مصطلح الحديث - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مصطلح الحديث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-06-20, 15:11   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة مصطلح الحديث

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




تقدم موضوع

الحديث وعلومه


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2148923

مصطلح الحديث



وبعد أيها القارئ الكريم

فهذه جملة من القواعد التي ذكرها
أهل العلم نسوقها إليك

عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 15:18   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

ما هو أول كتاب ألف في تراجم رواة الكتب الستة ؟

وما اسم مؤلفه ؟


الجواب :

الحمد لله

أول من علمناه ألف في تراجم رجال الكتب الستة هو حافظ الشام أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر ، صاحب "تاريخ دمشق" ، والمتوفى سنة : 571 من الهجرة ، في كتابه : "المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل" .

إلا أنه اقتصر فيه على شيوخ أصحاب الستة ، دون الرواة الآخرين .

وأورد التراجم على سبيل الاختصار فذكر اسم المترجم ونسبته، ثم من روى عنه من أصحاب الكتب الستة، ثم توثيقه، وأتبع ذلك بتاريخ وفاته إن وقع له.

ثم جاء الحافظ الكبير أَبُو مُحَمَّد عبد الغني بْن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي الحنبلي المتوفى سنة 600 من الهجرة ، فألف كتابه : "الكمال في أسماء الرجال" ، وتناول فيه جميع رجال الكتب الستة من الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى شيوخ أصحاب الكتب الستة، إلا أنه لم يستوعب على التمام رواة الستة ، فحصل في كتابه بعض النقص والإخلال .

ثم جاء الحافظ الكبير يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج المزي المتوفى سنة 742 من الهجرة ، فألف كتابه الشهير " تهذيب الكمال في أسماء الرجال " ، فاستدرك ما فات "الكمال" ، وزاد عليه ، حتى صار كتابه ثلاثة أضعاف الكمال" تقريبا .

وقد اعتنى أهل العلم بهذا الكتاب اعتناء تاما ، وصنفوا عليه المصنفات الكثيرة ، منها "تذهيب التهذيب" للحافظ الذهبي ، و"التذكرة في رجال العشرة" لأبي المحاسن الحسيني ، و"التكميل في الجرح والتعديل" للحافظ ابن كثير ، و"بغية الأريب في اختصار التهذيب" لابن بردس البعلبكي، و"إكمال تهذيب الكمال" لابن الملقن.

ثم جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ، فألف كتابه الشهير "تهذيب التهذيب" فاختصر "تهذيب الكمال" واستدرك عليه ، وزاد ، ثم اختصره إلى "تقريب التهذيب" واقتصر فيه على اسم المترجم مختصرا ودرجة توثيقه وطبقته.

وينظر: مقدمة "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (1/37 -70) د. بشار عواد معروف


والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 15:23   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فوارق مهمة بين مجموعة من كتب التراجم

السؤال:

ما الفرق بين الكتب التالية ، وأيها يغني عن الآخر ؟ - تهذيب الكمال للمزي . - تهذيب التهذيب لابن حجر ، تقريب التهذيب لابن حجر . - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي ، ميزان الاعتدال للذهبي . - لسان الميزان لابن حجر ، سير أعلام النبلاء للذهبي ، الكامل في الضعفاء لابن عدي .

الجواب :

الحمد لله

طالب العلم لا يستغني عن أي كتاب ، حتى لو كان مختصرا لكتاب آخر ، أو مستلا منه ، فغالبا ما سيجد فيه إضافة علمية مهمة يحتاجها في بحثه ودرسه ، فقد كان من هدي العلماء الأوائل الحرص على تقديم الجديد في مؤلفاتهم وكتبهم ، كي لا تذهب أوقاتهم هدرا في تكرار علم اشتملت عليه الكتب الأخرى ، وخاصة كتب الحديث .

فكتب التراجم وعلم الرجال إذن - كلها بمجموعها - تشكل موسوعة تاريخية لا نظير لها في الدنيا ، ولا يستغني عنها طالب العلم الباحث المدقق .

وبيان ذلك أن كلا من " تهذيب الكمال "، و " تهذيب التهذيب "، و " تقريب التهذيب "، و " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة "، هي مختصرات وإضافات ترجع إلى أصل واحد ، هو كتاب " الكمال في معرفة أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي (ت600هـ) ، إلا أن كل كتاب من هذه تميز بأمور لا تجدها في غيره .

فـ " تهذيب الكمال " أضاف إلى " الكمال " مئات التراجم التي فاتته ، كما قال مؤلفه نفسه الإمام المزي رحمه الله :
" تتبعت الأسماء التي حصل منه إغفالها ، فإذا هي أسماء كثيرة ، تزيد على مئاتٍ عديدة من أسماء الرجال والنساء . ثم وقفت على عدة مصنفات لهؤلاء الأئمة الستة غير هذه الكتب الستة ، فإذا هي تشتمل على أسماء كثيرة ليس لها ذكر في الكتب الستة ، ولا في شيء منها ، فتتبعتها تتبعاً تامّاً ، وأضفتها إلى ما قبلها ، فكان مجموع ذلك زيادة على ألف وسبعمائة اسم من الرجال والنساء "

انتهى من " تهذيب الكمال " (1/148) .

و" تهذيب التهذيب " مثلا اختصر من أسماء الشيوخ والتلاميذ لكل راو ما يضطرك إلى الأصل المطبوع في " تهذيب الكمال " في كثير من الأحيان ، ولكنه أضاف على المزي كثيرا من أقوال المجرحين أو المعدلين التي فاتته

كما قال ابن حجر رحمه الله :

" اقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه - إذا كان مكثراً - على الأشهر والأحفظ والمعروف ...ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته ، ولا أحذف من رجال " التهذيب " أحداً ، بل ربما زدت فيهم من هو على شرطه "

انتهى من " تهذيب التهذيب " (1/4) .

وأما كتاب " تقريب التهذيب " فهو مختصر جدا ، لا ينفع الباحث في التعرف المفصل على الراوي وبيان حاله ، ولكنه تميز بذكر خلاصة الحكم على الراوي ، في رأي المؤلف ، الأمر الذي لا تجده في الكتب السابقة

كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" يتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة ، وهي : أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه ، وأعدل ما وصف به بألخص عبارة ، وأخلص إشارة ، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً "

انتهى من " مقدمة تقريب التهذيب ".

وكذلك حال كتاب " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة " للإمام الذهبي ، فهو مختصر جدا ، لا يفيد الباحث في معرفة الشيوخ والتلاميذ وأقوال النقاد والسماع والاتصال والانقطاع ونحو ذلك ، وحذف منه تراجم الرواة في غير الكتب الستة تحديدا ، ولكن فيه إضافة نافعة ، وهي أيضا ذكر خلاصة حكم الإمام الذهبي على الراوي بكلمات معدودة .
قال الذهبي في مقدمته :

" اقتصرت فيه على ذكر من له رواية في الكتب الستة دون باقي تلك التواليف التي في " التهذيب "، ودون من ذُكِرَ للتمييز أو كُرِّر للتنبيه "

وهكذا كل كتاب مما سبق فيه بعض الميزات التي لا توجد في غيره ، وفيه نواقص نسبية ، بمعنى أن هذه النواقص قد لا تكون مهمة لبعض الباحثين ، وقد تكون ضرورية لآخرين ، بحسب الباحث ونوع البحث الذي يجريه . لكن في المجمل العام ، طالب العلم الجاد لا يستغني عن شيء منها .

أما الكتب الأخرى ، فكتاب " ميزان الاعتدال " للحافظ الذهبي جمع فيه كل من ضعفه أحد النقاد من الرواة ، سواء من رواة الكتب الستة أو غيرهم ، وسواء كان التضعيف بحق أم بغير حق ، ولم يستثن سوى الصحابة وأئمة المذاهب المتبوعة .

يقول رحمه الله :

" احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين الوضاعين المتعمدين قاتلهم الله ، وعلى الكاذبين في أنهم سمعوا ولم يكونوا سمعوا ، ثم على المتهمين بالوضع أو بالتزوير ، ثم على الكذابين في لهجتهم لا في الحديث النبوي ، ثم على المتروكين الهلكى الذين كثر خطؤهم وترك حديثهم ولم يعتمد على روايتهم ، ثم على الحفاظ الذين في دينهم رقة ، وفي عدالتهم وهن ، ثم على المحدثين الضعفاء من قبل حفظهم

فلهم غلط وأوهام ، ولم يترك حديثهم ، بل يقبل ما رووه في الشواهد والاعتبار بهم لا في الأصول والحلال والحرام ، ثم على المحدثين الصادقين أو الشيوخ المستورين الذين فيهم لين ، ولم يبلغوا رتبة الأثبات المتقنين ، ثم على خلق كثير من المجهولين ممن ينص أبو حاتم الرازي على أنه مجهول

أو يقول غيره : لا يعرف ، أو فيه جهالة ، أو يجهل ، أو نحو ذلك من العبارات التي تدل على عدم شهرة الشيخ بالصدق ، إذ المجهول غير محتج به ، ثم على الثقات الأثبات الذين فيهم بدعة ، أو الثقات الذين تكلم فيهم من لا يلتفت إلى كلامه في ذلك الثقة ، لكونه تعنت فيه ، وخالف الجمهور من أولي النقد والتحرير ، فإنا لا ندعى العصمة من السهو والخطأ في الاجتهاد في غير الأنبياء " .

انتهى من " ميزان الاعتدال " (1/3).

ثم جاء الحافظ ابن حجر واختصر من " ميزان الاعتدال " كل التراجم الموجودة في " تهذيب التهذيب "، وأضاف عليه من وصف بالضعف وفات الذهبي ذكره ، وسمى كتابه " لسان الميزان "، فمن اقتنى " تهذيب التهذيب " و " لسان الميزان " أغناه إن شاء الله عن " ميزان الاعتدال ".

يقول ابن حجر رحمه الله :

" من أجمع ما وقفت عليه في ذلك كتاب " الميزان " الذي ألفه الحافظ أبو عبد الله الذهبي ، رأيت أن أحذف منه أسماء من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم ، فلما ظهر لي ذلك استخرت الله تعالى ، وكتبت منه ما ليس في تهذيب الكمال...وقد جمعت أسماءهم - أعني من ذكر منهم في الميزان

- وسردتها في فصل آخر الكتاب ، ثم إني زدت في الكتاب جملة كثيرة... وما زدته في أثناء ترجمة ختمت كلامه بقول انتهى وما بعدها فهو كلامي ، وسميته لسان الميزان "

انتهى من " لسان الميزان " (1/192) .

وأما كتاب " الكامل في ضعفاء الرجال " لابن عدي ، فيغني عنه ما سبق من الكتب ، فقد استوعب ما فيه كل من ابن حجر والذهبي رحمهما الله ، ومع ذلك فمن أراد التدقيق لم يكتف بالكتب التي تنقل عنه ، بل يرجع إلى المصدر مباشرة ، كي يقف على الترجمة المطولة ، ويدقق في دقة النقل عنه أصلا

فكثيرا ما تقع الأوهام في نقل آراء ابن عدي ، وكثيرا ما تتضح في تراجم ابن عدي أحوال الرواة بشكل أفضل ، لما تميز به من جمع مناكير الراوي وما أخذ عليه في ترجمته . وهذا المنهج لا بد أن يستفاد منه في أي عمل موسوعي قادم .

يبقى أخيرا الحديث حول كتاب " سير أعلام النبلاء " للإمام الذهبي ، فهو من الموسوعات المهمة للباحث ، لما فيه من جمع عريض ، وتراجم شاملة ، ليست لرواة الحديث فحسب ، بل لكل من عرفه الذهبي من المشاهير عنده ، من الأمراء والعلماء والمصنفين وغيرهم من كل من كان له ذكر في التاريخ الإسلامي ، بل فيه تراجم لغير المسلمين أيضا . فهو كتاب مهم ، ومرجع أساس للباحث في التراث .

يقول الدكتور بشار عواد معروف :

" استعمل الذهبي لفظ " الأعلام " ليدل على المشهورين جدا بعرفه هو ، لا بعرف غيره ، ذلك أن مفهوم " العَلَم " يختلف عند مؤلف وآخر استنادا إلى عمق ثقافته ، ونظرته إلى البراعة في علم من العلوم ، أو فن من الفنون ، أو عمل من الأعمال ، أو أي شيء آخر . لذلك وجدنا أن سعة ثقافة الذهبي ، وعظيم اطلاعه

وكثرة معاناته ودربته بهذا الفن ، قد أدت إلى توسيع هذا المفهوم ، بحيث صرنا نجد تراجم في " السير " مما لا نجده في كتب تناولت المشهورين ، مثل " المنتظم " لابن الجوزي ، و " الكامل " لابن الأثير ، و " البداية " لابن كثير ، و " عقد الجمان " لبدر الدين العيني ، وغيرها .

لم يقتصر الذهبي في " السير " على نوع معين من " الأعلام "، بل تنوعت تراجمه فشملت كثيرا من فئات الناس ، من الخلفاء ، والملوك ، والأمراء والسلاطين ، والوزراء ، والنقباء ، والقضاة ، والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء ، والأدباء ، واللغويين ، والنحاة ، والشعراء ، وأرباب الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة ، ومجموعة من المعنيين بالعلوم الصرفة " .
انتهى من " سير أعلام النبلاء " (طبعة الرسالة، المقدمة/ 110) .

نرجو أن نكون قد بينا في هذه العجالة تعريفا موجزا بهذه الكتب ، والفوارق بينها ، وما تميز كل منها عن الآخر .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 15:29   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

ما الفرق بين الفقهاء والمحدثين في الحديث الصحيح ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

الحديث الصحيح عند المحدثين؛ هو الحديث الذي ورد:

" بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ "

انتهى، من "نزهة النظر" (ص 52).

وقد بسط الشافعي رحمه الله تعالى شروط الصحة، فقال:

" ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا:

منها: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلا لما يحدِّث به، عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، أو أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث على المعنى، وهو غير عالم بما يحيل به معناه: لم يدر لعله يحيل الحلال إلى الحرام . وإذا أداه بحروفه، فلم يبق وجه يُخاف فيه إحالته الحديث .

حافظا إن حدث به من حفظه، حافظا لكتابه، إن حدث من كتابه.

إذا شرك أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم .

بريا من أن يكون مدلسا: يحدث عن من لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي.

ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه، حتى ينتهى بالحديث موصولا إلى النبي أو إلى من انتهي به إليه دونه، لأن كل واحد منهم مثبت لمن حدثه، ومثبت على من حدث عنه، فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت "

انتهى. "الرسالة" (ص 370 - 372).

فيشترط لصحة الحديث خمسة شروط:

الشرط الأول: اتصال السند: وهو أن يكون كل راو في السند قد أخذ الحديث عن الراوي قبله (شيخه) مباشرة، إلى أن يصل السند إلى نهايته. فلهذا وجود انقطاع في سلسلة السند يضعفه ويخرجه عن حدّ الصحة.

الشرط الثاني: أن يكون كل راو في السند قد تحققت عدالته، بأن يكون مسلما موثوقا بدينه وتقواه.

الشرط الثالث: أن يكون كل راو في السند قد تحقق ضبطه، وهو إن كان يحدث من حفظه فيكون ممن ثبت أنه متقن لما يحفظ، وإن كان يحدث من كتابه فيكون ممن عرف بمحافظته على ما كتبه عن شيوخه، فلا تلحقه زيادة ولا نقصان.

الشرط الرابع: أن يكون الحديث سالما من الشذوذ: فلا يخالف فيه راويه الجماعة، ومن هو أرجح منه في الحفظ.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

" ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث "

انتهى. من "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص 119).

الشرط الخامس: أن يكون الحديث سالما من العلة، والعلة هي شيء خفي يؤثر في صحة الحديث، مع أنه في الظاهر سليم منها.

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

" فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها "

انتهى. "مقدمة ابن الصلاح" (ص 187).

فهي إذًا: سبب خفي لا يدرك إلا بالبحث والتفتيش بعد جمع أسانيد الحديث وطرقه.

قال الخطيب رحمه الله تعالى:

" والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط "

انتهى. "الجامع" (2 / 295).

ثانيا:

الفقهاء يوافقون المحدثين على أن الحديث بهذه الشروط الخمسة هو صحيح، ولهذا نص بعض أهل العلم أن الحديث الذي توفرت فيه هذه الشروط الخمسة، هو مجمع على صحته.

قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

" فالصحيح المجمع عليه:

ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين، من غير شذوذ ولا علة " انتهى. "المقنع" (1 / 42).

والفقهاء رأوا أيضا أن الحديث يصح بدون شرطي نفي الشذوذ والعلة، واكتفوا بالشروط الثلاثة الباقية ( اتصال السند، وعدالة الرواة، وضبطهم ).

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر من الفقه.

