ثالثاً:
الخوف من المستقبل :
من علامة ضعف التوكل على الله تعالى , والمؤمن قوي الإيمان لا يعطي من عمره وقتاً ليحمل هموم ما يأتي في غد ، وليس يعني هذا عدم الأخذ بالأسباب لبناء مستقبل مريح ، فقد كان النبي صلى الله عليه يدَّخر أحياناً قوت سنَة لأهله ، وإنما أردنا أن يتحلى المؤمن بقوى الإيمان ليدفع عن نفسه وقلبه الخوف ، والقلق ، مما يأتيه في المستقبل .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) .
رواه مسلم ( 2664 ) .
فالمؤمن قوي بتوكله ، وقوي باستعانته بالله تعالى خالقه , وما يشعر به المسلم من ضعف ، أو خوف : إنما هو من وسوسة الشيطان ، وتثبيطه له , والواجب على المؤمن دفع هذه الوسوسة بدعائه ، واستعانته بالله ، وحسن توكله عليه .
فاستخر الله تعالى في العمل الذي ترغب بالالتحاق به , فإن انشرح صدرك ، وتيسر أمر ذلك العمل : فأقدم ، ولا تتردد ، واستعن بالله تعالى .
رابعاً:
العمل كسائق في نقل البضائع ليس من المهن الدنيئة , وليس عيباً على الرجل العمل بها , وإن اختص بها الوافدون في بلدكم ؛ فالرعي يستنكف عنها كثير من الناس , وقد عمل بها الأنبياء والمرسلون ، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ ) ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ : ( نَعَمْ ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ ) .
رواه البخاري ( 2143 ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – أيضاً - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّاراً ).
رواه مسلم ( 2379 ) .
وقد أخبر الله تعالى عن داود عليه السلام أنه كان يعمل في صنع الدروع للمحاربين ، وأن هذا من تعليم الله له ، قال تعالى : ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ) الأنبياء/ 80 .
بل لعل ما تنوي العمل به أن يكون من أفضل المكاسب ؛ لأنها كسب من عمل يدك , وفي الحديث عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ) .
رواه البخاري ( 1966 ) .
فالنصيحة لك أخي الفاضل :
أ. أن تحاول أن تكلِّم والدك بالحسنى ، والكلمة الطيبة ، أن يرفع راتبك , وأن يحسن وضعك ، ما دمت تؤدي الذي عليك ، ولا تقصر فيه , وأن تلجأ إلى الله تعالى أن يشرح صدره ويهديه لذلك ،
فإن لم يستجب لذلك ، ووجدت أن ما تتقاضاه لا يكفيك : فلا بأس أن تعمل بأي عمل آخر ، كسائق ، أو غير ذلك ؛ لتحسين وضعك المعيشي ، وليس هذا من العقوق , ولا تستنكف عن العمل كسائق ما دام العمل لا يدخل فيه حرام ، أو شبهة , فأكل المرء من عمل يده من أطيب الكسب ، وأفضله ، وإن وجدت عملاً أنسب لك ،
ويوافق عليه والدك وإخوتك :
فنرى أن تلتحق به ، وأن يكون هو اختيارك ؛ لتجمع بين العمل ، ورضى أهلك عنك ، فمن الممكن أن يسبب لك العمل سائقاً إحراجاً بين أولادك ، وأقربائك ، وقد لا تستطيع دفعه ، فتتعقد أمورك النفسية ، أما من حيث الجواز الشرعي : فهو جائز ، وهو ليس معيباً بحد ذاته ، ولا هو بمهنة دنيئة ، لكن نرى أن مراعاة رضى أهلك ، وعرف المكان الذي تعيش فيه أمرا مهما ، وأنت لا تريد مخالفتهم ، بل تريد عملاً تقتات منه ، ويحسِّن من وضعك ، فابحث عن عمل يتناسب مع بيئتك ، ولك أن تتملك سيارات نقل – لا سيارة واحدة – وتستأجر أجراء ليقوموا عليها ، ويكون دخلها محسِّناً لوضعك ، دون الحاجة لأن تباشر سياقتها بنفسك .
وإن أمكنك أن تستفيد من خبرتك في العمل مع والدك ، وأن تعمل بالتجارة : فلعل هذا أن يكون أنسب لك .
ب. ادفع خوفك من المستقبل بحسن توكلك ، وإقبالك على الله تعالى ، وأكثر من التضرع ، والالتجاء إليه ، فهو حسبك ، وكافيك .
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيك وأن يوسع لك في الرزق , ويصرف عنك الخوف , وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه , وأن يشرح صدر والدك لتحسين وضعك .
والله أعلم