فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 16 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-13, 16:24   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)

السؤال

النصارى يحتجون بهذه الآية

: ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين )

فما هو الرد المناسب لهم ؟ أرجو رفع التوهم الفاسد عن هذه الآية .


الجواب

الحمد لله


قال الله عز وجل : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يونس/ 94 .

ومعنى الآية : إن كنت يا محمد - صلى الله عليه وسلم - في شك مما أنزلنا إليك أنه الحق

فاسأل الذين يقرءون التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى ، فإنهم يعلمون أنه الحق ، فلا تكونن من الممترين الشاكين ، ولكن كن من المؤمنين الموقنين .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين الموقنين ، بل هو أعظم الناس إيمانا ويقيناً ، ولم يشك قط في الذي أنزل إليه من ربه أنه الحق ، ولم يسأل قط عن ذلك أيضا .

وقد صح عن سعيد بن جبير قال : " ما شك وما سأل "

انتهى من " تفسير الطبري " (15/202) .

وتعليق الحكم بالشرط لا يستلزم تحقق الشرط ووقوعه ، كقولك للرجل : إن كنت لا تعرفني فاسأل فلاناً ، فإن هذا لا يلزم منه أنه لا يعرفك .

فمعنى الآية : إن كنت في شك فاسأل ، وإن كنت غير شاك فلا تسأل ، فإنما يسأل الشاك أو الجاهل ، أما العالم الموقن : فكيف يسأل ؟
ففي الآية نفي الشك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمْرُ الشاكين المرتابين أن يسألوا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَسْأَلْ ؛ وَلَكِنَّ هَذَا حُكْمٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَفِي ذَلِكَ سَعَةٌ لِمَنْ شَكَّ ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ ، أَوْ يَزْدَادَ يَقِينًا "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (4/209) .

وقال ابن جرير رحمه الله :

" فإن قال قائل : أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكٍّ من خبَرِ الله أنه حقٌّ يقين ، حتى قيل له : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ؟

قيل : لا . وكذلك قال جماعة من أهل العلم .

فإن قال : فما وجه مخرج هذا الكلام ، إذنْ ، إن كان الأمر على ما وصفت ؟

قيل : قد بيّنا في غير موضع من كتابنا هذا ، استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه : " إن كنت مملوكي فانتهِ إلى أمري "

والعبد المأمور بذلك لا يشكُّ سيدُه القائل له ذلك ، أنه عبده . كذلك قول الرجل منهم لابنه : " إن كنت ابني فبرَّني " ، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه .

وأنّ ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم ، وذكرنا ذلك بشواهده

وأنّ منه قول الله : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) سورة المائدة/ 116 ، وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك .

وهذا من ذلك ؛ لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكًّا في حقيقة خبر الله وصحته ، والله تعالى كان عالمًا بذلك ؛ ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه ، بعضهم بعضًا ، إذْ كان القرآن بلسانهم نزل "

انتهى من " تفسير الطبري " (15/201-203) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" أشكلت هذه الآية على كثير من الناس ، وأورد اليهود والنصارى على المسلمين فيها إيرادا ، وقالوا : كان في شك ، فأُمِر أن يسألنا ؟

وليس فيها بحمد الله إشكال ، وإنما أُتِيَ أشباه الأنعام من سوء قصدهم

وقلة فهمهم ؛ وإلا فالآية من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وليس في الآية ما يدل على وقوع الشك ولا السؤال أصلا ، فإن الشرط لا يدل على وقوع المشروط ،

بل ولا على إمكانه ، كما قال تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء/ 22

وقوله : ( قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) الإسراء/ 42

وقوله : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) الزخرف/ 81

وقوله : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) الزمر/ 65 ، ونظائره ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل ...

فإن قيل : فإذا لم يكن واقعا ولا ممكنا ، فما مقصود الخطاب والمراد به ؟

قيل : المقصود به : إقامة الحجة على منكري النبوات والتوحيد ، وأنهم مقرون بذلك لا يجحدونه ولا ينكرونه ، وأن الله سبحانه أرسل إليهم رسله

وأنزل عليهم كتبه بذلك ، وأرسل ملائكته إلى أنبيائه بوحيه وكلامه ، فمن شك في ذلك ، فليسأل أهل الكتاب ، فأخرج هذا المعنى في أوجز عبارة ، وأدلها على المقصود

بأن جعل الخطاب لرسوله الذي لم يشك قط ، ولم يسأل قط ، ولا عرض له ما يقتضي ذلك . وأنت إذا تأملت هذا الخطاب بدا لك على صفحاته : من شك فليسأل ، فرسولي لم يشك ولم يسأل "

انتهى ملخصا من " أحكام أهل الذمة " (1/99-105) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" تعليق الحكم بالشرط لا يستلزم تحقق الشرط ووجوده ؛ إذ قد يتعلق الحكم بشرط ممتنع كما في قوله تعالى : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) الآيات

إلى قوله سبحانه : ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

فأخبر سبحانه بأن هؤلاء الأنبياء لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ، مع انتفاء الشرك عنهم ، بل مع امتناعه منهم ؛ لأنهم قد ماتوا على التوحيد ، ولأنهم معصومون من الشرك .

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) .

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل أحدا من أهل الكتاب ؛ لأنه لم يفهم من ذلك الخطاب طلب السؤال لإزالة شك ؛ بل فهم أن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك

فيما كذبك فيه الكافرون ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ )

وقوله سبحانه : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )

وقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) إلى أمثال ذلك من الآيات التي تدل على أن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم

فيما كذبه فيه المشركون من الدعوة إلى التوحيد ، وفي أن الرسل إلى البشر من البشر ، كما هي سنة الله تعالى الحكيمة .

وقد أشار الله إلى ذلك في أول هذه السورة سورة يونس

قال تعالى : ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (3/345-346) .

والله أعلم .








 


قديم 2019-02-13, 16:32   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

إذا حكى الله تعالى في كتابه قولا عن أحد من خلقه ولم يردّه ، هل يجوز أن يُنسب هذا القول إلى الله ؟

السؤال

عندما يروي الله تعالی كلام أحد في القرآن ، هل ننسب القول لله أم للقائل ؟

فكثيراً ما نجد من يقول إن الله قال : " إن كيدكن عظيم" ، مع أن هذا قول العزيز ، ويقول : إن الله استنكر صوت الحمير ، بالرغم أن الذي استنكره لقمان .

فهل يجوز القول بأن الله قال هذا الكلام ؟ أم ننسبه لصاحبه ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

إذا حكى الله تعالى في كتابه قولا عن أحد من خلقه ، فإن رده دل ذلك على بطلانه ، وإن لم يرده دل ذلك على صحته وقبوله .

قال الشاطبي رحمه الله :

" كل حكاية وقعت في القرآن ؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها - وهو الأكثر - رد لها ، أو لا ، فإن وقع رد ؛ فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه .

وإن لم يقع معها رد ؛ فذلك دليل صحة المحكي وصدقه .

أما الأول فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) الأنعام/ 91 ، فأعقب بقوله : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ) الآية الأنعام/ 91 .

وأما الثاني ؛ فظاهر أيضا ، ولكن الدليل على صحته : من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سمي فرقانا

وهدى ، وبرهانا ، وبيانا ، وتبيانا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق ، على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق ، ثم لا ينبه عليه .

ومن أمثلة هذا القسم : جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا ؛ كحكايته عن الأنبياء والأولياء ، ومنه قصة ذي القرنين ، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام ، وقصة أصحاب الكهف ، وأشباه ذلك" .

انتهى باختصار من " الموافقات " (4/158-161).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" هنا قاعدة وهي : إذا جاء في النصوص ذكر أشياء ، فأنكر بعضها ، وسكت عن بعض ؛ دل على أن ما لم ينكر فهو حق

مثال ذلك قوله تعالى : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) الأعراف/ 28

فأنكر قولهم : ( وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ) ، وسكت عن قولهم: ( وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا ) ؛ فدل على أنها حق ، ومثلها عدد أصحاب الكهف

حيث قال عن قول : ( ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) قال : (رَجْمًا بِالْغَيْبِ)، وسكت عن قول : ( سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) الكهف/22 " .

انتهى باختصار من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (10/ 1099) .

ثانيا :

الكلام المحكي في القرآن الكريم على ألسنة المتكلمين إنما هو بالمعنى وليس باللفظ

فإن القرآن كلام الله ، وليس كلام أحد من المخلوقين ، ولما كان كذلك كانت الأقوال المحكية على ألسنة المتكلمين بها ، هي من كلام الله ، يقص به أخبار الأولين

وينقل كلامهم ، ولكنها تنسب إليهم باعتبار مضمون الكلام ومعناه .

وبناء على هذا ، فكل ما في القرآن من الأقوال المحكية عن أحد من الخلق هو كلام الله تعالى.

ولكن من حيث صحة الاستدلال به ، فينظر فيها : إن لم يردها الله على قائلها ، ويبطلها عليه: فإنه يستدل بها على ما فيها من معانٍ ، ويقال فيها : قال الله تعالى .

وأما إن ردها الله تعالى ، وأبطلها على قائلها : فإنه يقال فيها أيضا : قال الله تعالى ، باعتبار أنه حكاها عن قائلها .
ولكن لا يستدل بها على ما فيها من معان ٍ، بل يبين أن الله تعالى أبطل هذا الكلام ، وبين أنه غير صحيح .

