لمقالة الأولى : المذهب العقلي و المذهب التجريبي
لديك موقفين متعارضين أحدهما يقول أن العقل مصدر المعرفة و الثاني يدعي أن التجربة هي مصدر معارفنا . فكيف تركب بينهما ؟
 الطريقة : جدلية
 المقدمة :
تحليل المعرفة الإنسانية من مختلف النواحي، يوشك أن يكون أبرز مشكل فلسفي استقطب اهتمام الفلاسفة و المفكرين وكان محورا هاما لجميع المذاهب الفلسفية، وتتضمن مشكلة المعرفة نظرية المعرفة والتي تتناول كيفية بلوغ الحقيقة أيا كانت هذه الحقيقة فبين بعضهم أن مصدر المعرفة هو العقل أما البعض الآخر فقد أرجعها إلى التجربة فأيهم أصاب في رأيه؟
 الرأي الأول :
يعتقد زعماء المذهب العقلي – ومن بينهم ديكارت – أن العقل هو أساس المعرفة، لأنه يحمل مبادئ فطرية لم تسمد من التجربة، كبديهيات الرياضيات كقولنا : "الكل أعظم من الجزء" . هذه المبادئ في نظر العقليين تتصف بالعمومية بمعنى أنها خط مشترك بين جميع الناس، وهي بالإضافة إلى ذلك ثابتة وغير متغيرة، وواضحة بذاتها ولا يمكن التشكيك فيها يقول ديكارت :" العقل أعدل الأشياء توزعا بين الناس ".
إن إيمان العقليين بهذه المبادئ جعلهم يثقون في العقل ويعتبرونه مصدر المعرفة اليقينية ويشككون في صدق المعرفة الحسية وقد عبر آلان عن هذا بقوله :" ذلك الكون البعيد لا أراه بعيدا و إنما أحكم عليه بالبعد ".
يؤكد العقليون أن المقارنة بين المعرفة العقلية والمعرفة الحسية تكشف لنا عن افتقار المعرفة الحسية إلى شرطين أساسيين وهما اليقين والتعميم . وخلاصة القول أن المذهب العقلي مجد العقل وجعله أساسا لكل الأحكام و المعارف .
 النقد :
لا يمكن إنكار دور العقل في المعرفة لكن العقليين همشوا دور الحواس وهذا غير لائق، لأن الإنسان يتصل بالعالم الخارجي عن طريق الحواس، وإذا غابت الحواس يجد العقل نفسه منعزلا عن العالم الخارجي .
 الرأي الثاني :
يرى التجريبيون، أن مصدر المعرفة هو التجربة التي تستند إلى الحواس ولو ضاعت الحواس والتجربة لامتنعت المعرفة كلها، ويعتبر جون لوك من بين المفكرين الذين وضعوا المعرفة في ثوبها التجريبي يقول جون لوك :" لنفرض إذن أن العقل على التشبيه صفحة بيضاء خالية من جميع الصفات ودون أية أفكار فكيف تملأ ؟ على هذا أجيب بكلمة واحدة . التجربة، ففي التجربة أساس كل معارفنا ومنها تنبعث في النهاية ... إن ملاحظتنا هي التي تزود إدراكنا بجميع مواد التفكير " .
وهكذا يتضح أن جميع أفكارنا مستقاة من التجربة وهذا ما أكده أيضا التجريب الإنجليزي دفيد هيوم الذي بين أن سلاحنا في المعرفة هو التجربة ووسيلتنا في ذلك هي الحواس .
 النقد :
تساهم التجربة في بناء بعض معارفنا لكنها ليست المسؤول الوحيد عنها، لأن هذا الأمر فيه تهميش لحقيقة الإنسان باعتباره كائن عاقل، كما أن الرياضيات باعتبارها أدق العلوم لا تعتمد على التجربة .
 التركيب :
حاول المذهب النقدي بزعامة كانط أن يتوسط المذهبين العقلي والتجريبي فانتهى إلى القول بأن الشئ الخارجي يمكن أن يكون موجودا ولا يتوقف وجوده على العقل الذي يدركه، ولكن معرفته على هذا النحو أو ذاك غير ممكنة ما لم تكن هناك مقولات فطرية في العقل تساعدنا على تشكيل الخبرة الحسية ومعنى هذا أن هناك جوانب من المعرفة تأتينا من الخارج وهو جانب الخبرة الحسية، لكنها حيث تأتي يتلقاها العقل فينظمها ويصدر الأحكام عليها ومن هنا تكون كل معرفة من معارفنا معتمدة على التجربة والحواس والعقل في آن واحد .
 الخاتمة :
المعرفة وليدة تفاعل العقل مع التجربة ولا يمكن تجاهل دور أحدهما .