مبدئيا هذا المقال ليس مع أو ضد أي دولة، ولا شأن له بأنظمتهم..لكنه يحكي أحداث مثبتة ووقائع مؤكدة رسمية..نفهم منها الفارق بين الدولتين وكيفية تعاملهم مع أزمة طبيعة خطيرة ثم نخرج باستنتاجات بسيطة وسريعة.. ..
أولا: ظهر المرض رسميا في الصين خلال شهر ديسمبر 2019 بتسجيل أول حالة، ومع توالي ظهور أرقام الضحايا والمصابين كانت أمريكا وقتها (تتشفى) في الصين على لسان رئيسها وتقول أن ما يحدث نتيجة للاستبداد وتخلف قطاع الصحة الصيني..
ثانيا: لما انتقل المرض لأمريكا بظهور أول حالة في شهر مارس 2020 تغير خطاب ترامب والإعلام الأمريكي وبدأ التركيز على أن كورونا هو (وباء عالمي) لا علاقة به بنظام الحكم..تأمل..في البداية أمريكا كانت تقول أن الوباء يصيب دول مستبدة أخفت حقيقة المرض في البداية..
ثالثا: لو تعاملت أمريكا مع كورونا على أنه (وباء عالمي) منذ شهر ديسمبر لاستعدت للفيروس جيدا وما وقع منها حتى الآن ما يقرب من 40 ألف مصاب خلال أسبوعين..وهو نصف الرقم الصيني خلال 3 أشهر، وبالتالي أمامنا فترة 50 يوم إلى شهرين سقطوا من حسابات أمريكا فشلوا فيها بالتنبؤ بالمرض والاستعداد له..
رابعا: الصين أخفت حقيقة المرض في البداية وعاقبت بعض الأطباء بحكم نظامها المستبد، لكن أمريكا فعلت نفس الشئ ولا تريد إظهار الرقم الحقيقي بدليل تصريحات "مايك بنس" نائب الرئيس الأمريكي بأن المصابين هم من اختاروا التحليل الطوعي من بين 250 ألف مواطن فقط..وهذا يعني أن أرقام الضحايا الأمريكيين أكبر بكثير مما هو معلن..ويظهر تباعا..
خامسا: الصين صرحت منذ شهر يناير أنها تعاني من وباء خطير وأصدرت عدة استغاثات للمجتمع الدولي كي لا ينتشر خارج حدود الصين، بينما لا زالت أمريكا تقلل من خطورة المرض ويدعون أن هناك لقاحات تم إنتاجها وأن الأمور بخير، ويظهر كل يوم الرئيس ترامب يمارس بروباجاندا إعلامية للتقليل من خطورة ما يحدث..ومن رأى منكم رده وتعنيفه للصحفي الأمريكي سيفهم كيف أن ترامب لا يريد قول الحقيقة بحجة إزعاجها وإشعالها للوضع الاقتصادي..
سادسا: منذ قليل أصدرت منظمة الصحة العالمية تصريح رسمي على لسان مديرها يقول أن كل المزاعم بشأن اختراع لقاحات للوباء هي (زائفة) والحل الوحيد لمقاومة الفيروس هو دعم الأطباء والحجر الصحي..والتصريح يدين كلا من أمريكا والصين بوصفهم من خرجوا ببيانات رسمية تقول أنهم وصلوا أخيرا للقاح..
سابعا: تصريح منظمة الصحة يدين كل من يهون ويقلل من خطر الفيروس، وفي ذلك تتساوى أمريكا والصين معا..الفارق أن الصين نجحت في (تحجيم) الفيروس وانتشاره على أرضهم بتدابير احترازية قاسية..لم تستطيع أمريكا تنفيذها لطبيعة نظامهم السياسي، بمعنى لو أقدمت أمريكا على استنساخ التجربة الصينية ستتحول لدولة دكتاتورية ضد حقوق الإنسان.
