الحذف في الجملة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > منتدى اللّغة العربيّة

منتدى اللّغة العربيّة يتناول النّقاش في قضايا اللّغة العربيّة وعلومها؛ من نحو وصرف وبلاغة، للنُّهوضِ بمكانتها، وتطوير مهارات تعلّمها وتصحيح الأخطاء الشائعة.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحذف في الجملة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-02-11, 19:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
بلقاسم الأمين
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي الحذف في الجملة

مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على قائد الغر المحجّلين وعلى آله
وأصحابه أجمعين أمّا بعد:
فالبلاغة العربية من أشرف العلوم وأعلاها مكانة كيف لا وهي السبيل المفضي إلى فهم كتاب الله تعالى وسنة
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،وكلام العرب،لذلك أولى القدماء هذا الفن عناية كبيرة،ومازال حتى الآن
العلماء يعتنون بها أيما اهتمام،ونحن في بحثنا هذا سنتطرق إلى عنصر من عناصرها،ألا وهو الحذف في الجملة
وعليه نطرح الإشكالية التالية: ماهي دلالة الحذف اللغوية والإصطلاحية؟
وماهي أهم مزايا الحذف وشروطه؟ وماذا نعني بالحذف في الجملة؟
وماهي أنواع الحذف في الجملة؟
ولمعالجة هذا الموضوع قسّمنا بحثنا إلى خمسة مباحث؛تطرقنا في المبحث الأول إلى تعريف الحذف لغة
واصطلاحا،والمبحث الثاني تحدثنا فيه عن مزايا الحذف وشروطه.أما المبحث الثالث تكلمنا فيه عن دواعي
الحذف وأسبابه،والمبحث الرابع تطرقنا فيه إلى أغراض الحذف وأقسامه،والمبحث الخامس تحدثنا فيه عن
الحذف في الجملة وأنواعه.
وبما أننا سنقوم بوصف وتحليل كل ماذكرناه ،فكان المنهج المتّبع وصْفياً تحْليلياً مناسبا لهذا المقام.
أما الهدف من بحثنا هذا هو محاولة معرفة ظاهرة الحذف في فهم النصوص وخاصة القرآن الكريم،ومعرفة أراء العلماء في شرحهم للمحذوفات،وكذا محاولة التعرف على بعض الآيات التي وقع فيها الحذف
أما المصادر التي استقينا منها هذا البحث فهي متنوعة ومختلفة،جمعت بين القديم والجديد
ومن هذه المصادر والمراجع :كتاب دلائل الإعجاز للجرجاني،والبرهان في علوم القرآن للزركشي،ومغني
اللبيب لابن هشام الأنصاري،وجواهر البلاغة لأحمد الهاشمي، ،البلاغة فنونها وأفنانها لفضل حسن عباس،
ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي لطاهر سليمان....
ومن أهم الصعوبات والعراقيل التي واجهتنا في هذا البحث تشعب المادة العلمية
وعدم قدرتنا على الإلمام بالموضوع.
وفي الأخير لابُدّ من كلمة شكر وعرفان تُؤدَّى لأصحابها بعْد الحمد والثناء على الله
عزّ وجلّ،فنشكر أستاذنا الفاضل الذي أتاح لنا فُرْصَة البحث في هذا الموضوع.
المبحث الأول:دلالة الحذف اللغوية والاصطلاحية
أ- تعريف الحذف لغة:
لمادة (ح ذ ف) عدة دلالات منها: القطع، حيث ورد في لسان العرب "حذف الشيء يحذفه حذفا قطعه من
طرفه، والحذافة: ماحذف من شيء فطرح".(1)
والحذف: الرمي عن جانب، تقول :حذَفَ يحذف حذفا وحذفه حذفا: ضربه عن جانب أو رماه
وحذفه بالعصا أو بالسيف يحذفه حذفا وتحذَّفه: ضربه ،أو رماه،قال الأزهري: وقد رأيت رعيان العرب
يحذفون الأرانب بعصيهم إذا عدت ودرمت بين أيديهم،فربما أصابت العصا قوائمها فيصيدونها ويذبحونها .(2)
وجاء في الصحاح :"حذف الشيء:إسقاطه،يقال حذفت من شعري،ومن ذنب الدابة،أي أخذت.
وحذفته بالعصا: أي رميته بها ، وحَذْفة: اسم فرس خالد بن جعفر بن كلاب".(3)
كما عرفه ابن حجة الحموي بقولهالحذف عبارة عن حذف بعض لفظه لدلالة الباقي عليه

كقوله تعالىوَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) سورة يوسف 82

وكقول الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
أي ومعتقلا رمحا. ومنها قول الشاعر:علفتها تبنا وماء باردا
أي :وسقيتها ماء باردا(4)



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)محمد بن مكرم بن منظور،لسان العرب ،تح:عبد الله علي الكبير،ومحمد أحمد حسب الله،وهاشم محمد الشادلي،دار المعارف،القاهرة ،مصر،ج1،ص810 .(مادة حذف)
(2)المصدر نفسه،ص 810
(3)إسماعيل بن حماد الجوهري،تاج اللغة وصحاح العربية،تح:أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين،بيروت ،لبنان،ط2
1979م،ج4،ص29. (مادة حذف)
(4)تقي الدين الحموي،خزانة الأدب وغاية الأرب،تح:عصام شعيتو،دار ومكتبة الهلال ،بيروت،لبنان،ط1 1987،ج2،ص275
وقد ورد في كتاب العين بأن الحذف هو(قَطْفُ الشَّيْء من الطَّرَف كما يُحْذَف طَرَفُ ذَنَب الشّاة))
والمحذوف :الزق.
وتقول:حَذَفني فلانٌ بجائزة أي :وَصَلَني.
والحَذف : ضَرْبٌ من الغَنَم السُّود الصِّغار واحدها حَذَفة . (1)
ويقال: "حذف الشيء،أي:أسقطه، والحذف مصدر: حَذَفَ".(2)

