اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيتوني محرز
العقــــــــــدَةُ
ينفتح الباب أمامه ، يتصبب العرق من جبينه ، تصدر الآهات من قلبه حمما ملتهبة ، يحاول فك رباط العنق الذي يعصر أنفاسه عصرا ، يجر قدميه جرا ، يتهالك على أقرب كرسي ، يسرع إليه الجميع و كل الثلة المنتظرة :/ واشي سهل ربي ../ ثم سرعان ما يردف آخر عندما يرى وجومه و شروده :/ هذا ما كنا خايفين منه ، عرسان العام هذا الكل – تربطوا - .. / .
تقبر الزغاريد في الحنجرة ، تكبر مساحة الحزن ، يتكهرب الجو ، تضيع الابتسامات وراء حزن ظاهر ، تقطب العجائز الوجوه فتزداد التجاعيد وضوحا ،، تتجمهر النسوة حول العروسة التي غرقت في بكاء لا ينتهي ،، تنظر من خلال العبرات المتساقطة على الثياب البيض التي لفوها بها ، تمنت لو مزقتها شر تمزيق أو داستها على الأرض ../آه ،، أين أنت أيتها السعادة ،، و أين شهر العسل و هذه بداية المأساة ؟! /.
-/ لا تحزن يا ولدي ،، اصبر ،كل شيء يفوت ../ ينظر إلى والده ، تمنى لو سأله سؤالا وحيدا :/ هل حدث لك مثلما حدث لي عند زواجك ؟!/ ، يلجم الحياء لسانه ، بقيت نظراته ثابتة ، لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء ،/ ماذا يقولون عني ؟!، ما هوش راجل.../ وطبعا مقياس الرجولة عندهم هو انقضاء هذه المهمة في أسرع ما يمكن و كأننا في سباقات السرعة ../ تمنى لو كان في مقدوره أن يصرخ في هذا الجمع المحيط به:/ تفرقوا ،، روحوا لدياركم ../ لكن خوفه من كبر الفضيحة يوقفه عند حده.
يجمع قواه المبعثرة ، يصر على إعادة المغامرة ثم ليكن ما يكون ، ينهض بكل ثقله ، يدفع قدميه دفعا ، يدخل الغرفة المبعثرة ثانية ، يغلق الباب دونه ، هاهي شريكة حياته كما تركها في ثيابها البيضاء تقاوم موجة الدموع التي أغرقتها ،، ماذا يقول لها ؟! هل يذكرها بذكريات الصبا و آلاف الآمال التي نسجاها معا أم يزرع في فؤادها المضطرب الصبر و الشجاعة ؟! ، ما السبيل إلى ذلك و قلبه يرتعد فرقا و عضلة الحجاب الحاجز تضغط على غشاء القلب فتعصره؟ يتقدم منها ، يمسك يدها ،يحس ببرودة الثلج ، يسري في بدنه تيارا باردا يجمد أعصابه و يتركه جثة بلا روح ، يمسح دموعها، يجلس بجانبها ، يحاول أن يقوي من عزيمتها ، أصوات الدفوف تمزق نياط القلب ،تتعالى الزغاريد ، صراخ يصم الأذان، صفير الصغار بمزاميرهم يذكره بيوم النشور و البعث ، يزداد الخوف و ينتشر الرعب ، يحس و كأنه قادم على مغامرة نهايتها الموت ،،يعربد الموج بقوة ، يصطدم بالصخور الشاطئية الباردة فيعود القهقرى ، يعاود الكرة ، و يعاود و لكن دون جدوى ،،يجمع كيانه الممزق ، يدير قفل الباب ، تتوقف أصوات الدفوف و المزامير و الحناجر ، تنظر إليه النسوة ، يلتف حوله الصغار ،أصوات عديدة تقرع مسامعه : ( واشي ربي سهل ...) بماذا يجيب ؟! تمنى لو صرخ في وجوههم : / ربي دائما يسهل أنتم مصيبتي ../ ، تموت الكلمات في الحنجرة ، يندفع بسرعة خارجا ، يعترضه والده و رفاقه : / واشي ربي سهل ../ هل يكذب عليهم ؟! تضيع العبارات فيسقط على البلاط يلتمس برودته حتى تطفئ نار قلبه المشتعلة .