وبناء على هذا : فقول الله تعالى عن لقمان في وصيته لابنه : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان/ 19 هذا الكلام كلام الله ، ويستدل به على ما فيه من معنى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

: " قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 599) .

وقال أيضا :

" أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِالسَّكِينَةِ وَالْقَصْدِ فِي الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ مُطْلَقًا فَقَالَ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/ 565) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" هَذِهِ وَصَايَا نَافِعَةٌ ، قَدْ حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ ؛ لِيَمْتَثِلَهَا النَّاسُ وَيَقْتَدُوا بِهَا ".

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 337) .

وكذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) يوسف/ 28 ، هو من كلام العزيز ، أو من كلام الشاهد ، ولكن الله تعالى ذكره ولم يرده ، فهو إقرار له .

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في رده على بعض الكتاب :

" ... وكذلك ، مِن غَلطه في حق القرآن : ما قاله حول قوله سبحانه في حق المرأة

في سورة يوسف : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ؛ قال: ليس هو حكم الله تعالى على المرأة ، يعني فلا توصف المرأة بأن كيدها عظيم ، يقول: لأن هذا الكلام صدر عن الملك .

ونقول له: أليس الله سبحانه قد ساقه مقررا له ، لا منكرا له ، بل مؤيدا له أيضاً ، بما حكاه الله عن يوسف عليه السلام أيضا من قوله: ( إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ )؟! " انتهى .

https://www.alfawzan.af.org.sa/node/2297

على أنه ينبغي مراعاة أن هذه الآية جاءت في سياق أحداث معينة

فلا يجوز إخراجها عن هذه الأحداث والسياق لتكون عامة شاملة لكل ما تكيد به النساء .


والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-14, 15:24   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



كيف يُقتص للكافر من المسلم يوم القيامة إن ظلمه في الدنيا ؟


السؤال

إن أخطأت في حق رجل غير مسلم ولم يسامحني عما فعلت ، فكيف سيأخذ هذا الرجل حقه مني يوم القيامة فحسناتي لن تنجيه من النار ؟

الجواب

الحمد لله

يوم القيامة يوم الجزاء الحق ، يوم قيام العدل ، وانتفاء الظلم والهضم

قال تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء/47 .

وقال عز وجل : (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) غافر/ 17.

وقال عز وجل : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) الزمر/ 31 .

قال الطبري رحمه الله : " يقول: ثم إن جميعكم ، المؤمنين والكافرين ، يوم القيامة عند ربكم تختصمون ؛ فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم ، ويفصل بين جميعكم بالحقّ " .

انتهى من "تفسير الطبري" (21/287) .

وروى أحمد (16042) – بإسناد حسن كما ذكر العراقي - عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال : " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ

أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقّ ٌ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، حَتَّى اللَّطْمَةُ ) .

قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟

قَالَ: ( بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ) " .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَبَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ الْعَدْلَ وَالْقِصَاصَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/188).

فثبت بذلك أن أصحاب المظالم يقتص لهم من ظالميهم يوم القيامة ، سواء كان الظالم مسلماً أو كافرا .

أما كيفية القصاص للكافر من المسلم الظالم : فعلم ذلك عند الله .

سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

الكافر يقتص له من المسلم ، فكيف ذلك ، هل يخفف له من العذاب؟

فأجاب :

" الله أعلم ، المهم أن القصاص يجري يوم القيامة بين الناس من باب إقامة العدل ، أما كيف يقتص : فالله أعلم " انتهى

.
https://www.alfawzan.af.org.sa/node/6537

وقد عرضنا هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك - حفظه الله تعالى - فقال:

" نؤمن بعدل الله ، وأن الله سينصف كل مظلوم من ظالمه مؤمناً كان أو كافراً ، على سبيل الإجمال ، ولسنا مطالبين بتكييف الأمور على وجه التفصيل ، ولا ندخل في دقائق وتفاصيل أمور الغيب .

ويقال للسائل : إن لم يتيسر له طلب المسامحة من هذا الكافر ، فيدعو له بالهداية ، ويتصدق عنه فربما ينتفع بهذا في دنياه " انتهى .









قديم 2019-02-14, 15:28   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل ثبت أن إبليس دخل الجنة عن طريق الحية ليوسوس لآدم وحواء عليهما السلام ؟

السؤال

وقع بين يدي كتاب مترجم إلى البنجالية اسمه " قصص الأنبياء " ووجدت فيه بعض التساؤلات .

فقد ذكر فيه مثلاً أن الطاووس والثعبان ساعدا إبليس ضد أبينا آدم وأمّنا حواء قبل أن ينزلا إلى الأرض ، فما صحة ذلك ؟

لقد بحثت عن هذه القصة فوجدت كلاماً لابن عباس شبيهاً بهذا .


الجواب

الحمد لله

ذكر غير واحد من المفسرين أن إبليس لما أراد أن يدخل الجنة ، ليستزل آدم وحواء عليهما السلام ، فدَخل في جوف الحية ، فلما دخلت الحية الجنة ، خرج إبليس من جوفها .

وقيل : إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أيُّها يحمله ، حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته ،

فكلّ الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلّم الحية ، فقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتِني الجنة . فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، فكلمهما من فيها .

وقيل : إن الْحَيَّةَ كَانَتْ خَادِمَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْجَنَّةِ ، فَخَانَتْهُ بِأَنْ مَكَّنَتْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهَا ، وَأَظْهَرَتِ الْعَدَاوَةَ لَهُ هُنَاكَ ، فَلَمَّا أُهْبِطُوا تَأَكَّدَتِ الْعَدَاوَةُ

وَجُعِلَ رِزْقُهَا التُّرَابَ ، وَقِيلَ لَهَا : أَنْتِ عَدُوُّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ أَعْدَاؤُكِ ، وَحَيْثُ لَقِيَكِ مِنْهُمْ أَحَدٌ شَدَخَ رَأْسَكِ .

انظر : " تفسير عبد الرزاق " (2/75)

" تفسير الطبري " (1/526) ، (1/530)

" تفسير ابن عطية " (1/128)

" تفسير ابن كثير " (1/236)

" تفسير القرطبي " (1/313) .

وهذا كله من الإسرائيليات التي لم يثبت منها شيء عن المعصوم .

قال ابن كثير رحمه الله :

" ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده ، وأبي العالية ، ووهب بن منبه وغيرهم ، هاهنا أخبارا إسرائيلية عن قصة الحية ، وإبليس ، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/236) .

وقال المطهر بن طاهر المقدسي رحمه الله :

" زعم القصاص وأهل الكتاب مراجعات كثيرة وعجائب في هذه القصة ، وأن إبليس عرض نفسه على دواب الأرض كلها فأبت ذلك ، حتى كلم الحية وقال : أمنعك من ابن آدم وأنت في ذمتي إن أدخلتني الجنة

فجعلته في فمها أو بين نابيها ، وكانت الحية من أحسن الدواب وخزان الجنة ، فكلّمهما من فيها ... وفيما قص الله تعالى في القرآن كفاية عن زيادة رواية غيره "

انتهى مختصرا من " البدء والتاريخ " (2/95-96) .

ومثل هذه الإسرائيليات لا يوثق بها ، ولا يعول عليها ، ولا يحتج بها ، ونكتفي بما ورد في الكتاب المجيد لا نزيد عليه ، قال تعالى : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ) طه/120 .

ولا نعلم شيئا من ذلك يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما هو شيء يروى عن وهب بن منبه وأبي العالية ومحمد بن قيس والسدي وغيرهم ممن أخذ ذلك عن أهل الكتاب .

وأما ما رواه الطبري في " تفسيره " (1/530) :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سُليم ، عن طاوس اليماني ، عن ابن عباس ، قال : " إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أيُّها يحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته

فكلّ الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلّم الحية ... " الحديث ، وفيه : قال ابن عباس : " اقتلوها حيث وَجَدتُموها ، أخفروا ذمَّةَ عدوّ الله فيها " .

فهذا إسناد ضعيف جدا ، ليث بن أبي سليم

قال الحافظ في التقريب (ص 464) :

" صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك " .

وابن حميد ، هو محمد بن حميد الرازي ، كذبه أبو زرعة وإسحاق الكوسج ، وجاء عن غير واحد أنه كان يسرق الحديث . وقال النسائي : ليس بثقة .

انظر : " ميزان الاعتدال " (3/530) .

وروى ابن أبي حاتم في " تفسيره " (5/1450) عَنِ السُّدِّيِّ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

قَالَ : " فَآتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ : ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ) ، فَلَمْ يُصَدِّقَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ فَكَلَّمَهُمَا " وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة الراوي عن ابن عباس .

والخلاصة :

أن مثل هذا مما لا يعول عليه ، لأنه متلقى عن الإسرائيليات ، وأحاديث أهل الكتاب ، وما يروى فيه عن ابن عباس لا يصح عنه .

والله أعلم .









قديم 2019-02-14, 15:32   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز الدعاء بدعاء الحواريين:(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)؟

السؤال

هل يجوز الدعاء بما ورد على لسان الحواريين :

" رَبّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْت وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"

فهم دعوا به ، وفيهم نفاق وكذب ، ولكني أحبّ أن أدعو فيه ؟

الجواب

الحمد لله

الحواريون : أصحاب المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأنصاره ، وهي فئة مؤمنة ، ذكرهم الله في كتابه وأثنى عليهم ووصفهم بالإسلام والإيمان .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَأَمَّا الْحَوَارِيُّونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَكَرَهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَوَصَفَهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَبِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ

; كَمَا أَنْزَلَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) آل عمران/ 52 - 53

وَقَالَ - تَعَالَى -: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) المائدة/ 111]

وَقَالَ - تَعَالَى -: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ

مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) الصف/ 14.

وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُمُ الْبَتَّةَ ، بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَلْهَمَهُمُ الْإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ "

انتهى من " الجواب الصحيح " (2/ 348-349) .

أما قوله تعالى في الآية التي بعد الدعاء الذي ذكرته مباشرة : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) آل عمران/ 54 :

فالمقصود بذلك : كفار بني إسرائيل الذين مكروا بالمسيح عليه السلام وأرادوا قتله ، فرد الله كيدهم في نحورهم ، ونجى نبيه ، وليس المقصود بهم الحواريين .

قال الطبري رحمه الله :

" (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ): يعني بذلك جل ثناؤه: ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل، وهم الذين ذكر الله أنّ عيسى أحسّ منهم الكفر.

وكان مكرهم الذي وصفهم الله به، مُواطأة بعضهم بعضًا على الفتك بعيسى وقَتْله " .

انتهى من "تفسير الطبري" (6/ 453) .

وقال السعدي رحمه الله :

" فلما قاموا - يعني الحواريين - مع عيسى بنصر دين الله وإقامة شرعه آمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فاقتتلت الطائفتان فأيد الله الذين آمنوا بنصره على عدوهم فأصبحوا ظاهرين

فلهذا قال تعالى هنا (ومكروا) أي: الكفار بإرادة قتل نبي الله وإطفاء نوره (ومكر الله) بهم جزاء لهم على مكرهم (والله خير الماكرين) رد الله كيدهم في نحورهم، فانقلبوا خاسرين "

انتهى من " تفسير السعدي" (ص 132) .

وعليه : فقوله تعالى : (رَبّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْت وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) من قول طائفة مؤمنة

ناصرة لله ولرسوله ، هم خيار أهل الإيمان في زمانهم ، وليس من قول قوم كافرين أو منافقين ، ولا نعلم لذلك القول الذي ذكرته فيهم أصلا ، ولا وجها مقبولا ، ولا نعلم أنه قال به أحد من أهل العلم.

فالحاصل : أن هذا الدعاء ممدوح ، حسن المعنى ، لا حرج على من دعا به .

انظر للاستزادة جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-14, 15:35   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل أنزل الله تعالى المائدة على الحواريين ؟

السؤال

"قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ"

هناك اختلاف بين المفسرين حول ما إذا كان الله تعالى أنزل المائدة أم لا. أرجوا أن تخبرونا رأيكم في هذا الأمر.


الجواب

الحمد لله

اختلف السلف في المائدة : هل أنزلها الله تعالى على أصحاب عيسى عليه السلام

أم إنهم خافوا لما قال الله تعالى لنبيه عيسى : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ) فلم ينزلها عليهم ؟

فجمهور السلف على أن الله تعالى أنزلها عليهم ؛ لقوله عز وجل ( إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ ) ووعد الله حق لا يتخلف .

وهو المروي عن سلمان الفارسي وعمار بن ياسر وابن عباس ، وإسحاق بن عبد الله ووهب بن منبه وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وعطية العوفي وأبي عبد الرحمن السلمي وعطاء بن السائب ، وغيرهم .

وقال مجاهد والحسن : لم ينزلها عليهم .

ووجه ذلك : أن الله لما أوعد على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم ، فاستعفوا عن إنزال المائدة ، فعلى هذا تقدير قوله : ( إني منزلها عليكم ) يعني إن سألتم ، إلا أنهم استعفوا فلم تنزل .

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله :

"والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألتَه ذلك ربَّه .

فإن الله تعالى ذكره لا يخلف وعدَه ، ولا يقع في خبره الْخُلف ، وقد قال تعالى ذكره مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم

حين سأله ما سأله من ذلك : ( إني منزلها عليكم ) ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره : ( إني منزلها عليكم ) ، ثم لا ينزلها ؛ لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر

ولا يكون منه خلاف ما يخبر . ولو جاز أن يقول : ( إني منزلها عليكم ) ، ثم لا ينزلها عليهم

جاز أن يقول : ( فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين ) ، ثم يكفر منهم بعد ذلك فلا يعذّبه ، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك " انتهى مختصرا .

"تفسير الطبري" (11/ 232)

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل ، أيام عيسى ابن مريم ، إجابة من الله لدعوته ، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم : ( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ ) الآية .

وقد قال قائلون : إنها لم تنزل ، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى

وليس هو في كتابهم ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله ، وكان يكون موجودًا في كتابهم متواترًا ، ولا أقل من الآحاد ، والله أعلم .

ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت ، وهو الذي اختاره ابن جرير، وهذا القول هو - والله أعلم- الصواب ، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم " انتهى مختصرا .

"تفسير ابن كثير" (3/230-231)

فالقول الصحيح في ذلك : أنها أنها نزلت فعلا ، وهو قول جمهور أهل العلم ، واختاره ابن الجوزي والسمعاني وأبي جعفر النحاس وابن جزي والقرطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن عاشور والشوكاني وغيرهم .

ينظر : "تفسير البغوي" (3/118)

"زاد المسير" (2/462)

"معاني القرآن" (2/387)

"التسهيل" (1/342)

تفسير القرطبي" (6/369)"

التحرير والتنوير" (ص1236)

"فتح القدير" (2/136)

"الجواب الصحيح" (3/ 127) .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" ففي هذا بيان شيء من قدرة الله جل وعلا , وأنه سبحانه القادر على كل شيء قدير , وأنه سبحانه في العلو , لأن الإنزال يكون من الأعلى إلى الأسفل .

فإنزال المائدة وطلب إنزالها , كل ذلك دليل على أن القوم قد عرفوا أن ربهم في العلو , فهم أعرف بالله وأعلم به من الجهمية وأضرابهم ممن أنكر العلو . فالحواريون طلبوا ذلك

وعيسى بين لهم ذلك ، والله بين ذلك أيضا , ولهذا قال : ( إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ) فدل ذلك على أن ربنا جل وعلا يطلب من أعلى , وأنه في العلو سبحانه

وتعالى فوق السماوات وفوق جميع الخلائق وفوق العرش , قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته , لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا " انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (2/56-57)

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-14, 15:40   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل كان في الحواريين من ظن أن المسيح عليه السلام صُلب ؟

السؤال

لدي سؤال حول الحواريين الذين كانوا مع عيسى عليه السلام ؛ هل اعتقدوا بعد رفعه إلى السماء أنه صلب فعلا ؟

والقرآن الكريم يذكر أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء .


الجواب

الحمد لله


أولا :

الحواريون هم أصحاب عيسى عليه السلام وأتباعه ، سموا حواريين لأنهم أنصاره

قال تعالى : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران/ 52 .

وروى البخاري (2997) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ ) قَالَ سُفْيَانُ بن عُيَيْنة : الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ .

وهؤلاء الحواريون كانوا كلهم مسلمين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وأما الحواريون فإن الله تعالى ذكرهم في القرآن ووصفهم بالإسلام واتباع الرسول وبالإيمان بالله "

انتهى من "الجواب الصحيح" (2 /348) . .

ثانيا :

ليس كلهم اعتقد رفع المسيح عليه السلام ، بل إن منهم من ظن أنه صلب ، ولكن هذا لا يقدح في إيمان من ظن ذلك منهم ، فإن هذا اعتقاد منه أنه مات على وجه معين ، ومجرد اعتقاد قتل النبي وصلبه لا يقدح في الإيمان به .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ قَدْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ صُلِبَ ، وَأَنَّهُ أَتَاهُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ ، وَهُمْ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْ الْمَسِيحِ الْإِنْجِيلَ وَالدِّينَ فَقَدْ دَخَلَتْ الشُّبْهَةُ ؟

قِيلَ : الْحَوَارِيُّونَ وَكُلُّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ : إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا نَقَلُوهُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ . وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَمَوْقُوفٌ عَلَى الْحُجَّةِ : إنْ كَانَ حَقًّا قُبِلَ ، وَإِلَّا رُدَّ ..

. وَالنَّصَارَى لَيْسُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى صَلْبِ الْمَسِيحِ ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ صَلْبَهُ ؛ فَإِنَّ الَّذِي صُلِبَ إنَّمَا صَلَبَهُ الْيَهُودُ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ حَاضِرًا ، وَأُولَئِكَ الْيَهُودُ الَّذِينَ صَلَبُوهُ قَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ الْمَصْلُوبُ بِالْمَسِيحِ ...

وَقَوْلُهُ : ( وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ) قِيلَ : هُمْ الْيَهُودُ ، وَقِيلَ النَّصَارَى ؛ وَالْآيَةُ تَعُمُّ الطَّائِفَتَيْنِ . وَقَوْلُهُ : ( لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ) قِيلَ : مِنْ قَتْلِهِ ، وَقِيلَ : ( مِنْهُ )

أَيْ : فِي شَكٍّ مِنْهُ ؛ هَلْ صُلِبَ أَمْ لَا ؟ كَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ : فَقَالَتْ الْيَهُودُ هُوَ سَاحِرٌ ، وَقَالَتْ النَّصَارَى إنَّهُ إلَهٌ .

فَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى اخْتَلَفُوا هَلْ صُلِبَ أَمْ لَا ، وَهُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ ، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصَّلْبِ ، فَكَيْفَ فِي الَّذِي جَاءَ بَعْدَ الرَّفْعِ وَقَالَ : إنَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ ؟

فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ الَّذِينَ أَدْرَكُوهُ قَدْ حَصَلَ هَذَا فِي إيمَانِهِمْ ؛ فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ : ( وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَقَوْلُهُ : ( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) .

قِيلَ : ظَنُّ مَنْ ظَنَّ مِنْهُمْ أَنَّهُ صُلِبَ لَا يَقْدَحُ فِي إيمَانِهِ ، إذَا كَانَ لَمْ يُحَرِّفْ مَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ . بَلْ هُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ

فَاعْتِقَادُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ صُلِبَ لَا يَقْدَحُ فِي إيمَانِهِ ، فَإِنَّ هَذَا اعْتِقَادُ مَوْتِهِ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ ، وَغَايَةُ الصَّلْبِ أَنْ يَكُونَ قَتْلًا لَهُ ، وَقَتْلُ النَّبِيِّ لَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِ .

وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ مَنْ اعْتَقَدَ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ الرَّفْعِ وَكَلَّمَهُمْ ، هُوَ مِثْلُ اعْتِقَادِ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُمْ فِي الْيَقَظَةِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ

بَلْ هَذَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ ، وَاتِّبَاعًا لَهُ ، وَكَانَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ

وَكَانَ يَأْتِيهِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ لَا يُوجِبُ كُفْرَهُ ؛ فَكَذَلِكَ ظَنُّ مَنْ ظَنَّ مِنْ الْحَوَارِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَسِيحُ ، لَا يُوجِبُ خُرُوجَهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ ، وَلَا يَقْدَحُ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ .. "

انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (13 /106-109) .

أما من شاهد رفعه منهم فلم يعتقدوا صلبه ، وهو الحق الذي جاء به القرآن ، قال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/ 157.

قال ابن كثير رحمه الله :

" أظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه وتبجحوا بذلك ، وسلم لهم طوائف من النصارى ذلك لجهلهم وقلة عقلهم ، ما عدا من كان في البيت مع المسيح ، فإنهم شاهدوا رفعه

وأما الباقون فإنهم ظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 /449) .

وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه :

" أن القوم الذين كانوا مع عيسى في البيت تفرقوا عنه قبل أن يدخل عليه اليهود ، وبقي عيسى ، وألقي شبهه على بعض أصحابه الذين كانوا معه في البيت بعد ما تفرق القوم غيرَ عيسى

وغيرَ الذي ألقي عليه شَبهه . ورفع عيسى ، فقتل الذي تحوّل في صورة عيسى من أصحابه ، وظن أصحابُه واليهود أن الذي قتل وصلب هو عيسى ، لما رأوا من شبهه به

وخفاء أمر عيسى عليهم ؛ لأن رفعه وتحوّل المقتول في صورته كان بعد تفرق أصحابه عنه ،

فحكوا ما كان عندهم حقًّا ، والأمر عند الله في الحقيقة بخلاف ما حكوا . فلم يستحق الذين حكوا ذلك من حواريّيه أن يكونوا كذبة ، إذ حكوا ما كان حقًّا عندهم في الظاهر ".

راجع : "تفسير الطبري" (9 /375) .

راجع للاستزادة إجابة السؤال القادم

والله أعلم .









قديم 2019-02-14, 15:46   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل توفي عيسى عليه السلام ؟

أين هو الآن ؟

وتعليق على نقل من إنجيل " متى "


السؤال

أرغب في معرفة الدليل على عدم وفاة نبي الله عيسى عليه السلام ، وهل صح قوله عليه السلام في إنجيل متى " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام

وثلاث ليال ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " ؟

وهل هذا دليل من الإنجيل على عدم وفاة نبي الله عيسى ؟ وهل ظل نبي الله عيسى على الأرض للمدة نفسها التي قضاها يونس في بطن الحوت ؟

وفقًا لمعلوماتي أن عيسى قضي يومين وليلتين فقط ( ليلة السبت ويوم السبت ، وليلة الأحد ويوم الأحد ، ثم لم يجدوه في قبره ، وفقًا لكلامهم ) ؟


الجواب

الحمد لله


أولاً:

لا تستطيع أمة من الأمم ـ سوى أمة الإسلام ـ أن تثبت إسناد قصصها وتاريخها إلى نبيها

ذلك أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ كتب الأديان التي قبل القرآن ، وليس يوجد أمة من الأمم عنيت بالأسانيد قبل أمة الإسلام ، لذا فإن كل ما ينقلونه من حوادث وأخبار عن نبيهم وتاريخهم السالف فهو مما لا يمكن إثباته

ولذا فإن دياناتهم اعتراها التحريف ، والتقول ، والكذب .

وأما أمَّة الإسلام فإن الله تعالى قد أطلعها على شيء من أخبار من سلفها من الأمم ، وعن بعض أحوال الأنبياء والرسل السابقين ، وهي أخبار صدق ، ليس ثمة ما يضادها إلا الافتراء والكذب .

ومن الأخبار الغيبية التي عندنا خبرها الموثَّق ، والتي اختلفت فيها الأقوال عند غيرنا : هو ما حصل مع نبي الله عيسى عليه السلام ، حيث أخبرنا الله تعالى أنه لم يُقتل

ولم يُصلب ، وأنه تعالى قد ألقى شبهه على غيره ، وأن هذا الآخر هو الذي قتلوه ، وصلبوه ، وليس عيسى عليه السلام ، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه رفعه إليه ، وأنه سينزل في آخر الزمان

يقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويحكم بالإسلام ، وأما غيرنا ممن يدعي أنه من أتباعه فقد اختلفوا فيه اختلافاً عظيماً

فمنهم من قال عنه إنه هو الله ! ومنهم من زعم أنه ابن الله ! وطائفة قليلة هم الذين شهدوا رفع عيسى عليه السلام وإلقاء الشبه على غيره ، وهم الذين لم يعتقدوا فيه أكثر من النبوة والرسالة .

قال ابن كثير رحمه الله في " تفسير ابن كثير " ( 2 / 47 )

: " فإن المسيح عليه السلام لمَّا رفعه الله إلى السماء : تَفَرَّقت أصحابه شيَعًا بعده ، فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبد الله ، ورسوله ، وابن أمَته ، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله

وآخرون قالوا : هو الله ، وآخرون قالوا : هو ثالث ثلاثة ، وقد حكى الله مقالاتهم في القرآن ، ورَدَّ على كل فريق ... " انتهى .

ثانياً:

عدم صلب المسيح عيسى عليه السلام ، وعدم قتله : عقيدة عند أهل السنَّة والجماعة ، ومصدر هذا الاعتقاد نصوص القرآن الواضحة البيِّنة ، ولم يخالف في هذا أحد من أهل الإسلام ، ومن خالف فيه كان مرتدّاً .

سئل علماء اللجنة الدائمة :

هل عيسى بن مريم حي أو ميت ؟

وما الدليل من الكتاب أو السنَّة ؟

إذا كان حيّاً أو ميتا : فأين هو الآن ؟

وما الدليل من الكتاب والسنَّة ؟ .

فأجابوا : " عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حيٌّ ، لم يمت حتى الآن ، ولم يقتله اليهود ، ولم يصلبوه ، ولكن شبِّه لهم ، بل رفعه الله إلى السماء ببدنه وروحه ، وهو إلى الآن في السماء

والدليل على ذلك : قول الله تعالى في فرية اليهود والرد عليها

: ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا .

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/ 157 ، 158 .

فأنكر سبحانه على اليهود قولهم إنهم قتلوه وصلبوه ، وأخبر أنه رفعه إليه ، وقد كان ذلك منه تعالى رحمةً به ، وتكريماً له ، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله

وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخراً

ومقتضى الإضراب في قوله تعالى : ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) : أن يكون سبحانه قد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بدناً وروحاً حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه

لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة ؛ ولأن رفع الروح وحدها لا ينافي دعواهم القتل والصلب

فلا يكون رفع الروح وحدها ردّاً عليهم ؛ ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعاً ، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة ، ولا قرينة هنا

ولأن رفع روحه وبدنه جميعاً مقتضى كمال عزة الله ، وحكمته ، وتكريمه ، ونصره مَن شاء مِن رسله ، حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية ( وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) .

الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود .

" انتهى "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 3 / 305 , 306 ) .

وانظر تفصيلاً أوفى في المرجع نفسه : ( 3 / 299 – 305 ) .

ثالثاً:

أما فيما يتعلق بقبر المسيح وخروجه منه ، وتشبيه تلك الآية بآية يونس عليه السلام : فقد تولَّى نقد هذه المسائل ، وبيان ضلالها ، وتنقضها : علماؤنا المختصون فبيَّنوا ما فيها من جهل ، وتناقض .