ثامنا: نظام الصين مستبد..ونظام أمريكا ديمقراطي أوليغارشي..لكن مهلا..ليس هذا كل الحكاية، فالصين المستبدة كانت تعتقل المشتبه بهم من الشوارع والبيوت للتحليل والحجر الإجباري وقد ساهم ذلك في حصار المرض، بينما أمريكا لا تستطيع فعل ذلك مما يعني أن مصيبة الولايات المتحدة مع كورونا قد تكون أكبر..
تاسعا: الصين بعد تعافيها الجزئي صدرت تجربتها ودعمها المادي للدول المصابة كإيطاليا والعراق وصربيا والتشيك دفع رؤساء هذه الدول لشكر الصين علنا، بينما أمريكا لم تساعد أحد، وبعدما أعلنت مؤخرا عن قراراها بمساعدة إيران رفض ذلك خامنئي بدعوى أن المساعدة الحقيقية ستكون برفع العقوبات لنقل أجهزة التنفس والأدوية المطلوبة من الخارج..ووجه المقارنة هنا أن حصار أمريكا للدول وكثرة مشاكلها السياسية يفقدها دورها العالمي الإنساني التي تميزت به في السابق..الآن بدأت الصين لتأخذ هذا الدور.
عاشرا: أمريكا لها 800 قاعدة عسكرية في العالم وحجم إنفاق عسكري أكثر من 700 مليار دولار في السنة..وبرغم ذلك عاجزة عن توفير أجهزة تنفس لنيويورك حتى خرج عمدتها يشكو من قلة الأجهزة، بينما الصين لم تعاني من قلة الأجهزة..بل صدرتها للخارج..
حادي عشر: أمريكا فشلت أمام ضغوط أوروبا والصين وروسيا المطالبة برفع العقوبات على إيران حاليا، مما يعني أن أزمة كورونا ستساهم في حل مشكلة العقوبات على مراحل فلم يعد وجودها مقبولا الآن وربما لفترة قد تمتد لعدة أشهر..وهذه (خسارة سياسية كبيرة) لترامب..بينما الصين لم تخسر سياسيا من كورونا بل ربحت تعاطف دول كثيرة من كل القارات.
ثاني عشر: الصين لم تضحي بكبار السن وظلت تعالجهم رغم ضعف الأمل بنجاتهم، بينما في أمريكا ظهرت أصوات تطالب بنزع أجهزة التنفس عن الكبار لقلة عددها وتوفيرها للشباب والكهول..نفس الشئ حدث في بعض الدول الأوربية خصوصا إيطاليا وأسبانيا..مطالبات بنزع الأجهزة عن كبار السن..قد يعود ذلك لفكرة (القتل الرحيم) التي هي أوروبية غربية محضة تنكرها مجتمعات الشرق وتراها (لا إنسانية)
ثالث عشر: كلتا الدولتين تورطوا في استغلال الوباء سياسيا..فبدأت أمريكا القصة كما تقدم وردت عليها الصين في اتهامها لترامب بهجوم بيولوجي فرد ترامب بتعريفه للوباء ب "الفيروس الصيني"..وبغض النظر عن حجج وأدلة كل طرف لكن استغلال الوباء سياسيا حدث مما يدل على قطيعة سياسية ونفسية بين الدولتين أو بالأحرى بين أقطاب الشرق وأقطاب الغرب..
رابع عشر: تبين أن حجم ومقدار الوعي العام الشعبي بخطورة المرض والتقيد بالحجر الصحي وعدم التنقل هو متساوي في كلتا الدولتين..مما يعني أن النظام الديمقراطي الأمريكي لم ينجح في خلق هذا الوعي من البداية، وبالتالي أصبحت معضلة (الاستبداد والديمقراطية) خرجت من كونها حديث حضاري علمي نهضوي إلى مجرد طريقة لتداول السلطة بغض النظر عن الوعي والعلم..