فمن لم يقبل المرسل منهم: زاد في ذلك أن يكون مسندا " انتهى، من "الاقتراح" (ص 215 - 216).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" الحديث الصحيح:

هو ما دار على: عدل متقن واتصل سنده. فإن كان مرسلا ففي الاحتجاج به اختلاف. وزاد أهل الحديث: سلامته من الشذوذ والعلة. وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء، فإن كثيرا من العلل يأبونها " انتهى. "الموقظة" (ص 24).

وسبب ذلك أن نظر الفقهاء منصب على معنى نص الحديث؛ حيث يجب ألا يكون بينه وبين الشرع مناقضة.

قال الحازمي رحمه االله تعالى في رسالته "شروط الأئمة الخمسة":

" ينبغي أن يعلم أن جهات الـضعف متباينـة متعددة، وأهل العلم مختلفون في أسبابه، أما الفقهاء فأسباب الضعف عنـدهم محـصورة، وجلّها منوط بمراعاة ظاهر الشرع، وعند أئمة النقل أسباب أخر مرعية عندهم، وهي عند الفقهاء غير معتبرة "

انتهى. من "ثلاث رسائل في علوم الحديث" (ص 173).

فإذا سلم نص الحديث من هذه المناقضة، فهو مما يمكن أن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكتفون بصحة ظاهر الإسناد لإثباته، وقيام سبب خفي يشكك في وهم الراوي الذي ثبت أنه ثقة، لا يلتفت إليه عندهم.

وأما أهل الحديث، فعند الشك في رواية الثقة، فإن نظرهم منصب في هذه الحالة على غلبة الظن، وليس مجرد الإمكان، فلا ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما غلب على ظنهم أن راويه لم يهم ولم يخطئ في روايته.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال، فيعتمد. ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح "

انتهى. "فتح الباري" (1 / 585).









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 15:39   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وينظر للفائدة ، والتوسع في المسألة :

قال العلاَّمة أبو بكر الجصَّاص -رحمه الله- في كلامه عن حديث "لا نكاح إلا بشاهدين":

(وهذه الأخبار كلها عند أهل الحديث ضعيفةٌ

بعضها من جهة الرجال، وبعضها من جهة الإرسال

والصحيح عندهم منها: ما يروى عن الحسن مرسَلاً عن النبي

فيصححونه عن الحسن وهو مرسل عن النبي ؛ فلا يقبلونه لأجل الإرسال

وليس طريقة الفقهاء في قبول الأخبار طريقةَ أصحاب الحديث

ولا نعلم أحداً من الفقهاء رجع إليهم في قبول الأخبار وردِّها، ولا اعتبرَ أصولهم!)

[شرح مختصر الطحاوي (4/244)].

قال القاضي أبو يعلى -رحمه الله-
-تعليقاً على رواية مُهَنّا: سألت أحمد رحمه الله: عن حديث مَعْمَر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة، قال: ليس بصحيح، والعمل عليه، كان عبد الرزاق يقول: عن مَعْمر عن الزهري مرسل-:

(معنى قول أحمد: "ضعيف": على طريقة أصحاب الحديث؛

لأنهم يضعفون بما لا يوجب تضعيفه عند الفقهاء، كالإرسال والتدليس والتفرد بزيادة في حديث لم يروها الجماعة،
وهذا موجود في كتبهم: تفرد به فلان وحده،
فقوله: "هو ضعيف"، على هذا الوجه
وقوله: "والعمل عليه" معناه: على طريقة الفقهاء). انتهى

[العدة في أصول الفقه (3/ 941)]

وعلَّق تلميذه ابن عقيل -رحمه الله- على رواية مهنّا السالفةِ بنحوه [

(الواضح في أصول الفقه) 5/21-22].

وقال القاضي -أيضاً- في [(إبطال التأويلات) 1/140] -

تعليقاً على كلام الإمام أحمد في حكمه على حديثٍ بالاضطراب-

قال: (فظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه ، ولكن ليس هذا الكلام مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء)

قال العلاَّمةُ ابن دقيقٍ العيد -رحمه الله- -في كلامه على حدِّ الحديث الصحيح-
:
(اللفظ الأول ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على عدالة الراوي العدالة المشترطة في قبول الشهادة على ما قرر في الفقه، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسنداً.

وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذاً ولا معللاً، وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول الفقهاء.

وبمقتضى ذلك حد الحديث الصحيح بأنه: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللاً ولو قيل في هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا إلى آخره لكان حسناً لأن من لا يشترط مثل هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف ومن شرط الحد: أن يكون جامعاً مانعاً)

انتهى من كتابه الاقتراح.

قال الحافظُ ابن رجب رحمه الله "في شرح العلل" في كلامه على الحديث المرسل:

(واعلم أنه لا تنافي بين كلام الحفاظ

وكلام الفقهاء في هذا الباب؛

فإن الحفاظ إنما يريدون صحة الحديث المعين إذا كان مرسلاً، وهو ليس بصحيح على طريقهم؛ لانقطاعه وعدم اتصال إسناده إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وأما الفقهاء فمرادهم صحة ذلك المعنى الذي دل عليه الحديث.

فإذا اعضد ذلك المرسل قرائن تدل على أن له أصلاً قوي الظن بصحة ما دل عليه، فاحتج به مع ما احتف به من القرائن).

والنقول أكثر ممِّا ذكرتُ، ولكنَّ المقصود: مدارسة الإخوان ..

بالنظر في النقول الواردة في التفريق بين طريقة الفقهاء وبين طريقة المحدثين، وهي كثيرة، تركتُ نقل الكثير منها

1- يتبيّن أنَّ بعضهم يطلقها يريد أن الفقهاء يتخففون في الحكم على الحديث،
بخلاف المحدثين فلهم شروط صارمةٌ

وهم يريدون بهذا معنىً قريباً مما يريده المُقسِّمون لطريقة المتقدمين والمتأخرين

فتجدهم يقولون -مثلاً-: لا يعتبر الفقهاء السلامةَ من العلة والشذوذ شرطاً للحديث الصحيح
أو: أن الفقهاء على أن زيادة الثقة مقبولة أبداً

ونحو هذا ..

والتفريق بين الطريقتين بهذا الاعتبار يكثر في كلام المتأخرين، كما في كلام ابن دقيق العيد -السالف- وكلام الزركشي في عدد من كتبه وغيرهم ..

2- بينما يطلقها البعضُ يريدون به أنَّ باب الاحتجاج عند الفقهاء أوسع من باب التصحيح -في الصناعة الحديثية- عند المحدِّثين .. وأنَّ المُحدّث قد يحكم على حديثٍ بالضعف ثم يحتجُّ به ..

وهذا المعنى ظاهرٌ في كلام ابن رجب السالف، وجاء ما يدل على هذا من كلام ابن تيميَّة في مواضع ..

وهذا المعنى يحسنُ تسليط الضوء عليه، ودراسته وبحثُه، سيما وقد وجد من يسلك طريقة المتقدمين في الحكم على الحديث؛ إلا أنه يتخلَّف عنهم في طريقتهم في باب الاحتجاج، فيجعل بين التضعيف والاحتجاج تلازماً، مما يورثُه توسعاً غيرَ مرضيٍ في بعض الأصول على حساب غيرِها، كاستصحاب البراءة الأصلية، وغيرها ..

وما يترتب على ذلك مِن مخالفة طريقة أهل العلم، والتفرُّد ببعض الأقول في بعض المسائل عنهم ..

والله اعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 16:35   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

النقد الحديثي بين الفقهاء والمحدِّثين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد إمام النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن نقدَ الحديث ليس وليد فترة معينة لفتت الأنظار، ونُشرت حولها كثير من الأخبار، خاصة في عصر بعض الأئمة الأعلام؛ كالإمام ابن الصلاح، حتى قيل: في عهد ابن الصلاح، استقرَّ الاصطلاح، وهي مقولة تداولتها الألسن، منذ عهد ابن الصلاح إلى يومنا هذا

وهي وإن كانت تعبِّر عن المصطلح عمومًا، فإنها في طياتها تحمل اتجاهًا علميًّا يجعل المتأخر يغضُّ الطرف عن كل المراحل التي سبقت ابن الصلاح بأكثر من مائتي سنة، علمًا أن مرحلة ابن الصلاح لا تعبر عن الصورة الحقيقية لهذا العلم، فكم سبق ذلك الإمام من أئمة عظام! رفَعوا لهذا العلم دعائمه، وشيدوا معالمه، وبينوا الثقات والضابطين

كما بينوا الضعفاء والمجاهيل، فضلًا عن الكَذبة والوضَّاعين، ثم انفصل هذا العلم عند المتأخرين عن باقي العلوم، وصار مَن يتكلم في الفقه بمعزلٍ عن علم الحديث، ومن يتكلم في الحديث بمعزل عن الفقه، وصار للفقهاء طريقتهم الخاصة، وللمحدِّثين طريقتهم الخاصة كذلك، وأمسى لكل من المحدِّثين والفقهاء معايير وضوابط معينة في قبول الأحاديث أو ردها، فاقتضى هذا الأمرُ بيانَ معالمِ كلٍّ من الطريقتين، وذلك عن طريق بيان معايير كل منهما.

وقد دفَع بي إلى اختيار هذا الموضوع أهميتُه البالغة؛ فمحاولة الكلام فيه من النعم السابغة، طالما أن كثيرًا ممن تسلقوا أشجار هذا العلم لم يستظلوا بظلاله الوارفة، تلك التي استظل بها السابقون الأولون في هذا العلم؛ إذ الذين تكلَّموا في هذا العلم ثلةٌ من الأولين، وثلة من الآخرين.


وقد قسمت هذا الموضوع إلى مقدمة، وثلاثة مباحث.

المبحث الأول: معايير قَبول الحديث وردِّه عند علماء الحديث، وضمنتُه: مطلبين؛ الأول: معايير التصحيح والتحسين عند علماء الحديث، والثاني: معايير التضعيف عند علماء الحديث.

وأما المبحث الثاني فهو: معايير نقد الحديث عند الفقهاء، وقسمته أيضًا إلى مطلبين؛ الأول: شروط الأحناف، والثاني: شروط الجمهور.

وأما المبحث الثالث فهو نماذجُ تطبيقيةٌ من نقد المحدِّثين والفقهاء، وقد قسمته إلى مطلبين؛ الأول: نماذج تطبيقية من نقد المحدِّثين، والثاني: نماذج تطبيقية من نقد الفقهاء.

ثم ختمتُ بخاتمة ضمنتها بعض الخلاصات والاستنتاجات.


المبحث الأول: معايير قبول الحديث ورده عند علماء الحديث:


تميزت طريقةُ المحدِّثين عمَّن سواهم من الفقهاء والأصوليين في نقدِهم للأحاديث، وكلامهم عليها قبولًا أو ردًّا؛ إذ هم العمدةُ في هذا المجال، وعليهم المعوَّل فيه؛ نظرًا لكون علم الحديث أصلَ العلوم، بل مِن مَعِينه انبثقت وانفجرت كل العلوم؛ ولذلك كان علماءُ الحديث أشدَّ دقة وضبطًا مِن غيرهم في الكلام على الأحاديث، وأما غيرهم فإنهم يرجعون إلى أهل الحديث، وإن لم يرجعوا فإنهم يأتون بالعجائبِ، وقديمًا قيل: مَن تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب؛ لذلك اخترتُ أن أبدأ بطريقتهم في عرض الشروط التي يشترطونها في قبول الحديث، والعمل به.

المطلب الأول: معايير التصحيح والتحسين عند علماء الحديث:


تميَّزت أمةُ الإسلام بالأسانيد؛ إذ هي المرقاةُ إلى المتون، لكنهم لم يقفوا عند الأسانيد فحسب، بل تجاوزوها إلى المتون فنقدوها، وأوضحوا عِللها، وبينوا أوهامَ الثقات؛ لأن الثقة قد يهِمُ فيُدخل حديثًا في حديث، وقد يركِّبُ إسنادَ متنٍ لمتن آخر، إلى غير ذلك من الأوهام التي بينها صيارفةُ الحديث، ولم يكونوا يركنون إلى فضلِ الراوي وتقواه، وزهده وصلاحه؛ فقد جاء في سؤالات الحاكم للدارقطني:

عبدُالملك بن محمد بن عبدالله بن مسلم، أبو قلابة: قيل لنا: إنه كان مجابَ الدعوة، صدوقٌ، كثيرُ الخطأ في الأسانيد والمتون، لا يُحتجُّ بما ينفرد به، بلغني عن شيخنا أبي القاسم بن منيع أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشَرة أجزاء، ما منها حديث سلِم منه، إما في الإسناد أو في المتن، كأنه يحدِّث من حفظه؛ فكثُرَتِ الأوهامُ منه

سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني 1/ 131.


وهنا سأذكر أهمَّ الشروط التي يقررها علماءُ الحديث في الحكم على الحديث بالصحة أو الحُسن.

شروط الصحيح:

اشترط المحدِّثون في اعتبار الحديث صحيحًا شروطًا خمسة، ومتى خالَف شرطًا منها عُدَّ مجانِبًا للصحة، وهذه الشروطُ يذكرها المتقدمون متناثرة هنا وهناك، لكنَّ المتأخِّرين منذ ابن الصلاح إلى يوم الناس هذا - يذكرونَها مجموعةً في مكان واحد بمعزلٍ عن الأحاديث، وهذه الشروط كالآتي:


1) اتصال السند:


يقول الإمام أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: (فأما الحديثُ المشهور المتصل الصحيحُ، فليس يقدِر أن يردَّه عليك أحد

رسالة أبي داود إلى أهل مكة 1/ 29.

وفي كلام الإمام أبي داود ما يدلُّ على اعتبار الاتصال شرطًا ضروريًّا في تصحيح الحديث، ولم يسِرْ أبو داود على طريقةِ ابن الصلاح ومَن نحا نحوه، في ذِكر هذا الشرط مستقلًّا عن غيره، بل بيَّن اشتراطه بقوله: فليس يقدِر أن يردَّه عليك أحد، وقد احترزوا باتصال السند عما فقده؛ كالانقطاع، والإعضال، والإرسال، يقول أبو عمرو بن الصلاح: (وفي هذه الأوصافِ: احترازٌ عن المرسَل، والمنقطِع، والمعضَل)

معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح1/ 11.

فالمرسَل فقد شرط الاتصال؛ لأنه: ما رفعه التابعيُّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحذف الصحابي، وبذلك فُقد الاتصال، والمنقطع فقَدَ شرط الاتصال؛ لأنه ما سقط منه راوٍ فأكثَرَ، لا على التوالي، وبذلك عُدَّ غيرَ متصل، والمعضَل: ما سقَط منه اثنانِ فأكثر على التوالي، وهو أيضًا غيرُ متصل، فكلها إذًا لا تدخلُ في دائرة الصحيح.


2) عدالة الرواة:


والمقصود بذلك أن يكون كلُّ راوٍ مِن الرواة عدلًا، والعدالة - كما عرفها الجعبري -: (هيئة قارَّةٌ، تحملُ على اجتنابِ الكبائرِ، ولزوم الصغائر، وخوارم المروءة

رسوم التحديث في علوم الحديث للجعبري 1/ 100.

فمتى اجتنب الراوي الكبائرَ، واتقى في الغالبِ الصغائرَ، واحترز عن خوارم المروءة، عُدَّ عدلًا، وقُبِل حديثُه، وقد ذكر العلماء هذا الشرط للاحتراز عن كل راوٍ لم يتَّسِم بالعدالة؛ كالفاسق، والمبتدع، وغيرهما.


3) ضبط الرواة:


والمقصود بذلك نوعانِ من الضبط، وهما: ضبطُ الصدر، وضبط الكتاب، فأما ضبطُ الصدر فهو أن يستطيع استحضارَ ما حفِظه صحيحًا متى شاء، وأما ضبط الكتاب فهو أن يصونَ كتابه عنده حتى يؤديَ منه كذلك، من غير تغيير ولا تبديل، "ويعرف الضبطُ بموافقة الثقاتِ غالبًا، واتساق نقلِه

رسوم التحديث 1/ 100.

فإن كان الراوي العدلُ ضعيفَ الضبط فلا بد حينئذ مِن متابِع أو شاهد، يقول الزركشي: (والعدل الضعيفُ الضبطِ تُقبَل روايته، لكن يحتاج إلى مُقوٍّ، فيُقبَل الحديث لعدالة راويه، لكن يتوقَّف فيه - لعدم ضبطه - على شاهدٍ متصل، يجبُرُ ما فات مِن صفة الضبط)

النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي 1/ 100.