ب - تعريف الحذف اصطلاحا: الحذف من الأبواب اللطيفة والبديعة عند أهل اللغة العربية؛حيث
اعتبروه من المسائل التي تكسب الكلام جمالا وروعة،وتَمنحه جودة وبلاغة،بل إنه من الأساليب التي لا
يُحسنها إلا المتمكِّنون في اللغة والبارعون في أساليبها وأفانينها،وهو أحد أقسام الإيجاز الذي يعد فرعا
من فروع علم المعاني ،وبراد به أداء المقصود من الكلام بأقل قدر ممكن من الألفاظ .
"الحذف: إسقاط حرف،أو كلمة،أو حركة،بشرط ألا يتأثر المعنى،أو الصياغة بذلك".(3)
"الحذف في الاصطلاح يكون بحذف شيء من العبارة لايخل بالفهم عند وجود مايدل على المحذوف
من قرينة لفظية أو معنوية".(4)
وقد عرف الجرجاني الحذف بأنه:"باب دقيق المسلك لطيف المأخذ عجيب الأمر شبيه بالسحر،فإنك ترى به
ترك الذكر،أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة،أزيد للإفادة،وتجدك أنطق ماتكون إذا لم تنطق، وأتم ماتكون
بيانا إذا لم تُبنْ"( 5).
كما عرفه قدامة بن جعفر في كتابه نقد النثرالحذف هو الإيجاز والاختصار والاكتفاء بيسير القول إذا كان
المخاطب عالما بمراده فيه ).(6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1)الخليل بن أحمد الفراهيدي،العين،تح:د.مهدي المخزومي،ود.إبراهيم السامرائي،دار ومكتبة الهلال،ج3،ص 201
(2) عزيزة فوال بابستي،المعجم المفصل في النحو العربي،دارالكتب العلمية1999 ،بيروت،لبنان،ط11413هـ/1992م ،ص451
(3) المصدر نفسه،ص 451
(4) يونس حمش خلف محمد،(الحذف في اللغة العربية)،مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية،المجلد10،العدد 2،ص5
(5)عبد القاهر الجرجاني،دلائل الإعجاز،قرأه وعلق عليه: محمود محمد شاكر،مكتبه الخانجي القاهرة،مصر،ط 5 2004 ،ص178
(6) قدامة بن جعفر،نقد النثر،دار الكتب العلمية،بيروت ،لبنان1990،ص69


المبحث الثاني: مزايا الحذف وشروطه:
الحذف تستعمله العرب للتخفيف والاختصار والاكتفاء بيسير القول إذا كان المخاطب عالما بمرادها فيه
وذلك كقوله تعالىوَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )) سورة يس 45
سكت عن تمام الكلام لعلم المخاطب به.
وقال تعالى): وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10( سورة النور10
حذف مابعد الآية لعلم المخاطب به،فكأن تقديره:ولولا فضل الله عليكم ورحمته لعذبكم بما فعلتم.
ومن ذلك أيضا :قول الشاعر:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بنا بطن حِقْف ذي قفاف عقنقل
من شرط الحذف أنْ يكون في الكلام مايدل على هذا المحذوف ،إمّا من لفظه أو من سياقه (1)
وهو على نوعين:- نوع يظهر فيه المحذوف عند الإعراب كقولنا أهلا وسهلا،فإنَّ نصب الأهل والسهل يدل على ناصب محذوف تقديره: جئت أهلا،ونزلت مكانا سهلا.
- ونوع ثاني لايظهر بالإعراب وإنما نعرف مكانه إذا تصفحنا المعنى ووجدناه لايتم إذا لم يراع ذلك المحذوف
كما يقال:فلان يحل ويعقد ويعطي ويمنع،إذ من البين أن المعنى يحل الأمور ويعقدها،ولكن لاسبيل إلى إظهار ذلك المحذوف،ولو أظهرناه لزالت تلك البهجة. (2)
وقال ابن جني :"قد حذفت العرب الجملة، والمفرد، والحرف،والحركة، وليس شيء من ذلك إلا عن دليل
عليه، وإلا كان فيه ضربٌ من تكليف علم الغيب في معرفته، فأمّا الجملة فنحو قولهم في القسم: والله لا فعلت
،وتالله لقد فعلت. وأصله:أقسم بالله، فحذف الفعل والفاعل، وبقيت الحال – من الجار والجواب – دليلاً على
الجملة المحذوفة. وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض نحو قولك: زيداً، إذا أردت: اضرب زيداً،أو
نحوه، ومنه إياك، إذا حذرته؛ أي: احفظ نفسك ولا تُضِعها، والطريقَ الطريقَ.... ".(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1) ينظر:بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي،البرهان في علوم القرآن،تح:محمد أبو الفضل إبراهيم،مكتبة دار التراث،القاهرة ،مصر،ج3، ،ص111
(2) ينظر:أحمد مصطفى المراغي،علوم البلاغة:البيان والمعاني والبديع،راجعه وأشرف على تصحيحه:أبو الوفا مصطفى المراغي ط4،المكتبة المحمودية التجارية،مصر ،ص92
(3) ابن جي ،الخصائص، تح::محمّد علي النجّار،الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر، ط3، 1406هـ، /1986م.،ج2،ص360
وقد ذكر ابن هشام مجموعة من الشروط للحذف وهي: ( 1)
-1 وجود الدليل على المحذوف
-2 ألا يكون المحذوف كالجزء
-3 ألا يؤدي الحذف إلى نقض الغرض كأن يقع الحذف والتوكيد معا
-4 ألا يؤدي إلى اللبس
-5 ألا يكون المحذوف عاملا ضعيفا
-6 ألا يؤدي الحذف إلى اختصار المختصر
-7 ألا يؤدي الحذف إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه
-8 ألا يؤدي الحذف إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل القوي
المبحث الثالث: دواعي الحذف
الأصل في الكلام أن نذكر كل أجزاء الجملة وعلى رأسها المسند والمسند إليه،ولكن قد نحتاج إلى الحذف في بعض الأحيان،ومنه يمكننا أنْ نتساءل عن الأسباب التي دفعتنا إلى الحذف؟
إذا أريد إفادة السامع حكما فأي لفظ يدل على معنى فيه فالأصل ذكره،وأي لفظ علم من الكلام لدلالة باقية
عليه فالأصل حذفه،وإذا تعارض هذان الأصلان فلا يعدل عن مقتضى أحدهما إلى مقتضى الآخر إلا لداع
وهو مايسمى بدواعي الذكر والحذف ،ومن دواعي الحذف مايلي:
1- إخفاء الأمر عن غير المخاطب من الحاضرين،وهذا عند قيام القرينة على المحذوف للمخاطب دون غيره نحو "أقبل" تريد عليا مثلا.
2- تأتي الإنكار وتيسره للمتكلم عند الحاجة إلى الإنكار،نحو:"لئيم خسيس"بعد ذكر شخص معين فتريد ذلك الشخص،وتحذفه ليتيسر لك الإنكار عند لومه لك على سبه ،أو تشكيه منك.
3- التنبيه على تعيين المحذوف ولو ادعاء نحو قوله تعالى :﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )الأنعام:102
أي الله سبحانه وتعالى،فلم يذكره لتعينه بذلك الوصف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1)ابن هشام الأنصاري،مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،تح: محي الدين عبد الحميد ،المكتبة العصرية ،صيدا،بيروت،لبنان 1995،ج2 ،ص 672

