الفصــل الثـاني : الآليـات الداخليـة لاحتـرام حقـوق الإنسـان
إضافة للجهود الدولية لتأكيد وفرض احترام حقوق الإنسان دوليا ,فإن معظم الدول إن لم نقل كلها سعت لتحقيق هذه الحقوق داخليا وذلك بالنص عليها في قوانينها الوطنية .
والجزائر على غرار باقي الدول بادرت إلى تكريس الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية من خلال اهتمامها بالمصادقة على عدد كبير من المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان , و النص عليها في دساتيرها المتعاقبة, وقوانينها الداخلية .كما أوجدت ميكانيزمات و آليات تكفل احترامها, كاللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان ,والتي استحدثت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 01/71 المؤرخ في 25/03/2001 ,وإحداث اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني, بموجب المرسوم الرئاسي رقم 08/163 المؤرخ في 4 جوان 2008 ,وكذا المديرية العامة لحقوق الإنسان المتكونة من 6 مديريات فرعية تسهر كلها على مراقبة مدى احترام حقوق الإنسان في الجزائر، والإنذار المبكر عن حالات الانتهاك غير أننا نرى أن أهم آلية لتفعيل حقوق الإنسان في الواقع العملي هي "جهاز القضاء", هذا الأخير الذي يعمل و يسهر على تحقيق وتكريس الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية والقوانين الداخلية, وذلك من خلال الأحكام الملزمة التي يصدرها ,حيث نصت المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ا" لكل شخص الحق في أن يلجأ للمحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على حقوق الأساسية التي يمنحها القانون " ولهذا ولمعرفة المجالات التي يبرز من خلالها دور القاضي الوطني في تعزيز واحترام حقوق الإنسان,
سنتعرض في المبحث الأول للحماية القضائية أمام القاضي الجزائي, وفي المبحث الثاني نتطرق للحماية القضائية أمام كل من القاضي المدني،والقاضي الإداري .
المبـحث الأول : الحمايـة القضائيـة أمام القاضي الجـزائي
يسعى القاضي الجزائي دائما لاتخاذ الإجراءات المخولة له قانونا, من أجل قمع الجريمة وتحقيق العدالة في المجتمع, واضعا نصب عينيه المبدأ الدستوري " الأصل في الإنسان البراءة " هذا المبدأ الذي يعد من أهم الضمانات التي يقرها القانون لحماية الحرية الفردية كما يعد قيدا على سلطات القاضي المتنوعة، وعلى هذا الأساس من الضمان والقيد, يحدد نطاق مباشرة القاضي الجزائي لسلطاته في مرحلة كل من التحقيق, و المحاكمة, ضمانا لاحترام حقوق الإنسان عبر هما .
المطلـب الأول: أثـناء مرحلـة التـحقيـق.
تسبق مرحلة التحقيق مرحلة المحاكمة, وهي عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي يقوم بها قاضي التحقيق وتعد هذه المرحلة من أكثر المراحل خطورة على الحرية الشخصية للأفراد, ولذلك حرص المشرع على إحاطتها بالعديد من الضمانات أهمها" قرينة البراءة " و" مبدأ الشرعية" , وهما على درجة كبيرة من الأهمية نظرا لما لهما دور في حماية حقوق وحريات الأفراد .
ولمنح قاضي التحقيق أكثر استقلالية بمناسبة مباشرته لإجراءات التحقيق, أصبح حاليا بعين بموجب مرسوم رئاسي , كما تنتهي مهامه بنفس الطريقة ,إذ لم يكن الأمر كذلك قبل صدور قانون 26/02/2001 فقد كان يعين بمقتضي قرار من وزير العدل لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد .
- وضمانا لحقوق وحريات الأفراد, لا يجوز لقاضي التحقيق إذا نظر في القضية بصفته محققا أن ينظر فيها بصفته قاضي حكم ,وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16 جوان 1981 ملف رقم 25941، وتعد هذه القاعدة من النظام العام ,على القاضي إثارتها من تلقاء نفسه , كما يجوز لوكيل الجمهورية أو المتهم أو المدعي المدني إثارتها في أي مرحلة كانت عليها الدعوى ,وذلك من اجل تنحية الملف من قاضي المحقق لفائدة قاضي أخر.
ويقع على قاضي التحقيق عند نظره القضية و الأول مرة ,التزام احترام حقوق الدفاع و المبدأ المكرس في الدستور "الأصل في الإنسان البراءة ", فيتعامل مع المتهم الماثل أمامه على أساس أنه بريء إلى أن تثبت إدانته, وعند استجواب المتهم عند الحضور الأول يجب على قاضي التحقيق التقيد بمقتضيات المواد
10 و 14 الفقرة الثالثة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية , فأول ما يقوم به التعرف على شخصية المتهم وهويته, فيطلب منه ذكر" اسمه. ولقبه, واسم أبويه وتاريخ ومكان الازدياد, ومهنته, وموطنه, جنسيته ,ثم يخطره بالتهمة المنسوبة إليه وأن له مطلق الحرية في الإدلاء بتصريحاته حول هذه التهمة بدون حضور محاميه, أو عدم الإدلاء إلا بحضوره إذ سبق له اختيار محامي ".
_ واستثناءا على ذلك أجاز القانون لقاضي التحقيق أن يقوم في الحال بإجراء استجواب إذا اقتضت ذلك حالة الاستعجال, الناجمة عن وجود شاهد في خطر الموت ,أو وجود أمارات على وشك الاختفاء, بشرط أن يذكر في المحضر حالة الاستعجال .
غير انه في كثير من الحالات يشكوا المحامون من عدم اكتراث بعض قضاة التحقيق بأحكام المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية ,حيث يحولون سماع أقوال المتهم إلى استجواب في الموضوع،وهي ممارسات غير قانونية فضلا عن كونها مساسا خطيرا بحقوق الدفاع .
- كما يقوم قاضي التحقيق باستجواب المتهم في الموضوع, وفي هذه الحالة يواجه المتهم بأدلة الاتهام التي بين يديه ,ويمكنه من إبداء رأيه بشأنها, إما بتسليمها أو بدحضها ,ونظرا لخطورة هذا الإجراء وما يترتب عليه من أثار على حقوق المتهم ,منح المشرع للمتهم ضمانات تكفل له حق الدفاع وتتمثل في :
يحق المتهم الموقوف في الاتصال بمحاميه بحرية بمجرد حبسه إثر سماعه عند الحضور الأول, ويستمر هذا الحق ولا يزول, حتى في حالة ما إذا لجأ قاضي التحقيق إلى منع الاتصال بالتهم المحبوس لمدة 10 أيام طبقا
لمقتضيات المادة 102 من قانون الإجراءات الجزائية, التي خولت له ذلك ,وعليه فلا يسري هذا المنع على محامي المتهم .