-/ يا حسرة ،، ربطوه زي أصاحبه ../
-/ إذا تربط الرجل لازم يروح – للطالب – يحل له العقدة ../
تتبادر إلى مسامعه الكلمات خافتة كالهدوء الذي يسبق العاصفة ،، هل قدر عليه أن يعيش إلا مع (الطالب ) و العقد ؟!!.
علموه منذ الصغر إن الأبالسة و بنات الجن تسكن أفئدة البشر فعلقوا على صدره و طرزوا في ثيابه الحروز و تركوه يواجه الحياة ، ينهش من كبريائه الجريح و يمتص من دمه المتدفق ،، يغمض عينة ثانية ، صوت الدف يمزق صمت المكان ، ضجيج رقص، غناء أشبه بالبكاء: ( يا أولاد الصالحين..) مقطع واحد بقي مستقرا في ذاكرته المبعثرة ، " الطالب " بجبته البيضاء في حوار لا ينتهي مع من يسميهم الجن ،، العرق يتصبب من جبينه ،،الفوضى،، الدفء ،، الغناء ،، البكاء ،،و يختلط كل شيء ، لم يعد يبصر إلا – الطالب – بشعره المتدلي على الكتفين و لم يعد يسمع إلا أصوات آدمية تتخاطب فيما بينها ../ يا شهبار يا ولد بنت الأخيار أخرج و إلا كويتك بالنار ،،/ يزداد الضجيج ، ثم فجأة ينتهي كل شيء ، صمت رهيب عرف بعده أن ما يدعى – الجن – قد خرج من جسده لكنه عليه أن لا يتخلى على الحرز و إلا عاد قرينه ليستقر في أعماق قلبه .
-/ شوف يا ولدي ،، إذا لم تقدر هذه المرة لازم تشوف أنت و امرأتك – الطالب ../ أعادته كلمات والده للواقع ،، هل يرجع ثانية – للطالب – و قد حمد الله على أن الماضي لم يعد إلا ذكرى ؟ ينظر إلى والده بعين نصف مغمضة ، هل يصارحه بالسبب الذي جعله عاجزا إلى هذا الوقت ؟! هل يقول له :/ إنه أنتم و هذا الضجيج الذي يزيد المرء خوفا ورهبا ../ .
يعتدل في جلسته ، يمسح العرق المنسكب، يجمع كل قواه ، يمط شفتيه ، يخرج سيجارة ، يشعلها ، يأخذ نفسا كبيرا ، ينفث ، يحوقل في سره ، ينظر إلى والده ، يجمع الكلمات المبعثرة في ذاكرته ثم .....
-/ لن أدخل هذه المرة إلى الغرفة حتى يتفرق كل هذا الجمع و تغادر النسوة الغرفة المجاورة ../ ، ينظر إليه والده ، يبدو على وجهه تصميم على تنفيذ ما أقتنع به، قرر والده أن يدعه يجرب حظه للمرة الأخيرة قبل أن يحمله – للطالب - ،، يحس بالسكينة تعود إلى كيانه المهزوز ، يدوس بقية السيجارة بعقب الحذاء ، يندفع صوت الغرفة ، يدفع الباب و يدخل .....
هامش: لم يمض إلا وقتا يسيرا على دخوله الغرفة حتى خرج مبتسما مع صوت طلقة نارية .
|
بدءاا، كانت القصة شبه غامضة ...
إلى ان اتضحت بكلمة*ربطوه زي اصحابه*
حقيقة،خفت من مجرد ذكرك لها ...
فكيف بعقول الناس فينا تنحدر للتفكير فيها من مجرد امر قد حال الخجل اوالقلق و الضغط دونه ...
بل كانوا هم سبب تأخر الهامش ...
جذبني اسلوب الطرح و السرد ...
اكتفي بهذا الرد البسيط ..
امام شخصك الادبي الراقي ...
فتقبلي مروري المتاخر ...