قال الهندي – رحمه الله – معلِّقاً على الفقرة الواردة في السؤال - :

فطلب الكتبة والفريسيون معجزة ، فما أظهرها عيسى عليه السلام في هذا الوقت ، وما أحالهم إلى معجزة صدرت عنه فيما قبل هذا السؤال ، بل سبَّهم ، وأطلق عليهم لفظ " الفاسق " و " الشرير "

ووعد بالمعجزة التي لم تصدر عنه ، لأن قوله " كما كان يونان في بطن الحوت الخ " : غلط ، بلا شبهة - كما علمت في الفصل الثالث من الباب الأول - .

وإن قطعنا النظر عن كونه غلطاً : فمطلق قيامه لم يره الكتبة ، والفريسيون بأعينهم ، ولو قام عيسى عليه السلام من الأموات : كان عليه أن يُظهر نفسه على هؤلاء المنكرين الطالبين آية ليصير حجة عليهم

ووفاء بالوعد ، وهو ما أظهر نفسه عليهم ، ولا على اليهود الآخرين ، ولو مرة واحدة ، ولذلك لا يعتقدون هذا القيام ، بل هم يقولون من ذاك العهد إلى هذا الحين : أن تلاميذه سرقوا جثته من القبر ليلاً .

" إظهار الحق " ( 4 / 1312 ) .

وللشيخ أحمد ديدات رحمه الله ثلاثة كتب في الباب نفسه ، وهي : " ماذا كانت آية يونان ؟ " و " قيامة أم إنعاش ؟ " و " من دحرج الحجر ؟ " ، فانظرها .

وليس ثمة قيمة – أصلاً – لنقولاتهم ، فقد دخلها التحريف والتبديل ، وقد احتوت على الافتراءات والأباطيل ، ومع ذلك فقد أبان علماؤنا عن عوارها .

وأخيراً :

ننصح الأخ السائل – وغيره ممن يقرأ هذه الكلمات – أن ينشغل بتعلم دينه ، ويتقوى في طاعة ربه تعالى ، وأن يصرِف نفسه عن تتبع ضلالات الفرَق والأديان ، فتلك معركة لها فرسانها

ولا مانع أن يكون منهم ، لكن يحتاج هذا لخبرة علمية ، وطول نفس في طلب العلم ، ومعرفة الحق بدليله ، ونسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لما فيه خير دينهم ودنياهم .

والله أعلم









قديم 2019-02-14, 15:51   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير صدر سورة الروم

السؤال

قال الله تعالى في سورة الروم : ( الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) صدق الله العظيم ما معنى غلبت الروم ؟

وما هي أدنى الأرض المذكورة في الآية ؟

وما معنى وهم من بعد غَلَبِهِم سيغلبون في بعض سنين ؟

وعلى ماذا يفرح المؤمنون ؟


الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى في صدر سورة الروم : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ *

بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) الروم/1-5 .

1. ( غُلبت الروم ) أي : هُزمت الروم من الفرس ، وكان ذلك في أوائل النبوة ، والرسول صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ، وقعت معركة بين فارس والروم ، وكانت نتيجتها أن انتصر الفرس على الروم .

قال ابن عاشور في " التحرير والتنوير " (8/42) :

" وإسناد الفعل إلى المجهول ، لأن الغرض هو الحديث على المغلوب لا على الغالب ، ولأنه قد عرف أن الذين غلبوا الروم هم الفرس " انتهى .

2. ( في أدنى الأرض ) أي : أن الهزيمة وقعت في (أدنى) أي أقرب الأرض إلى الجزيرة العربية ، وكانت المعركة في شمال الجزيرة العربية مع أطراف الشام . "

تفسير القاسمي " (8/4) .

3. ( وهم ) أي الروم . ( من بعد غلبهم ) أي هزيمتهم . ( سيغلبون ) أي : سينتصرون على الفرس .

4. ( في بضع سنين ) أي : أن ذلك الانتصار سيتحقق في بضع سنوات .

والبِضع : " كناية عن عدد قليل لا يتجاوز العشرة "

انتهى من " التحرير والتنوير " (8/44) .

جاء في " تفسير القرطبي " (16/394) "

قال الشعبي : فظهروا في تسع سنين .

وقال القشيري : المشهور في الروايات أن ظهور الروم كان في السابعة من غلبة فارس للروم " انتهى .

5. ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) وسبب فرح المؤمنين :

أولاً :

6. بانتصار الروم على الفرس , لأن الروم كانوا أهل كتاب , والفرس كانوا أهل وثنية , فالروم أقرب إلى المسلمين من الفرس من هذه الناحية .

وهذا الفرح هو في مقابلة فرح مشركي قريش حين انتصر الفرس على الروم أولاً , لنفس السبب .

ثانيا :

أن انتصار الروم هو انتصار للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه دليل على صدق نبوته ، إذ أخبر عن شيء مستقبل ، ووقع كما أخبر به ، فقد انتصر الروم على الفرس بعد أقل من عشر سنوات .

ثالثا :

قيل : إن سبب فرح المؤمنين إنما كان بانتصارهم هم على مشركي قريش ، الذي وافق انتصار الروم على الفرس ، إما في يوم بدر ، وإما في يوم الحديبية ، وهو ما اختاره ابن القيم رحمه الله .

قال ابن القيم في " الفروسية " (1/208)

" وَهَذِه الْغَلَبَة من الرّوم لفارس كَانَت عَام الْحُدَيْبِيَة بِلَا شكّ ، وَمن قَالَ : كَانَت عَام وقْعَة بدر فقد وهم ، لما ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان أَن هِرقل لما أظهره الله على فَارس

مَشى من حمص إِلَى إيلياء شكرا لله ، فوافاه كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بإيلياء ، فَطلب من هُنَاكَ من الْعَرَب فجِئ بِأبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فَقَالَ لَهُ : إِنِّي سَائِلك عَن هَذَا الرجل .

.. فَذكر الحَدِيث وَفِيه فَقَالَ : هَل يغدر؟

فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : لَا ، وَنحن الْآن فِي أَمَان مِنْهُ فِي مُدَّة مَا نَدْرِي مَا هُوَ صانع فِيهَا . يُرِيد أَبُو سُفْيَان بالمدة صلح الْحُدَيْبِيَة ، وَكَانَ فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ بِلَا شكّ " انتهى .

وقال ابن عطية في " المحرر الوجيز " (4/328) " والنصر الذي يَفْرَحُ به الْمُؤْمِنُونَ : يحتمل أن يشار فيه إلى نصر الروم على الفرس .. ويحتمل أن يشار فيه إلى نصر يخص المؤمنين على عدوهم

وهذا أيضا غيب ، أخبر به ، وأخرجه للوجود ، إما يوم بدر ، وإما يوم بيعة الرضوان

ويحتمل أن يشار به إلى فرح المسلمين بنصر الله إياهم : في أن صدق ما قال نبيهم ، من أن الروم ستغلب فارس ، فإن هذا ضرب من النصر عظيم " انتهى .

وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال القادم

والله أعلم .









قديم 2019-02-14, 15:53   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أشياء أخبر عن وقوعها القرآن ووقعت

السؤال

هل هناك أي من الأشياء التي أخبر القرآن أنها ستقع ثم وقعت بالفعل ؟.

الجواب

الحمد لله

نعم ، هناك بعض الأشياء التي ذكر الله تعالى في القرآن أنها ستقع ، وقد وقعت بالفعل ، ومنها :

أ‌.هزيمة الفرس على أيدي الروم في بضع سنين :

قال تعالى : غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ الروم / 2 – 4 .

قال الشوكاني :

قال أهل التفسير : غَلبت فارسُ الرومَ ، ففرح بذلك كفارُ مكة وقالوا : الذين ليس لهم كتاب غلبوا الذين لهم كتاب ، وافتخروا على المسلمين ، وقالوا : نحن أيضاً نغلبكم كما غَلبت فارسُ الرومَ

وكان المسلمون يحبُّون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب … وهم من بعد غلبهم سيغلبون أي : والروم من بعد غَلب فارس إياهم سيغلبون أهلَ فارس …

قال الزجاج : وهذه الآية من الآيات التي تدل على أن القرآن من عند الله ؛ لأنه إنباء بما سيكون ، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه .

" فتح القدير " ( 4 / 214 ) .

ب‌.العداوة بين فِرق النصارى إلى يوم القيامة .

قال تعالى وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ المائدة / 14 .

قال ابن كثير :

فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة أي : فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضاً

ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة ، ولذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً

فكل فرقةٍ تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها ، فالملكية تكفر باليعقوبية ، وكذلك الآخرون ، وكذلك النسطورية والآريوسية ، كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد .

" تفسير ابن كثير " ( 2 / 34 ) .

ت‌.ما وعد الله نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان .

قال الله تعالى : هوَ الذي أرْسَل رَسُولَه بِالهُدَى ودِينِ الحقِّ ليظهره على الدين كله الآية سورة التوبة / 33 وسورة الفتح / 28 ، وسورة الصف / 9 .

قال القرطبي :

ففعل ذلك ، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أغزى جيوشه عرَّفهم ما وعدهم الله في إظهار دينه ليثقوا بالنصر وليستيقنوا بالنجاح ، وكان عمر يفعل ذلك ، فلم يزل الفتح يتوالى شرقاً وغرباً برّاً وبحراً .

" تفسير القرطبي " ( 1 / 75 ) .

ث‌.فتح مكة

قال الله تعالى : لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً الفتح / 27 .

قال الطبري :

يقول تعالى ذكره : لقد صدق الله رسولَه محمَّداً رؤياه التي أراها إياه أنه يدخل هو وأصحابه بيتَ الله الحرام آمنين لا يخافون أهل الشرك مقصِّراً بعضهم رأسَه ومحلِّقاً بعضهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

" تفسير الطبري " ( 26 / 107 ) .

ج‌.وقوع غزوة بدر

قال الله تعالى : وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ الأنفال / 7 .

قال ابن الجوزي :

والمعنى : اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ، والطائفتان : أبو سفيان وما معه من المال ، وأبو جهل ومن معه من قريش ، فلما سبق أبو سفيان بما معه كتب إلى قريش إن كنتم خرجتم لتحرزوا ركائبكم فقد أحرزتها لكم

فقال أبو جهل : والله لا نرجع ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم فكره أصحابه ذلك ، وودوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال ، فذلك قوله وتودون أن غير ذات الشوكة أي : ذات السلاح .

" زاد المسير " ( 3 / 324 ) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-14, 15:58   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تنوع الضمائر في القرآن من تمام بلاغته وإعجازه .

السؤال

يسأل رجل غير مسلم لماذا نزل القرآن بصيغة الغير المباشر ؟

مثال على ذلك في سورة الانشقاق حيث يقول الله تعالى في الآية (: والله أعلم بما يوعون) من حسنات أو سيئات .

هناك يذكر الله اسمه في أسلوب المخاطب .


الجواب

الحمد لله


نزل القرآن بلسان عربي مبين ، ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم

وتارة بضمير الغائب ، وتارة بضمير المفرد ، وتارة بضمير الجمع ، وهذا من التفنن في الأسلوب ، وهو من البلاغة والفصاحة ، ومثل هذا لا يدركه إلا أهل اللسان العربي الذين لهم دراية كافية وإلمام بأساليب الخطاب .

فالقرآن لم ينزل بأسلوب واحد كما يظن السائل ، وإنما تفنن في الأساليب ونوّع فيها ، وهذا من تمام الإعجاز والبلاغة .

يقول الدكتور عبد المحسن المطيري في كتابه "دعاوى الطاعنين في القرآن الكريم" (ص 304):

" من أساليب العرب في البيان : أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم ، وتارة بضمير الغائب ، كأن يقول المتكلم : فعلت كذا وكذا، وذهبت

وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا - يعني نفسه - يأمركم بكذا وكذا

. وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا ،. كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم: إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك

وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم : إنني الملك وآمركم بكذا وكذا . فقوله: إن الملك يأمركم . أكثر بلاغة من قوله : إنني الملك وآمركم.

وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان , فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب , وأنه كان لا بد وأن يقول: (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه) ونحو ذلك

وهذا جهل بأساليب اللغة العربية ، وموقعها في البيان والبلاغة

ولا شك أن خطاب الله وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب ، أبلغ من أن يقول سبحانه : "ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الآيات " انتهى باختصار .

ومن المعلوم من عادة العرب في بلاغتها : أنها لا تسير على أسلوب واحد في كلامها

بل تنتقل من أسلوب لآخر ، حتى في نفس السياق ، فضلا عن أن يكون ذلك منظورا إليه باعتبار مقامين ؛ وهذا فن من فنون البلاغة اللغوية يعرف بــ " الالتفات "
.
قال الزركشي رحمه الله :

" الالتفات : هُوَ نَقْلُ الْكَلَامِ مِنْ أُسْلُوبٍ إِلَى أُسْلُوبٍ آخَرَ ، تَطْرِيَةً ، وَاسْتِدْرَارًا لِلسَّامِعِ، وَتَجْدِيدًا لِنَشَاطِهِ ، وَصِيَانَةً لِخَاطِرِهِ مِنَ الْمَلَالِ وَالضَّجَرِ بِدَوَامِ الْأُسْلُوبِ الْوَاحِدِ عَلَى سَمْعِهِ ، كَمَا قِيلَ :

لَا يُصْلِحُ النَّفْسَ إِنْ كَانَتْ مُصَرَّفَةً ... إِلَّا التَّنَقُّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ

قَالَ حَازِمٌ فِي "مِنْهَاجِ الْبُلَغَاءِ": وَهُمْ يَسْأَمُونَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى ضَمِيرِ مُتَكَلِّمٍ ، أَوْ ضَمِيرِ مُخَاطَبٍ

فَيَنْتَقِلُونَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَتَلَاعَبُ الْمُتَكَلِّمُ بِضَمِيرِهِ

فَتَارَةً يَجْعَلُهُ تاء عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَتَارَةً يَجْعَلُهُ كافا فَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مُخَاطَبًا

وَتَارَةً يَجْعَلُهُ هَاءً فَيُقِيمُ نَفْسَهُ مَقَامَ الْغَائِبِ . فَلِذَلِكَ كَانَ الْكَلَامُ الْمُتَوَالِي فِيهِ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ لَا يُسْتَطَابُ ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِانْتِقَالُ مِنْ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ " .

ثم ذكر الزركشي رحمه الله أقسام هذا اللون ، وفوائده البلاغية .

ينظر: "البرهان في علوم القرآن" لبدر الدين الزركشي (3/ 314-330) .

راجع للفائدة جواب السؤال القادم

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-14, 16:02   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

معنى استخدام الضمير في القرآن

السؤال

لماذا يستخدم القرآن لفظ نحن في الآيات؟

كثير من غير المؤمنين يقولون إن هذا إشارة إلى عيسى.


الجواب


الحمد لله

من أساليب اللغة العربية أن الشخص يعبر عن نفسه بضمير " نحن " للتعظيم ويذكر نفسه بضمير المتكلم الدال على المفرد كقوله " أنا " وبضمير الغيبة نحو " هو " وهذه الأساليب الثلاثة جاءت في القرآن والله يخاطب العرب بلسانهم .

فتاوى اللجنة الدائمة م4/143 .

" فالله سبحانه وتعالى يذكر نفسه تارة بصيغة المفرد مظهراً أو مضمراً ، وتارة بصيغة الجمع كقوله

: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً " وأمثال ذلك . ولا يذكر نفسه بصيغة التثنية قط ، لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم الذي يستحقه

وربما تدل على معاني أسمائه ، وأما صيغة التثنية فتدل على العدد المحصور ، وهو مقدس عن ذلك "

أ.هـ العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 75 .

ولفظ ( إنا ) و ( نحن ) وغيرهما من صيغ الجمع قد يتكلم بها الشخص عن جماعته وقد يتكلّم بها الواحد العظيم ، كما يفعل بعض الملوك إذا أصدر مرسوما أو قرارا يقول نحن وقررنا ونحو ذلك

وليس هو إلا شخص واحد وإنّما عبّر بها للتعظيم ، والأحقّ بالتعظيم من كلّ أحد هو الله عزّ وجلّ فإذا قال الله في كتابه إنا ونحن فإنّها للتعظيم وليست للتعدّد

ولو أنّ آية من هذا القبيل أشكلت على شخص واشتبهت عليه فيجب أن يردّ تفسيرها إلى الآيات المحكمة ، فإذا تمسك النصراني مثلا بقوله : ( إنا نحن نزلنا الذكر ) ونحوه على تعدد الآلهة

رددنا عليه بالمحكم كقوله تعالى : ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم )

وقوله : ( قل هو الله أحد ) ، ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنى واحداً ، وعند ذلك يزول اللبس عمن أراد الحقّ

وكلّ صيغ الجمع التي ذكر الله بها نفسه مبنية على ما يستحقه من العظمة ولكثرة أسمائه وصفاته وكثرة جنوده وملائكته .

يُراجع كتاب العقيدة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 109 .

والله تعالى أعلم .

: الشيخ محمد صالح المنجد


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-15, 15:10   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



ما الدليل على أن المرأة يجوز لها أن تنزع حجابها أمام محارمها ؟


السؤال

لاحظت أنكم تفتون بجواز عدم الحجاب على المرأة أمام الرجل المُحرَّم عليه الزواج منها . لكن آية إبداء الزينة لم تقل بذلك ، وإنما حددت أشخاص معينين .

فما هو الدليل أن المرأة يجوز أن تكشف شعرها أمام الرجال الذين يحرمون عليها ؟ مثال على كلامي : أمهات المؤمنين محرمات على جميع الرجال ، ولكن مع ذلك يَحْتَجِبْنَ .

أي : أن التحريم المؤبد لا علاقة له بالحجاب . الحجاب في الآية مخصوص و ليس عام لكل محرم كما تقولون .

قال الله عز و جل : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا غ– وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىظ° جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ

أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىظ° عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

لا تذكر الآية الرجال المحرمون تحريما أبديا . مثال : هل تحتجب زوجة الأب الشابة عن ابنه الشاب ؟

أتكلم عن الحجاب وليس تحريم الزواج . هل كشف شعرها أمامه حرام ؟

الرجاء عدم الربط بتحريم الزواج الأبدي بدون دليل .


الجواب :

الحمد لله


أولا :

المحرم للمرأة هو من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة ( كالأب وإن علا والابن وإن نزل والأعمام والأخوال والأخ وابن الأخ وابن الأخت ) ، أو رضاع

( كأخي المرأة من الرضاعة وزوج المرضعة ) ، أو صهرية ( كزوج الأم وأبي الزوج وإن علا وولد الزوج وإن نزل )

دل على ذلك الكتاب والسنة ، أما الكتاب

ففي قوله تعالى :

( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ ) النور/ 31 .

