الرجل المقصود وقد كفاه الله عناء البحث عنه ، ودون أن يشعر قال له ألست فلان فابتسم الرجل وقال له يبدو أنك لست من هذه المدينة ، والحمد لله
التقيت بك قبل غيري من الناس ، ثم خرج معا وقصد بيت هذا الرجل التقي وأثناء الخطوات التي لم تطول حتى وصلا إلى بيت هذا المضيف وعندها قال له يا أخي أنت ضيفي لمدة ثلاثة أيام ، وقبلها أخبرني عن مدينتك ، فها أنت ترى حال مدينتنا مع أن جل سكانها أغنياء إلا أنهم اتخذوا الدنيا
غاية ونسوا طريق الآخرة ولقد رأيت ذلك بنفسك عندما دخلت المسجد فمنذ زمن كان العدد الذي تراه بالصفوف بصلاة الفجر يفوق عددهم اليوم
بأي صلاة أخرى.
بدأ هذا الرجل الطيب يحكي له عن المدينة وسبب ثرائها وتقدم الطب فيها ، وهنا استوقف صاحبنا (الصديق رقم 01)الرجل الطيب وقال له ، أيها التقي ، لقد سمعت قولا عن هذه المدينة يجعل الناس تهرب وتهجرها كمثل رجل حكيم وجدته بالغابة وهو ما دلني عليك قصد التعرف عليك ومساعدتي في إنجاز مهمتي ، فقال له الرجل وما هي؟ مهمتك التي تسعى ورائها فقال له لقد أرسلت من مدينتي لكي أتعلم العلوم وأخذ دواء لسقم أصاب أهل المدينة ولم يجد له الطب حلا مع أنهم أهل دراية وعقول ، فقال له الرجل التقي ، يا أخي الأمر ليس بالهين وإذا حل المرض أو الوباء أصاب
كل المدن بل العالم أجمع ، والأجدر بالجميع تكاثف الجهود وطاعة الله المعبود والوفاء بالعهود والدعاء برفع الضر و البلاء عن كل البشرية حتى من وراء الحدود ، ثم قال له امضي بالمدينة وانظر جيدا حال الناس ، وإذا علمت شيئا ليس به خير ا أو سمعت ما تكره أو قولا قذرا ، او بصرت منظرا به شر أو اشمأزت نفسك من بشر فعد فورا واخبرني قبل السفر ، فتعجب الصديق رقم (01 )من قوله وقال يا تقي إن هذه العلامات نفس التي ذكرها لي الرجل الحكيم مخلط العقاقير بالغابة ، ثم انطلق صاحبنا يتجول بالمدينة فرأى أصنافا من الناس فقال في نفسه ما الذي يمكنني أن أجنيه من هذه المدينة فهي كما قال الرجل التقي الكل فيها غني لكن المال يزول والكل فيها دون علم ، وما هذه العلوم التي أراها إلا بوادر فتنة وشر لأنها غابت عنها ثقة البشر والحرية ونفس زكية تطلب الأجر من رب رحيم جعل لكل شيء قدر.
وبدأ بمخالطة بعض ساكني هذه المدينة طيلة الثلاثة أيام التي قضاها بها( المدينة ) ولا يعود لمنزل الرجل التقي إلا بعد صلاة العشاء ، وآخر أيا م الاستضافة بهذه المدينة قصد العديد من يمتهنون الطب والمتواجدين بالمدينة الغنية ، قصد الحصول على ما يريد أو حتى يتعلم كيفية التعامل مع الأمراض والأوبئة ، لكنه لم يقتنع بإجابة شافية ، بل كانت قناعته بوجود تجار يستغلون حاجة الناس للعلاج ويجمعون الأموال باسم إنتاج دواء او عقار ينفع في تخفيف ألم كل من مرض ، كما تأكد من بعض الأقاويل التي سمعها والتي توضح مجموعة الأشخاص الأغنياء الذين قصدوا مدينته ليستغلوا أهلها ويقومون بتجارب علمية عليهم مستخدمين البشر لا فئران المخابر ،وعرف أن المرض الذي أصاب مدينته ما هو إلا نتيجة مكر مكره هؤلاء الأشرار ليحدثوا الفتنة ثم الدمار و أدرك أن الأمر خطير ، ولابد من الرجوع إلى مدينته بأقصى ما يمكن وتحذير أهلها .