ولقاضي التحقيق دور في استدعاء محامي المتهم برسالة موصى عليها, وذلك قبل الاستجواب بـ 24 ساعة على الأقل، ووضع ملف التحقيق تحت طلب محامي المتهم ,وذلك بالترخيص له باستخراج صورة عن ملف الإجراءات، وكل إخلال بهذه الإجراءات يترتب عته يطلان الاستجواب .
كما يحق للمتهم المحبوس مراسلة محامية, فيمنع على قاضي التحقيق حجز أو فتح الرسائل الموجهة إلى محامي المتهم المحبوس . أو منعه من مراسله, غير أنه من الملاحظ في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري أن المشرع لم بنص على هذا الحق صراحة في مواده, لكن بالرجوع إلى قانون تنظيم السجون وبالأخص في المادة 56 منه نجدها نصت صراحة على انه" يمنع رئيس المؤسسة العقابية من الإطلاع على المراسلات المغلقة التي تتم بين المحامين وموكليهم الموقوفين" .
- وبهدف كشف الحقيقة أجاز المشرع الجزائري لقاضي التحقيق, اتخاذ إجراءات التصنت التليفوني رغم أن هذا الإجراء يشكل انتهاكا لحرمة المراسلات المكفولة في الدستور.
غير أنه وتبجيلا لحماية حقوق الإنسان أجازت المادة 68 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية, في هذا الإطار لقاضي التحقيق اتخاذ جميع إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية للكشف هن الحقيقة ,وبالنتيجة إجازة التصنت التليفوني وذلك اقتداء بما وصل إليه المشرع الفرنسي الذي أقر شرعية التصنت التليفوني .
كما يجري قاضي التحقيق استجوابا إجماليا في مسائل الجنايات, لأنه إجراء وجوبي ,كما يمكن له أن بحرية في الجنح إذا رأى لذلك وجها وذلك قبل إقفال باب التحقيق , إذ الهدف منه هو تلخيص الوقائع وإبراز الأدلة التي سبق جمعها خلال كافة مراحل التحقيق, والإشارة إلى الاستعلامات التي وردت في شأن حياة وسلوك وشخصية المتهم, ويختم قاضي التحقيق الاستجواب بطرح السؤال التالي على المتهم:" هذا هو استجوابك الأخير فهل لديك ما تدلي به للدفاع عن نفسك" .
وحماية لحقوق الدفاع يقوم قاضي التحقيق بمواجهة المتهم بغيره, ووضعه وجها لوجه إزاء متهم أخر, أو أحد الشهود, أو الضحية, ليسمع بنفسه ما قد يصدر منهم من تصريحات تتعلق بالتهمة المنسوبة إليه، ويمكنه من إبداء رأيه يشأنها إما بالتأييد أو بالرفض أو الإنكار .
وبالموازاة يقوم قاضي التحقيق أيضا بسماع المدعي المدني، لأن المشرع الجزائري خص هذا الأخير بمكانة مماثلة لمكانة المتهم من حيث الضمانات القانونية التي تكفل له حماية حقوقه, فأجاز له الاستعانة بمحام منذ أول يوم تسمع فيه أقواله ويستفيد في هذا الإطار بنفس الحقوق المقررة للمتهم, أيضا يستفيد محامي المدعي المدني بنفس الحقوق التي يتمتع بها محامي المتهم ,من حيث الاستدعاء ووضع نسخة عن ملف الإجراءات تحت تصرفه أو تمكينه من استخراج صورة عنها .
وأثناء سير التحقيق إذا تبين لقاضي التحقيق أن المتهم أو المدعي المدني لا يتكلمان اللغة العربية أو لا يجيدانها أو كانا أصمان أو أبكمان ,طلب الاستعانة بمترجم .
كما للقاضي التحقيق دور في سماع الشهود وذلك بعد استدعائهم ,كما خول له المشرع في حالة امتناع الشهود عن الحضور استدعاءهم عن طريق القوة العمومية إن لزم الأمر واستدعت ضرورة التحقيق ذلك،
بأن تكون شهادتهم تفيد في إظهار الحقيقة ,ومسألة تقدير ملائمة سماع الأشخاص كشهود تبقي سلطة تقديرية لقاضي التحقيق وحده .
و لا يجوز لقاضي التحقيق ضمانا منه لحقوق الدفاع أن يستمع إلى شهادة أشخاص تقوم ضدهم دلائل قوية في ارتكابهم الجريمة ,وذلك بغية إحباط حقوق الدفاع، غير أننا نقول بأن هذا الشرط يفترض فيه سوء نية قاضي التحقيق وهذا ما يصعب نصوره ,إذ انه مسألة مستعبدة ناهيك عن إثباتها .
وأعمال قاضي التحقيق لا تنحصر فقط فيما قد يتخذه من إجراءات في مكتبه ,وإنما بحكم تتبعه لأثار الجريمة, فانه يقوم بالانتقال إلى أماكن وقوع الجريمة,, بهدف المعاينة وضبط ما قد يعثر عليه من أثار، وسماع ما قد يجده من شهود في عين المكان, قبل أن يقع التأثير عليهم من المتهم أو من أطراف أخرى, وعلى قاضي التحقيق الانتقال فورا إلى موقع الجريمة قبل أن تحصل به تغييرات على الآثار و الأماكن, حتى يتسنى له الإدراك المباشر للجريمة, ومجال تنقل القاضي للمعاينة ليس محصورا في دائرة اختصاصه, بل يمتد ليشمل أيضا دوائر اختصاص المحاكم المجاورة، ومما لاشك فيه أن المعاينة الميدانية الفورية لإثبات الجريمة لها أهمية بالغة في الكشف عن الحقيقة, وضمان حقوق وحريات كل من الجاني والمجني عليه .
غير أن الممارسة العملية وللأسف سجلت غياب شبه كلي لقضاء التحقيق عن ميدان الجريمة ويرجعون السبب في ذلك إلى عدم توافر وسال النقل ,وكثرة تدفق الملفات على مكاتب التحقيق، والنقص الكبير في عدد القضاة مقارنة مع القضايا الواردة للمحكمة .
وإضافة إلى ما سبق ذكره وتكملة لإثبات الأركان المادية للجريمة فلقاضي التحقيق دور في الانتقال إلى منازل المتهمين ,أو المشتبه فيهم أو الذين بحوزتهم أشياء لها علاقة بالجريمة ,لتفتيشها والحصول على الأدوات المستعملة في الجريمة أو المسروقات أو غير ذلك وبالمقابل وضع المشرع قيود مشددة على سلطة
قاضي التحقيق في عملية التفتيش, وذلك بهدف حماية حرمة المنازل والأماكن المراد تفتيشها , تكريسا للمبدأ المكرس في دستور 96 بالمادة 40 فقرة 1 و2 و 3 منه ومن بين أهم هذه القيود :
1- فإذا حصل التفتيش في منزل المتهم أو مسكن شخص يشتبه انه يجوز أشياء لها علاقة بالجريمة, فعلى قاضي التحقيق طبقا للمادة 82 من قانون الإجراءات الجزائية، القيام بعملية التفتيش بحضور المتهم أو صاحب المسكن وإن تعذر حضوره أو من ينوبه, أو كان هاربا, تعيين على قاضي التحقيق إحضار شاهدين لا يمتان بصلة للمتهم ويجري التفتيش بحضورهما .