4) عدم الشذوذ:

اشترط العلماءُ في قَبول الحديث ألا يكون شاذًّا، واختلفوا في المقصود بالشذوذ، هل هو انفراد الراوي بالحديث، أم هو مخالفة الثقةِ لغيره من الحفاظ، أم هو انفراد ثقة برواية الحديث؟

وقد فصل القولَ في ذلك الحافظُ أبو عمرو بن الصلاح، فقال ناسبًا القول الأول إلى الخليلي نقلًا عن الإمام الشافعي: (وحكى الحافظُ أبو يعلى الخليلي القزويني نحوَ هذا عن الشافعي وجماعةٍ من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حفَّاظ الحديث أن الشاذَّ ما ليس له إلا إسنادٌ واحدٌ، يشِذُّ بذلك شيخٌ، ثقةً كان أو غير ثقةٍ، فما كان عن غير ثقةٍ فمتروكٌ لا يُقبَل، وما كان عن ثقةٍ يتوقَّف فيه، ولا يحتج به)

مقدمة ابن الصلاح 1/ 76.

وقال في القول الثاني: (رُوِّينا عن يونس بن عبدالأعلى قال: قال الشافعي رضي الله عنه: "ليس الشاذُّ مِن الحديث أن يروي الثقةُ ما لا يروي غيره، إنما الشاذُّ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس")

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

قال في القول الثالث: (وذكر الحاكمُ أبو عبدالله الحافظُ أن الشاذَّ هو الحديث الذي يتفرَّد به ثقةٌ من الثقات، وليس له أصلٌ بمتابعٍ لذلك الثقة، وذكر أنه يغاير المُعلَّل من حيث إن المُعلَّل وُقِف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذُّ لم يوقف فيه على علته كذلك)

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

وقد رد ابنُ الصلاح ما نقله الخليليُّ وما رواه الحاكم، وقبِل ما ذكره الإمام الشافعي، فقال: (قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ، فلا إشكال في أنه شاذٌّ غير مقبولٍ، وأما ما حكيناه عن غيره فيشكِل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط؛ كحديث: "إنما الأعمال بالنيات"

فإنه حديثٌ فردٌ، تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرد به عن عمرَ علقمةُ بن وقاصٍ، ثم عن علقمة محمدُ بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بنُ سعيدٍ على ما هو الصحيح عند أهل الحديث، وقد قال مسلم بن الحجَّاج: للزهريِّ نحوُ تسعين حرفًا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيها أحدٌ، بأسانيدَ جيادٍ)

المصدر السابق 1/ 77.


5) عدم العلة:


يُشترط في الحديث ألا يكونَ معلَّلًا، بألا تكون فيه علة قادحة، وهذا المجال هو مسرح الجهابذة مِن المحدِّثين، وأما الانقطاع والإعضال فيعرِفه كلُّ العلماء، وأما العِلل فلا يتفطن لها إلا أمثالُ ابن مهدي، وأبي زرعة، وغيرهما من صيارفة علم الحديث.

قال الحافظ ابن كثير: (وهو فنٌّ خَفِيَ على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفَّاظهم: معرفتُنا بهذا كهانةٌ عند الجاهل

اختصار علوم الحديث لابن كثير 1/ 63.

والمقصود بالعلة: ما ذكره الحافظ زين الدين العراقي؛ حيث عرَّف العلة بقوله: "العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة، طرأَتْ على الحديث فأثَّرت فيه؛ أي: قدحَتْ في صحتِه"

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274.

وبهذا يتضح أن الحديثَ المعلَّل ليس صحيحًا؛ وذلك أن المعلَّل قد فقد شرطًا أساسيًّا مِن شروط الصحة، وبهذا الشرط نختم الشروطَ المتعلِّقة بتصحيح الحديث.


شروط الحسَن:


شروط الحديث الحسَن هي نفس شروط الصحيح، إلا في شرط واحد، وهو ضبط الرواة؛ فالحسَن لا يُشترط فيه تمام الضبط، بل يكفي في رواته أن يكونوا خفيفي الضبطِ، وقد عرَّف الحافظ ابن حجر الحسَن بأنه: ما اتصل سندُه، بنقل عدلٍ خفَّ ضبطُه، ولم يكُنْ شاذًّا، ولا معلَّلًا

نزهة النظر شرح نخبة الفكر 1/ 67 بتصرف.

وبما ذُكر مِن شروط للصحيح والحسن تنجلي ضوابطُ التصحيح والتحسين عند علماء الحديث، كما يتبيَّن اختلاف المحدِّثين عن غيرهم من الفقهاء والأصوليين في معايير القبول للأحاديث.


المطلب الثاني: معايير التضعيف عند علماء الحديث:

وضَع علماء الحديث لتضعيف الحديث ضوابطَ متعددة، بها يُعرف سقيم الحديث، وهذه الضوابط هي التنصيصُ على ما يقدَح في رواة الحديث، ومتى وُجد قادحٌ من تلك القوادح عُدَّ الحديثُ ضعيفًا، وهذه القوادح تتنوع إلى ما يرتبط بالسَّقط في الإسناد، وما يرتبط بالطَّعن في الرواة، وقد بين المحدِّثون كلَّ ذلك.


القوادح المرتبطة بالسَّقط في الإسناد:

السَّقط في الإسناد على نوعين: إما أن يكون ظاهرًا، وإما أن يكون خفيًّا، ويدخل في الظاهر أنواعٌ هي مِن قَبيل الضعيف، وهي المرسَل والمنقطع، والمعضَل والمعلَّق، والفرق بين هذه الأنواع الأربعةِ أن المرسَل يكون السَّقط فيه من آخرِ السند، وأما المنقطع فهو ما سقَط منه راوٍ فأكثرَ، لا على التوالي، وأما المعضَل فهو ما سقَط منه راويانِ فأكثر على التوالي؛ يقول العراقي:

والمعضَل الساقطُ منه اثنانِ *** فصاعدًا ومنه قِسمٌ ثانِ

وأما المُعلَّق فهو ما كان السَّقط فيه مِن أصل السند.

وأما السَّقط الخفي "ولا يدركُه إلا الأئمةُ الحذَّاق المطَّلِعون على طرق الحديث، وعِلَل الأسانيد"

يسير مصطلح الحديث للطحان 1/ 120.

وعانِ مِن أنواع الضعيف، وهما المُدلَّس، والمُرسَل الخفيُّ.

وكلُّ هذه الأنواع المذكورةِ لا يقبَلُها المُحدِّثون، بل هي عندهم مِن قَبيل المردود، وأما الفقهاءُ فإنهم يحتجُّون ببعضها؛ كالمرسَل.


القوادح المرتبطة بالطَّعن في الراوي:

الطَّعن في الراوي: إما أن يرجعَ إلى عدالته، وإما أن يرجعَ إلى ضبطه وحِفظه، والطعونُ التي يمكن أن توجَّه إلى الراوي مِن جهة عدالته خمسة، وهي:

• الكذب، فمتى وقَع الراوي في الكذبِ، فلا يُقبَل منه شيء، ولو صدر منه الكذب مرة واحدة، ويسمى حديثُه بالموضوع.

• التهمة بالكذب؛ فالمتَّهم بالكذب لا يُقبَل حديثه عند أهل الحديث، وحديثه يسمى عندهم بالمتروك، يقول ابن حجر في النزهة: (والقسم الثاني مِن أقسام المردود - وهو ما يكون بسبب تُهمة الراوي بالكذب -: هو المتروكُ)

نزهة النظر لابن حجر 1/ 67.

• فِسْق الراوي: فإذا كان الراوي فاسقًا، رُدَّ حديثُه عند المحدِّثين؛ لأن الفسقَ ينافي العدالة، ويسمى حديثُ الفاسق بالمنكَر؛ يقول ابن حجَر: "من ظهَر فِسقُه، فحديثه منكَر"

المصدر نفسه، والصفحة نفسها، بتصرف.


بدعة الرواة:

إذا كان الراوي مبتدعًا في عقيدته، فإن علماءَ الحديث لا يقبَلون حديثه، وهذه قاعدة عامة، لكن قد يقبَل بعضُ علماء الحديث كثيرًا مِن روايات المبتدعة، متى ظهر له - بثاقب نظره - أن أولئك الرواةَ صادقون فيما نقلوا؛ فقد قبِل الإمام البخاريُّ رواية عِمرانَ بنِ حطان وهو مِن الخوارج، وكان جاهرًا ببدعته، داعيًا إليها.

هذه هي الطعونُ التي يمكن أن تُوجَّهَ إلى الراوي مِن جهة عدالته، وأما الطعون التي يمكن أن توجَّه إلى الراوي من جهة حفظه، فهي أيضًا خمسة:


• فُحش الغلط:

إذا كثُر من الراوي الغلطُ، وفحُش، عُدَّ حديثُه مِن قبيل الضعيف، يقول علي القاري في شرح نخبة الفكر مبيِّنًا لهذا النوع: (أو فحُش غلطه؛ أي: كثرته) بأن يكون خطؤه أكثرَ مِن صوابه، أو يتساويان؛ إذ لا يخلو الإنسانُ من الغلط والنسيان)

شرح نخبة الفكر للقاري 1/ 424.


• الغفلة عند السَّماع أو الإسماعِ:

إذا عُرِف الراوي بالغفلةِ عند سماعه أو إسماعه، صار حديثُه ضعيفًا عند المحدِّثين، والمقصود بالغفلة ذهولُه عن الحفظِ والإتقان، "الظاهر أن مجردَ الغفلة ليس سببًا للطعن؛ لقلةِ مَن يعافيه اللهُ منها"

شرح نخبة الفكر للقاري 1/ 422.


• الوَهم:

إذا اتصف الراوي بالوَهم صار حديثُه ضعيفًا غيرَ مقبول، والمقصود بالوهم - كما يقول ابن حجر -: أن يرويَ على سبيل التوهُّم، فمتى عُرف الراوي بالتوهُّم

زهة النظر لابن حجر 1/ 108.


سوء الحِفظ:

ومِن الأسباب الراجعة إلى الطعن في الراوي: سوءُ الحِفظ، فمتى كان الراوي سيِّئَ الحفظ، عُدَّ حديثُه ضعيفًا عند المحدِّثين، وسوء الحفظ - كما يقول ابن حجر -: (عبارةٌ عمَّن يكون غلطُه أقلَّ مِن إصابته)

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.


مخالفة الثقات:

مخالفة الراوي لغيره مِن الثقات يدلُّ على وهمه وعدمِ ضبطه لما روى، ويُسمَّى حديثُه بالشاذِّ عند بعض العلماء، وقد سبَق تعريفُ الشذوذ، وأقوالُ العلماء فيه، والخلاصة أن الشاذَّ مِن قَبيل الضعيف.

وبهذه الشروط التي ذُكرت، تتَّضِح معالمُ طريقة المحدِّثين في نقدهم للحديث، كما يتبيَّن الفرقُ بين منهجِهم ومنهج الفقهاء في الكلام على الأحاديث، قبولًا أو ردًّا.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 16:42   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


المبحث الثاني: معايير نقد الحديث عند الفقهاء:

تميَّزت نظرةُ الفقهاء النقدية إلى الأحاديث عن المحدِّثين كثيرًا، حتى صارت طريقةً مستقلة بذاتها، ونتج عن ذلك أنِ اشتَرَط الفقهاء شروطًا لا تتفق في غالب الأحيان مع ما سطَّره علماء الحديث، علمًا أن الفقهاءَ لم يتفقوا في الشروط التي وضعوها، بل اختلفوا في شروط الأخذِ بالخبَر إلى رأيين، رأي الجمهور، ورأي الحنفية، وسأعرض لشروط كلٍّ منهما.

المطلب الأول: شروط الأحناف:


اشتَرَط الأحناف لقَبول الحديث شروطًا متعددة تختلف عما اشترطه جمهور الفقهاء؛ نظرًا للبيئة التي نشأ بها مذهبُ الأحناف، وهي البيئة العراقية، تلك البيئة التي أثَّر فيها الرأيُ أكثرَ من غيرها، وسأبين هذه الشروط حتى تنجليَ طريقة علماء الحنفية في الأخذ بالحديث.

شروط الأحناف:

للحنفية في قبول خبر الآحاد شروط ثلاثة، وهي:


1) شهرة الحديث:

يقول محمد بن الحسن الحجوي متحدثًا عن شروطِ أبي حنيفة في الأخذ بخبر الواحد: (وشدَّد في شروط العمل بخبر الواحد؛ حيث اشتَرَط فيه الشهرة، وإن تساهَل في حمل مجهول الحال، لا مجهول العين، على الدالةِ)

الفكر السامي للحجوي 2/ 545.

فالشهرة عند علماء المذهب الحنفي شرطٌ أكيد في قَبول الأسانيد.

والحُكم إذا لم يشتهر الخبَرُ أنهم يحكمون بعدم صحته، يقول نظام الدين الشاشي: (فإذا لم يشتهِرِ الخبرُ مع شدة الحاجة وعموم البلوى، كان ذلك علامةَ عدم صحته، ومثاله في الحُكميات إذا أخبر واحدٌ أن امرأته حرمت عليه بالرضاع الطارئ، جاز أن يعتمد على خبره، ويتزوج أختها، ولو أخبر أن العقد كان باطلًا بحُكم الرضاع، لا يُقبَل خبرُه)

صول الشاشي 1/ 284.

والشرطُ المذكور هنا هو المعبَّر عنه بقولهم: ألا يكونَ فيما تعمُّ به البلوى؛ أي: ما يعرِضُ للناس كثيرًا.


2) ألا يخالِفَ قياسًا جليًّا.


مما اشترطه الحنفيةُ في الأخذ بالخبر ألا يكون مخالفًا لحُكم ثبَت بقياس جلي، والقياس الجليُّ هو القياسُ على الأصول، وهذا فيما لا يمكنُ فيه الجمع بينهما، فإذا أمكن الجمعُ فهو أولى من العمل بأحدهما وترك الآخر، يقول أبو الحسين البصري: (اعلم أن القياسَ على أصل من الأصول إذا عارَض خبرَ واحدٍ، فإنما يعارضه إذا اقتضى الخبرُ إيجابَ أشياءَ، واقتضى القياس حظرَ جميعها، على الحد الذي اقتضى الخبر إيجابها

أو بأن يكون الخبر مخصصًا لعلة القياس، فإن اقتضى تخصيصَها فيمن يُجيز تخصيص العلة يجمع بينهما، ومَن لا يرى تخصيص العلة يجري هذا القسم مجرى القسم الأول، وليس تخلو علةُ القياس الذي هذه حاله إما أن تكون منصوصًا عليها، أو مستنبطة، فإن كانت منصوصةً لم يخلُ النصُّ عليها إما أن يكون مقطوعًا به، أو غير مقطوع به

فإن كان مقطوعًا به، وكان خبر الواحد ينفي موجبها، ولم يكن إضمار زيادة فيها تخرج معه العلة من أن يعارضها خبر الواحد، فإنه يجب العدولُ إليها عن خبر الواحد؛ لأن النصَّ على العلةِ كالنص على حُكمها، فكما لا يجوزُ قَبول خبر الواحد إذا رفع موجب النص المقطوع به، فكذلك في هذا الموضع)

المعتمد لأبي الحسين البصري 2/ 160.

وفي هذا النقل عن هذا الإمام يتبين أن فقهاءَ الأحناف لا يُقحمون أنفسهم في الحديث عن الرواة، وإنما يلجَؤون إلى المتون، وهذا الشرط الذي اشترطوه محلُّه فيما لم يكن الراوي فقيهًا، فإن كان فقيهًا فلا يشترط هذا الشرط، فمتى عارض المتنُ القياسَ، حتى وإن كان المتن صحيحًا، وكان راويه غيرَ فقيه، فإنهم يقدِّمون القياس، متى كانت علتُه منصوصة؛ لأنهم يرَوْن النصَّ على العلة كالنصِّ على حُكمها.


3) ألا يخالفَ الراوي ما روى:

إذا خالف الراوي ما روى، فإن الحنفيةَ يتركون العملَ بذلك المرويِّ؛ لأنهم يرَوْن أن تركه للخبرِ دليلٌ على نسخه؛ إذ لو ترَكه وهو غيرُ منسوخ قدَح ذلك في عدالته

يقول عياض بن نامي السلمي مبيِّنًا هذا الشرط وشارحًا له: (فإن عمِل بخلاف ما رواه، لم يُقبَل حديثه، ومثَّلوه بخبر أبي هريرة مرفوعًا: ((إذا ولَغ الكلبُ في إناء أحدِكم، فليغسِلْه سبعًا))، مع أن أبا هريرةَ كان يغسل الإناءَ مِن ولوغ الكلب ثلاثًا، وعلَّلوا هذا بأن الراويَ عَدْلٌ، فإذا خالف ما روى دلَّ على نسخه؛ إذ لو ترَكه مع عدم نسخه، لكان ذلك قادحًا في عدالته)

أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله لعياض بن نامي السلمي 1/ 118

وهذه أهمُّ الشروط التي يشترطها الأحنافُ في الأخذ بالحديث، وهي بعد التأمُّل منصبَّة على المتن، لا على الإسناد، وهذه خَصِيصةٌ تميَّز بها جميع الفقهاء أثناء تناولهم للأحاديث صحةً أو ضعفًا، فهي شروط سطحية، وأما علماء الحديث وجهابذتُه فإنهم يغُوصون في أعماق الإسناد، متناولين الحديثَ عن كلِّ راوٍ بعينِه، ومبيِّنين للعلل والأوهام التي يمكن أن تعرضَ للمتنِ أو الإسناد.