4- اختبار تنبه السامع، أو مقدار تنبهه ،نحو: "نوره مستفاد من نور الشمس"،و"واسطة عقد الكواكب"
فحذف المسند إليه في قوله:"وواسطة عقد الكواكب" اختبارا للسامع بأنه يتنبه، أم لا؟
5- ضيق المقام عن إطالة الكلام بذكره ،إما لتوجع ، نحو:
قال لي كيف أنت قلت عليل سهر دائم وحزن طويل
أو لخوف فوات فرصة،نحو قول الصياد "غزال" ،أي هذا غزال.
6- التعظيم والتحقير إيهاما لصونه عن "مخالطة لسانك،تعظيما له"،أو"صون لسانك عنه " تحقيرا له وادعاء للحسنة فيه مثل :"نجوم السماء" ،"قوم إذا أكلوا أخفوا حديثهم"،ففي المثال الأول لم يذكر"هم" تعظيما وصونا له عن لسانك،وفي المثال الثاني كان الغرض من الحذف :التحقير،فلم يذكر"هم".
7- المحافظة على وزن ،أو سجع ،نحو: * نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
حُذِف الخبر"راضون" للمحافظة على الوزن.
* قال تعالى ( مَاوَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ)).الضحى:3
8- التعميم باختصار:أي تعميم الفعل وتعلقه بكل مايمكن أن يتعلق به"باختصار" الكلام ،نحو
قوله تعالى: ((وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ )) يونس:25
أي:جميع عباده،لأنَ حذف المعمول يؤذن بالعموم.
9-الأدب: نحو قول الشاعر:
قد طلبنا فلم نجد لك في السؤدد والمجد والمكارم مِثْلا
حذف مفعول"طلبنا"فلم يقل:وطلبنا لك ،ولم يصرح به لقصد التأدب مع الممدوح.
10- تنزيل المتعدي منزلة اللازم لعدم تعلق الغرض بالمعمول ،نحو:
قوله تعالىقُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) سورة الزمر 9
أي:من يحدث له حقيقة العلم ومن لايحدث له تلك الحقيقة،فنزَّل الفعل منزلة اللازم.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1)ينظر:حفني ناصف،محمد دياب،سلطان محمد،مصطفى طموم،دروس البلاغة مع شرحه شموس البراعة،مكتبة المدينة للطباعة والنشر والتوزيع،كراتشي،باكستان،ط1428هـ/ 2007م،ص 63- 66

ومن الحذف أيضا إسناد الفعل إلى نائب الفاعل،فيقال :حذف الفاعل للخوف منه،أو عليه
أو للعلم به،أو الجهل ،نحو:"سُرِق المتاع".
ففي هذا المثال حذف" السارق" إما خوفا منه،أو عليه إذا كان معلوما،أما إذا كان مجهولا
فإن حذفه يكون للجهل به.
قال تعالى( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً( ( النساء:28
حذف الفاعل في الآية الكريمة للعلم به،لأنه لاخالق سوى الله.(1)
11- اتباع الاستعمال الوارد على تركه: نحو رمية مِنْ غير رام،أي هذه رمية
ونحو:نِعمَ الزعيم سعدٌ؛أي هو سعد.
12- تعينه بالعهدية،نحو قوله تعالى(وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين)) سورة هود44

أي: السفينة
ونحو قوله تعالى(حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ)) سورة ص 32.
أي: الشمس.
13-الخوف منه أو عليه،نحو ضُرِبَ سعيد.
14- تكثير الفائدة، نحو:فصبر جميل .أي:فأمري صبر جميل.
15- المحافظة على قافية:،كقول الشاعر:
وما المال والأهلون إلا ودائع ولابدَّ يوما أنْ تُردَّ الودائع(2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) ينظر:حفني ناصف،محمد دياب،سلطان محمد،مصطفى طموم،دروس البلاغة مع شرحه شموس البراعة،ص66
(2)ينظر:أحمد الهاشمي،جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،ضبط وتدقيق وتوثيق،د.يوسف الصميلي،المكتبة العصرية،صيدا، بيروت ،لبنان،ط1 1999،ص104


المبحث الرابع :أغراض الحذف وأقسامه
للحذف أغـراضٌ كثيرة،فقد يكون لدواعٍ بلاغية؛كقصد زيادة المعنى،أو إيهام وإبهام المقصود،أو المبالغة
أو التعظيم،أو التحقير...وقد يكون لدواع أخرى حالية ،وقد يكون الحذف من أصل الوضع؛كحذف
الحركات في بعض الكلمات لتسـهيل النطق،وحذف الحركات الإعرابية لأسباب نحوية طارئة،وحذف الحركات العروضية لأجل تغيير الموسـيقى ،كما أن حذف حروف من الكلمة لتسـهيل النطـق بها،وحَـذف الحـروف في الكتابة للتخفيف أو الاسـتغناء بما بقي من الحروف لقاعـدة جارية عليه،وقد يكون الحذف لأسباب قياسية صرفية ،أو صوتية ،أو إعرابية ،أو للضرورة الشعرية،أو لطول الكلام وكثرته.
الحذف الصوتي:هو حذف حرف من كلمة أو كلمتين عند الالتقاء ببعضهما حال النطق بهما

ويكون عادة في الإدغام وفي حذف اللام من (أل) التعريف.