2- يجب أن يتم التفتيش في الأوقات المحددة قانونا بعد الساعة الخامسة صباحا وقبل الساعة الثامنة مساءا, إلا انه يجوز لقاضي التحقيق مخالفة هذه الأوقات في جرائم الدعارة المنصوص والمعاقب عليها في المواد 342 إلى 348 من قانون العقوبات، في أماكن معينة وهي الفنادق والمنازل المفروشة والفنادق العائلية ومحلات بيع المشروبات, والنوادي و المراقص. و أماكن المشاهدة العامة وملحقاتها, كما أضاف الأمر رقم 95 – 10 المؤرخ في 25-02-1995 المعدل والمتهم لقانون الإجراءات الجزائية استثناء أخر وهو جواز تفتيش المساكن في كل ساعات الليل والنهار, عندما يتعلق الأمر بالجرائم الموصوفة أعمالا إرهابية أو تخريبية والمعاقب عليها بنصوص المواد 87 مكرر إلى 87 مكرر 8 من قانون العقوبات .
3- على قاضي التحقيق أن يأخذ مقدما جميع التدابير اللازمة لضمان احترام السر المهني مثال : إذا أجري التفتيش في مكتب محام فلا بد أن يتم في حضور نقيب المحامين .
ويصدر قاضي التحقيق في مرحلة سير التحقيق أوامر متعددة أهمها و أخطرها وقعا على الحريات الفردية , الأوامر المتعلقة بالرقابة القضائية ,والحبس المؤقت ,هذه الأخيرة و التي فيها مساس بالحرية الشخصية للأفراد, و لا تتفق مع قرينة البراءة, ويعد الحبس المؤقت أخطر إجراء مقيد للحرية قبل المحاكمة وهو إجراء استثنائي لا يلجأ قاضي التحقيق إليه, إلا في حالة عدم توفر الضمانات الكافية لمثول المتهم أمام العدالة و الهدف منه هو الحيلولة دون إفلات المتهم من العقاب ,و المحافظة على الأدلة و عدم عبث المتهم بالأدلة القائمة ضده وطمس أثارها, ومنع تأثيره على الشهود والتواطؤ مع شركائه في الجريمة ,بالإضافة إلى منع المتهم من ارتكاب جرائم جديدة ,وحمايته أحيانا من غضب الجمهور والضحية .
و الوضع في الحبس المؤقت له شروطه وضوابطه, فلا يجوز وضع متهم في الحبس إلا بتوافر ثلاثة شروط مجتمعة, تستشف من أحكام المادتين 118و 123 من قانون الإجراءات الجزائية وهي:
1- شرط استجواب المتهم .
2- و أن تكون الجريمة المنسوبة للمتهم جناية, أو من الجنح المعاقب عليها بالحبس أيا كانت مدته ومن ثمة الحبس المؤقت غير جائز في الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط .
3- أن تكون التزامات الرقابة القضائية غير كافية في الحالات الأربع التي أشارت إليها المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية وهي :
أ- إذا لم يكن للمتهم موطن مستقر أو لم يقدم الضمانات الكافية للمثول أمام العدالة أو كانت الأفعال جد خطيرة .
ب- عند ما يكون الحبس المؤقت هو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الحجج و الأدلة المادية, أو وسيلة لمنع الضغوط على الشهود أو الضحايا ,أو التفادي تواطؤ المتهمين والشركاء, والذي قد يؤدي إلى عرقلة الكشف عن الحقيقة .
ج - عندما يكون الحبس ضروريا لحماية المتهم أو لوضع حد للجريمة أو الوقاية من حدوثها من جديد.
د- عندما يخالف المتهم من تلقاء نفسه الواجبات المترتبة على إجراءات الرقابة القضائية المحددة له .
ومدة الحبس المؤقت محددة قانونا بحيث لا يحدث الأمر بالوضع في الحبس المؤقت أثره لمدة معينة, ولهذا الغرض كان ومازال تفادي طول مدة الحبس المؤقت من أولويات حكومات الدول التي يعمل بهذا النظام بما فيها الجزائر, و الأصل أن مدة الحبس المؤقت لا تتجاوز أربعة أشهر ,و بصفة استثنائية يمكن أن تكون هذه المدة أقل أو أكثر من أربعة أشهر, وذلك بحسب طبيعة الجريمة و نوعها .
و الأصل أن تنتهي مدة الحبس المؤقت بانتهاء التحقيق غير أن المشرع الجزائري أو رد استثناءين على الأصل العام, و هما حالة الإفراج عن المتهم قبل انتهاء التحقيق, وحالة استمرار الحبس المؤقت إلى ما بعد الانتهاء من التحقيق ,حيث يبقي المتهم المحبوس مؤقتا في الحبس إلى غاية مثوله أمام جهة الحكم بالنسبة للمتهم بجنحة على أن لا تتجاوز مدة الحبس المؤقت شهرا من تاريخ صدور الأمر بإحالة المتهم أمام المحكمة, و إلى غاية صدور قرار غرفة الاتهام بالنسبة للمتهم بجناية .
- في بعض الحالات تقود مقتضيات التحقيق القاضي المحقق إلى الأمر بوضع شخص رهن الحبس المؤقت لمدة معينة من الوقت, ليكتشف فيما بعد أنه أخطأ في التقدير, وغني عن البيان أن الحبس المؤقت يسلب
المتهم حريته التي لا ثمن لها ويؤذي سمعته وأسرته , وغيرها من الأضرار المحتملة لا سيما عندما تقضي المحكمة ببراءته, لهذا حذا المشرع الجزائري حذو المشرع الفرنسي عندما أقر التعويض عن الحبس المؤقت إثر تعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون 30/06/2001 وبذلك يكون قد جسد المبدأ الذي كرسه الدستور في الفقرة الأولى من المادة 49 بإقراره التعويض عن الخطأ القضائي وجعله على عاتق الدولة بنصه: " يترتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة " .
- لقاضي التحقيق أيضا دور في تبليغ كل الأوامر الصادرة عنه أثناء إجراءات التحقيق, وإلى غاية انتهائه منه للتهم أو لمحاميه، حتى يتمكن من مباشرة حقه في الاستئناف أمام غرفة الاتهام خلال 3 أيام من تاريخ التبليغ .
- ويلزم قاضي التحقيق بكتمان سرية مجريات التحقيق طبقا للمادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، لأن في السرية ضمان حقوق المتهمين,و ذلك بصيانة كرامتهم وحفظ سمعتهم, لأن الرأي العام غالبا لا يفرق بين المتهم الذي لا يزال طور التحقيق, والشخص المدان أو المحكوم عليه . وعلى قاض التحقيق أيضا الإسراع في التحقيق وذلك للحيلولة من بقاء المتهم طويلا في قفص الاتهام إن كان بريئا, وعند اختتامه لأعمال التحقيق فيجب عليه الاستناد دائما إلى قاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم .
المطلـب الثـاني:أثنـاء مرحلة المحـاكمة
عند نهاية التحقيق وثبوت أدلة كافية لإدانة المتهم, يصدر قاضي التحقيق أمر بإحالة المتهم على المحكمة المختصة ( جنح، مخالفات ) أو يأمر بإرسال مستندات القضية إلى النائب العام في حالة الجنايات، وهنا تأتي مرحلة المحاكمة هذه الأخيرة التي أحاطها المشرع الجزائري بضمانات كثيرة تكفل تحقيق العدالة وضمان عدم إدانة البريء, و عدم إفلات المجرم من العقاب،ويتعين على القاضي احترامها صيانة لقرينة البراءة وتتمثل هذه الضمانات في :
- أولا : الضمانات المتعلقة بالقاضي :
يلزم القاضي بالاستماع إلى أقوال المتهم, ويمنحه فرصة تحضير دفاعه لأن حق الدفاع وجوبي في مادة الجنايات ,كون العقوبات الموقعة قد تصل في بعض الأحيان إلى السجن المؤبد والإعدام ,كما يقع على عاتق القاضي وأثناء إدارته لجلسة المحاكمة الالتزام بواجب التحفظ والحياد واتقاء جميع السلوكات التي تشكك في حياده واستقلاليته مع المحافظة على سرية المداولات .
ودرءا للشبهات وضمانا لحياد القضاء نص المشرع الجزائري على حالات معينة أوجب فيها القانون
على القاضي التنحي عن الحكم في الدعوى أو النظر فيها وهي :
1- إذا كانت الجريمة موضوع الدعوى وقعت على القاضي شخصيا .
2- إذا قام في الدعوى بعمل من أعمال الشرطة القضائية أو بالدفاع عن أحد الخصوم في الدعوى
3- إذا سبق له وان كان شاهدا في الدعوى .
4- إذا سبق له و أن قام بعمل من أعمال الخبرة في الدعوى .
5- إذا سبق له و أن قام بإجراء تحقيق في الدعوى .
6- لا يجوز للقاضي أن يشترك في هيئة الاستئناف أو الطعن أو إذا كان قد سبق له أن حكم في الدعوى المستأنفة أو المطعون فيها .
و يترتب على وجود حالة من الحالات السابق ذكرها, أن يصبح القاضي غير صالح للحكم في الدعوى و عليه يجب على القاضي في مثل هذه الحالات, التنحي فورا عن القضية حتى ولو لم يكن هناك طلب من الخصوم برده, وصلاحية القاضي للحكم من القواعد المتعلقة بالنظام العام, والتي يترتب على مخالفتها يطلان جميع الإجراءات التي قامت بها المحكمة .وقد أجاز المشرع أيضا للمتهم, ولكل خصم في الدعوى طلب رد القضاة متى توافرت حالات المادة 554 من قانون الإجراءات الجزائية وهي :
1- إذا كانت ثمة قرابة أو نسب بين القاضي أو زوجه وبين أحد الخصوم في الدعوى أو الدعوى أو زوجة أو أقاربه .
2- إذا كان للقاضي مصلحة في النزاع أو لزوجة أو الأشخاص الذين يكون وصيا أو, ناظرا أو قيما عليهم .
3- إذا كان القاضي أو زوجة في حالة تبعية لأحد الخصوم .
4- إذا كان القاضي قد نظرا القضية كقاضي تحقيق أو كان محكما أو محاميا فيها .
إن تعدد تشكليه القضاة المكونين لهيئة الحكم, تعد أهم ضمانة لإصدار أحكام تكون عادلة و منصفة ترضي الرأي العام في المجتمع، ووجود قضاة محلفين في تشكليه حكم محكمة الجنايات يعتبر أيضا ضمانة في غاية الأهمية بالنسبة لحقوق المتهم والضحية على حد سواء, إذ تلعب القناعة في هذا الإطار دورا كبيرا في حالة الإدانة أو البراءة .
-ثـانيا :الضمانات المتعلقة بالقواعد العامة للمحاكمة .
تحكم إجراءات المحاكمة الجزائية قواعد جوهرية يجب على القاضي مراعاتها, أثناء سير الجلسات و المداولات إلى حين صدور الحكم، وهي تشكل ضمانة حقيقة لاحترام حقوق الإنسان في الجانب العملي، حيث يلزم بعقد الجلسات علينا ما لم يكن في علانيتها خطر على النظام العام،وقد أكدت المحكمة العليا ذلك في قرارها الصادر بتاريخ 30/05/2000 ملف رقم 242108 حيث نقضت القرار وأبطلت حكم محكمة الجنايات لمجلس قضاء بسكرة المؤرخ في 24 /03/ 1999 ,على أساس أن رئيس المحكمة لم يصدر حكما مسببا بعقد الجلسة السرية المعلن عنها في الجلسة العلنية
كما يلزم القاضي أثناء التحقيق بالجلسة, بشفوية المرافقات حيث يسمع الخصوم و الشهود ,و يمكنهم
من مناقشة الأدلة، وعلى القاضي التقيد بالوقائع والأشخاص المحالين عليه, ولا يخرج عن قرار الإحالة وذلك تكرسا مبدأ المحاكمة العادلة، فيقوم بالتحقيق النهائي بنفسه حتى يتمكن من تكوين اقتناعه الشخصي . وتوجب المادة 340 من قانون الإجراءات الجزائية تدوين كل ما يدور في الجلسة في محضر يسمي محضر الجلسة حتى يمكن الرجوع إليه عند المنازعة أو الإشكال, أو السهو الذي يقع في نسخة الحكم
ويلعب قاضي الأحداث دورا كبيرا في حماية حقوق الأحداث الذين هم في خطر معنوي. إذ يخول له المشرع الجزائري إخضاعهم لإجراءات قانونية متميزة وخاصة أن التحقيق بالنسبة إليهم إجباري، وتعين محام للدفاع عنهم يكون إجباري، وذلك تحت طائلة البطلان،و هذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا وأكدته
في قرارها الصادر عن الغرفة الجنائية الثانية تحت رقم 22176 بتاريخ 05 ماي 1981 واتخاذ تدابير وقائية وتهذيبية لصالح المتهم الحدث, ولا يلجأ للعقوبات الردعية إلا إذا تطلب ذلك ظروف شخصية تتعلق
بالمجرم الحدث،وتتميز مرافعات الأحداث بالسرية طبقا للمادة 463 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك لتعلقها بالنظام العام .
ويمكن لقاضي الأحداث أيضا مراجعة التدابير التي اتخذها لصالح الحدث متى استدعت الضرورة ذلك وله أن يفصله عن البالغين في المؤسسة العقابية ,وذلك مراعاة لمركزه القانوني وسنة .