المطلب الثاني: شروط جمهور الفقهاء في الأخذ بالحديث:

اشتَرَط الجمهورُ للأخذ بالحديث، والعملِ به في الأحكام؛ كالعبادات، والمعاملات، وغير ذلك - شروطًا لا بد مِن بيانها، وهي تتنوَّع إلى ثلاثة أنواع: "منها ما هو في المُخبِر، وهو الراوي، ومنها ما هو في المُخبَر عنه، وهو مدلول الخبر، ومنها ما هو في الخبَر نفسِه، وهو اللفظ الدال"

إرشاد الفحول للشوكاني 1/ 129.


وسأبين كلَّ نوع من هذه الأنواع حسَب ما بيَّنه الفقهاءُ والأصوليُّون.

الشروط المتعلِّقة بالراوي:


1) التكليف:

اشتَرَط جمهور الفقهاء - تبَعًا لما سطَّره علماءُ الحديث في الراوي - أن يكون مكلَّفًا؛ بأن يكون عاقلًا بالغًا؛ يقول الشوكاني في الإرشاد: (فلا تُقبَل روايةُ الصبي والمجنون، ونقل القاضي الإجماع على رد رواية الصبي)

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

وهذا الشرطُ إنما هو عند الأداء، لا عند التحمُّل، وأما التحمُّل فيمكن للصبي أن يتحمَّل ثم يؤدي بعد البلوغ، قال الشوكاني: (وهذا الاشتراطُ إنما هو باعتبار وقت الأداء للرواية، أما لو تحمَّلها صبيًّا وأداها مكلَّفًا، فقد أجمع السلفُ على قبولها؛ كما في رواية ابنِ عباسٍ، والحسَنَيْنِ، ومَن كان مماثلًا لهم)


المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

2) الإسلام:


اشتَرَط الجمهورُ لقَبول الخبر أن يكون راويه مسلِمًا، فلا تُقبَل رواية الكافر؛ قال الرازي في "المحصول": (أجمعت الأمَّةُ على أنه لا تُقبَل روايتُه، سواءٌ علم مِن دِينه الاحتراز عن الكذب، أو لم يعلم)، فلا تقبل رواية كلِّ كافر، سواءٌ كان يهوديَّا، أو نصرانيَّا، أو غير ذلك؛ احترازًا لدِين ربِّ العالَمين مِن أن يدخلَ فيه ما ليس منه.

3) العدالة:

اشترط الفقهاء في الراوي للحديثِ أن يكونَ عدلًا، وقد عرَّف الرازي العدالةَ مبيِّنًا أركانها التي تنبني عليها بقوله: (هيئةٌ راسخةٌ في النفس، تحمِل على ملازمة التقوى والمروءةِ جميعًا، حتى يحصل ثقةُ النفس بصدقِه، ويعتبر فيها الاجتناب عن الكبائر، وعن بعض الصغائر؛ كالتطفيفِ بالحبة، وسرقة باقةٍ مِن البقل، وعن المباحات القادحة في المروءةِ؛ كالأكلِ في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأرذال، والإفراط في المزاح، والضابط فيه أن كلَّ ما لا يؤمَنُ "معه" جراءتُه على الكذب يرُدُّ الروايةَ، وما لا فلا)

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

وهذا الشرط مُخرِج لمجموعة مِن الرواة ممن لم يتوفر فيهم هذا الشرط؛ كالفاسق والمبتدِع، وأما المجهولُ فقد اختلف فيه الفقهاء، فذهب الإمام الجويني إلى التوقُّف في خبره إذا روى التحريم، هذا في مجهول الحال، وأما مجهول العين "وهو مَن لم يشتهر، ولم يروِ عنه إلا راوٍ واحدٌ - فذهب جمهورُ أهل العلم أنه لا يُقبَل، ولم يخالف في ذلك إلا مَن لم يشترط في الراوي إلا مجردَ الإسلام".

وهذا الشرطُ كذلك هو شرط عام، لا يرتبط براوٍ معيَّن، مما يبيِّن أن الفقهاءَ لهم طريقة خاصة في التعامل مع الرواةِ ومرويَّاتهم.


4) أن يكونَ الراوي ضابطًا لِما يرويه:


أكَّد الفقهاءُ تبَعًا للمحدِّثين على ضرورة الضبط في الراوي، وهذا القيدُ مُخرِجٌ لكل وصفٍ ينافي الضبط، قال الرازي: (وذلك يستدعي حصولَ أمرين؛ أحدهما: أن يكونَ ضابطًا، والآخر: ألا يكونَ سهوُه أكثرَ من ذِكره، ولا مساويًا له، أما ضبطُه فلأنه إذا عُرف بقلة الضبط لم تؤمَنِ الزيادةُ والنقصان في حديثه، ثم هذا على قسمين

أحدهما: أن يكون مختَلَّ الطبع جدًّا، غيرَ قادر على الحفظ أصلًا، ومثل هذا الإنسان لا يُقبَل خبرُه البتة، والثاني: أن يقدِرَ على ضبط قِصار الأحاديث دون طِوالها، وهذا الإنسان يُقبَل منه ما عُرف كونه قادرًا على ضبطه دون ما لا يكون قادرًا عليه، أما إذا كان السهو غالبًا عليه لم يُقبَل حديثُه؛ لأنه يترجح أنه سها في حديثه، وأما إذا استوى الذِّكر والسَّهو لم يترجَّح أنه ما سها، والفرق بين ألا يكونَ ضابطًا وبين أن يعرض له السهوُ: أن مَن لا يضبِط لا يحصِّل الحديثَ حال سماعه، ومَن يعرض له السهو قد يضبط الحديثَ حال سماعِه وتحصيلِه، إلا أنه قد يشِذُّ عنه بعارض السهو).

وما ذكره الرازيُّ هنا غيرُ مشابه لِما يذكر المحدِّثون عادة في حديثهم عن ضبط الرواة؛ فقد أشار ها هنا إلى اختلال الطبع، بينما لم يتناوله المحدِّثون أصلًا، ومَن تأمل كلام هذا الإمام هنا تبين له مدى استقلالية الفقهاء في طريقتهم ومنهجيتهم الخاصة في التعامل مع شروط الرواة.

الشروط المتعلقة بالمَرْويِّ:

اشتَرط جمهورُ العلماء شروطًا في الخبر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها:

1) أن يرويَ الحديث بلفظِه؛ لأن ذلك أمانة؛ يقول الشوكاني: (إذا روى الراوي الحديث بلفظه، فقد أدى الأمانةَ كما سمعها، ولكنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله جوابًا عن سؤال سائلٍ، فإن كان الجواب مستغنيًا عن ذكر السؤال، فالراوي مخيَّرٌ بين أن يذكر السؤال أو يتركه، وإن كان الجواب غيرَ مستغنٍ عن ذكر السؤال

فلا بد من ذكر السؤال، وهكذا لو كان الجوابُ يحتمل أمرين، فإذا نقل الراوي السؤالَ لم يحتمِلْ إلا أمرًا واحدًا، فلا بد مِن ذكر السؤال، وعلى كل حالٍ فذِكر السؤال والسبب مع ذكر الجواب وما ورد على سببٍ أَوْلى مِن الإهمال)

المحصول للرازي 4/ 398.

فإن روى الراوي الحديثَ بالمعنى، فإن الجمهور اشترطوا لقبول ذلك شروطًا، ومنها:

• "أن يكون عارفًا بمعاني الألفاظ؛ حتى لا يغير المعنى إلى غيرِ المراد.

• منهم من شرط أن يأتي بلفظٍ مرادف.

• ومنهم من شرط أن يكون ما جاء به مساويًا للأصل في الجلاء والخفاء.

• وشرط بعضهم ألا يكونَ الخبرُ مما تُعُبِّدْنا بلفظه.

• وشرط بعضهم ألا يكونَ الخبرُ مِن باب المتشابِه؛ كأحاديث الصفات"

المصدر السابق بتصرف 1/ 150.

وهناك شروط أخرى لم يتفق عليها جمهورُ العلماء في الرواية بالمعنى.

2) أن يعملَ بالظاهر منه، ولا يرجع إلى رأي الصحابي، خلافًا للحنفية كما سبق؛ فإنهم يأخذون بما رأى الصحابيُّ، لا بما روى.


شروط مدلول الخبَر:


اشتَرط الفقهاءُ في مدلول الخبر شروطًا تدلُّ على اهتمامهم بالدلالة أكثرَ مِن اهتمامهم بالثبوت، ومنها:

1) ألا يستحيلَ وجودُه في العقل

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

أو الحس، فمتى خالف الحديثُ ما يقتضيه العقلُ أو الحس رُدَّ الحديث لذلك، والمقصود بالعقل هنا العقلُ الصريح، وقد وضع ابن القيم الفقيه بعض الضوابط يُعرَف بها ثبوت الحديث من عدمه، ومنها: (تكذيب الحس له؛ كحديث: "الباذنجان لما أُكل له"، "والباذنجان شفاءٌ من كل داءٍ"

فإن هذا لو قاله أمهر الأطباء لسخِر الناس منه، ولو أكل الباذنجان للحمى والسوداء الغالبة وكثيرٍ من الأمراض لم يزِدْها إلا شدةً، ولو أكله فقيرٌ ليستغني لم يُفِدْه الغنى، أو جاهلٌ ليتعلم لم يُفِدْه العلم، وكذلك حديث: "إذا عطس الرجل عند الحديث، فهو دليل صدقه"، وهذا وإن صحح بعض الناس سنده، فالحسُّ يشهد بوضعه؛ لأنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله)

المنار المنيف لابن قيم الجوزية 1/ 51.

وابن القيم هنا وإن تعرض للحس فإنه يقصد العقلَ أيضًا، فما خالف الحسَّ فأولى به أن يخالفَ مقتضياتِ العقول.

وهذا يبين مدى اهتمام الفقهاء في الغالب بالمدلولِ، لا بالأسانيد؛ إذ ذلك شأنُ أهلِ الحديث.


2) ألا يكونَ مخالفًا لنص مقطوعٍ به، على وجهٍ لا يمكن الجمعُ بينهما بحال

المصدر السابق.

إذا خالَف الحديث نصًّا مقطوعًا به، كنصٍّ قرآنيٍّ ثبت حُكمه بدلالة قطعية، أو كان ثبوته قطعيًّا، فإن الفقهاء لا يأخذون به، حتى ولو كان في الصحيحين؛ قال الأمين الشنقيطي: (ومِن أمثلته ما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن الله خلَق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، وبث الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة))

نثر الورود للأمين الشنقيطي 1/ 333.

قال الشنقيطي: فإن هذا الحديثَ يظهَر عدم صحته من مخالفة نص القرآن في قوله: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [الفرقان: 59]؛ ولذا قال البخاريُّ وعليُّ بن المديني - وغير واحد من الحفاظ -: إنه مِن كلام كعبِ الأحبار)

مسند الإمام أحمد 1/ 282. .. المصدر السابق.

وهذا المثال وحده كافٍ في أن الفقهاء لا يقتصرون على الأسانيد، بل ينظرون إلى جوانبَ أخرى خارج ذلك؛ ولذا حكَم العلماء على هذا الحديث بالرد، وإن كان في صحيح مسلم.


3) ألا يكونَ مخالفًا لإجماع الأمة عند مَن يقول بأنه حجةٌ قطعيةٌ


إرشاد الفحول 1/ 151.

مما اشترطه الفقهاءُ في مدلول الخبر ألا يخالفَ ما أجمعت عليه الأمةُ؛ لأن الإجماعَ قطعيٌّ في بعض أنواعه.

وهذه أهمُّ الشروط التي اشترطها الفقهاء في الأخبار، وهي كافيةٌ في بيان الفَرْق بين أهل الحديث والفقه في التعرض للضوابط التي لا بد منها في قبول الخبر والعمل به بعد ذلك.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 16:50   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)



المبحث الثالث: نماذجُ تطبيقيةٌ في نقد الحديث بين أهل الفقه وأهل الحديث:

بعد أن أنهيتُ مرحلة التنظير، أنتقل إلى مرحلة التنزيل والتقرير، وهي مرحلة لا بد منها في توضيح حقيقة الفرق بين طريقة كلٍّ من المحدِّثين والفقهاء؛ ولذلك أحببتُ أن أعرض نماذجَ وأمثلة من كلام المحدِّثين على بعض الأحاديث، وأخرى من كلام الفقهاء على بعض الأحاديث؛ حتى ندركَ وجه التفاوت الكبير بين أهل الحديث وأهل الفقه، ونقتنع بأن طريقة المحدِّثين أجدى وأنفعُ، وأدلُّ على المقصود من طريقة الفقهاء.

المطلب الأول: نماذج مِن الأحاديث التي نقدها أهل الحديث:

ها هنا سأعرض بعضَ الأمثلة مِن الأحاديث التي تناولها أهل الحديث بالنقد، وسأكتفي بقليل منها مما يدل على المراد، ويتضح به مِن ذلك ما يستفاد.

أولًا:

• عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولودٍ رهنٌ بعقيقته، تُذبَح عنه يوم سابعه ويُحلَق رأسه، ويسمَّى))؛ أخرجه أبو داود.

هذا الحديثُ ساقه الإمام عليُّ بن المَديني، وقبل أن يذكره مهَّد له بالحديث عن الحسَن البَصري، وعرَض كثيرًا من أقوال الأئمة الدالة على أن الحسَن قد سمع من سمُرة، وهي مسألة اختلف فيها علماءُ الحديث على ثلاثة أقوال، بيَّنها الصنعاني في سبل السلام أثناء كلامه عن قوله عليه الصلاة والسلام: ((على اليدِ ما أخذَتْ حتى تؤدِّيَه)) - نقلًا عن ابن حجر -

فقال: (لأن الحديثَ مِن رواية الحسن عن سمُرة، وللحافظ في سماعه منه ثلاثة مذاهب: الأول أنه سمع منه مطلقًا، وهو مذهب عليِّ بن المديني، والبخاري، والترمذي، والثاني: لا مطلقًا، وهو مذهبُ يحيى بن سعيدٍ القطان، ويحيى بن معينٍ، وابن حِبان، والثالث: لم يسمَعْ منه إلا حديثَ العقيقة، وهو مذهب النسائي، واختاره ابن عساكر، وادَّعى عبدُالحق أنه الصحيحُ)

سبل السلام للصنعاني 2/ 96.

ولأجلِ ما يمكن أن يشكَّ فيه الناطرُ في سماع الحسن من سمُرة، شرع الإمام علي بن المديني في إثبات سماع الحسَن من سمُرة، ثم بعد ذلك يأتي بالحديث المَسُوق أثناء ذلك، يقول الإمام علي بن المديني: (قال عليٌّ: سمع الحسَن مِن عثمان بن عفانٍ - وهو غلامٌ - يخطب، ومن عثمان بن أبي العاص، ومن أبي بكرة.

ولم يسمع مِن عمرانَ بن حُصينٍ شيئًا، وليس بصحيحٍ، لم يصحَّ عن الحسن عن عمرانَ سماعٌ من وجه صحيح ثابت.

قلتُ: سمع الحسن من جابرٍ؟ قال: لا.

قلت: سمِع الحسنُ مِن أبي سعيدٍ الخدري؟ قال: لا.

كان بالمدينة أيام كان ابنُ عباسٍ على البصرة، استعمله عليها عليٌّ وخرج إلى صِفِّين، وقال في حديث الحسن: خطبنا ابن عباس بالبصرة - الحديث أخرجه أبو داود - إنما هو كقول ثابتٍ: قدم علينا عمران بن الحصين، ومثل قول مجاهدٍ: خرج علينا عليٌّ، وكقول الحسن: إن سراقةَ بن مالك بن جعشمٍ حدَّثهم، وكقوله: غزا بنا مجاشع بن مسعودٍ.

الحسن لم يسمع من ابن عباسٍ، وما رآه قط، كان ابن عباسٍ بالبصرة.

ومِن عبدالله بن مغفَّلٍ، ومن معقِل بن يسارٍ، ومِن أنس بن مالكٍ، ومِن سمُرة بن جندبٍ، قال: وقال حبيب بن الشهيد: أمرني ابن سِيرين أن أسأل الحسَن ممَّن سمع حديثه في العقيقة؟ قال: فسألتُه، فقال: سمعته من سمُرة، قال: قال سمرة: كل مولودٍ رهنٌ بعقيقته، تُذبَح عنه يوم سابعه)

العلل لابن المديني 1/ 51.

أخرجه البخاري في العقيقة.

وفي هذا النموذجِ الذي سقتُه عن هذا الإمام يمكن أن نستشفَّ الفرقَ الواضح بين علماء الحديث والفقهاء، فلو عُرض هذا الحديث على فقيهٍ لمَا تناوله بطريقة هذا الإمام، بل سيقول فيه: إنه مقبول أو مردود، وقد يزيد فيقول: الحسن سمع من سمرة، لكن علي بن المديني أتى بأمثلة ونماذجَ متعددة، بيَّن من خلالها أرجحية القول بأن الحسن سمع من سمُرة بن جندب رضي الله عنه.

ثانيًا:

قال الإمام الترمذي في كتابه السنن: (حدثنا محمد بن بشارٍ، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن جابر بن عبدالله، قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القِبلة ببولٍ، فرأيتُه قبل أن يقبض بعامٍ يستقبلها.

وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة، وعمارٍ.

حديث جابرٍ في هذا الباب حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وقد روى هذا الحديث ابنُ لَهيعة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، عن أبي قتادة: أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يبول مستقبِلَ القِبلة، أخبرنا بذلك قتيبة، قال: أخبرنا ابن لَهيعة.

وحديث جابرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أصحُّ مِن حديث ابن لَهيعة.

وابن لَهيعة ضعيفٌ عند أهل الحديث؛ ضعَّفه يحيى بن سعيدٍ القطانُ، وغيره).

وفي هذا النموذج الذي عرضتُه، تظهر طريقةُ الإمام الترمذي في بيان ضعف الحديث؛ فقد أتى بجميع طرق الحديث، وتحدَّث عن سياقاتها كلها؛ ففي السند الأول ساقه من حديث جابر مرفوعًا، ثم ذكر أن الحديث لم يروِه فقط جابر، بل رواه صحابة آخرون، حتى يعلم أنه ليس من الأفراد، ثم ذكر حُكم حديث جابر معبِّرًا عن ذلك بقوله: (حسن غريب)، ثم ذكر واسطةً بين جابر والنبي صلى الله عليه وسلم، لكنها من رواية عبدالله بن لَهيعة، وبيَّن الترمذي أن ابن لَهيعة ضعيف.

وهذه طريقةُ أهل الحديث في حكمهم على الأحاديث صحةً وضعفًا، وسأكتفي بهذينِ المثالين في بيان طريقة المحدِّثين وشروطهم في تصحيح الأحاديث أو تحسينها.

المطلب الثاني: نماذج مِن الأحاديث التي نقَدها الفقهاءُ:

في هذا المطلَب سأعرض بعضَ النماذج من كلام الفقهاء أثناء استدلالهم ببعض الأحاديث؛ حتى يمكنَ التفريقُ بين شروطهم وشروط المحدِّثين.

• قال ابن رُشد الحفيد في بداية المجتهد - مستدلًّا على مسألة فقهية متعلِّقة بقراءة القرآنِ أثناء الركوع والسجود -: (حديث عليٍّ في ذلك قال: ((نهاني جبريل صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآنَ راكعًا وساجدًا))، قال الطبري: وهو حديثٌ صحيحٌ، وبه أخَذ فقهاء الأمصار، وصار قومٌ من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب البخاريِّ؛ لأنه لم يصحَّ الحديث عنده، والله أعلم)

بداية المجتهد لابن رشد الحفيد 1/ 126.

لم يتصدَّ ابنُ رشد هنا للحديث عن الرواة، أو للحديث عن هل هم مِن الثقات أو الضعفاء؟ وعن المتن هل سلِم مِن العلل أم لا؟ ولذلك لجأ إلى أقوال أهل الحديث، وفي هذا ما يبين أن عامةَ الفقهاء عالةٌ على المحدِّثين في نقدهم للأحاديث.

• قال محمد بن رشد: وجه إجازة مالك - رحمه الله - للرجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمِنَ أن يمرَّ به أحد هو أن الشرعَ إنما قرَّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدمَ دون مَن سواهم من الملائكة؛ إذ لا تفارقه الحفَظة الموكَّلون عليه منهم في حالٍ من الأحوال؛

قال الله عز وجل: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]؛ ولهذا قال مالكٌ تعجُّبًا: ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ إذ لا فرقَ في حق الملائكة بين الفضاء وغيره، وأنكر الحديث لمَّا كان مخالفًا للأصول؛ لأن الحديث إذا كان مخالفًا للأصول فإنكاره واجب، إلا أن يرِدَ مِن وجه صحيح لا مطعنَ فيه، فيرد إليها بالتأويل الصحيح)

البيان والتحصيل لابن رشد الجد 18/ 154.

مَن تأمَّل كلام ابن رشد على هذا الحديث، ظهر له شروطُ الفقهاء في قبول الحديث، ومنها: ألا يكون مخالفًا للأصول؛ فابن رشد هنا فهِم من إنكار مالك للحديث أنه لأجل مخالفته للأصول؛ أي: للقياس.

ولعل هذه النماذج - على قلَّتِها - كافيةٌ في بيان شروط المحدِّثين والفقهاء بطريقة عملية تُبرز مدى الفرق بين المحدِّثين والفقهاء في نقدهم للأحاديث، وسأكتفي من ذلك بما ذكرت؛ إذ يكفي مِن القلادة ما أحاط بالعُنق، وبالله التوفيق.


الخاتمة


وبعد هذه الرحلة القصيرة في مجال البحث عن شروط المحدِّثين والفقهاء أحُطُّ الرحالَ هنا لأختم المقال بتلخيص ما سبق بيانه، واستنتاج الفوائد التي يمكن أن تُعِين في إنجاز بحث أطول عن هذه القضية التي لا تكفي فيها هذه الصفحات القليلة، فأقول - ومِن ربي أستمد المعونة والتسديد -:


خلاصات:


• اشتَرط المحدِّثون في كلٍّ مِن الصحيح والحسن شروطًا دقيقة ومضبوطة، تدلُّ على تمكُّنهم من هذا العلم، وبلوغهم فيه الغاية القصوى.

• حدَّد علماء الحديث ضوابطَ متعددة يُعرَف بها ضعيف الأسانيد والمتون، وبها يمكن الوقوفُ على علل الأحاديث، ومن ثم يحكم عليها.

• الفقهاء غيرُ متفقين على طريقة واحدة في نقد الأحاديث؛ ولذلك وجدنا الأحناف يختلفون عن الجمهور في نقدهم للأحاديث، مما يبعث على عدم الاطمئنان إلى طريقتِهم في التعامل مع الأحاديث.


استنتاجات:


• طريقة المحدِّثين أدقُّ من طريقة الفقهاء؛ نظرًا لاهتمامهم البالغ بأحوال الرواة، وهذا ما جعَلهم لا يكتفون بالإشارة في هذا المجال، طالما أن الإشارة لا تغني عن العبارةِ في هذا المقام.

• طريقة الفقهاء تعتمد الأحكامَ العامة التي هي - في غالبها - مجانِبَةٌ للدقَّة والضبط.

• الفقهاءُ أثناء استدلالهم إنما ينطلقون مِن الحُكم الفقهي، لا مِن النص الشرعي، على عكس علماء الحديث، فإنهم ينطلقون مِن النص، لا مِن الحُكم.

• الفقهاء ينقُلون كلامَ السابقين مِن المحدِّثين على الأحاديث؛ أي إنهم لا علاقةَ لهم بهذا المجال، فإذا ما تناولوا الكلامَ عن حديث ما، فإنهم قد يذكرون حُكمًا مخالفًا لِما توصَّل إليه علماء الحديث.

وبعد هذه الخلاصات والاستنتاجات، أسأل اللهَ تعالى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وخاليًا مِن كل قصد ذميم، والحمد لله رب العالمين!


اخوة الاسلام


و يتبقي لنا في هذا المقام بحث عن
طرق التعديل بين المحدثين والفقهاء


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 17:14   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
zari18
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ربي يجازيك بخير وعافية أخي



دائما متميز كعادتك









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-20, 17:54   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

عليكم السلام ورحمه الله و بركاته

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

ما اجمل عباراتك المشجعه
جعلها الله في موازين حسناتك

وادام الله مرورك العطر
بارك الله فيك



.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-25, 16:05   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




طرق التعديل بين المحدثين والفقهاء

مقدمة البحث

الحمد لله على ما تفضّلَ وأنعَم، وصلى الله على سيدنا محمد بن عبد الله النبيّ الأكرَم، وعلى آلِه أولي القدْر المعظَّم، وأصحابه وتابعيهم بإحسانٍ وسلَّم، وبعد.

أسأل الله تعالى بِمَنّه وكرمه في الإخلاصَ والتوفيقَ في النية، والسداد والرشاد في القول والعمل، والعونَ على التمام، والجُودَ بحسن الختام. آمين.


ولقد جاء هذا البحثُ وفقَ الخطة التالية:

• مقدمة البحث:

• التمهيد:


المبحث الأول: العدالة لغةً واصطلاحاً ويتضمَّن:

المطلب الأول: العدالة لغةً.
المطلب الثاني: العدالة في اصطلاح الفقهاء.
المطلب الثالث: العدالة في اصطلاح المحدثين.


المبحث الثاني: طرق التعديل. ويتضمَّن:


المطلب الأول: طرق التعديل عند الفقهاء.
المطلب الثاني: طرق التعديل عند المحدثين.

• الخاتمة.

• المسارد.

>>>>


التمهيد


الفقهاء والمحدثون فريقان من علماء هذه الأمة؛ تضلّع كل منهما بمهمة المرابطة على ثغرٍ من ثغور الإسلام، حفظه وحرسه وحماه أن يُؤتى المسلمون من قِبَله.

والعلاقة بين هذين الفريقين وعِلمَيهِما علاقة تكاملية؛ عبّر عنها قول أكثرَ من واحدٍ من أعاظم الفقهاء بحقِّ أهل الحديث: أنتم الصيادلة ونحن الأطباء

ذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" 10/23 قال: قال الربيع: سمعت الشافعيَّ قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء.


إن المحدثين


"هم من يشتغل في تتبُّع الأسانيد ومقارنتها، وتفحُّص أحوال الرجال، والبحث في ثبوت الأقوال إلى قائليها؛ فهم درعٌ حصين لهذه الأمة، قيّضهم المولى جل وعلا.

وهم ينخلون الأحاديث والروايات نخلاً، ويغربلونها غربلة، وهذا العمل يستدعي من القائم به صفاتٍ نفسيةً وملَكاتٍ وجدّاً واجتهاداً وحفظاً وممارسةَ صناعة حتى يصبح مُحدّثاً متتبعاً للروايات والأسانيد.

فهم - أي: المحدثون - بمنزلة الصيادلة الذين يبحثون في تركيب الأدوية، وصلاحيتها وفسادها، وأعراضها الإيجابية أو السلبية؛ فلذا نجد أنّ أهل الضلال يبغضون المحدثين بغضاً شديداً؛ لأنهم يكشفون أكاذيبَهم ويفضحون افتراءاتِهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى السلف الأول وغيرهم، لاسيما وقد خصَّ الله تعالى هذه الأمةَ بالإسناد وجعله من الدين المقرِّب إلى ربِّ العالمين.


وأما الفقهاء


فهم قومٌ نوّر الله تعالى بصائرَهم، وتعمقوا في دراسة مقاصد الشريعة وأصول الفقه والتشريع، والبناء الذي يقوم عليه النص، وطرقِ الاستدلال والنظر؛ فهم قيّضهم الله تعالى لحفظ النص من تأويل الجاهلين وتحريف الغالين. . .

. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدولة، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين" أخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" وفي "شرف أصحاب الحديث"، وهو حسن


بعد البحث ومراجعة مسرد الأحاديث النبوية في كتاب "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي تبين أنه لم يُخرج هذا الحديث!

وقد أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" برقم (55) وبرقم (56)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" برقم (20911)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/38، وابن عدي في "الكامل" 1/211 و 2/273 مُرسَلاً من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن العذريِّ.

وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" برقم (53)، وابنُ عساكرَ في "تاريخ مدينة دمشق" 7/39 من حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ - رضي الله عنه -.

وأخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث برقم (54)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -؛ مقتصراً على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يرث هذا العلم من كل خلف عدولة".

وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" 54/225 من حديث أنس - رضي الله عنه -.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 1/248 و3/457-458، وذكره الديلمي في "مسند الفردوس" برقم (9012) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -.

وأخرجه ابن عدي في "الكامل" 1/247 من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" برقم (3884) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -.

وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 1/26، وابن عدي في "الكامل" 1/249 من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -،

وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 1/26 من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة معاً.

وقد ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" برقم (601) أنه قد رواه البزار من حديث ابن عمرو وأبي هريرة معاً، وذكرَ أنّ في إسناد هذه الروايةِ عمرَو بنَ خالد القرشيَّ كذبه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، ونسبه إلى الوضع.

وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" برقم (52)، والطبراني في "مسند الشاميين" برقم (599)، وابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" 43/236، وابن عدي في "الكامل" 1/248من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه
وذكر الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" ص 29 عقب ما رواه برقم (56) أنّ يحيى بن معين سأل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث قال: كأنه كلام موضوع ! قال: لا هو صحيحٌ. فقلت: ممن سمعته أنت ؟ قال: من غير واحد. ا.ه‍.

وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وأسانيده إن شاء الله

والله أعلم.

فقوله عليه السلام "ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين" إشارة إلى الفقهاء، وقوله: "ينفون عنه انتحال المبطلين" إشارة إلى المحدثين.

فالعلاقة بين الفقيه والمحدث تكاملية، وإن كان الفقيه يتربع على عرش الفتوى والنظر في مصالح العباد؛ لأن علم الفقيه مقاصدي، وعلم المحدث وسائلي


المبحث الأول

العدالة لغةً واصطلاحاً

المطلب الأول: العدالة لغةً:

معاني "العدالة" في اللغة تدور في أفلاك معاني التوسُّط والاعتدال والاستقامة.

قال صاحبُ "لسان العرب":

العَدْل: ما قام في النفوس أنه مُستقيمٌ، وهو ضِدُّ الجَوْر.

عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعدِلُ عَدْلاً، وهو عادِلٌ، من قوم عُدُولٍ وعَدْلٍ - الأخيرةُ اسمٌ للجمع كـ "تَجْرِ" و"شَرْبٍ" -وعَدَل عليه في القضيَّة فهو عادِلٌ، وبَسَطَ الوالي عَدْلَه ومَعْدِلَته.

وفي أسماء الله سبحانه: "العَدْل": هو الذي لا يَميلُ به الهوى فيَجورَ في الحكم، وهو في الأَصل مصدرٌ سُمِّي به فوُضِعَ مَوضِعَ "العادلِ" وهو أبلغ منه؛ لأَنه جُعِلَ المُسَمَّى نفسُه عَدْلاً.

والعَدْلُ: الحُكْم بالحق، يقال: هو يَقْضي بالحق ويَعْدِلُ، وهو حَكَمٌ عادِلٌ ذو مَعْدَلة في حكمه، والعَدْلُ من الناس: المَرْضيُّ قولُه وحُكْمُه، وقال الباهلي: رجل عَدْلٌ وعادِلٌ: جائز الشهادة، ورَجُلٌ عَدْلٌ رِضاً ومَقنَعٌ في الشهادة. . . .

والعَدالة والعُدولة والمَعْدِلةُ والمَعْدَلةُ - كلُّه -: العَدْل، وتعديل الشهود: أن تقول: إنهم عُدُولٌ، وعَدَّلَ الحُكْمَ: أقامه، وعَدَّلَ الرجلَ: زَكَّاه، والعَدَلةُ والعُدَلةُ: المُزَكُّون. . . يُقال: رجل عُدَلة، وقوم عُدَلة أيضاً، وهم الذين يُزَكُّون الشهودَ، وهم عُدُولٌ، وقد عَدُلَ الرجلُ - بالضّمّ - عَدالةً. . . .

وفلان يَعدِل فلاناً؛ أي: يُساويه ويقال: ما يَعْدِلك عندنا شيءٌ؛ أي: ما يقَع عندنا شيءٌ مَوقِعَك، وعَدَّلَ المَوازينَ والمَكاييلَ: سَوَّاها، وعَدَلَ الشيءَ يَعْدِلُه عَدْلاً وعادَله: وازَنَه، وعادَلْتُ بين الشيئين وعَدَلْت فلاناً بفلان: إذا سَوَّيْت بينهما، وتَعْدِيلُ الشيء: تقويمُه، وقيل: العَدْلُ: تَقويمُك الشيءَ بالشيءِ من غير جنسه حتى تجعله له مِثْلاً.

والعَدْلُ والعِدْلُ والعَديلُ سَواءٌ؛ أي: النَّظير والمَثيل، وقيل: هو المِثْلُ وليس بالنَّظير عَينه، وفي التنزيل: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة: 95]

يُنظر: "لسان العرب" (عدل) 4/2838-2839.