الحذف الإملائي:هو حذف بعض الأحرف من بعض الكلمات عند كتابتها ,كحذف الهمزة أو الألف المتوسطة
وألف التنوين ...

الحذف العروضي: وهو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة ،مثل "مفاعيل" تحذف :"لن" فتصبح :
"مفاعي" فينقل إلى :"مفعولن"

الحذف اللغوي :ويكون في الحركات عند الجزم،وإعراب الاسم المقصور،والاسم المنقوص،وفي حروف
المباني،وفي النحت والترخيم...

الحذف البلاغي :ويكون في أساليب فنون القول،والبيان والبديع وأساليب الإنشاء

الحذف في التركيب :ويكون في الجملة كحذف كلمة أو أكثر،أو حذف جملة،أو أكثر مثل :حذف المسند

والمسند إليه،والتوابع ،والمبتدأ،والخبر،والمفعول به،وحذف الجملة في الشرط والقسم.... (1)
ومما نشير إليه أيضا أن الجرجاني طبق قواعد النظم على النصوص فتناول دور علم المعني في خدمة النظرية،ومن ذلك: باب الحذف الذي هو باب دقيق المسالك،عجيب الأمر،فإنك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر،وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر:عزيزة فوال بابستي،المعجم المفصل في النحو العربي،دارالكتب العلمية1999 ،بيروت،لبنان،ط11413هـ/1992م ،ص452
لصور الحذف في الكلام العربي البليغ عدة أقسام :قسم في حذف جزء من الكلمة ،وقسم في حذف جزء من الجملة،أو حذف الجملة كاملة،أو حذف أكثر من جملة،أو حذف شيء من متعلقات الفعل أو مايعمل عمله
وفي هذا المبحث تكلمنا عن قسمين فقط،أما القسم الثالث من الحذف والذي هو موضوع بحثنا فقد جعلناه في مبحث خاص به.
*1 حذف جزء من الكلمة أو ماينزل منزلة جزء الكلمة :هذا النوع من الحذف لم يعتن به البلاغيون كثيرا،ومن الذين تنبهوا إلى هذا النوع من الحذف " الأخفش" فقد حاول تعليله وفق مناهج النحاة والصرفيين ،مثال على ذلك ،قال تعالى وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ) سورة الفجر 4
الحذف في الآية الكريمة كان في حذف الياء من :"يسري" مراعاة لرؤوس الآيات دون أن يوجد أي مقتضى نحوي لذلك.
ومن العلماء المعاصرين الذين تنبهوا إلى هذا القسم واقترحه إلى أقسام الحذف البلاغي "د.محمد أبو موسى" في كتابه:"خصائص التراكيب.
*2 حذف جزء من الجملة، ويكون بحذف المسند إليه،أو حذف المسند،أوحذفهما والاكتفاء بمتعلقات الفعل،أو مايعمل عمل الفعل ، والحذف في جزء من الجملة أنواع كثيرة منها:
حذف الاسم المضاف-حذف المضاف إليه-حذف اسمين مضافين-حذف الموصول الإسمي
حذف الموصوف- حذف الصفة- حذف المعطوف-حذف المعطوف عليه-حذف المبدل منه
حذف المبتدأ- حذف الخبر-حذف الفعل- حذف المفعول-حذف الحال-حذف التمييز- حذف لا النافية وغيرها-
حذف لام التوطئة-حذف الجار،ويطرد مع أنَّ ،وأنْ- حذف لام الطلب. (1)
قال الشاعر:
العين تبدي الحب والبغضا وتظهر الإبرام والنقضا
درة ماأنصفتني في الهوى ولا رحمت الجسد المنضى
غضبى ولا والله ياأهلها لاَأَطْعَمُ الباردَ أو ترضى(2)
ففي هذا البيت حذف المبتدأ، والتقدير:هي غضبى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر:عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني،البلاغة العربية أسسها ،وعلومها،وفنونها،وصور من تطبيقاتها،دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع،دمشق ،سوريا،ط1 ،1416هـ/ 1996م ،ص 330-335
(2) الجرجاني ،دلائل الإعجاز،ص 147
وقد ذكر الزركشي في كتابه :"البرهان في علوم القرآن "(1)عدة أقسام للحذف نذكر منها مايلي:
-الاقتطاع:وهو ذكر حرف من الكلمة وإسقاط الباقي،كقوله:"درس المنا بمتالع فأبان".أي المنازل
-الاكتفاء:وهو أنْ يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط،ويكتفي بأحدهما عن الآخر،ويختص
بالارتباط العاطفي غالبا،فإن الارتباط خمسة أنواع:وجودي،لزومي،خبري،جوابي،عاطفي.
-الضمير والتمثيل:أي إضمار القول المجاور لبيان أحد جزأيه؛كقول الفقيه:النبيذ مسكر فهو حرام،فإنه أضمر"وكل مسكر حرام".ويكون هذا النوع في القياس الاستثنائي.
- يستدل بالفعل لشيئين وهو في الحقيقة لأحدهما فيضمر للآخر فعل يناسبه؛كقوله تعالى:
((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ)) سورة الحشر9 . أي:واعتقدوا الإيمان.
وكوله تعالى أيضا( سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)) سورة الفرقان12 . أي وشموا لها زفيرا.
- أنْ يقتضي الكلام شيئين فيقتصر على أحدهما لأنه المقصود كقوله تعالى حكاية عن فرعون( قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى )) سورة طه 49
لم يقل: "وهارون"،لأن المقصود موسى عليه السلام.
-أنْ يذكر شيئان ،ثم يعود الضمير إلى أحدهما دون الآخر مثل
قوله تعالى: ((وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا)) سورة الجمعة 11
قال الزمخشري: تقديره:"إذا رأوا تجارة انفضوا إليها"،أو لهوا انفضوا إليه
؛فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه.
- الحذف المقابلي:أنْ يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه
مثل قوله تعالى(فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ)) سورة الأنبياء 5
وتقديره: إنْ أرسل فليأتنا بآية كما أرسل الأولون فأتوا بآية.
-الاختزال: وهو الافتعال؛ويعني حذف كلمة أو أكثر؛وهي إما اسم ،أو فعل،أو حرف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1) ينظر:بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي،البرهان في علوم القرآن،تح:محمد أبو الفضل إبراهيم،مكتبة دار التراث،القاهرة
،مصر،ج3،ص 117-130.
المبحث الخامس: الحذف في الجملة وأنواعه
حذف جملة كاملة استغناء بما يدل عليها،أو اعتمادا على إمكان فهمها وإنْ لم تذكر:
هذا النوع من الحذف نجده في القرآن الكريم كثيرا،أما عند البلغاء والشعراء فهو قليل جدا،ذلك أنّ الجملة ذات فائدة مستقلة،وحينما يتم الحذف فيها فإن ذلك سيحدث خللا في المعنى،ونقصا في الغرض المقصود،لكن كلام الله المعجز يعطيك المعاني كاملة،وبالتالي تجد حلاوة الإيجاز،في هذا الحذف،ناشئة عن روعة الإعجاز.
قال تعالى(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))
سورة البقرة 260.
عندما نتأمل في قوله(فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا)) نجد حلاوة الحذف،ونتذوق جمال الإيجاز فيه، والمعنى:أملهن،واضممهن إليك،وقطعهن أجزاء مختلفة،ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا.
ومن مواضيع الحذف أيضا قوله تعالى((قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ)) سورة يوسف 14
ففي هذه الآية الكريمة طلب إخوة يوسف منْ أبيهم أَنْ يرسله معهم،ويجيبهم بأنه يخاف أنْ يأكله الذئب
ويقولون( لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ)). فعندما نقرأ الآية الكريمة لاشك أننا نترقب هذا
الحوار الرائع بين الأبناء وأبيهم،ونتساءل في أذهاننا هل يقبل منهم هذا القول أم لا؟، والآية الكريمة تطوي
هذا الجواب ،فنقرأ قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)) سورة يوسف 15
فمن خلال هذه الآية يتضح لنا أنّ هناك جملا أخرى لم تذكر،وأنّ حذفها لم يتأثر به المعنى مطلقا،بل إنها زادت في النظم طلاوة وحلاوة.
وفي السورة نفسها نقرأ قوله تعالى بعد شهادة الشاهد مِنْ أهلها( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ۖ)) سورة يوسف29-30
فمن خلال هذا الحوار يتضح لنا أن هناك جملا محذوفة،وهي : ترى مَنْ أعلمَ هؤلاء النسوة بالخبر؟ فكان الحذف أولى بالذكر لأنّ القضية حساسة وليس مِنْ شأنها أنْ تذاع ،ولكنْ رغم هذا الحذف فإنّ المعنى يبقى كاملا غير منقوص.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) ينظر: فضل حسن عباس،البلاغة فنونها وأفنانها،دار الفرقان للطباعة والنشر والتوزيع،اليرموك ،الأردن،ط2،1409هـ/1989م،ص 467

قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي
سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ))
سورة يوسف 45-46.
ففي هذه الآية أيضا يتبين لنا أنّ هناك جملا قد حذفت،أي:فأرسلوه إلى يوسف،فقال ماقال.
وبعد هذه الآيات نقرأ قوله تعالى(وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ))سورة يوسف 58-59
لمعرفة الجمل المحذوفة في هذه الآية،لابد أنْ نتساءل: ماذا حدث بينهم وبينه،وهل عرّفهم بنفسه؟ يقينا لا. كيف طلب منهم هذا الطلب؟ لابد من أن تكون هناك جملا محذوفة،فبعد أن عرَّفوه بأنفسهم وشرحوا شيئا
عن أسرتهم،وأخبروه أنّ لهم أخا آخر منْ أبيهم،قال لهم ماقال.
ومن الحذف أيضا قوله تعالى (ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) سورة يوسف 81-83
فالجمل المحذوفة :فرجعوا إلى أبيهم،فتركوا أخاهم ذاك الذي قال ماقال، ورجعوا إلى بلادهم،فلما وصلوا؛ قالوا لأبيهم ماقالوه.
ومن مواطن الحذف في الجمل أيضا قوله تعالى(فسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) سورة القصص 24-25
الجمل المحذوفة هي: فذهبتا إلى أبيهما،فأخبرتاه بالخبر،فأرسل إحداهما تدعوه،فجاءته وأخبرته،فسار معها إلى أبيها،فلما جاءه وقص عليه القصص،قال لاتخف نجوت مِنَ القوم الظالمين.
ومن مواطن الحذف أيضا،قول المتنبي:
أتى الزمانَ بنوه في شبيبته فسرّهم وأتيناهم على الهرم ( 1)
أي: فساءنا. يقول إنّ الذين سبقونا أتوا الزمان وهو في شبيبته،فكان من شأنه أنْ يجلب لهم السرور
؛لأنّ ذلك منْ شأن الشباب،وأتيناه على الهرم فساءنا،وتلك طبيعة الشيخوخة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فضل حسن عباس،البلاغة فنونها وأفنانها،ص470
أنواع الحذف في الجملة:
الحذف في الجملة على قسمين: حذف الجمل المفيدة التي تستقل بنفسها كلاما ،وهذا من أحسن المحذوفات، وهذا النوع من الحذف قليل،ولا نكاد نراه إلا في كتاب الله تعالى.
وحذف ثاني هو حذف الجمل غير المفيدة،وهو على أربعة أضرب:
- الضرب الأول: حذف السؤال المقدر،ويسمى الاستئناف ويكون على وجهين:
أ- إعادة الأسماء والصفات كقوله تعالى(الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) سورة البقرة 1-5
فالاستئناف واقع في هذا الكلام على:"أولئك"،لأنه لما قال:"الم ذلك الكتاب"إلى قوله:"وبالآخرة هم يوقنون"
اتجه السائل أنْ يقول:مابال المستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى،فأجيب بأن أولئك الموصوفين غير مستبعد أنْ يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا.
ب- الاستئناف بغير إعادة الأسماء والصفات،مثل قوله تعالى(وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ))سورة يس22-27
خرج هذا القول مخرج الاستئناف لأن ذلك من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه،قيل ادخل الجنة،ولم
يقل : قيل له،لانصباب الغرض إلى المقول لاإلى المقول له مع كونه معلوما.
- الضرب الثاني: الاكتفاء بالسبب عن المسبب،وبالمسبب عن السبب،فمن الأول قوله تعالى(وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَٰكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ )) القصص 44-45
فذكر الرحمة التي هي السبب في إرساله إلى الخلق،ودل بها على المسبب وهو الإرسال.
ومن الثاني قوله تعالى(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) سورة النحل 98
بمعنى:إذا أردت قراءة القرآن فاكتفي بالمسبب الذي هو القرآن عن السبب الذي هو الإرادة،والدليل على ذلك أن الاستعاذة تكون قبل القرآءة،والذي دلت عليه أنها بعد القراءة.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر:ضياء الدين بن الأثير،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر،تقديم وتعليق:د.أحمد الحوفي،ود.بدوى طبانة،دار النهضة،مصر ط2،ص 269-272
الضرب الثالث:الإضمار على شريطة التفسير،وهو أنْ يحذف من صدر الكلام مايؤتى به في آخره فيكون الآخر دليلا على الأول،وهو ثلاثة أوجه:- أنْ يأتي على طريق الاستفهام فتذكر الجملة الأولى دون الثانية كقوله تعالى (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)) سورة الزمر 22
تقدير الآية:أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن أقسى قلبه؟ويدل على المحذوف قوله( فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم))
- أنْ يأتي على حد النفي والإثبات،كقوله تعالى(لَايَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) سورة الحديد 10
تقديره "لايستوي منكم مَنْ أنفقَ مِنْ قبل الفتح وقاتل وَمَنْ أنفقَ مِنْ بعده وقاتل".والدليل على المحذوف قوله
تعالى( أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))
- أنْ يردَ على غير هذين الوجهين،فلا يكون استفهاما ولا نفيا وإثباتا مثل قوله تعالى( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَاآتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) سورة المؤمنون 60
فالمعنى:والذين يعطون ماأعطوا من الصدقات وسائر القرب الخالصة لوجه الله:"وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ"،أي:خائفة مِنْ أنْ تُردَّ عليهم صدقاتهم،فحذف قوله: "ويخافون أنْ تُردَّ عليهم هذه النفقات" ودل عليه بقوله:"وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ"،فظاهر الآية أنهم وجلون مِن الصدقة،وليس وجلهم لأجل الصدقة؛وإنما وجلهم لأجل خوف الرد المتصل بالصدقة.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا،قول أبي تمام:
يتجنب الآثام ثم يخافها فكأنما حسناته آثام
والتقدير:أنه يتجنب الآثام فإذا تجنبها فقد أتى بحسنة،ثم يخاف أنْ لاتكون تلك الحسنة مقبولة،فكأنما
حسناته آثام،فلم يخف الحسنة لكونها حسنة،وإنما خاف مايتصل بها من الرد.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر:ضياء الدين بن الأثير،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر،ص 275