وللقاضي الجزائي أيضا دور في إصدار الأحكام التي تقضي بالإدانة متى ثبت لديه وتوافرت أدلة الإقناع كما له سلطة تقديرية للنطق بالعقوبة بين الحد الأدنى والحد الأقصى المقرر في قانون العقوبات, ومن الأمثلة عن ذلك، فللقاضي دور في إلزام الأب بالإنفاق على أسرته و في حالة امتناعه عن الإنفاق للقاضي إدانته عن ذلك والحكم عليه بالعقوبة المقررة في المادة 331 من قانون العقوبات متى توافرت شروطها وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 16/11/1999،ملف رقم 228139 إذ جاء في أحد حيثياته " ... متى تبين في قضية الحال أن الطاعن حكم عليه يدفع النفقة لابنتيه إلا أنه رغم إلزامه بالدفع ,امتنع عن ذلك لمدة تتجاوز الشهرين, و لما تمت إدانته بجنحة الإهمال العائلي والحكم عليه بالحبس والغرامة فأن القرار المطعون فيه قد طبق القانون تطبيقا سليما " .
و كما يجوز للقاضي أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة ,متى توافرت مقتضيات المادة 592 قانون الإجراءات الجزائية ,إذا تبين له من ملف الدعوى أن المتهم غير مسبوق قضائيا ,وعدم خطورة الفعل الإجرامي والمجرم
كما يمكن للقاضي إفادة المحكوم عليه بظروف التخفيف طبقا لنص المادة 53 من قانون الإجراءات الجزائية وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادرة بتاريخ 17/11/2000 ملف رقم 242384 .
إذ جاء في حيثياته " ... إن القضاء بإفادة المتهم بتخفيض العقوبة من سنتين حبس نافذة إلى سنة واحدة لأنه غير متعود الإجرام يعد تطبيقا صحيحا للقانون .
يلعب قاضي تطبيق العقوبات دورا فعالا في مرحلة ما بعد المحاكمة ,حيث يتولي تنفيذ الأحكام الجزائية التي قضت بسلب حرية المحكوم عليه , فيسهر على مراقبة وتشخيص مدى خطورة المحكوم عليه، فإذا رأى إمكانية لاستقامة المجرم, يمكن له أن يفيده بالإفراج المؤقت أو وضعه في بيئة مفتوحة، وذلك لتسهيل إدماجه في المجتمع مرة أخرى, ومنحه مكافئات , وذلك بمضاعفة الزيارات له من طرف أهله وأصدقائه، كما لقاضي تطبيق العقوبات دور في تزويد المحكوم عليهم ببرامج التعليم, و التسلية والمشاركة في النشاطات الثقافية بهدف إصلاحهم وإعادة تأهيلهم اجتماعيا, تحقيقا للهدف الذي يتوخاه المشرع من وراء العقوبة والذي هو إصلاح و تأهيل أكثر مما هو ردعي .
المبحث الثـاني : الحمـاية القضـائية أمـام القـاضي المدني والقاضي الإداري
يحكم النظام القضائي الجزائري عدة مبادئ, من شأنها تضمن لكل فرد حق اللجوء للقضاء لحماية و احترام حقوقه المخولة له بموجب الدستور والقوانين الداخلية, وحتى المواثيق الدولية وهذه المبادئ هي : مجانية القضاء، المساواة أمام القضاء، التقاضي على درجتين .
ولقد كرس دستور 96 نظام ازدواجية القضاء في الجزائر .قضاء عادي يهتم بحماية حقوق الأفراد من الاعتداءات الواقعة عليها من طرف الآخرين، وقضاء إداري يختص بحماية حقوق الأفراد والحريات الأساسية من الاعتداءات الواقعة عليها من قبل الإدارة المتمتعة بامتيازات السلطة العامة، وكلا القضائيين مستقلين عن بعضهما البعض، ولذلك ستناول بالدراسة في هذا المبحث دور كل من القاضي المدني والقاضي الإداري في حماية واحترام حقوق الإنسان .
المطلب الأول : أمــام القـاضي المـدني .
يسعى القاضي المدني دائما إلى حماية حقوق الأفراد من الاعتداءات التي تقع عليها من طرف الأفراد الآخرين, وتختلف الحماية باختلاف الحق موضوع الحماية والمرفوع بشأنه الدعوى القضائية,و للقاضي دور في حماية حق الملكية - باعتباره حق دستوري مكرس بموجب المادة 52- من الاعتداءات الواقعة عليه بعد أن يثبت طالب الحماية حقه في الملكية بالطرق المحدد قانونا، فإذا كانت الملكية المطالب حمايتها ملكية عقارية, فالمشرع حدد السندات التي تصلح أن تكون وسيلة لإثباتها ,وهي السندات العرفية المحررة قبل تاريخ 01/01/1971 والمشهر بالمحافظة العقارية, أما السندات العرفية المحررة بعد هذا التاريخ فلا يعتد بها لإثبات الملكية العقارية،لان المادة 12 من الأمر رقم 70/71 المتضمن مهنة التوثيق ألزمت إخضاع جميع المعاملات العقارية للكتابة الرسمية تحت طائلة البطلان .
و السندات الإدارية التي تحررها الإدارة العمومية بمناسبة التصرف في ملكيتها العقارية لفائدة الغير تصلح هي أيضا لإثبات الملكية العقارية ,غير انه وحتى تكون العقود الإدارية حجة في الإثبات أو لنقل الملكية العقارية لا بد من شهرها في المحافظة العقارية ,وهذا ما قضي به قرار المحكمة العليا المؤرخ في 27/01/1999 ,الصادر عن الغرفة العقارية إذا جاد في حيثياته " ولكن حيث انه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي و إلى القرار المطعون فيه الذي تتبناه ... لم يعتبروا بطاقة التصريح بالإقامة في إطار عمليات الثورة الزراعية كسند ملكية خاصة و أن مثل هذه الورقة لا ترقي إلى هذا ألمصاف ....
كما تعد السندات القضائية المشهرة هي الأخرى سندات رسمية تحل محل عقود الملكية العقارية مثل : أحكام تثبيت الشفعة – أحكام تثبيت صحة العقد العرقي – غير أنه ليس كل الأحكام الصادرة عن الجهات القضائية تعد سندات إثبات الملكية العقارية
كما للقاضي المدني دور في حماية الحيازة، باعتبارها واقعة مادية فمتى تأكدا القاضي من توافر الشروط القانونية للحيازة والمتمثلة في الحيازة الهادئة و المستمرة ,غير المتقطعة, و العلنية ,و المدة القانونية ,فيمنع كل تعرض لهذه الحيازة حماية لمبدأ الظاهر الثابت، كما للقاضي الأمر بوقف الأشغال التي تعيق سلطات الحائز والأمر باسترداد الحيازة إذا تم سلبها بالقوة عن طريق الغصب، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في القرار الصادر عن الغرفة المدنية بتاريخ 24/06/1998 الملف رقم 181645 إذ جاء في إحدى حيثياته
" ... من المقرر قانونا أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه،فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت اكتشاف ذلك..." وكذا القرار الصادر بتاريخ 23/01/2002 ملف رقم 223939 .