وعندما أراد الرجوع إلى بيت مضيفه الرجل التقي اعترض طريقه أحد سكان المدينة الغنية وبدا يسأله تارة و يستفزه تارة أخرى، فعلم أن المقام لن يحلو له بهذه المدينة وأن سعيه الذي سعاه سيخيب حتما خاصة وان هذا الرجل المتحدث إليه لا يأتمن جانبه بعد تفاخره بالغنى وعدم ذكر الله وحمده ولا مرة على لسانه بصورة الخطأ ، ومعظم كلماته إذاء وتفوه وكلام عن الفحشاء وكل همه معرفة الأغنياء وأصحاب النفوذ ، والمال عنده قبل الدين والعرض والعلم ، فخاف صاحبنا الصديق رقم (01) وعلم أنه لن يحصل على شيء من مدينة يطغى المال فيها عن الأخلاق والاحتقار للضعفاء وشعر في نفسه بحزن كبير وقال في سره لو سمعت كلام الرجل التقي الطيب أول مرة عندما أخبرني بحال أهل هذه المدينة، واستغل فرصة انشغال هذا الرجل الغني بالنظر إلى أحد السلع ورجع مسرعا إلى بيت الرجل التقي وقال له يا أخي إن هذه المدينة ذاقت بها نفسي ولن أجد فيها ضالتي وإني عائد إلى مدينتي وأنا فارغ اليدين منكسر القلب ولا زال أملي بالله كبير وما الذي سأجده من فحوى استقبال من الرجل الحكيم صاحب العقاقير ، فودعه الرجل الطيب وبعث برسالة معه إلى صديقه المتواجد بالغابة ، وقال لبطل قصتنا الصديق رقم (01) ، لا تنزعج يا أخي فإن في الأمر حكمة لا يعلمها إلا الله ، ولعلك يوما ما تزوني أنت وصديقك رقم ( 02) وستجدون إن شاء الله الحال غير هذا الحال بهذه المدينة الغنية وكل من ضل اهتدى ولا هادي إلا الله .
يا أخي ها قد جئت وتعلمت أشياء إن الدنيا بها الخير والشر والغني والفقير ، والغبي والجاهل ، وتأكد أن الجاهل يفعل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه ، رافقتك السلامة مع إنني لم أستطع تلبية طلبك وقد كتبت برسالة إلى صديقي المتواجد بالغابة لعله يستطيع المساعدة فنحن أمة واحدة وربنا واحد ورسولنا واحد محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولا تنسى أن تخبر إمام مسجدكم أن يخطب بالناس ويخبرهم بحال من عصى الله وأطاع الدنيا وكانت مبتغاه ، واتمم محاضراتك وحلقات ذكر الله فإنها تحف بالملائكة ويذكركم الله في علاه ، وإنكم إن شاء الله ستفوزون برضا الله وتنعمون بالدارة الآخرة وتتغلبون على الوباء وادعوا وتصدقوا فإن الصدقات تطفئ غضب الرب والى اللقاء يا أخي .
خرج الصديق رقم (01) من المدينة الغنية مودعا الرجل الطيب التقي وهو منهمك بالتفكير فيما رأى بهذه المدينة الغنية ويقول عفوك يا الله فإن القوم جهلوا مع أنهم علموا وعلموا ولكنهم لم يفعلوا عفوك يا الله رحماك يا الله ، لابد لي من تخطيط سليم وأن أكون حليم واجد حلا لمدينتي وأستعين بالسميع العليم ، وبعدها أعود إلى هذه المدينة الغنية وأكون بالثقة جدير وادعوا مع غيري من إخواني إلى الاعتناء باليتيم والفقير لعل الناس ترجع وتعلم أن الدنيا فانية وأن الآخرة هي المصير .
وصل الصديق رقم (01) الى كوخ الرجل الحكيم فوجده بنفس المكان لكن هذه المرة بيده قدر وعلى الأرض فحم وبيده ملعقة، وبعض الإعشاب
اليابسة و مهراس فألقى التحية عليه ورحب به هو كذلك ثم قال له لقد عدت بوجه غير الذي رحت به فما هي المغامرة التي حدثت معك؟ فأعطه الرسالة وقال له إنها من صديقك فلان ، ففرح بها الر جل صاحب الكوخ وقرأ ما فيها ثم قال له : وهذا ما سنعرفه بالجزء الرابع من هذه القصة وللقصة تتمة أيها الأحبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم المهذب.