ومن ذلك أيضا قول أبي نواس:
سنة العشاق واحدة فإذا أحببتَ فاستكنْ
حذف الشاعر الاستكانة من الشطر الأول،وذكرها في الشطر الثاني،لأنّ التقدير: سنة العاشقين واحدة
وهي أنْ يستكينوا ويتضرعوا،فإذا أحببت فاستكن.
الضرب الرابع: ماليس بسبب ولا مسبب،ولا إضمار على شريطة التفسير،ولا استئناف مثل قوله تعالى:
((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ))سورة يوسف 47-50
ففي هذه الآية حذف من الكلام جملة مفيدة تقديرها:فرجع الرسول إليهم فأخبرهم بمقالة يوسف فعجبوا لها
أو فصدّقوه عليها وقال الملك:" أئتوني به".
ومن حذف الجمل غير المفيدة قوله تعالى ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا يَايَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)) مريم7-12
والتقدير: ولما جاءه الغلام ونشأ وترعرع قلنا له: يايحي خذ الكتاب بقوة.
ومما يتصل بهذا النوع من الحذف أيضا،حذف مايجيء بعد "أفعل" مثل: "الله أكبر"،أي أكبر مِنْ كل كبير.(1)




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ينظر:أحمد مطلوب،حسن البصير،البلاغة والتطبيق،حقوق الطبع محفوظة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،ط2 1420هـ/1999م،العراق،ص 200


أ- حذف جملة القسم ،مثل قوله تعالىوَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) سورة النمل 20-21
أي:أقسم بالله لأذبحنه.
فالحذف في جملة القسم يكون مع غير الباء من أحرف القسم،ويجوز الحذف مع الباء
فيقال:بالله لأفعلن ،أو أقسم بالله لأفعلن.
كما تحذف جملة القسم ويستغنى عنها باللام كقوله تعالى وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ) سورة الحشر 12
وقد تحذف جملة القسم دون ذكر اللام كقوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) مريم71
ففي هذه الآية تقدر جملة قسم المحذوفة.
وقد تحذف جملة القسم استغناء عنها بحرف القسم أو باللام.
ب- حذف جواب القسم :
قال تعالىوَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا)
سورة النازعات 1-5
أي: لنبعثنهم ولنحاسبنهم.
وتحذف جملة جواب القسم إذا 1)
تقدم عليها أو اكتنفها مايغني عن الجواب
مثل :زيد كريم والله، أو أنت فعلت كذا والله
وكقولنا: زيد والله كريم .ففي هذا المثال الاكتناف هو الذي أغنى عن الجواب.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي،الدار الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع،مصر 1998،ص288


