لا يخلو الخطاب الفلسفي من مطارحة لإشكالية القيمة: سواءٌ في بعدها الجمالي أو المنطقي أو الأخلاقي؛ بل إن اهتمام أفلاطون بالمسالة الخلفية جعله يخصص محاورات عديدة للبحث في ماهية الخير ودراسة أنواع الفضائل.
هذا التناغم بين المعرفة والأخلاق نستشفه من مفهوم الحكمة في صيغتها الإغريقية الهيلينية القديمة، بحيث يكون الحكيم من تكوّن تكوّنا متينا في المعرفة (كما تملك الحكمة دلالة عملية).
الأخلاق: هي مجمل الضوابط التي بها ينتظم سلوك الأفراد داخل مجتمع معين.
والأخلاق: تنضوي تحت لواء العلوم المعيارية التي تبحث في القيم.
فماهي القيمة؟ وماهي ركائزها؟
وما مصدر القيم الأخلاقية؟ هل العقل (كما رأى أفلاطون, ديكارت, كانط) أم المجتمع (دور كهايم)؟
الاستفهام عن القيم مع نيتشه مجاوزة للسؤال عن ما مصدر القيم إلى السؤال النقدي من المستفيد من القيم؟
إلام يرد اهتمام الفلسفة بالقيمة؟
إن مرد كل ذلك لشخصية الإنسان في بناءها الأصلي. فهي ذات بعد بسيكولوجي ضرورة، إذ القيم والمعايير هي همزة وصل بين التاريخ الطبيعي والتاريخ البشري. ومن هنا يستوقفنا مفهوم القيمة بحيث ماهي خصائصها؟
إن تعالي القيمة عل النظام البسيط للأشياء نظرا إلى وجود قطيعة بين النامية والاكتسابية، شأن ذلك شأن تعالي القيم على الأشياء كما تتعالى المثل العليا على الواقع؛ وكما يتعالى ما يجب أن يكون على ماهو كائن.
مراتبية القيمة: إنها في إطار هذه المراتبية تشكل نسقا متكاملا ولوحة.
الشمولية: فعندما أقول" لكل حقيقته" فلن تكون هناك أخلاق بيد أن حكمي على أن هذا السلوك أخلاقي يعني انه كذلك بالنسبة إلي وبالنسبة إلى من كان منتميا مثلي.
فالقيمة تتأسس إذن على الشراكة في الانتساب. وكل قيمة أصيلة هي قيمة جماعية ومن الطبيعي أن تنزع القيمة نحو الشمولية.
والأخلاق ظاهرة إنسانية كلية مثل اللغة والعمل إلا أنها تملك طابعا مزدوجا:
من ناحية يسعى الفرد إلى حب الخير ويرغب في تحقيق عمل أخلاقي. وهكذا تكون القيم الأخلاقية محايثة للوعي ملازمة لإرادة الإنسان.
تكون من ناحية ثانية مفروضة من طرف قوة خارجية, إلزامية وتفرض علينا من فوق. فهي متعالية, خارجة عن الفرد. لذا فان نؤسس الأخلاق معناه أن نشرع لها مع الأخذ بعين الاعتبار طابعها المحايث والمتعالي في الوقت نفسه.
مصدر الواجب: العقل( فلسفة إيمانويل كانط أنموذجا)
فما هو مصدر الواجب؟
يرى كانط أن موضوع الأخلاق هو ما يجب أن يكون علية سلوكنا. وهذا الأمر لا يستطيع العلم أن يتفطن إليه لان موضوع العلم إنما هو الظواهر فقط فهو يستطيع أن يبين لنا ميدان السلوك لكن يعجز عن توجيهه. لذا لم يبق إلا طريق واحد هو طريق العقل العملي. إن كانط كسائر فلاسفة الأنوار انسانوي النزعة يرفض أن يكون العمل الأخلاقي ناتجا عن رضوخ بقوة خارجية سواء كانت إلها أو سلطة سياسية قوية. فالإنسان هو من يخلق القيم الأخلاقية وهو مصدرها الوحيد. وهدف كانط هو تأسيس الأخلاق الكلية والبحث عن مبدأ لكل الأنساق الأخلاقية فالكمال الخلقي عند كانط هو كمال إنساني تؤسسه الإرادة الطيبة.
فماهي الإرادة الطيبة؟
هي الإرادة التي يكون الدافع إليها هو الاحترام الذي يولده فينا مجرد تصور القانون الخلقي. يقول كانط واجب عليك يعني انك تستطيع. فالإرادة الحرة والإرادة الخاضعة لقوانين أخلاقية تعني نفس الشيء.
والقانون الخلقي كلي, ضروري وقبلي, والإرادة الطيبة هي ما يجعلنا نتصرف بالعقل في كل الظروف. وبما أن العقل كامن في الإنسان فكل إنسان قادر على أن يكون كائنا أخلاقيا. فإذا كان العقل النظري يحقق الاتفاق بين الحدوس والمقولات في نجال المعرفة فان العقل العملي يسعى إلى تحقيق الاتفاق بين جميع الناس على مستوى الفعل.إن الإرادة الإنسانية لا تتبع القانون الأخلاقي إلا مكرهة لذا فان قوانين العقل تظهر للإرادة بمثابة أوامر.
ويميز كانط بين الأوامر القطعية والأوامر الشرطية.
الأمر الشرطي: ويرتبط صدوره بغايات تعتبر شرطا له. مثال: إذا أردت أن تكون سعيدا فافعل كذا, هذه أوامر غير أخلاقية لأنها تخدم غاية معينة. ولا يمكن للأوامر أن تكون خلقية إلا إذا تترهت عن الغاية وهذا شان الأوامر القطعية.
الأمر القطعي: هو ما يجعل العمل ضروريا لذاته لا لهدف أخر ميزته الكلية وهي خاصية القانون على الإطلاق. وقد أصدر كانط الصيغة الأصلية للأمر القطعي:" لا تفعل الفعل إلا بما يتفق مع المسلمة التي تمكنك في نفس الوقت من أن تريد لها أن تصبح قانونا عاما".
وهنا لا بد من التمييز بين المسلمة والقانون:
- المسلمة قاعدة ذاتية يتبناها الفرد من أجل مصلحته.
- القانون مبدأ موضوعي عام صلاحيته مقبولة لدى جميع الكائنات العاقلة.