لا يخفى على كثيرٍ منَّا اشتدادُ الموجةِ التشكيكيةِ على الإسلام. فنسمعُ كلَّ يومٍ طعنًا في الأحاديثِ النبويةِ، وإلحادًا في آياتِ الله البينةِ، بحجةِ أنَّها تخالفُ العقلَ.
فما هو العقلُ؟ وهل يمكنُ أنْ يعارضَ النقلَ؟
اعلمْ -رحمك الله- أنَّ العقلَ يطلقُ ويرادُ به معنيان.
الأوَّلُ: العلومُ الضَّروريَّةُ والبديهياتُ العقليةُ، كامتناعِ وجودِ دائرةٍ مربعةٍ، أو كقولنا الواحدُ نصفُ الاثنينِ، أو الجزءُ أصغرُ من الكلِّ...إلخ. فهذه حقائقُ مطلقةٌ؛ غيرُ مقيدةٍ بمكانٍ ولا زمانٍ ولا أشخاص. والنَّقل بهذا الاعتبارِ لا يمكنُ أنْ يعارضها بحالٍ. ونحن ندعو هؤلاء المشكِّكينَ متفرِّقينَ ومجتمعينَ بأنْ يجدوا لنا حرفًا واحدًا في كتابِ الله تعالى أو سنَّةِ نبيِّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الصَّحيحةِ تخالفُ العقلَ بهذا المعنى. ولنْ يستطيعوا.
أما المعنى الآخر: فهو العلومُ النظريَّةُ المكتسبةُ بالحسِّ والتَّجربةِ. فالعقلُ بهذا الاعتبارِ ظنِّيٌّ ونسبيٌّ لا تقوم به حجَّةٌ، ولا يصلحُ أنْ نعارضَ به النقلَ الصحيحَ. ألم ترَ أنَّ كثيرًا من النَّظريَّاتِ التي كانت تقدَّمُ في السَّابق على أنَّها حقائقُ علميَّةٌ، تبيَّنَ اليومَ بطلانُها وحلتْ مكانَها نظريَّاتٌ أخرى. وأنَّ كثيرًا ممَّا كان يبدو في الماضي مستحيلًا صار ممكنًا، متاحًا؟ كالسَّفرِ إلى أقصى البلادِ في وقتٍ قصيرٍ، والتَّواصلِ الآني عبرَ الهاتفِ والأنترنت... فالعقلُ بهذا المعنى لا يصلحُ أنْ يكونَ حاكمًا على النَّقلِ عندَ التَّعارضِ، لأنَّه ظنِّيٌّ يحتملُ الخطأَ، ونسبيٌّ يختلفُ من شخصٍ لآخرَ، أو من زمنٍ لآخرَ، أو من مكانٍ لآخرَ... فلا يضرُّ النَّقلَ إذا خالفه حينئذٍ.
والحمد لله ربِّ العالمين.