وتحذف جملة جواب القسم إذا اجتمع الشرط والقسم وكان السبق للشرط مثل: إنْ جاءني زيد والله أكرمته
كما يجوز أيضا حذف جملة جواب القسم إذا تقدم على القسم حرف من أحرف الجواب
مثل:هل فعلت؟ نعم والله أو:لا والله
ج- حذف جملة جواب الشرط: مثل قوله تعالى(وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي
الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)) سورة الأنعام 35
أي:فإن استطعت ذلك فافعل.
وتحذف جملة جواب الشرط إذا 1)
تقدم على الشرط أو جاء مايدل على الجواب
مثل: أنت ظالم إنْ فعلت فأنت ظالم.
فأداة الشرط لاتعمل فيما قبلها لذا فلا يصح تسمية الجملة السابقة جوابا للشرط.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا قولنا: هو إنْ فعل ظالم.
وقولنا: والله إنْ جاء زيد لأكرمنه. ففي هذا المثال اجتمع الشرط والقسم،وتقدم القسم.
كما يجوز الحذف إذا كان الجواب معلوما دون أنْ يكون الدليل عليه جملة مذكورة في الكلام متقدمة لفضا أو تقديرا مثل قوله تعالى فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) سورة الأنعام 35
فالجواب محذوف في هذه الآية الكريمة وتقديره: فافعل.
د- حذف جملة الشرط : مثل قوله تعالى (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)) العنكبوت 56
أي: فإذا لم تستطيعوا إخلاص العبادة في هذه الأرض فإياي فاعبدوني في غيرها.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر:طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي،ص286

ويطرد حذف جملة الشرط في ثلاثة مواضع وهي1)
أ - تحذف فيه الجملة الشرطية كاملة، وذلك بعد الطلب ،أو النهي
مثل قوله تعالى فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه) سورة آل عمران 31
فالتقدير :إنْ تتبعوني يحببكم.
وقوله تعالى رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ) سورة إبراهيم 44
ب – حذف جملة الشرط مع بقاء أداة الشرط ويرد بعد:"وإلا"،أي بعد إنْ الشرطية التي تتبعها "لا"النافية المسبوقة بما يدل على الشرط المحذوف، كقول الشاعر:
فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرقك الحسام
والتقدير:وإنْ لاتطلقها يعل،فحذفت جملة الشرط ،وبقي حرف الشرط.
ج – حذف جملة الشرط بعد حرف الجواب "إذنْ" ويتقدم مايدل عليها
كما في قوله تعالى مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ). سورة المؤمنون 91
والتقدير: إذنْ لو كان معه آلهة لذهب.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1)ينظر: طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي،ص284-285





ومن مظاهر الحذف في الجملة أيضا اجتماع الشرط والقسم:
"عند اجتماع الشرط والقسم لابد من حذف جواب أحدهما استغناء بجواب الآخر، والقياس أن
يكون الجواب المذكور للسابق منهما وأن يحذف جواب المتأخر،فيقال عند تقدم القسم: والله إن
يقم زيد ليقومن عمرو،فالمذكور جواب القسم والمحذوف جواب الشرط.
وعند تقدم الشرط نقل:إن يقم زيد والله يقم عمرو،فالمذكور جواب الشرط،والمحذوف جواب
القسم،هذا إنْ لم يتقدم عليهما مايحتاج إلى خبر فإذا تقدم رجح كون المذكور جواب الشرط مطلقا
نحو:زيد إنْ قام والله أكرمه،وزيد والله إنْ قام أكرمه.
فالمذكور جواب الشرط سواء تقدم أو تأخر،والمحذوف جواب القسم".
ومن الحذف أيضا ،اجتماع الشرط والاستفهام،فإذا دخل الاستفهام على الجملة الشرطية
تعرضت للحذف إحدى جملتي الشرط،أو كليهما في سياق السؤال والجواب كقول الشاعر:
قالت سليمي ليت لي بعلا يَمُنّ بغسل جلدي وينسيني الحزن
قالت بنات العم ياسلمى وإنْ كان فقيرا معدما قالت وإنْ
فجملة:وإن كان فقيرا معدما،يقدر قبلها استفهام بهمزة محذوفة،وقد حذف منها جواب الشرط حيث سبق
مايدل عليه بغير لفظه،والتقدير :أو إن كان فقيرا معدما رضيت به.
وفي قولها مجيبة:وإنْ،المذكور حرف الشرط وحده في الجواب،والمحذوف جملتا الشرط والجواب معا
ويجوز حذف الجملة أيضا بعد أحرف الجواب،وبعد"إذْ "،كما يجوز حذف الجمل في سياق العطف. (1)
ومن الحذف أيضا حذف أكثر من جملة استغناء بما يدل على المحذوف
قال تعالى فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) سورة البقرة73
أي:" فقلنا اضربوا القتيل ببعض البقرة المذبوحة،فضربوه ببعضها ،فصار القتيل حيا فأخبر عن قاتله"(2).
وفي القصص القرآني يرد حذف أكثر من جملة اختصارا وإيجازا،ويكتفي بدلالة القرائن العقلية والحالية واللفظية على المحذوف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) ينظر: طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي،ص289-291
(2) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني،البلاغة العربية أسسها ،وعلومها وفنونها،ص336


خاتمة
من خلال بحثنا هذا توصلنا إلى مجموعة من النتائج وهي:

- أنّ الجرجاني طبق قواعد النظم على النصوص فتناول دور علم المعني في خدمة النظرية،ومن ذلك: باب الحذف

- الجرجاني قال عن الحذف بأنه: باب دقيق المسلك لطيف المأخذ عجيب الأمر شبيه بالسحر،فإنك ترى به
ترك الذكر،أفصح من الذكر،والصمت عن الإفادة،أزيد للإفادة،وتجدك أنطق ماتكون إذا لم تنطق،وأتم ماتكون
بيانا إذا لم تُبنْ.