وأما السنة : ففي قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ) . رواه البخاري (2645) ، ومسلم (1447) .

وفي لفظ لهما : ( يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ ) .

والدليل على نفس السؤال الذي سأله السائل : هو من الآية نصا ، وليس من ربطنا ، بلا دليل ، كما يزعم ؛ ففي نص الآية استثناء : (أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ)

وهذه الآية في أحكام النظر والزينة ، وليست في أحكام المحرمية ؛ فماذا يطلب السائل من دليل على هذه المسألة بعد ذلك ، والآية عامة لـ : كل نساء المؤمنين ، مع : كل أبناء البعولة ، ولم تستثن شابا ، أو شابة .

ثانيا :

عورة المرأة أمام محارمها كالأب والأخ وابن الأخ هي بدنها كله إلا ما يظهر غالبا كالوجه والشعر والرقبة والذراعين والقدمين

قال الله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ) النور/31 .

فأباح الله للمرأة أن تبدي زينتها أمام زوجها ومحارمها ، والمقصود بالزينة مواضعها ، فالخاتم موضعه الكف ، والسوار موضعه الذراع

والقرط موضعه الأذن ، والقلادة موضعها العنق والصدر ، والخلخال موضعه الساق .

جاء في " شرح الخرشي لمختصر خليل " (1/248) :

" عورة الحرة مع الرجل المحرم ، من نسب أو رضاع أو صهر : جميع بدنها إلا الوجه والأطراف ، وهي ما فوق المنحر ، وهو شامل لشعر الرأس والقدمان والذراعان " انتهى .

وقال الحطاب المالكي رحمه الله :

" قال البساطي : وعورتها ، أي المرأة ، مع محرم من الرجال : ما عدا الوجه وأطراف القدمين والكوعين والشعر من الرأس وما أشبه ذلك . انتهى . قال القرافي في جامع الذخيرة

: ولا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر أم زوجته . وقال في جامع الموطأ في فصل السنة من الشعر: قال مالك: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس

, قال الباجي: قول مالك - رحمه الله تعالى -

ليس على الرجل إلخ, يريد - والله أعلم - على الوجه المباح من نظره إلى ذوات المحارم كأمه وأخته وابنته، ولا خلاف في ذلك "

انتهى من "مواهب الجليل " (2 /182) .

وقال ابن قدامة رحمه الله :

" وَيَحُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا ، كَالرَّقَبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا يَسْتَتِرُ غَالِبًا، كَالصَّدْرِ وَالظَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا ، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْد اللَّه عَنْ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إلَى شَعْرِ امْرَأَةِ أَبِيهِ ، أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهِ ؟ فَقَالَ: هَذَا فِي الْقُرْآنِ: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) إلَّا لِكَذَا وَكَذَا .

وَمَنَعَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ ، النَّظَرَ إلَى شَعْرِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ .

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ) الْآيَةَ

. وَقَالَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، كَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وَيَرَانِي فَضْلًا وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَا عَلِمْت فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ ؟

فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (أَرْضِعِيهِ) فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ مِنْهَا إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا، فَإِنَّهَا قَالَتْ: يَرَانِي فَضْلًا ، وَمَعْنَاهُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ الَّتِي لَا تَسْتُرُ أَطْرَافَهَا.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أَسْمَاءَ امْرَأَةِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: فَكُنْت أَرَاهُ أَبًا، وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْشُطُ رَأْسِي، فَيَأْخُذُ بِبَعْضِ قُرُونِ رَأْسِي، وَيَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ .

وَلِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ هَذَا لَا يُمْكِنُ ، فَأُبِيحَ كَالْوَجْهِ ، وَمَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا لَا يُبَاحُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى نَظَرِهِ ، وَلَا تُؤْمَنُ مَعَهُ الشَّهْوَةُ وَمُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ، فَحُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ " انتهى من "المغني" (7/ 98-99) .

فظهر بذلك أن ارتباط الحجاب بالمحرمية ارتباط وثيق لا انفكاك عنه ، فكل من حرم على المرأة أن تنكحه على التأبيد فهو محرم لها ، يجوز لها أن تنكشف عليه ويخلو بها ويسافر معها ، وهذا بالإجماع .

جاء في "الموسوعة الفقهية" (18/ 162) .

" حَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الإْجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالأْجْنَبِيَّةِ ، وَإِبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ.

وَالْمَحْرَمُ: هِيَ كُل مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ " انتهى .

أما النظر إلى بعض ذوي المحارم بشهوة فحرام بالاتفاق ، قال الحطاب :

" قال الأبي : وأظنه عن النووي: وكل ما أبيح النظر إليه من جميع ما تقدم فإنما هو بغير شهوة وأما مع الشهوة فممتنع ، حتى نظر الرجل إلى ابنته وأمه .

وقال في جامع الكافي : ولا بأس أن ينظر إلى وجه أم امرأته وشعرها وكفيها، وكذلك زوجة أبيه وزوجة ابنه

ولا يجوز ترداد النظر وإدامته إلى امرأة شابة من ذوي المحارم أو غيرهن إلا عند الحاجة إليه والضرورة في الشهادة ونحوها .

وقال ابن عبد البر في التمهيد : وجائز أن ينظر إلى الوجه والكفين منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه ، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها بالشهوة ، فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة ؟ "
.
انتهى من "مواهب الجليل" (2 /183) .

وعليه : فإن خيفت الفتنة لم يجز النظر ، ومثل زوجة الأب الشابة ، ينبغي أن لا يخلو بها ابنه الشاب ، درءا للفتنة ، وسدا لبابها .

ثالثا :

قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب/ 6

فنساؤه صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين ، أي: في الحرمة والاحترام ، والإكرام ، لا في الخلوة والمحرمية .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ: فِي الْحُرْمَةِ وَالِاحْتِرَامِ، وَالْإِكْرَامِ وَالتَّوْقِيرِ وَالْإِعْظَامِ، وَلَكِنْ لَا تَجُوزُ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ، وَلَا يَنْتَشِرُ التَّحْرِيمُ إِلَى بَنَاتِهِنَّ وَأَخَوَاتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 380) .

ومن أبين الأدلة من السنة النبوية على هاتين المسألتين : مسألة وضع الحجاب أمام المحارم

وعدم وضعه أمام الأجانب ، ومسألة : أن أمهات المؤمنين في أحكام المحرمية والحجاب : كغيرهن من النساء ، وأن حرمتهن ، لا تعني نزع الحجاب أمام الأجانب :

حديث عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ : " أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ

وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا آذَنُ لِأَفْلَحَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ ؟

قَالَتْ : عَائِشَةُ فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَنِي يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ ، فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ ؟

قَالَتْ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ائْذَنِي لَهُ ).

فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ .

قَالَ : ( ائْذَنِي لَهُ ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ ؛ تَرِبَتْ يَمِينُكِ !! ) .

قَالَ عُرْوَةُ : فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ : حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنْ النَّسَبِ " .

رواه البخاري (5804) ، ومسلم (1445) .

فانظر : كيف كان متقررا : إن محرمية العم ، تبيح للمرأة أن تأذن له ، ولا تستر عنه ، وهي تستتر عمن سواه

وكيف استشكلت أم المؤمنين حكم "العم" في الرضاع ، حتى بين لها النبي صلى الله عليه وسلم : أنه عمها ، وأمرها أن تأذن له .

فتحريم أمهات المؤمنين على المؤمنين حكم خاص ، لا علاقة له بالمحرمية التي نتكلم عنها ، وإلا فلو كن أمهاتٍ للمؤمنين في المحرمية أيضا لجاز لهن خلع الحجاب أمامهم والخلوة بهم ونحو ذلك من أحكام المحرمية

وذلك ما لم يقل به أحد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "

منهاج السنة " ( 4 / 369 ) :

" أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَعَلَى وُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ ;

فَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُرْمَةِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَلَسْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ أَقَارِبِهِنَّ الْخَلْوَةَ بِهِنَّ ، وَلَا السَّفَرَ بِهِنَّ ، كَمَا يَخْلُو الرَّجُلُ وَيُسَافِرُ بِذَوَاتِ مَحَارِمِهِ. وَلِهَذَا أُمِرْنَ بِالْحِجَابِ " انتهى .

والنصيحة للسائل أن يطلب العلم ، ويعرف مصادره وكتبه الموثوقة

وأهل العلم الذين يؤخذ عنهم ، قبل أن يعجل بالإنكار ، والخلاف في مسألة ، قبل أن تتوفر لها أدواتها .









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-15 في 15:10.
قديم 2019-02-15, 15:17   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز أن يدعي أنه غير مسلم ؛ ليتمكن من دعوة غير المسلمين ؟

السؤال

هل من الجائز ادعاء الشخص بأنه نصراني أو على ملة أخرى غير ملة الإسلام في سبيل الدعوة استنادا لفعل إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه عند رؤيته النجم "هذا ربي" ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

سبيل الدعوة إلى الله سبيل الصدق ، وقول الحق ، والداعي إلى الله يسلك سبيل رسل الله وأئمة الهدى والرشاد ، من الصديقين الحنفاء

وسبيلهم الصدق في البيان ، وإقامة الحجة ، وبيان طريق المحجة ، وليس من سبيلهم الكذب والمداهنة .

ولا بد من الوضوح التام ، وبيان أن صراط الله المستقيم ، يخالف سبيل أهل الجحيم ، وأن الحق له نور يعرف به ، وعليه أمارات يهتدى بها إليه ، قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) يوسف/ 108.

" أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره ، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له " .

انتهى من " تفسير السعدي" (ص 406) .

وقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة/119 ، فأين هذا من ادعاء الكذب ، لا سيما في أمر خطير كهذا ؟!

ثانيا :

أما قول الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) الأنعام/ 76 :

فقوله : (هذا ربي) إنما خرج على سبيل المناظرة والتنزل لإقامة الحجة ، لا على سبيل الإخبار عن نفسه

وهذا من طرق قطع الخصم عند المناظرة واللجاج ، وهو أن يتنزل معه في الكلام بحسب ما يهوى ، حتى يضطره إلى الانقطاع والتحير ، ويلزمه بإبطال قوله .

قال السعدي رحمه الله :

" (قَالَ هَذَا رَبِّي) أي: على وجه التنزل مع الخصم أي: هذا ربي ، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية ؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟ فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه ، بغير حجة ولا برهان .

(فَلَمَّا أَفَلَ) أي: غاب ذلك الكوكب (قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) أي: الذي يغيب ويختفي عمن عبده ، فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده ، ومدبرا له في جميع شئونه

فأما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب ، فمن أين يستحق العبادة ؟! وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه ، وأبطل الباطل؟!

(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا) أي : طالعا، رأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها ( قَالَ هَذَا رَبِّي ) تنزلا

( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) فافتقر غاية الافتقار إلى هداية ربه ، وعلم أنه إن لم يهده الله فلا هادي له ، وإن لم يعنه على طاعته ، فلا معين له .

(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ) من الكوكب ومن القمر، فَلَمَّا أَفَلَتْ تقرر حينئذ الهدى ، واضمحل الردى فـ (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) حيث قام البرهان الصادق الواضح ، على بطلانه "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 262) .

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

" وَالْحَقُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُنَاظِرًا لِقَوْمِهِ ، مُبَيِّنًا لَهُمْ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ وَالْأَصْنَامِ ، فَبَيَّنَ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ مَعَ أَبِيهِ خَطَأَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الْأَرْضِيَّةِ

الَّتِي هِيَ عَلَى صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ السَّمَاوِيَّةِ ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ إِلَى الْخَالِقِ الْعَظِيمِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَإِنَّمَا يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ بِعِبَادَةِ مَلَائِكَتِهِ ، لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَهُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّصْرِ

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، وَبَيَّنَ فِي هَذَا الْمَقَامِ خَطَأَهُمْ وَضَلَالَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْهَيَاكِلِ

وَهِيَ الْكَوَاكِبُ السَّيَّارَةُ السَّبْعَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ ، وَهِيَ: الْقَمَرُ، وَعُطَارِدُ، وَالزَّهْرَةُ، وَالشَّمْسُ ، وَالْمِرِّيخُ، وَالْمُشْتَرَى ، وَزُحَلُ ، وَأَشُدُّهُنَّ إِضَاءَةً وَأَشْرَقُهُنَّ عِنْدَهُمُ الشَّمْسُ ، ثُمَّ الْقَمَرُ، ثُمَّ الزُّهَرَةُ .

فَبَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ هَذِهِ الزُّهْرَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ مَقَدَّرَةٌ بِسَيْرٍ مُعَيَّنٍ

لَا تَزِيغُ عَنْهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَلَا تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا تَصَرُّفًا، بَلْ هِيَ جِرْمٌ مِنَ الْأَجْرَامِ خَلَقَهَا اللَّهُ مُنِيرَةً

لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكَمِ الْعَظِيمَة ِ، وَهِيَ تَطْلُعُ مِنَ الْمَشْرِقِ ، ثُمَّ تَسِيرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ ، حَتَّى تَغِيبَ عَنِ الْأَبْصَارِ فِيهِ، ثُمَّ تَبْدُو فِي اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الْقَمَرِ، فَبَيَّنَ فِيهِ مِثْلَ مَا بَيَّنَ فِي النَّجْمِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى الشَّمْسِ كَذَلِكَ. فَلَمَّا انْتَفَتِ الْإِلَهِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْأَجْرَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ أَنْوَرُ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الْأَبْصَارُ، وَتَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ، ( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ )

أَيْ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ عِبَادَتِهِنَّ وَمُوَالَاتِهِنَّ ، فَإِنْ كَانَتْ آلِهَةً ، فَكِيدُونِي بِهَا جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ،

( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ: إِنَّمَا أَعْبُدُ خَالِقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمُخْتَرِعَهَا وَمُسَخِّرَهَا وَمُقَدِّرَهَا وَمُدَبِّرَهَا، الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/ 292) .

وينظر: "أضواء البيان" (1/ 486)

" التحرير والتنوير" (7/ 319) .

والحاصل :

أن ادعاء ملة غير ملة الإسلام : لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر ، إلا في صورة الإكراه الملجئ له إلى ذلك ، بشروطه المعروفة .

وأما أن يفعل ذلك من أجل مصلحة الدعوة ؛ فأنى تكون مصلحة الدعوة ، بما هو مناقض وهدم للدعوة من أصلها ؟!

وكيف يدعو قوما جربوا عليه الكذب في أصل الأصول في دعوتهم ؟!

وكيف يدعو قوما ، وهو لم يظهر البراءة من دينهم وشركهم وضلالهم

وقد قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الزخرف/26-28

وقال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا

بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الممتحنة/4-5

. فأين تكون البراءة من الكفار ودينهم على هذا ؟ وأي فتنة للذين كفروا ، أعظم من أن يطلعوا على هذا الكذب ، ممن يدعوهم إلى دينه ؟

والله أعلم .









قديم 2019-02-15, 15:23   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) .

السؤال


ما تفسير "ولذكر الله أكبر" في قوله تعالى (واتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..) هل تعني أن الذكر أفضل من الصلاة ؟

أليست الصلاة أعظم ذكر؟ فلماذا يفرِّق الله بينهما ؟


الجواب

الحمد لله

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز :

( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/ 45 .

وللعلماء في قوله تعالى (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) أقوال :

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" قوله تعالى: (ولذكر الله أكبر) فيه أربعة أقوال:

أحدها: ولذكر الله إياكم ، أكبر من ذكركم إياه ، وبه قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين .

والثاني : ولذكر الله تعالى أفضل من كل شيء سواه ، وهذا مذهب أبي الدرداء، وسلمان ، وقتادة .

والثالث : ولذكر الله تعالى في الصلاة ، أكبر مما نهاك عنه من الفحشاء والمنكر، قاله عبد الله بن عون .

والرابع : ولذكر الله تعالى العبد- ما كان في صلاته- أكبر من ذكر العبد لله تعالى، قاله ابن قتيبة "

انتهى من "زاد المسير" (3/ 409) .

واختار غير واحد من المحققين والمفسرين القول الثالث ، وهو أن حصول ذكر الله بالصلاة ، أكبر من كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يَعْنِي: أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ : عَلَى تَرْكِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ

أَيْ: إِنَّ مُوَاظَبَتَهَا تَحْمِلُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ .

وَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ أَيْضًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الْأَكْبَرُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أَيْ: أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ " .

انتهى مختصرا من "تفسير ابن كثير" (6/ 280-282) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا دَفْعٌ لِلْمَكْرُوهِ وَهُوَ الْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكَرُ، وَفِيهَا تَحْصِيلُ الْمَحْبُوبِ وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ

وَحُصُولُ هَذَا الْمَحْبُوبِ أَكْبَرُ مِنْ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ ، فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عِبَادَةٌ لِلَّهِ ، وَعِبَادَةُ الْقَلْبِ لِلَّهِ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَأَمَّا انْدِفَاعُ الشَّرِّ عَنْهُ فَهُوَ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/188) .

وقال أيضا :

" قَوْلُهُ: (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) بَيَانٌ لِمَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَالْمَضَارِّ

وَقَوْلُهُ: ( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) بَيَانٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي فِيهَا ، أَكْبَرُ مِنْ كَوْنِهَا نَاهِيَةً عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ:

( إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) وَالْأَوَّلُ تَابِعٌ ، فَهَذِهِ الْمَنْفَعَةُ وَالْمَصْلَحَةُ أَعْظَمُ مِنْ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ " .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/ 192-193) .

ولا تدل الآية على أن الذكر المجرد أفضل من الصلاة وأكبر ، فإنها بذاتها وما فيها من ذكر الله مِن أكبر الذكر وأعظمه .
قال شيخ الإسلام :

" ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ أَكْبَرُ مِنْ كَوْنِهَا تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ؛ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 232) .

فعلم بذلك أن الله تعالى لم يفرق بين الذكر وبين الصلاة ، كيف والصلاة من أجل ذكر الله ؟ قال تعالى : (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) طه/ 14 .

قال السعدي رحمه الله:

" قوله: (لِذِكْرِي) اللام للتعليل أي: أقم الصلاة لأجل ذكرك إياي، لأن ذكره تعالى أجل المقاصد ، وهو عبودية القلب ، وبه سعادته ، فشرع الله للعباد أنواع العبادات، التي المقصود منها إقامة ذكره ، وخصوصا الصلاة " .

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 503) .

وانظر جواب السؤال القادم

والله تعالى أعلم .









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc