(... ولعل خلاصة القول أن الحب عواطف كثيرة وليس بعاطفة واحدة, ومن هنا كان أقوى وأعنف العواطف التي تواجه النفس على انفراد....
ففيه من حنان الأبوة، ومن مودة الصديق، ومن يقظة الساهر، ومن ضلال الحالم، ومن الصدق والوهم؛ ومن الأثرة والإيثار ومن المشيئة والاضطرار؛ ومن الغرور والهوان؛ ومن الرجاء والقنوط؛ ومن اللذة والعذاب؛ ومن البراءة والإثم؛ ومن الفرد الواحد ومن الزوجين المتقابلين والمجتمع المتعدد والنوع الانساني الخالد على مدى الأجيال ......
والذي يعجب لذلك يعجب في الحقيقة من أقرب الاشياء إلى المألوف، وأبعدها من العجب والغرابة ...فكيف يكون الحب شعورا يستولي على نفسين كاملتين، ثم يخلو من كل ما يخامر النفوس في مختلف الأوقات والأحوال؟
وكيف يكون الحب شعورا يستولي على نفسين كاملتين، ثم لايضطرب فيه النزاع بين الجسدين والنفسين كما يضطرب الجسد الواحد في منازعة النفس الواحده, ثم يزيد على هذا الاضطراب ؟؟
وكيف يكون الحب ترجماناً لإرادة النوع؛ ثم لاينطق بكل عاطفة يتسع لها كيان الانسان ؟؟
"يسألونك عن الحب"
قل: هو اندفاع جسد إلى جسد واندفاع روح إلى روح......
"و يسألونك عن الروح؛ فماذا تقول ؟؟"
قل هي من أمر ربي ... خالق الأرواح ..
لهذه الكثرة الزاخرة في عناصر الحب, تكثر العجائب في العلاقات بين المحبين ...
فيجمع الحب بين اثنين لايخطر على البال أنهما يجتمعان ....
ويتكرر الحب في حياة الإنسان الواحد، حتى ليكون المحبوب اليوم على نقيض المحبوب بالأمس في معظم المزايا ومعظم الصفات ...
ويتقارب البعيدان ويتباعد القريبان، ويتجدد القلبان بين آونة وأخرى كأنها من طبيعة الجان، والواقع أن العاطفة حرارة ونار ولا فرق بين طبيعة الجان وطبيعة النيران .....
وخلاصة التجارب في الحب أنك لاتحب حين تختار، ولاتختار حين تحب، وإننا مع القضاء والقدر حين نولد وحين نحب وحين نموت، لأن الحياة وتجديد الحياة وفقد الحياة هي أطوار العمر التي تملك الإنسان ولايملكها الإنسان....
"هل الحب إذن أمنية نشتهيها ؟؟؟ أم هو مصيبة نتقيها ؟؟؟؟"
إنه مصيبة حين تحمل به نفسا ثانية مع نفسك, أنت تريدها ولاتريدك, وإنه أمنية حين تتعاون النفسان ولاتتخاذلان ....
وليس بالمصيبة ولايكفي فيه أن يوصف بالأمنية, حين لاعبء ولاتخفيف, بل تنطلق النفسان محمولتين معاً على كاهل النوع كله، أو على أجنحة الخلود التي تسبح في أنوار عليين ...
وما من محبين إلا اتفقت لهما هذه الرحلة السماوية في سهوة من سهوات الأيام ........).
من كتاب "أنا"
فصل: فلسفتي في الحب
صفحة 27
الطبعة الأولى
دار العلم للملايين
دون تاريخ
القاهرة - مصر.