- أن الحذف ظاهرة لغوية عامة

- أن أهل البلاغة يذكرون الحذف في باب الإيجاز ،ويسمونه بإيجاز الحذف

- عند الحذف لابد من وجود قرينة،أو أكثر للدلالة على المحذوف

- أن الحذف في الجمل يعد من أروع الحذف كيف لا وقد أبهر العلماء والبلغاء

- أن حذف الجمل يكثر في القرآن الكريم أكثر باعتبار كلام الله المعجز يعطينا المعاني كاملة

وبالتالي تكمن حلاوته من خلال روعة الإعجاز.

- الحذف في الجملة يكون على قسمين:حذف الجمل المفيدة التي تستقل بنفسها،ويعد هذا الحذف من أحسن

المحذوفات وهو قليل،ولا نكاد نراه إلا في كتاب الله تعالى،وحذف ثاني هو حذف الجمل غير المفيدة

قائمة المصادر والمراجع
القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم
1- ابن جني ،الخصائص،تح::محمّد علي النجّار،الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، مصر، ط3، 1406هـ، /1986م.،ج2
2- ابن منظور،لسان العرب ،تح:عبد الله علي الكبير،ومحمد أحمد حسب الله،وهاشم محمد الشادلي،دار المعارف،القاهرة ،مصر،ج1
3- ابن هشام الأنصاري،مغني اللبيب عن كتب الأعاريب،تح: محي الدين عبد الحميد ،المكتبة العصرية ،صيدا،بيروت،لبنان 1995،ج2
4- أحمد الهاشمي،جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،ضبط وتدقيق وتوثيق،د.يوسف الصميلي،المكتبة العصرية،صيدا، بيروت ،لبنان،ط1 1999،ص104
5- أحمد مصطفى المراغي،علوم البلاغة:البيان والمعاني والبديع،راجعه وأشرف على تصحيحه:أبو الوفا مصطفى المراغي المكتبة المحمودية التجارية،مصر ط4
6- أحمد مطلوب،حسن البصير،البلاغة والتطبيق،حقوق الطبع محفوظة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي،ط2 1420هـ/1999م،العراق،ص 200
7- إسماعيل بن حماد الجوهري،تاج اللغة وصحاح العربية،تح:أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين،بيروت ،لبنان،ط2 1979م،ج4
8- بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي،البرهان في علوم القرآن،تح:محمد أبو الفضل إبراهيم،مكتبة دار التراث،القاهرة ،ج3
9- تقي الدين الحموي،خزانة الأدب وغاية الأرب،تح:عصام شعيتو،دار ومكتبة الهلال ،بيروت،لبنان،ط1 1987،ج2
10- حفني ناصف،محمد دياب،سلطان محمد،مصطفى طموم،دروس البلاغة مع شرحه شموس البراعة،مكتبة المدينة للطباعة والنشر والتوزيع،كراتشي،باكستان،ط1428هـ/ 2007م
11- الخليل بن أحمد الفراهيدي،العين،تح:د.مهدي المخزومي،ود.إبراهيم السامرائي،دار ومكتبة الهلال،ج3
12- ضياء الدين بن الأثير،المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر،تعليق:د.أحمد الحوفي،ود.بدوى طبانة،دار النهضة،مصر ط2
13- طاهر سليمان حمودة،ظاهرة الحذف في الدرس اللغوي،الدار الجامعية للطباعة والنشر،مصر 1998
14- عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني،البلاغة العربية أسسها ،وعلومها،وفنونها،وصور من تطبيقاتها،دار القلم ،دمشق ،سوريا،ط1 ،1416هـ/ 1996م
15- عبد القاهر الجرجاني،دلائل الإعجاز،تعليق:محمود محمد شاكر،مكتبه الخانجي القاهرة،مصر،ط 5 2004

16- عزيزة فوال بابستي،المعجم المفصل في النحو العربي،دار الكتب العلمية1999 ،بيروت،لبنان،ط11413هـ/1992م
17- فضل حسن عباس،البلاغة فنونها وأفنانها،دار الفرقان للطباعة والنشر والتوزيع،اليرموك الأردن،ط2،1409هـ/1989م
18- قدامة بن جعفر،نقد النثر،دار الكتب العلمية،بيروت ،لبنان1990
19- يونس حمش خلف محمد،(الحذف في اللغة العربية)،مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية،المجلد10،العدد 2
الفهرست
مقدمة............................................. .................................................. ..أ
المبحث الأول: دلالة الحذف اللغوية والاصطلاحية....................................... ...... 01
أ- تعريف الحذف لغة............................................... ...................01
ب - تعريف الحذف اصطلاحا........................................... ............. 02
المبحث الثاني: مزايا الحذف وشروطه....................................03
المبحث الثالث: دواعي الحذف............................................. ....04
1-المبحث الرابع: أغراض الحذف وأقسامه........................................... .......07
2-المبحث الخامس: الحذف في الجملة وأنواعه........................................... ..10
حذف جملة كاملة استغناء بما يدل عليها............................................. ..................10
أنواع الحذف في الجملة............................................ ........................12
أ- حذف جملة القسم............................................. ......................................15
ب- حذف جواب القسم............................................. ......................................15
ج- حذف جملة جواب الشرط............................................. ..............................16
د- حذف جملة الشرط............................................. ......................................16
خاتمة............................................. .................................................. .......... 19
قائمة المصادر والمراجع.......................................... ........................................20
belkaçem laidaoui









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-02-16, 14:13   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
NARUTO.ANAS
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية NARUTO.ANAS
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا بارك الله فييك










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc