هذا باب واسع، فالسيرة الشريفة مليئة بالمواقف التي تبين مدى حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم، وما من خبر في السيرة إلا ووراءه موقف حب، يبرز من خلال الكلمات أو من خلال الوقائع.
ونكتفي بذكر أمثلة من ذلك:
في مفاوضات صلح الحديبية:
كان عروة بن مسعود أحد الموفدين من قبل قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع إليهم قال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - محمدًا[1]..
وقال عمرو بن العاص:
وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالًا له ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عينيَّ منه[2].
وفي فتح مكة:
حين جاء العباس رضي الله عنه بأبي سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كان عمر حريصًا على أخذ الإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال العباس لعمر: مهلًا يا عمر فوالله لو كان من بني عدي ما قلت هذا..
فقال عمر: مهلًا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من إسلام الخطاب لو أسلم[3]...
• وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف قبل معركة بدر، وبيده سهم، فلما وصل إلى سواد بن غزية، رآه بارزًا، فقال: «استو يا سواد» فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، فدعني أقتد منك، فيعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، السهم ويكشف له عن بطنه الشريف، فيعتنقه سواد ويقبله.. فيقول له: «ما حملك على هذا؟» فيقول: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك.. فدعا له صلى الله عليه وسلم، بخير[4].
• في حادثة الغدر التي قامت بها عضل والقارة، وعرفت في السيرة بـ«يوم الرجيع»، كان من آثارها، أن بيع زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي إلى قريش.
فلما قدم زيد ليقتل قال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه. وأني جالس في أهلي.
فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا، كحب أصحاب محمد محمدًا[5].
وفي عمرة القضاء:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحرم محرمًا، والصحابة الكرام يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم، يسترونه من أهل مكة، خوفًا أن يرميه أحد منهم بسهم مؤثرين أن يصيب أيًا منهم من أن يصيبه صلى الله عليه وسلم[6].
ولأبي بكر رضي الله عنه مواقف لا تعد:
منها ما أخبر به أبو سعيد الخدري قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المنبر فقال: «إن عبدًا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده» فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عبد خيره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به[7].
وصدق أبو بكر، وصدق الصحابة رضي الله عنهم فلقد فدوه بأنفسهم، وكثير منهم استشهد بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
[1] أخرجه البخاري برقم (2732).
[2] أخرجه مسلم برقم (121).
[3] سيرة ابن هشام (2/ 403).
[4] سيرة ابن هشام (1/ 626).
[5] سيرة ابن هشام (2/ 172).
[6] أخرجه البخاري برقم (1791).
[7] متفق عليه (خ 3904، م 2382).