المطلب الثاني: العدالة في اصطلاح الفقهاء:

إن الناظر في كتب الفقه يجدَ العدالة مَطلوبةً في مباحثَ عديدةٍ منه؛ يُمكن ردُّها إلى ثلاثةٍ رئيسة:

1- الولايات: كإمام الأمة (الحاكم)، والأئمة دونه (الولاة)، وإمام الجماعة، وعامل الزكاة، ووليّ النكاح، والقاضي، والمفتي.

2- والوصايات: كناظر الوقف، وولي اليتيم والمحجور عليه

3- والشهادات في أبواب الطهارات، وقبلة الصلوات، وإثبات الشهور (رمضان وغيره)، وإثبات الحقوق والعقود، وإقامة الحدود.

هذا وإنّ الباحث يجد أنّ للعدالة لدى الفقهاء والمحدثين تعريفاتٍ متعددةً، ولكنها متقاربةٌ ! بل لعلها تكون متطابقة.

صرح بذلك عددٌ من أهل العلم كالحافظ السيوطي الذي قال في "تدريب الراوي": على ما حُرّرَ في الشهادات من كتب الفقه، وتُخالفها في عدم اشتراط الحرية والذكورة

"تدريب الراوي" ص 212.

ونصَّ الحافظ ابن دقيق العيد على أنها العدالة "المشترطة في قبول الشهادة على ما قُرِّر في الفقه"

"الاقتراح في بيان الاصطلاح" للحافظ ابن دقيق العيد ص 7.

في حين إن العدالة مطلوبةٌ لدى المحدثين لإثبات صدق نقلة الروايات والأخبار.

ويحسُن إيرادُ ما يُبيّن الفرق بين ما يتطلب العدالةَ عند المحدثين، وما يتطلبها عند الفقهاء.

يقول ابن عابدين:

الخبر ثلاثة: خبرٌ في الديانة تُشتَرَط له العدالة دون العدد، وخبر في الشهادة فالعدالة والعدد، وخبر في المعاملة فلا يُشتَرَط واحدٌ لئلا يضيق الأمر

حاشية ابن عابدين" 10/252-253.

وقد قال القرافي في الفرق الأول من كتابه الفخم "الفروق":

الفرق الأول بين الشهادة والرواية:

ابتدأت بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين؛ لأني أقمت أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما وتحقيق ماهية كل واحدة منهما؛ فإن كل واحدة منهما خبرٌ؛ فيقولون: الفرق بينهما: أن الشهادة يُشترط فيها العدد والذكورية والحرية؛ بخلاف الرواية؛ فإنها تصحُّ من الواحد والمرأة والعبد.

فأقول لهم: اشتراط ذلك فيها فرعُ تصورها وتمييزِها عن الرواية، فلو عُرفت بأحكامها وآثارها التي لا تًعرَفُ إلا بعد معرفتها لزم الدورُ! وإذا وقعت لنا حادثةٌ غير منصوصة من أين لنا أنها شهادة حتى يُشترط فيها ذلك؟ فلعلها من باب الرواية التي لا يُشترط فيها ذلك! فالضرورة داعية لتمييزهما، وكذلك إذا رأينا الخلافَ في إثبات شهر رمضان: هل يُكتفى فيه بشاهدٍ، أم لا بد من شاهدين؟

ويقول الفقهاء في تصانيفهم: منشأ الخلاف في ذلك: هل هو من باب الرواية أو من باب الشهادة.

إلى أن قال: ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوف إلى معرفته ذلك حتى طالعتُ "شرح البرهان" للمازري - رضي الله عنه -، فوجدته ذكَرَ هذه القاعدة وحقّقها، وميّز بين الأمرين من حيث هما، واتجه تخريج تلك الفروع اتجاهاً حسناً.

ثم نقل عن المازري:

الشهادة والرواية خبران غير أن المخبر عنه إن كان أمراً عاماً لا يختص بمعين؛ فهو الرواية كقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات"، و "الشفعة فيما لا يقسم" لا يختص بشخص معين، بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار؛ بخلاف قول العدل عند الحاكم: "لهذا عند هذا دينار" إلزام لمعيَّن لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة، والأول هو الرواية المحضة، ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك.

ووجه المناسبة بين الشهادة واشتراط العدد حينئذ وبقية الشروط: أن إلزام المعين تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطَّلِع عليها الحاكم، فتبعث العدوَّ على إلزام عدوّه ما لم يكن لازماً له.

فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخَرَ؛ إبعاداً لهذا الاحتمال، فإذا اتفقا في المقال قرب الصدق جداً؛ بخلاف الواحد.

ويناسب أيضاً اشتراط الذكورية من وجهين.

ثم تكلم عن نقصان شهادات النساء، واشتراط الحرية، وأطنَبَ في الموضوع في كلام نفيس جداً

يُنظر: "أنوار البروق في أنواع الفروق" 1/74-91.

وسأُلقي الضوءَ على طائفةٍ من تعريفات العدالة منتقاةٍ من عددٍ من الكتب الفقهية على المذاهب الأربعة، وأُتبِعُها - في المطلب الثالث - بزمرةٍ من التعريفات المختارة من بعض كتب مصطلح الحديث.

ففي "حاشية ابن عابدين" خاتمة المحققين الحنفيين:

العدالة: ملَكةٌ تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والشرط أدناها، وهو ترك الكبائرِ والإصرارِ على الصغائر، وما يُخلُّ بالمروءة، ويلزم أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً

"رد المحتار على الدر المختار" (حاشية ابن عابدين) 3/352.


ونُقلت فيها أقوال:


فعن أبي يوسف: أن لا يأتي بكبيرة، ولا يصر على صغيرة، ويكون ستره أكثر من هتكه، وصوابه أكثر من خطئه، ومروءته ظاهرة، ويستعمل الصدق، ويجتنب الكذب ديانةً ومروءة.

وقيل: من اجتنب الكبائر وفعل مئة حسنة وتسعاً وتسعين صغيرة فهو عدل، وإن فعل حسنة وصغيرتين ليس بعدل. وقيل: هي الاستقامة وهي بالإسلام واعتدال العقل ويعارضه هوى يضله ويصده وليس لكمالها حد يدرك مداه ويكتفي لقبولها بأدناه كي لا تضيع الحقوق وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة

نظر: "حاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المحتار على الدر المختار" الملحق بـ (حاشية ابن عابدين) 11/150.

وفي "الذخيرة" للقرافي المالكي:

العدالة: وهي أن يكون الشاهد يجتنب الكبائر ويتوقى الصغائر... وفي الجواهر: الذي تقبل شهادته المجتنب للكبائر المتقي للصغائر ذو مروة وتمييز، مستيقظ، متوسط الحال بين البغض والمحبة، والاعتدالُ في الأحوال الدينية هو العدالة؛ بأن يكون ظاهر الأمانة، بعيداً من الريب، مأموناً في الرضا والغضب.

قال

أي: في "الجواهر"، وهو كتاب "الجواهر الثمينة على مذهب عالم المدينة" في فروع الفقه المالكي لأبي محمد عبدالله بن محمد بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي المالكي المتوفى سنة (610 ه‍)، وضعه على ترتيب "الوجيز" للغزالي، والمالكية عاكفة عليه لكثرة فوائده.

يُنظر: "كشف الظنون" لحاجي خليفة 1/612.

: قال بعض علمائنا: وليست العدالة أن يمحض الطاعة حتى لا تشوبها معصية لتعذُّره! لكن من كانت الطاعةُ أكثرَ حاله، وهو مجتنب الكبائر، يحافظ على ترك الصغائر، يستعمل المروّة التي تليق بمثله في دينه ودنياه، فكل من صدر منه تعدٍّ أدّى لسقوط الدين والمروّة فهو قادحٌ في شهادته

"الذخيرة" 10/201.

وذُكرت العدالة في "مواهب الجليل" للحطاب الرعيني المالكي على أنها: صفة مظنة تمنع موصوفها البدعةَ وما يشينه عرفاً ومعصية غير قليل الصغائر، فالصغائر الخسيسة مندرجةٌ فيما يشين، ونادرٌ الكذب في غير عظيم مفسدة عفو مندرج في قليل الصغائر.

وأطول منه قول ابن الحاجب في الفقه: العدالة: المحافظة الدينية على اجتناب الكذب والكبائر، وتوقّي الصغائر، وأداء الأمانة، وحسن المعاملة، ليس معها بدعة أو أكثرها

"مواهب الجليل لشرح مختصر خليل" للحطاب الرعيني 8/162.


وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين":

شرط العدالة: اجتناب الكبائر، والإصرار على صغيرة.

فقال الخطيب الشربيني موضِّحاً: فبارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة من نوع أو أنواع تنتفي العدالة، لا أن تغلب طاعاتُه معاصيَه؛ كما قاله الجمهور، فلا تنتفي عدالته وإن اقتضت عبارة المصنف الانتفاءَ مطلقاً

مغني المحتاج في حل ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني 4/540-541.


وقد زاد أبو شجاع شروط العدالة في "متنه" فقال:

وللعدالة خمس شرائط: أن يكون مجتنباً للكبائر، غير مصرٍّ على القليل من الصغائر، سليم السريرة، مأموناً عند الغضب، محافظاً على مروءة مثله.

قال الخطيب الشربيني: سليم السريرة: أي: العقيدة؛ بأن لا يكون مبتدعاً لا يكفر ولا يفسق ببدعته، فلا تقبل شهادة مبتدع يكفر، أو يفسق ببدعته؛ فالأول: كمُنكري البعث، والثاني كسابِّ الصحابة - رضي الله عنهم -.

وقال: الرابع: أن يكون العدل (مأموناً) مما توقع فيه النفس الأمارة صاحبها (عند الغضب) من ارتكاب قول الزور، والإصرار على الغيبة والكذب لقيام غضبه؛ فلا عدالة لمن يحمله غضبه على الوقوع في ذلك.

(و) الخامس: أن يكون (محافظاً على مروءة مثله) بأن يتخلق الشخصُ بخلق أمثاله من أبناء عصره ممن يراعي مناهج الشرع وآدابه في زمانه ومكانه؛ لأن الأمور العرفية قلما تنضبط بل تختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والبلدان، وهذا بخلاف العدالة؛ فإنها تختلف باختلاف الأشخاص؛ فإن الفسق يستوي فيه الشريف والوضيع بخلاف المروءة فإنها تختلف

يُنظر: "الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني، وعليه "حاشية البجيرمي" 5/377-383.

وذكر الحجّاوي الحنبلي أنّ العدالة هي: استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله، ويُعتَبَرُ لها شيئان:

الصلاح في الدين: وهو أداء الفرائض بسُننها الراتبة، فلا تقبل إن داوَمَ على تركِها لفسقه، واجتناب المحرم فلا يرتكب كبيرة، ولا يدمن على صغيرة.

الشيء الثاني: استعمال المروءة: وهو ما يجمله ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه عادةً

"الإقناع لطالب الانتفاع" للحجاوي 4/504-506.

ونحو ذلك ذكره ابن النجار الفُتوحي في "منتهى الإرادات"، والبهوتي في "شرحه" له المسمى "دقائق أولي النهى

"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي 6/661

وأختم بتعريف متأخر جامعٍ قاله الفيوميُّ في "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير

"الشرح الكبير" للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (623ه‍) على كتاب "الوجيز في فروع الفقه" على المذهب الشافعي لحجة الإسلام الغزالي (505 ه‍).

العدالةُ: صفة توجب مراعاتُها الاحترازَ عما يخلّ بالمروءة عادةً ظاهراً، فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تُخل بالمروءة ظاهراً؛ لاحتمال الغلط والنسيان والتأويل، بخلاف ما إذا عُرف منه ذلك وتكرّر، فيكون الظاهر الإخلال!

ويُعتَبَرُ عرفُ كلّ شخص وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع والشراء، وحمل الأمتعة وغير ذلك؛ فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قُدِح، وإلا فلا

"المصباح المنير" (عدل) ص151.


المطلب الثالث: العدالة في اصطلاح المحدثين:


سلف وأن ذكرتُ في بدايات المطلب السابق أنّ ثَمّةَ تشابُهاً بين العدالة لدى الفقهاء ولدى المحدثين، وسقت طائفةٍ منتقاةٍ من عددٍ من الكتب الفقهية على المذاهب الأربعة.

وها أُتبِعُ ما تقدّمَ بزمرةٍ من التعريفات المختارة من بعض كتب مصطلح الحديث.

من أوائل من نصّ مِن أهل الحديث على شروط الراوي مقبول الرواية الإمامُ الشافعي؛ حيث قال في "الرسالة":

ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أموراً: منها أن يكون من حدّث به ثقةً في دينه، معروفاً بالصدق في حديثه. .

"كتاب الأم": الجزء الأول "الرسالة": ص 170.

وبهذا الإجمال يرى الحافظ ابن حبان أنّ العدالة في المرء: هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله

كتاب المجروحين" 2/455، وكذلك قال في "صحيحه" 1/151.

وقريبٌ منه قول إبراهيم النخعي: العَدلُ: الذي لم تَظهر منه رِيبةٌ

خرجه عبد الرزاق "المصنف": كتاب الشهادات: 8/319: برقم (15361).

وأخرجه الخطيب البغدادي في "الكفاية" 1/268-269.

ونقل الخطيب البغداديُّ عن القاضي أبي بكر محمد بن الطيب

هو القاضي أبي بكر محمد بن الطيب ابن الباقلاني المتوفى (403 ه‍).ترجمته في "سير أعلام النبلاء" 17/190-193.

نقلاً مطوّلاً قال فيه:

والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي: العدالة الراجعة إلى استقامة دينه وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه مما اتُّفق على أنه مبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها.

والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة: إنها اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يسقط العدالة

"الكفاية" للخطيب البغدادي 1/272. ولكلام الباقلاني تتمة نفيسة قال فيها:

"وقد عُلم مع ذلك أنه لا يكاد يسلَمُ المكلَّف من البشر من كلِّ ذنبٍ، ومن ترْكِ بعضِ ما أمر به حتى يخرج لله من كل ما وجب له عليه، وأن ذلك يتعذر! فيجب لذلك أن يقال: إن العدل هو من عُرف بأداء فرائضه، ولزوم ما أُمر به، وتوقي ما نُهي عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحرّي الحق

والواجب في أفعاله ومعاملته، والتوقي في لفظه ما [كذا] يثلم الدين والمروءة. فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه، ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتنابُ كبائر الذنوب التي يُسمّى فاعلُها فاسقاً حتى يكون مع ذلك متوقّياً لِما يقول كثير من الناس: إنه لا يعلم أنه كبير، بل يجوز أن يكون صغيراً نحو الكذب الذي لا يُقطع على أنه كبير

ونحو التطفيف بحبة، وسرقة باذنجانة، وغشّ المسلمين بما لا يُقطَعُ عندهم على أنه كبير من الذنوب لأجل أنّ القاذورات ـ وإن لم يقطع على أنها كبائرُ يستحق بها العقاب ـ فقد اتُّفق على أن فاعلَها غيرُ مقبول الخبر والشهادة؛ إما لأنها متهِمة لصاحبها ومُسقِطة له، ومانعة من ثقته وأمانته، أو لغير ذلك؛ فإن العادة موضوعة على أنّ من احتملت أمانتُهُ سرقةَ بصلةٍ، وتطفيفَ حبةٍ احتملت الكذبَ وأخذ الرّشا على الشهادة ووضع الكذب في الحديث والاكتساب به.

فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتُّفق على أنه فسق يستحقّ به العقاب، وجميع ما أضربنا عن ذكره ـ مما لا يقطع قوم على أنه كبير وقد اتُّفق على وجوب رد خبر فاعله وشهادته ـ فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليماً منه".


"الكفاية" للخطيب البغدادي 1/272-273.

ثم قال الخطيب:


الطريق إلى معرفة العدل المعلوم عدالته مع إسلامه وحصول أمانته ونزاهته واستقامة طرائقه، لا سبيل إليها إلا باختيار الأحوال، وتتبع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة

"الكفاية" للخطيب البغدادي 1/274.

وذكر الحافظ ابن حجر أنّ العدالة "ملكة تحمل المرء على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة: من شرك أو فسق أو بدعة"

"نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" ص 69.

والتعريف بحروفه في "فتح المغيث" للسخاوي 2/158 .

وعرّفها ابن الأثير الجزري بأنها "عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً حتى تحصل الثقة للنفوس بصدقه، و لا تشترط العصمة من جميع المعاصي، ولا يكفي اجتناب الكبائر، بل من الصغائر ما ترد به الشهادة والرواية.