وللقاضي المدني أيضا دور فعال في تطبيق المعاهدات الدولية المتضمنة حقوق الإنسان, المصادق عليها من طرف الدولة الجزائرية, ومن تطبيقات ذلك " تطبيقه للمادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 بدل المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية وذلك تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدة المصدق عليها ,على التشريع الوطني وبالتالي يحكم بعدم جوازيه سجن أي إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية .
وقد صادقت الجزائر على العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89/167 وعليه أصبح القاضي الوطني ملزم بتطبيق المادة 11 من العهد و استبعاد المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية هذه الأخيرة و التي نصت على أنه " يجوز في المواد التجارية وقروض النقود أن تنفذ الأوامر و الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقتضي به و التي تتضمن الحكم بدفع مبلغ أصلي يزيد عن خمسمائة دينار بطريق الإكراه البدني, وهذا ما أكده الأمر الإستعجالي الصادر عن محكمة بئر مراد رايس تحت رقم 763 الصادر بتاريخ 11/04/2001 و الذي رفض القاضي من خلاله تطبيق الإكراه البدني في الالتزامات التعاقدية استنادا للمادة 11 من العهد ,ونتيجة لما سبق بيانه، فأن القاضي الوطني لا يتوانى عن بذل المجهودات لتطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و التي انضمت إليها الجزائر .
وللقاضي المدني دور في توقيع الحجوز التحفظية على أموال المدين, إذا طلب ذلك الدائن تطبيقا لنص المادة 347 من قانون الإجراءات المدنية، فإذا لم يقم المدين بالوفاء بديونه المستحقة في تاريخ استحقاقها يعذره الدائن ويمنحه مدة للوفاء، فإذا امتنع عن الوفاء يمكن للدائن اللجوء للقضاء لطلب توقيع حجز تحفظي على أموال مدينه وبصدور أمر الحجز التحفظي توضع أموال المدين تحت يد القضاء, ويعد الحجز التحفظي إجراء تحفظي يهدف إلى منع المدين من تهريب أمواله و الإنقاص من الضمان العام،إضرار بدائنة وتبقى هذه الحماية مؤقتة لحين قيام المدين بالوفاء بديونه الحالة ,وفي حالة الامتناع للدائن أن يطلب من القاضي الاستمرار في الإجراءات وتحويل الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي .
ويظهر دور القاضي في حماية الحقوق أكثر وضوحا, عند فصله في قضايا شؤون الأسرة ففي حالة الزواج العرفي فهو الذي يقوم بتثبيت هذا الزواج, بعدما يتأكد من توافر أركانه وشروطه المقررة قانونا وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 22/09/1998 ملف رقم 204254 فجاء في حيثيته
" يثبت الزواج العرفي بعد موت أحد الأزواج , بشهادة الشهود ويمين وهذا طبقا لقول خليل في باب أحكام الشهادة " لا نكاح بعد الموت " ومن ثم فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتوجيه اليمين للمطعون ضدها حول واقعة الزواج العرفي من الهالك إضافة إلى سماع الشهادة الشهود فقد طبقوا صحيح القانون"
ويسهر أيضا على حماية مصلحة المحضون إذ جاء في قرار المحكمة العليا بتاريخ 16/02/1999 ملف رقم 215212 على أن" من المستقر عليه قانونا أن نفقة المحضون وسكناه من ماله إن كان له مال, وإلا فعلى والده أن يهيئ له سكنا، وإن تعذر فعليه أجرته، ومن المستفاد من القرار المطعون فيه أنه اعتبر مسكن الزوجية المتكون من طابقين سفلي وعلوي, عبارة عن مسكنين ,وخصص بالتالي الجزء السفلي لممارسة الحضانة وهو قضاء لا يتماشي والمنطق . فالشيء المجزأ يعتبر شيئا واحدا، فكان ينبغي عندئذ على قضاة الموضوع أن يقضوا بأجرة المسكن بدلا من تخصيص الجزء السفلي من المسكن, ليكون قضاءهم متما شيا مع أحكام المادة 72 من قانون الأسرة، على أساس أن المطلقة صارت بعد الطلاق أجنبية عن المطلق يستحيل أن يتعاشرا في مسكن واحد مما يستوجب نقض القرار" .
- و للقاضي دور في منح التطليق للزوجة المتضررة من الزواج, متى أثبتت الضرر طبقا لنص المادة 54 من قانون الأسرة . وهذا ما جاء به قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 18/07/2007 ملف رقم 269594 "...... حيث أن المطعون ضدها لو لم تتضرر من معاشرة الطاعن, لما هجرت منزل الزوجية ورفضت الرجوع له .... رغم إنجاب 3أولاد ...حيث أن الزواج هو رابطة تتم وتعقد بين الرجل والمرأة ومن
أهداف هذه الرابطة تكوين أساسها المودة ,و الرحمة, و التعاون, و إذا وقع مس بهذه الرابطة فيصعب بعدها مواصلة الحياة الزوجية ...." .
وللقاضي دور أساسي في إلحاق النسب ومنع اختلاط الأنساب،فيلحق نسب الولد لأبيه متى تبين له توافر الشروط المقررة قانونا في قانون الأسرة ,وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 30/03/1993 ملف رقم 90468 إذ جاء في أحد حيثياته "... من المقرر قانونا أنه يثبت النسب بالزواج الصحيح وينسب الولد لأبية متى كان الزواج شرعيا وأمكن الاتصال ... ومتى تبين في قضية الحال أن العارض لم يثبت غيابه الدائم عن البيت الزوجي, وتمسك بأن البنت ولدت في مدة لا تقل عن 6 أشهر من عودته إلى التراب الوطني , كما أنه لم ينف النسب بالطرق المشروعة قانونا فإن قضاة الموضوع بقضائهم بقاعدة الولد للفراش مادامت العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين طبقوا صحيح القانون"
و باعتبار الجنسية حق قانوني فان القاضي هو الذي يمنح هذا الحق متى توافرت شروطه المنصوص عنها قانونا في الشخص طالب الجنسية،وعليه فالقاضي هو الذي يلعب دور في تأكيد وجود هذا الحق من عدم وجوده .
ويظهر دور القاضي الاجتماعي في حماية حق الفرد في العمل, باعتباره حق من الحقوق الأساسية المنصوص عنها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وكذا تشريع العمل، هذا الأخير الذي يؤكد على ضرورة ضمان حياة لائقة للفرد له ولأسرته، وبما أن العامل هو الطرف الضعيف في علاقة العمل أحاطه المشرع بنوع من الحماية فمثلا: في حالة إضراب العمال عن العمل فيمنع على المستخدمين
تعيين عمال آخرين عن طريق التوظيف أو الاستخلاف، أو تسليط عقوبة على العمال المضربين، طالما أن إضرابهم شرعي وقانوني .
كما يختص القاضي الاجتماعي بتسوية النزاعات الفردية في العمل بسبب تنفيذ أو قطع علاقة العمل وعقد التكوين أوالتمهين ,فيصدر فيها أحكام تقضي بإلزام رب العمل بدفع الرواتب والتعويضات باعتبارها حقا ثابتا للعامل, كما يضمن للعامل في حالة تسريحه تعسفيا تعويضا ماليا لا يقل عن 6 أضعاف الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله لمدة 6 أشهر, دون الإخلال بالتعويضات المحتملة،كما يمكن له أن يأمر رب العمل بإعادة إدراج العامل لمنصب عمله مع منحه الحقوق المكتسبة وفقا لما تقتضيه المادة 73 في فقرتها 4 من قانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل المعدل والمتمم بالأمر رقم 26/21 المؤرخ في 9 جويلية 1996،وهذا ما أكدته المحكمة العليا في القرارين الصادرين، الأول بتاريخ 16 مارس 2005 والثاني بتاريخ 7 سبتمبر 2005 عن الغرفة الاجتماعية القسم الأول .
حيث جاء في قرار الصادر بتاريخ16 مارس2006 ملف رقم 923844 .
" إن القاضي أول درجة وقف على الصواب على إنهاء علاقة العمل للمطعون ضدها دون احترام المادة 73 و ما يليها من قانون 90/11.يعد بمثابة تسريح تعسفي مؤسس قانونا طبق للمادة 73 فقرة 2 من القانون وطلب تعويض المطعون ضدها مؤسس كذلك على المادة73/ فقرة 4 من القانون "
وجاء القرار الصادر بتاريخ 7 سبتمبر 2005 ملف رقم 311179 بنفس الحكم بنصه " حيث يبين بالفعل من الحكم المطعون فيه انه أسس قضاءه في منح التعويض عن التسريح التعسفي للمطعون ضده على
المادة 124 من القانون المدني، في حين أن النص الخاص يقيد العام و أن التعويض في هذه الحالة يكون على أساس المادة 73/04 من الأمر 96/21 وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون" .
كما للقاضي الاجتماعي دور في منح العامل وأسرته امتيازات الخدمات الاجتماعية حيث قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 24/10/1995 ملف رقم 129009 " من المقرر قانونا أن يستفيد من المعاش المنقول ذوي حقوق العامل المتوفى ويعد من ذوي الحقوق الزوج, ثم الأولاد, و الأصول المكفولين...."
كما للقاضي دور في حماية حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة, من الاعتداءات التي تقع عليها كالتقليد المتعمد للعلامات التجارية المسجلة ,و انتحال حقوق المؤلف، ففي حالة ما إذا لحق بالمؤلف أو صاحب الحقوق المجاورة ضرر ناتج عن الاستغلال غير المرخص به للمصنف الفكري أو للأداء الفني, فالقاضي يمنحه تعويضا عن الضرر اللاحق به،سواء كان الضرر مادي أو معنوي وذلك إعمالا لقواعد القانون المدني المتعلقة بالمسؤولية ، كما له دور في اتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة لوقف الاعتداءات وذلك حماية للحقوق. ومن أمثلة هذه الحماية وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 13/07/1990 ملف رقم 190797 و الذي جاء فيه " حيث الثابت في قضية الحال أن القضاة لما قضوا بإبطال العلاقة التجارية .... مؤسسيين قضاءهم على أن المطعون ضده كان سباقا في إيداع العلامة ... إن السبق في الإيداع لايكفي وحده لإبطال العلامة التجارية بل يجب القيام بمناقشة ذلك الاسم المراد حمايته إن قضاة المجلس لما اغفلوا ذلك فإنهم أساءوا تطبيق القانون.....".
المطلب الثاني :أمـــام القاضي الإداري .
إن تمتع الأفراد بحقوقهم في مواجهة الإدارة، يتطلب ضمانات عديدة، لأن الإدارة عندما تقوم بمباشرة أعمالها فإنها تتمتع بامتيازات السلطة العامة، هذه الأخيرة التي تشكل تهديدا خطيرا لحقوق وحريات الأفراد، ولهذا اوجد المشرع الجزائري, مبادئ دستورية تعتبر بمثابة الرقابة الوقاية على الإدارة،إلا أن الرقابة الأكثر فاعلية على الإدارة حماية لحقوق الأفراد, هي الرقابة القضائية،وذلك من خلال الدور الأساسي الذي يلعبه القاضي الإداري بوصفه حامي الحريات العامة، في حماية حقوق الأفراد في مواجهة الإدارة وهذا ما سيأتي تفصيله :
نصت المادة 134 من الدستور" أن القضاء ينظر في الطعن في قرارات السلطة الإدارية،وهذا لضمان سيادة القانون ومبدأ المشروعية وحماية واحترام حقوق الإنسان والمواطن بصورة مضمونة, وجدية ,وفاعلية في الواقع تتحقق أكثر في ظل القضاء الإداري المستقل،لأنه يقوم على تجسيد مبدأ التخصص و تقسيم العمل وتحريك العمل وتحريك الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الإدارية التي تكون أمام مجلس الدولة و المحاكم الإدارية" .
وعليه يبرز دور القاضي من خلال مراقبة مدى مشروعية أعمال الإدارة،إذ يقصد بالمشروعية الإدارية خضوع الأعمال والتصرفات الصادرة عن السلطة التنفيذية للنظام القانوني السائد, واحترام هذا المبدأ من طرف الإدارة من شأنه تحقيق حماية حقوق الأفراد، وكل خروج للإدارة عن مبدأ المشروعية عن طريق إصدارها لقرارات غير مشروعة تمس بمراكز الأفراد, تكون محل إبطال من طرف القاضي الإداري بناء على طلب الأفراد, مع التقرير بمسؤولية للإدارة عن الأضرار الناتجة عنها و التي تسببت فيها،و عليه يلزمها بالمقابل بالتعويض عن الضرر ويسمى هذا في القانون الإداري " بدعوى القضاء الكامل" .
- استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات لا يجوز للقاضي الإداري وقف تنفيذ القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارة كأصل عام، فوقف التنفيذ هو إجراء استثنائي لا يتم اللجوء إليه إلا بشروط ضيقة ذلك بسبب خاصية التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية ,وبسبب خاصية الأثر غير الواقف لطرق الطعن في المواد الإدارية, والقضاء الجزائري كرس تطبيقات وقف التنفيذ وجعلها من اختصاص القاضي الإداري الإستعجالي . وهو مصيب في ذلك .
و القاعدة العامة تقتضي أن رفع الدعوى لا يوقف تنفيذ القرار الإداري و الاستثناء هو جواز وقف التنفيذ إذا قرر القاضي ذلك بناء على طلب المدعي ,ويقرر القاضي الإداري وقف تنفيذ القرار الإداري متى كان هذا الخير يشكل تعديا على حقوق وحرياتهم الأفراد ,وحرياتهم, أو استيلاء على ممتلكاتهم طبقا للمادة 171 مكرر 3 من قانون الإجراءات المدنية، وأن يكون مولدا لأضرار يصعب إصلاحها عندما يتم تنفيذ هذا القرار, وأن يقدم المدعي دفوع جدية ومؤسسة في الموضوع، وأن تكون دعوى الإلغاء منشورة أمام قضاء الموضوع،و أن لا يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه متعلقا بالنظام العام .
ويتم التحقيق في الدعوى حسب إجراءات القضاء الإستعجالي, وعلى وجه السرعة ,والحكم الذي يصدره القاضي والذي يقضي بوقف التنفيذ يكون قابلا للاستئناف أمام مجلس الدولة في نفس ميعاد استئناف الأوامر الإستعجالية (15 يوم ) , ولقد اقتدى المشرع الجزائري في ذلك برأي مجلس الدولة الفرنسي الذي أخذ بنظام وقف تنفيذ القرارات الإدارية المطعون فيها بالإلغاء، وذلك منذ السنوات الأولى لإنشائه وبذلك يحقق نظام وقف التنفيذ حماية مؤكدة لمصالح الأفراد المتخاصمين مع الإدارة, قبل وقوع الضرر وبعد وقوعه
ويجبر الأضرار اللاحقة بهم في حالة حالة إسراع الإدارة بتنفيذ القرار الإداري ومن الأحكام التي أصدرها مجلس الدولة الفرنسي في القرن 19 ,حكم Bussiere الصادر بتاريخ 1872 .
وعليه للقاضي الإداري دورهم في وقف تعدي الإدارة المتسم بالا مشروعية إما عن طريق قرار أو عقد أو سلوك مادي يمس بالحقوق الفردية ,كالمساس بحرمة المنازل، المساس بالملكية الخاصة للأفراد و الحقوق الأساسية كالحق في التعبير، الحق في الديانة،الحق في حرية التنقل ....... الخ .
ومن الأمثلة على ذلك أعتبر مجلس الدولة الفرنسي رفض الإدارة لتسليم جوازات السفر تعديا وصرح بإلغاء القرار لعدم مشروعيته .
والقرار الصادر عن الفرقة الإدارية بالمحكمة العليا بتاريخ 09/07/1991 في قضية الحاج بن علي ضد والي ولاية الجزائر، جاء في إحدى حيثياته " حيث أنه بقيام الوالي بإخراج السيدة الحاج بن علي من مسكنها، فإنه استعمل سلطة لا تدخل في اختصاص الإدارة وطالما الاعتداء يتعلق بالحريات و الحقوق الأساسية للأفراد، فللقاضي سلطات واسعة لتوجيه أوامر للإدارة لوقف التعدي ..." .
و قرار أخر صادر عن الغرفة الرابعة لمجلس الدولة بتاريخ 28/02/2002 في قضية والي ولاية الجزائر ضد بوجليدة عبد الله ومن معه قضى بوقف تنفيذ المقرر الصادر عن الوالي بتاريخ 20/08/1996 وهذا المقرر أسقط حقوق المستأنف عليهم، باعتبارهم مستفيدين من قطعة أرضية قابلة للاستغلال ألفلاحي،وأقاموا بتحريف هذا النشاط وخصصوا جزء من الأرض للسكن ,ورغم أن هذه الحالة لا تشكل
تعدي أو استيلاء، إلا أن المقرر الإداري أضر بالأفراد لذلك يتم إيقاف تنفيذ القرار كإجراء وقتي لحين الفصل في دعوى الموضوع .
ومن خلال هذا القرار نلاحظ أن الاجتهاد القضائي خالف نص المادة 171 مكرر من القانون الإجراءات المدنية ,لأن القاضي سعى من خلال قضائه بوقف تنفيذ القرار مؤقتا، لإحداث التوازن بين ضرورة تطبيق القانون و التي هي تنفيذ القرار الإداري وضرورة تحقيق العدل بإيقاف الضرر ولو بصفة مؤقتة .
وبالرجوع لمجلس الدولة الفرنسي نجده استحدث نظام استعجالي, جديد ضمن القضاء الإداري بموجب القانون الصادر في 30 جوان 2000 والذي دخل حيز التنفيذ في 1 جانفي 2001 يقضي بسرعة الفصل في النزاعات . وتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة في آجال قصيرة, بهدف ضمان فعالية أكثر لحماية حقوق الإنسان، حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 3 مارس 2003 ملف رقم 254625 قضية- Consorts portman - أن تحويل مريض متواجد بالمستشفى من قسم للأخر, لا يعتبر اعتداء غير مشروع من قبل الإدارة على حقه في الحياة, طالما بررت ذلك بسوء حالته الصحيحة التي تستدعي نقله.
وهناك حالات تقوم فيها الإدارة بنزع الملكية للمنفعة العامة، وهي في ذلك تخضع لرقابة القاضي الإداري الذي يسهر على مراقبة مدى احترام الإدارة للشروط المنصوص عليها بالقانون رقم 91/11 المؤرخ في 27 أفريل 1991 هذا الأخير الذي يعد ضمانة أساسية للأفراد، وقيد على الإدارة حتى لا تتعسف في استعمال حقها لأن حق الملكية حق دستوى مقدس ,لا يجوز المساس به طبقا لنص المادة 52 من الدستور . ويبرز دورا لقاضي في هذه الحالة بنظر الطعون ( الدعاوى ) التي يرفعها الأفراد في القرارات التي تصدرها الإدارة والمتعلقة بنزع الملكية للمنفعة العامة, لعدم مشروعية هذه القرارات فيقوم القاضي الإداري بتفحص
مدى توفر أو عدم توفر الشروط المقررة قانونا لنزع الملكية للمنفعة العامة ,ومدى تقيد الإدارة بها عند إصدارها لقرارات نزع الملكية، فإذا تبين له عدم تقيد الإدارة بالقانون المتضمن نزع الملكية للمنفعة العامة حكم بإبطال إجراءات نزع الملكية مع الحكم بالتعويض في حالة حصول الضرر. مثال : قرار مجلس الدولة الصادرة بتاريخ 06/11/2001 ملف رقم 199301 الذي ألزم مصالح الدولة المستفيدة من إجراء نزع الملكية يدفع التعويضات المستحقة للمستأنف عليهم .
في الأخير يمكن القول بأن الدستور 1996 له الفضل الكبير و الأثر البالغ في تطوير القضاء الإداري في الجزائر لأنه أخذ بنظام ازدواجية القضاء, و أحدث جهات قضائية إدارية مستقلة, تخص بالفصل في المنازعات الإدارية فقط، وبالتالي تسهيل مهمة القاضي الإداري بهدف توفيرا الحماية القانونية للأفراد من التصرفات غير المشروعية للإدارة،وذلك من خلال منحه استقلالية أكثر لضمان أكبر من الحقوق والحريات واعتبار القاضي الإداري هو حامي الحقوق والحريات .