العصافير
حدّق عصفور في غصن عالٍ يعتلي شجرة كثيفة قائلا: سأقيم وكري على هذا الغصن، وقد انتقى التقاء فرعين يصلح لحمل وكره، وراح يجمع القشّ لإقامته. وإذا بعصفور آخر يحلّ بالمكان حاملا في منقاره ما تيسر من أوراق يابسة وحشائش جافة قصد بناء وكره بذات الموضع المنتقى.
قال العصفور الأول: تنحّ عن مكاني.
قال الآخر : ولكنّه لي، انتقيته بعناية بعد طول بحث و عناء تنقيب. وها أنا أجمع ما يكفيني لبناء وكري لأجدك تحلّ محلي.
ردّ الأول: كم أرهقت نفسي في البحث حتى ظفرت به أخيرا، يكاد يطابق نموذج الوكر الذي أقمته في خيالي، فلم ولن أتنازل عنه، ولا يهمّني كونه نال إعجابك.
قال الثاني: بل أنا صاحبه كوني السبّاق إلى مكانه. وهذه عدّتي وعتادي شاهدان على ذلك.
وراح يضع حشائشه الجافة، وطفق يرصفها على الغصن. فاستشاط العصفور الأول غيظا، ورمى ما جمعه خصمه من قشّ على الأرض.
وصاح الثاني: أ لم يكفك احتلال مكاني، لتسلبني ممتلكاتي أيضا؟
وهكذا شبّ الخصام بينهما، وتضاربت آراء العصافير حولهما، وإذا بزعيم الطيور يتدخّل لتهدئة الأمر. وبعد معاينته للمكان محل النزاع، فكّر وقال:
- هذا الموضع ملائم لي وحدي.
وزمجر في وجه كلّ العصافير الحاضرة. وصفق بجناحيه وطار. فتمتمت العصافير باحتجاج باهت. أمّا العصفوران المتنازعان فقد أخرستهما الصدمة وتوقّفا عن النزاع. نظر الزعيم إلى العصافير نظرة تحدٍّ وبطش، فاختفت التمتمات الباهتة، وعمّ الصمت المكدود. وبعد هنيهة، شوهدت العصافير جميعها –بما في ذلك العصفوران المتخاصمان- تبارك لزعيمها الموقع المتأنّق لإقامة وكره، وتهنّئه على المكان المتألّق لبناء صرحه. لكنّ جلالة الزعيم غرّد قائلا:
"لا تقربوا عرشي وإلاّ حلتّ عليكم اللعنة. وليختر كلّ عصفور منكم غصنا مناسبا من أغصان الشجرة، وليتّخذ له وكرا مناسبا. كما أنّه لا شأن لكم بالثمار، فأنا قاطفها وموزّعها حسب مزاجي ونفوذي. ولا نصيب لكم في خراجها إلاّ قدر ما يسدّ رمقكم ويضمن لكم الأمن والسلام..."