قال: وبالجملة: فكل ما يدل على ميل دينه إلى حدٍّ يستجيز على الله الكذب بالأغراض الدنيوية، كيف وقد شرط في العدالة التوقي عن بعض المباحات الفادحة في المروءة، نحو الأكل والشرب في السوق، والبول في الشوارع، ونحو ذلك

"جامع الأصول في أحاديث الرسول" 1/74.

وبتعبير معاصر؛ فإنّ "عدالة الرواة: محافظة دينية تحمل المرء المسلم البالغ العاقل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً؛ حتى يصل ثقة النفس بصدقه، وتتحققُ هذه المحافظةُ بالاجتناب عن الكبائر، وعن الإصرار على الصغائر، وعن المباحات المخلة بالمروءة؛ كالأكل في الطريق، والبول في الشارع، وصحبة الأرذال، والإفراط في المزاح والضحك، وغيرها من الأمور التي المرجعُ في إخلالها بالمروءة عرفُهُ ومجتمعُه"

"معجم المصطلحات الحديثية" ص 59.

وقُسمت العدالة إلى باطنة وظاهرة؛ فالعدالة "الباطنة هي التي لا تُعرف إلا من خلال طول المعاشرة والمخالطة، وليس المقصود بالباطنة ما في قلبه؛ لأنه ليس من قدرة البشرِ العلمُ بها.

أما العدالة الظاهرة فهي ما تعرف بظاهر الأمر.

ويمكن التفريق بين العدالة الباطنة والعدالة الظاهرة بأن نقول: إن العدالة الباطنة هي العلم بعدم المُفسّق، والعدالة الظاهرة: هي عدم العلم بالمُفسّق

"التخريج ودراسة الأسانيد" للدكتور حاتم بن عارف الشريف. ملف (word).









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-25, 16:51   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المـبحث الثانـي

طرق التعديل


المطلب الأول: طرق التعديل عند الفقهاء:


التعديل لغة: هو التقويم، وقد سلف قول ابن منظور:

وتعديل الشهود: أن تقول: إنهم عُدُولٌ، وعَدَّلَ الحُكْمَ: أقامه، وعَدَّلَ الرجلَ: زَكَّاه،. . . . وعَدَّلَ المَوازينَ والمَكاييلَ: سَوَّاها،. . . وتَعْدِيلُ الشيء: تقويمُه

يُنظر: "لسان العرب" (عدل) 4/2839.

وأما التعديل عند الفقهاء فهو: النسبة إلى العدالة والوصف بها، وهو ضد التفسيق

يُنظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 13/100.

ورأى البعض أنّ التعديل هو: تنفيذ الشهادة

نقله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 5/575 عن ابن المنيّر.

ولعل هذا التعريف مردُّه إلى الشهادة في محاكم القضاء هي أخطر المناحي التي يُحتاج فيها إلى العدالة؛ ففيها إثبات حقوق، وإقامة حدود، وتبرئة متهمين أو إدانتهم، وإعلان أحكامٍ خطيرة تتعلق بأفرادٍ، بل تتعدى إلى الأمة بأسرها أحياناً!

وهنا يكمن تعليل أنّ الكلام عن العدالة يكون - على الأغلب - في أبعاض أبواب الشهادات والقضاء في كتب الفقهاء على اختلاف مذاهبهم.

فهل يُكتفى بظاهر العدالة، أم يتعين تقّصي العدالة في شخص الشاهد بالسؤال، أو الاستفاضة أو الشهرة.


اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

الأول:

الاقتصار على ظاهر العدالة، ولا يتعين على القاضي التقصي عنها إلا في الحدود والقصاص، وكذا فيما لو طعن الخصم في الشاهد.

وهو قول الإمام أبو حنيفة

يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/233.

ورواية عن الإمام أحمد - واختيار الخِرَقي عند القاضي وجماعة - في كلِّ مسلم لم تظهر منه ريبة

يُنظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" للمرداوي 12/37.

القول الثاني:

إنه يتعين على القاضي أن يسأل عن الشهود، ويتحرى عنهم.

وهو قول الصاحبين؛ وعليه الفتوى في المذهب الحنفي

يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/233.

وهو قول المالكية

يُنظر: "الكافي في فقه أهل المدينة المالكي" لابن عبد البر ص 465- 466.

والشافعية

يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي 17/156.

والحنابلة في ظاهر المذهب

يُنظر: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" للمرداوي 12/37.

والتعديل - أو التزكية - نوعان: سر وعلانية:

أما تزكية السر، فأن يختار للمسألة عن الشهود من هو أوثق الناس، وأورعهم ديانة، وأعظمهم دراية، وأكثرهم خبرة، وأعلمهم بالتمييز فطنة، فيوليه البحث عن أحوال الشهود.

وأما تزكية العلانية، فأن يحضر القاضي المزكي بعدما زكى؛ ليزكِّيَ الشهود أمامه

يُنظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" 11/241.

ويجتزئ القاضي في تزكية السر بواحد؛ لأنها ليست شهادة بل إخبار، وهو مذهب الحنفية

يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/117.

وقولٌ لمالك

يُنظر: "الذخيرة" 10/207.

وقولٌ عند الحنابلة

يُنظر: "الإنصاف" 11/275-276.

والقول الآخر لمالك

يُنظر: "الذخيرة" 10/207.

هو مذهب الشافعية

يُنظر: "الحاوي" 16/187.

والحنابلة

يُنظر: "الإنصاف" 11/275-276.

إنه لا بد من اثنين.

أما بالنسبة لتزكية العلن، فالمذاهب الثلاثة

يُنظر: "تكملة حاشية ابن عابدين" 11/118، "الحاوي" 16/187، "الإنصاف" 11/270-274.

ومشهور المذهب عند المالكية

يُنظر: "الذخيرة" 10/207.

أنه لا يُقبَلُ فيها إلا اثنان؛ لأنها شهادة.

وروي عن مالك: أنه لا يزكيه إلا أربعة، وعن ابن الماجشون: أنّ أقلّ ما يزكي الرجل أربعة شهود

يُنظر: "الذخيرة" 10/207.


لمطلب الثاني: طرق التعديل عند المحدثين.

التعديل عند المحدثين: هو وصف الراوي في عدالته وضبطه بما يقتضي قَبول روايته

"معجم المصطلحات الحديثية" ص 27، وعزاه بقوله: "د. عبد العزيز العبد اللطيف: "ضوابط للجرح والتعديل" ص 11".

أو هو: "نسبة الرجل إلى العدالة، التي هي الرضا والقناعة بالشخص على أنه صالح للشهادة، وتزكيته"

"منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح" للشيخ أبو بكر كافي ص 73.


ويثبت التعديل لدى المحدثين بواحد من ثلاثة طرق:


الأول: الشهرة والاستفاضة

يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 68، "فتح المغيث" 2/166-167، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/245، "تدريب الراوي" ص 213.

قال الخطيب البغدادي في "الكفاية":

باب في أنّ المحدث المشهور بالعدالة والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المعدل:

مثال ذلك أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشعبة بن الحجاج، وأبا عمرو الأوزاعي، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، ويحيى ابن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، وأحمد بن حنبل، وعلى بن المديني، ويحيى بن معين، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر، واستقامة الأمر، والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم، لا يسأل عن عدالتهم، وإنما يُسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين، أو أشكل أمره على الطالبين

"الكفاية" 1/286.

ذلك أنّ النفسَ تطمئن إلى عدالة أمثال أولئك الأئمة الأعلام باشتهار ذلك عنهم اطمئناناً أقوى من شهادة الواحد والاثنين بعدالتهم.

سئل الإمام أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه، فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين

أخرجه الخطيب في "الكفاية" 1/286، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/210.

وسُئل يحيى بن معين عن الكتابة عن أبي عبيد القاسم بن سلام فقال: مثلي يُسأل عن أبي عبيد ! أبو عبيد يُسأل عن الناس

أخرجه الخطيب في "الكفاية" 1/287، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 49/68.


الثاني: تعديلُ اثنين من علماء الحديث والرجال

يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 68 و69، "فتح المغيث" 2/162-163، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/245، "تدريب الراوي" ص 213 و 218.

وهو أن ينصَّ اثنان من أهل العلم بالجرح والتعديل على عدالته؛ قياساً على الشهادة؛ حيث يشترط في تزكية الشاهد اثنان، وهو قول جمهور العلماء.


لثالث: تعديلُ واحدٍ من علماء الحديث والرجال

يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 69، "فتح المغيث" 2/162-164، "تدريب الراوي" ص 218

وهو أن ينصَّ واحدٌ من علماء الجرح والتعديل على عدالة الراوي.

ورجّح ذلك الخطيب البغدادي وابن الصلاح وغيرهما، واستدلوا بأنه لم يُشتَرَط العدد في قَبول الخبر.

واستدلوا بأن الحديث الغريب قد يكون صحيحاً، وهو ما يتفرّد بروايته راوٍ واحدٌ

يُنظر: "معجم المصطلحات الحديثية" ص 63.

واستدلوا كذلك بحالات قَبول الصحابة - رضي الله عنهم - فمن بعدَهم من أهل العلم مروّياتِ راوٍ واحدٍ.


وقد ذُكرت لبعض أهل العلم طرقٌ أخرى ردّها جمهورُهم؛ من ذلك:

أ- تعديل كل حامل للعلم حتى يتبين جرحه


يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 68-69، "فتح المغيث" 2/168-169، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/245-247، "تدريب الراوي" ص 214.

وهو مذهبُ الحافظ ابن حبان المعروف من كتابه "الثقات"؛ حيث قال:


العدلُ:

من لم يُعرَف منه الجرحُ ضد التعديل فمن لم يُعلَم بجرحٍ فهو عدلٌ

"كتاب الثقات" 1/13.

ورأى ذلك الحافظ ابن عبد البر فقال "التمهيد":

وكلُّ حاملِ علمٍ معروفِ العناية به فهو عدلٌ محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جُرحَتُهُ في حاله، أو في كثرة غلطه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدولة"

"التمهيد" (موسوعة شروح الموطأ) 1/321، وقد سلف الحديث بتمامه ص 6 من هذا البحث، وثمة تخريجه.

ووافقهم على ذلك من المتأخرين ابن المواق

"فتح المغيث" 2/174، "تدريب الراوي" ص 214.

وابن المواق هو: عبد الله بن مواق المغربي المتوفى سنة (897 سبع وتسعين وثمان مئة)، صنف "بغية النقاد في أصول الحديث". قاله إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" 1/470.


ب- التعديل على الإبهام

يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 70-71، "فتح المغيث" 2/191-200، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/254-255، "تدريب الراوي" ص 219-223.

وهو أن يذكر الراوي الثقة أنه لا يروي إلا عن ثقة، فإن روى عن راوٍ تكون روايته عنه توثيقاً له، أو أن يقول الراوي الثقة: "حدثني الثقةُ"، أو يقول: "حدثني من لا أتّهم" دون أن يُسمِّيَهُ، ويكون قوله توثيقاً له.

وممن نُقل عنه أنه" لا يروي إلا عن ثقة - إلا على النادر - الإمام أحمد، وبقيّ بن مُخلّد، وحريز بن عثمان، وسليمان بن حرب، وشعبة والشعبي وعبد الرحمن بن مهدي ومالك ويحيى بن سعيد القطان، وذلك في شعبة على المشهور؛ فإنه كان يتعنت في الرجال ولا يروى إلا عن ثبت، وإلا فقد قال عاصم بن علي: سمعت شعبة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة لم أحدثكم عن ثلاثة - وفي نسخة: ثلاثين - وذلك اعتراف منه بأنه يروي عن الثقة وغيره فينظر، وعلى كل حال فهو لا يروي عن متروك ولا عن من أُجمع على ضعفه

"فتح المغيث" 2/200-202.

قال الخطيب:

إذا قال العالِم: "كلُّ من رويتُ عنه فهو ثقة وإن لم أسَمّه"، ثم روى عمن لم يسمّ؛ فإنه يكون مزكياً له، غير أنا لا نعمل على تزكيتة؛ لجواز أن نعرفه إذا ذكره بخلاف العدالة

"الكفاية" 1/298.

وحكى ابن الصباغ عن أبي حنيفة أنه يُقبل

"المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/254.

والقول المختار: إنه لا يقبل؛ لجواز أن يُعرَفَ بجرحٍ لو بيَّـنَه

يُنظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 70-71، "فتح المغيث" 2/192، "المقنع في علوم الحديث" لابن الملقن 1/254، "تدريب الراوي" ص 220.

بل إضرابه عن تسميته ريبةٌ تُوقعُ تردُّداً في قلب السامع

"فتح المغيث" 2/192، "تدريب الراوي" ص 219.

قال الخطيب:

إذا قال العالم: "كل من أروي لكم عنه وأسَمّيه فهو عدلٌ رضا مقبولُ الحديث" كان هذا القول تعديلاً لكل من روى عنه وسَمّاه

"الكفاية" 1/298.

ورأى الخطيب البغداديّ أن "عمل العالم بخبر من روى عنه لأجله فإن ذلك تعديل له يُعتَمَدُ عليه؛ لأنه لم يعمل بخبره إلا وهو رضا عنده عدلٌ، فقام عملُه بخبره مقامَ قوله: هو عدل مقبولُ الخبر.

ولو عمل العالم بخبر من ليس هو عنده عدلاً لم يكن عدلاً يجوز الأخذُ بقوله، والرجوعُ إلى تعديله؛ لأنه إذا احتملت أمانته أن يعمل بخبرِ من ليس بعدلٍ عنده احتملت أمانتُه أن يُزكّيَ ويعدِّلَ من ليس بعدلٍ"

"الكفاية" 1/299.

في حين رأى ابن الصلاح أن "عمل العالم أو فتياه على وفق حديث ليس حكماً منه بصحة ذلك الحديث، وكذا مخالفته للحديث ليست قدحاً منه في صحته ولا في روايته"

"مقدمة ابن الصلاح" ص 71.

واحتج السخاوي لرأي ابن الصلاح بأنه" ربما كان المفتي ممن يرى العمل بالحديث الضعيف ويُقدّمه على القياس، فهو يعمل به مع علمِهِ أن راويَ الحديث ضعيف؛ إذ هو عنده خير من النزول إلى القياس أو غيره من أدلة الشرع، أو أن العالم يعمل بذلك الحديث احتياطاً إذا كان ما يرويه عن طريق ذلك زيادة على ما هو ثابت فيعمل به زيادةً في الاحتياط"

"فتح المغيث" 2/198.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-25, 16:56   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

خـاتـمة

بذلتُ جهداً كبيراً في محاولة التمييز بين العدالة وطرق التعديل لدى الفقهاء، وبين العدالة وطرق التعديل لدى المحدثين.

والذي جعل الأمر شاقاً هو التداخُل الكبير في موضوع العدالة بين الفقهاء وكتبهم، والمحدثين وأسفارهم؛ الأمر الذي جعل كثيراً من الباحثين المعاصرين الذين اطّلعت على كتاباتهم يخلطون - معذورين - بين مباحث العدالة لدى الفقهاء، ومباحثها لدى المحدثين.

وكانت النتيجة التي وصلت إليها التقاربُ الشديد في مفهوم العدالة بين الفقهاء والمحدثين؛ على الرغم من الاختلاف بين ما يتطلب العدالة عند المحدثين وهو الرواية، وما يتطلب العدالة عند الفقهاء وهو الشهادة رغم أنهما خبران في الأصل؛ ذلك أن الرواية أمرٌ عامٌّ لا يختص بمعين؛ بخلاف الشهادة التي يُخشى أنّ إلزام المعين بها قد تُتوقع قبله - أو بعده - عداوة ما؛ فاحتاط الشرع للشهادة وأوجب لها العدد.

ثم اختلف الفقهاء في الاقتصار على ظاهر العدالة، وتعيُّن السؤال عن الشهود، والتحري عنهم، وما يتفرع عن ذلك من تعديلهم في السر والعلانية، وما يلزم لذلك.

وعُني المحدثون بوسائل إثبات وصف الراوي بما يقتضي قَبول روايته، أو ردّها.

ويثبت التعديل لدى المحدثين بالشهرة والاستفاضة، أو تعديلِ اثنين قياساً على الشهادة، أو تعديل واحدٍ من العارفين بالرجال.

وردُّوا أقوال من قال بتعديل كل حامل للعلم حتى يتبين جرحه، أو قال بالتعديل على الإبهام.

والحمد لله رب العالمين

والله تعالى أعلم


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


مسرد المصادر والمراجع:


• "الاقتراح في بيان الاصطلاح وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة من الصحاح" للحافظ ابن دقيق العيد (702ه‍) ويليه "نظم الاقتراح" للحافظ ولي الدين العراقي (806 ه‍).

شركة دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت. ط1: 1427ه‍/2006م.

"الإقناع لطالب الانتفاع" لشرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي المقدسي (968 ه‍)

تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر.

أعيد طبع هذا الكتاب على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بمناسبة الاحتفاء بمرور

عشرين عاماً على توليه - حفظه الله - مقاليد الحكم. رقم تسلسل الإصدار: 118.

ط3: 1423ه‍/2002م طبعة خاصة بدارة الملك عبد العزيز.

"الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان

المرداوي الدمشقي الصالحي (المتوفى 885ه‍)

دار الكتب العلمية بيروت. ط1: 1418ه‍/1997م.
"البجيرمي على الخطيب" وهو حاشية الشيخ سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي المتوفى (1221 ه‍) المسماة "تحفة الحبيب

على شرح الخطيب" المعروف بـ "الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع" للخطيب الشربيني (977 ه‍)

دار الكتب العلمية - بيروت. ط1: 1417ه‍/1996م.

"بغية الرائد في تحقيق "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي (807 ه‍)

تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دار الفكر ـ بيروت ط1: 1414 ه‍/1994م.

"تاريخ مدينة دمشق" لابن عساكر (571ه‍)

دراسة وتحقيق محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي. دار الفكر - بيروت: 1415ه‍/1995م.

"التخريج ودراسة الأسانيد" للدكتور حاتم بن عارف الشريف.

ملف (word). مصدر الكتاب: ملتقى أهل الحديث (www. ahlalhdeeth. com).

"تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي" للإمام السيوطي (911ه‍)

اعتنى به: حسن شلبي و ماهر ثملاوي. مؤسسة الرسالة ناشرون - دمشق بيروت. ط1: 1427ه‍/2006م.

"جامع الأصول في أحاديث الرسول" للإمام مجد الدين أبي السعادات ابن الأثير الجزري (606 ه‍)

حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: عبد القادر الأرناؤوط.

نشر وتوزيع: مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان.

حقوق الطبع محفوظة للمحقق والناشر: 1389 ه‍/1969م.

"الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي" لأبي الحسن الماوردي (450 ه‍)

وهو شرح "مختصر المزني"

تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض، و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود

قدم له وقرظه: أ. د. محمد بكر إسماعيل، و أ. د. عبد الفتاح أبو سنة.

دار الكتب العلمية - بيروت. ط1: 1414 ه‍/ 1994م.

"الذخيرة" لشهاب الدين القرافي

تحقيق: الأستاذ محمد بو خبزة. دار الغرب الإسلامي - بيروت. ط1: 1994م.

"رد المحتار على الدر المختار" لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252 ه‍)

مع "حاشية قرة عيون الأخيار تكملة رد المختار على الدر المختار" لابن المؤلف محمد علاء الدين بن محمد أمين عابدين (1306 ه‍)

دراسة وتحقيق: الشيخ أحمد عادل عبد الموجود و الشيخ علي محمد معوض. قدم له وقرظه: أ. د. محمد بكر إسماعيل.

دار عالم الكتب - الرياض. طبعة خاصة طبعت بموافقة دار الكتب العلمية - بيروت: 1423 ه‍/2003م.

"السنن الكبرى" للحافظ البيهقي (458 ه‍)

تحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية - بيروت. ط3: 1424 ه‍/ 2003م.

"سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي (748ه‍)

مؤسسة الرسالة - بيروت. ط1:1405 ه‍/1984م.

"شرح مشكل الآثار" للإمام المحدث الفقيه أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي (321 ه‍)

حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط

مؤسسة الرسالة - بيروت ط1: 1415ه‍/ 1994م.

"شرح منتهى الإرادات" (دقائق أولي النهى لشرح المنتهى) للشيخ منصور بن إدريس البهوتي (1051 ه‍)

تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي. مؤسسة الرسالة ناشرون - بيروت. ط1: 1421ه‍/2000م.

"شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي (463ه‍)

بتحقيق الدكتور: محمد سعيد خطيب أوغلي. نشريات كلية الإلهيات - جامعة أنقرة.

"صحيح ابن حبان" للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 ه‍)

تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2: 1414 ه‍/ 1993م.

"علوم الحديث" (مقدمة ابن الصلاح) للحافظ أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن (643ه‍)

اعتنى به وعلق عليه: إسماعيل زرمان. مؤسسة الرسالة ناشرون - بيروت. ط1: 1425ه‍/2004م.

"فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني (852 ه‍)

طبعة مصححة على عدة نسخ، وعن النسخة التي حقق أصولها وأجازها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز.

دار الفكر - بيروت: 1414ه‍/1993ه‍.

"فتح المغيث شرح ألفية الحديث" للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي (902ه‍)

دراسة وتحقيق: د. عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير و د. محمد بن عبد الله بن فهيد آل فهيد.

دار المنهاج للنشر والتوزيع - الرياض. ط1: 1426ه‍.

"فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب" للحافظ شيريويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي

ومعه "تسديد" القوس للحافظ ابن حجر العسقلاني و "مسند الفردوس" لأبي منصور شهردار بن شيرويه الديلمي

قدم له وحققه وخرج أحاديثه: فؤاد أحمد الزمرلي و محمد المعتصم بالله البغدادي.

دار الكتاب العربي ـ بيروت. ط1: 1407 ه‍/1987م.

"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (463ه‍)

حققه: عادل بن يوسف العزاوي. دار ابن الجوزي - الدمام. ط1: جمادى الأولى 1417 ه‍/1996م.

"الكافي في فقه أهل المدينة المالكي" لابن عبد البر (463ه‍)

دار الكتب العلمية - بيروت. ط2: 1413ه‍/1992م.

"الكامل في ضعفاء الرجال" للحافظ ابن عدي (365 ه‍)

تحقيق وتعليق: الشيخ علي محمد معوض، و الشيخ عادل أحمد عبد الموجود.

شارك في تحقيقه: أ. د. عبد الفتاح أبو سنة. دار الكتب العلمية - بيروت.

"كتاب الأم" للإمام الشافعيّ (204 ه‍)

تحقيق وتخريج: د. رفعت فوزي عبد المطلب. دار الوفاء - المنصورة مصر. ط1: 1422/2001.

"كتاب الثقات" للإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم البستي (354 ه‍)

طبع بإعانة وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية. تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية.

الطبعة الأولى: بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند 1939 ه‍/ 1973م.

"كتاب الجرح والتعديل" تأليف الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي (المتوفى 327 ه‍)

الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند سنة 1271 ه‍/1952م.

صححه: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. طبعة مصورة. دار إحياء التراث العربي بيروت.

"كتاب الضعفاء" للعقيلي (323 ه‍)

تحقيق: حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل. دار الصميعي - الرياض. ط1: 1420ه‍/2000م.

"كتاب الفروق" (أنوار البروق في أنواء الفروق) لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684 ه‍).

دراسة وتحقيق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية: أ. د. محمد أحمد سراج، أ. د. علي جمعة محمد.

دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة - القاهرة. ط1: 1421 ه‍/2001م.

"كتاب المجروحين من المحدثين" لابن حبان (354ه‍).

تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. دار الصميعي للنشر والتوزيع - الرياض. ط1: 1420 ه‍/2000م.

"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة (1067 ه‍)

ويليه "هدية العارفين" و"إيضاح المكنون"

مع مقدمة للعلامة الحجة آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي المرعشي

طبعة مصورة: دار إحياء التراث العربي - بيروت. 1413 ه‍/1992م.

"الكفاية في معرفة أصول الرواية" للخطيب البغدادي (463ه‍)

تحقيق وتعليق: أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي. دار الهدى - ميت غمر. ط1: 1423ه‍/2003م.

"لسان العرب" لابن منظور (711 ه‍)

تولى تحقيق لسان العرب نخبة من العاملين بدار المعارف هم الأساتذة:

عبد الله علي الكبير و محمد احمد حسب الله و هاشم محمد الشاذلي. دار المعارف - مصر. (د. تخ).

"مسند الشاميين" للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360 ه‍)

حققه وخرج أحاديثه: حمدي بن عبد المجيد السلفي. مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ط1: 1409 ه‍/1989م.

"المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" لأحمد بن محمد بن علي الفيومي ( 770 ه‍)

مكتبة لبنان - بيروت. 1987م.

"المصنف" للحافظ عبد الرزاق الصنعاني (211 ه‍)

عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.

توزيع المكتب الإسلامي - بيروت. ط2: 1403 ه‍/1983م.

"معجم المصطلحات الحديثية"

تأليف: أ. د. محمد أبو الليث الخيرآبادي أستاذ الحديث في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.

مؤسسة الرسالة ناشرون - دمشق، بيروت. ط1: 1426 ه‍/2005م.

"مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني (ت 977 ه‍)

إشراف: صدقي محمد جميل العطار، دار الفكر بيروت، ط: 1415 ه‍/ 1995م.

"المقنع في علوم الحديث" للحافظ سراج الدين ابن الملقن (804 ه‍)

تحقيق ودراسة: عبد الله يوسف الجديع. دار فواز للنشر - الإحساء. ط1: 1413 ه‍/1993م.

"منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح"

إعداد: أبو بكر كافي.

إشراف: د. حمزة عبد الله المليباري. دار ابن حزم - بيروت. ط1:1421/2000م.

"مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل" لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الحطاب الرُّعيني (954 ه‍)

ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات. دار الكتب العلمية - بيروت. ط1: 1416ه‍/ 1995م

"موسوعة شروح الموطأ":

"التمهيد" و"الاستذكار" لأبي يوسف ابن عبد البر (463 ه‍) و "القبس" لأبي بكر ابن العربي (543 ه‍)

تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي.

بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية. ط1: القاهرة: 1426 ه‍/2005م.

الدكتور عبد السند حسن يمامة.

"الموسوعة الفقهية"

إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت. ج 11، ج13: ط2: 1408 ه‍/ 1988م.

"نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" للحافظ ابن حجر العسقلاني (852ه‍)

تحقيق وتعليق: د. عبد الله بن ضيف الرحيلي. ط1: 1422 ه‍/2001م.


ابحاث .. علي محمد زينو

تمت مراجعه المصادر من قبلي



و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 15:46   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




تخريج حديث : ( يَا بُنَيَّةُ، خَمِّرِي عَلَيْكِ نَحْرَكِ ).


السؤال

: أريد أن أعرف ما صحة هذا الحديث ؟

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيُّ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ الْغَامِدِيُّ، قَالَ: " قُلْتُ لِأَبِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟

قَالَ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى صَابِئٍ لَهُمْ. قَالَ: فَنَزَلْنَا فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَهُمْ يَرُدُّونَ عَلَيْهِ وَيُؤْذُونَهُ ، حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَدَعَ عَنْهُ النَّاسُ

وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ قَدْ بَدَا نَحْرُهَا تَحْمِلُ قَدَحًا وَمِنْدِيلًا، فَتَنَاوَلَهُ مِنْهَا وَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: (يَا بُنَيَّةُ خَمِّرِي عَلَيْكِ نَحْرَكِ، وَلَا تَخَافِي عَلَى أَبِيكِ) . قُلْنَا: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: زَيْنَبُ بِنْتُهُ "
.

الجواب :


الحمد لله

هذا الحديث رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (3373)

وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2403)

وابن الأثير في "أسد الغابة" (5/124)

والبغوي في "معجم الصحابة" (2/87)

وأبو نعيم في "المعرفة" (6305)

وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/ 407)

كلهم من طريق هِشَام بْن عَمَّارٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيُّ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ الْغَامِدِيُّ، قَالَ:

" قُلْتُ لِأَبِي: مَا هَذِهِ الْجَمَاعَةُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى صَابِئٍ لَهُمْ.

قَالَ: فَنَزَلْنَا فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَهُمْ يَرُدُّونَ عَلَيْهِ وَيُؤْذُونَهُ، حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَدَعَ عَنْهُ النَّاسُ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ قَدْ بَدَا نَحْرُهَا تَحْمِلُ قَدَحًا وَمِنْدِيلًا، فَتَنَاوَلَهُ مِنْهَا وَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: ( يَا بُنَيَّةُ، خَمِّرِي عَلَيْكِ نَحْرَكِ، وَلَا تَخَافِي عَلَى أَبِيكِ ) . قُلْنَا: مَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: زَيْنَبُ بِنْتُهُ ".

وهذا إسناد رجاله ثقات :

-الحارث بن الحارث صحابي ، أدرك النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنه أحاديث، رضي الله عنه .

وينظر: "الإصابة" (1/ 662) .

-والْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيُّ ، ثقة ، وثقه ابن معين وابن خراش وأبو حاتم وابن حبان.

"التهذيب" (11/140).

-وعبد الغفار بن إسماعيل ، وثقه العجلي ، وقال أبو حاتم : " ما به بأس ".

"الجرح والتعديل" (6/ 54) ، "الثقات" للعجلي (ص: 307)

-والوليد بن مسلم ثقة حافظ ، يدلس ، ويدلس التسوية أيضا ، وقد صرح بالتحديث في كافة طبقات السند ، فأمنا تدليسه .

-وهشام بن عمار ، ثقة ، إلا أنه لما كبر تغير حفظه، وكان يلقن فيتلقن، قال الحافظ رحمه الله:

" وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَالْعجلِي، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هِشَام صَدُوق ، وَلما كبر تغير حفظه، وكلمَا دفع إِلَيْهِ قَرَأَهُ، وكلمَا لقن تلقن، وَكَانَ قَدِيما أصح، كَانَ يقْرَأ من كِتَابه "

انتهى مختصرا من "فتح الباري" (1/ 448) .

وقد صحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي الحافظ ، فقال ابن عساكر عقب روايته لهذا الحديث:

" رواه البخاري في التاريخ عن هشام بن عمار مختصرا، ورواه أبو زرعة الدمشقي عن هشام بن عمار بإسناده، وقال: هذا الحديث صحيح " انتهى بتصرف يسير.

وقال الهيثمي في "المجمع" (6/ 21) : " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ".

وظاهر صنيع الشيخ الألباني في كتاب " جلباب المرأة المسلمة " (ص: 79) أنه يصححه .

وعلى تقدير صحة الحديث ، فإنه لا يدل على جواز كشف المرأة وجهها ، لأن ذلك كان في أول الإسلام قبل نزول الحجاب ، بدليل قوله فيه : " اجتمعوا على صابئ لهم " .

والله تعالى أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 15:52   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إشكال حول تغطية الوجه

السؤال

لقد قرأت ما كتبته حول موضوع نقاب المرأة وتغطية الوجه بالرغم من أنني قرأت أدلة تبين أن تغطية الوجه أمرٌ اختياري بناءً على ما يأتي :

أنه لما نزلت الآيات بالحجاب قامت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقط بتغطية كامل أجسادهن مع تغطية وجوههن أما بقية المسلمات فلم يقمن بتغطية وجوههن .

عندما كان أحد الصحابة يريد خطبة امرأة كان يذهب وينظر إليها خفية بدون علمها ، وبالطبع لو كانت تغطي وجهها فلن يستطيع أن يراها . إن هذا الموضوع سبب لي تشويشاً وقلقاً وأنا أريد أن أعرف الحق لأتبعه ابتغاء مرضاة الله
.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

نشكر لك حرصك على معرفة الحق واتباعه ، ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه . والصواب في هذه المسألة أنه يجب على المرأة أن تغطي جميع بدنها عن الرجال . و الدليل جاء ذكره في اجابه السؤال القادم

ثانياً :

قولك " بقية المسلمات لم يقمن بتغطية وجوههن " هذا غير صحيح ، بل الأمر بالحجاب الكامل كان عاماً لنساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبناته ونساء المؤمنين ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) .

وقال الله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) النور /31 . فالأمر في الآيتين عام لجميع المؤمنات .

روى البخاري عن عائشة قَالَتْ : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا " راجع سؤال رقم (6991) .

وروى أبو داود (4101) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الأَكْسِيَةِ . صححه الألباني في صحيح أبي داود .

فقد امتثل نساء المهاجرين والأنصار لهذا الأمر وقمن بتغطية وجوههن .

ثالثاً :

وأما نظر الخاطب لمخطوبته فهو من السنة ، روى أبو داود (1783) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ . قَالَ : فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا ) . حسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم (1832) . وجاء في رواية ابن ماجه أنه اختبأ لها في بستانها .

وهذا الحديث دليل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن ، لأنه لو كان عادة النساء كشف وجوههن لم يحتج إلى الاختباء ، لأنه يستطيع أن يراها في كل مكان وهي كاشفةٌ لوجهها .

لكن لما كان من عادة النساء تغطية الوجه احتاج إلى الاختباء ، ومن المعلوم أن المرأة إذا لم يكن عندها أحد فإنها لن تغطي وجهها ، كما لو كانت في بيتها أو مزرعتها كما في هذا الحديث .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سلسله الحديث و علومه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:35

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc