الشيخ سي محمد بن معاش.. الشهيد المغيب
[IMG][/IMG]
نقلا عن الدكتور عباسي عبد الحميد ..(منطقة بن سرور جهاد متصل من الحركة الوطنية الى ثورة التحرير)
ولد العالم النحرير والإمام القدير العارف بالله الشيخ سي محمد بن معاش ببلدية بن سرور عام 1898 1316هـ ،نشأ في أسرة متدينة محافظة متمسكة بتعاليم الإسلام الحنيف وشرائعه، تمكن في وقت مبكر من حياته من حفظ القرآن الكريم واستظهاره وحفظ متون اللغة والفقه . وفي سنة 1922 قذفت به الأقدار إلى مدينة "نفطة" التونسية ساعيا لمواصلة تحصيله العلمي،فدرس بمدارسها ونهل من فيض علمها، ومنها رحل إلى حاضرة القيروان للاستزادة حيث مكث بها مدة عامين سمحت له بالدراسة على أيدي كبار مشايخها وحصل منها على شهادة التطويع، ثم قفل عائدا إلى مسقط رأسه بأرض الوطن.
ولأن من سُنن الله الدارجة في الكون أن يبعث في كل خلف من أصفيائه وأوليائه من يقوم بأمر دينه و دنيا عباده فيهديهم إلى الحق و إلى سبل الرشاد ، فقد كان هكذا حال شيخنا الجليل سي محمد بن معاش رحمة الله عليه، فبمجرد عودته من الديار التونسية شرع في إصلاح مجتمعه المحلي وتوجيهه وإرشاده إلى الدين الصحيح وتطهير العقيدة مما علق بها من خرافات و شعوذة ودجل ،وقد استعمل من الوسائل والطرق في سبيل بلوغ مقصده وتحقيق غايته ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
كان الشهيد محمد بن معاش شيخا وقورا، ومربيا فاضلا، ومجاهدا عاملا،تميز بالسماحة والتواضع وبساطة العيش والورع والخوف من الله ،عارفا به منقطعا لعبادته ،ومن عرف الله أحبه ومن أحبه غرق في بحر محبته كما يقال . (رقم 92 ،رقم 93)
كما عُرف عن الشيخ أنه كان صاحب همة عالية ومدارك سامية ومقاصد حميدة ومزايا عديدة ، اتصف بالحكمة والورع والذود عن حرمات الله، صادقا مع نفسه مخلصا مع ربه جريئا في أقواله ماض في أفعاله لا يخشى في الحق لومة لائم، وكانت هذه الصفات كافية لاقناع بن الضيف زيان بتعيينه عضوا باللجنة الثلاثية التي أنشأها في الأربعينيات من القرن الماضي و المتكونة منه ومن رفيقيه سي محمد بن لخضر عباسي وسي محمد بن رمضان بن داود مهمتها الإفتاء و القضاء وإصلاح ذات البين .
انضم الشيخ الشهيد إلى أحزاب الحركة الوطنية الناشطة بالمنطقة وتشرّب أفكارها ومبادئها فكان عضوا بحزب البيان الجزائري، ومسؤولا عن تحصيل الاشتراكات به، وفي ذات الوقت كان عضوا فاعلا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبعد اندلاع الثورة التحريرية "دعا الناس إلى الجهاد "(01) بل أصبح الشيخ عنصرا من العناصر النشطة و المحرضة على التمرد و الجهاد ضد فرنسا ،وواصل مهمته السابقة بحيث أصبح من رجال القضاء في المنطقة بتكليف من قيادة الثورة..يقول الأستاذ عبد الحميد خالدي في معرض حديثه عن دور الشيخ الجليل : "كان يقوم بفك الخصومات بين أفراد المنطقة على ضوء حكم الشرع الإسلامي وقوانين الثورة التحريرية كما كان ينتقل من مكان إلى مكان آخر للتوعية والتجديد لصالح الثورة "(02)، لكن نشاطه الجهادي لم يعجب السلطات الفرنسية فراحت تضايقه وتضيق عليه الخناق،ويروي أحد مجاهدي المنطقة * أن من الأسباب المباشرة لإلقاء القبض على الشيخ هو احتجاجه الصريح لدى الضابط المسؤول عن المركز العسكري ببن سرور على ظروف الاحتجاز و سوء المعاملة التي تعرضت لها بعض النسوة المحتجزات في المركز العسكري ، فلم ترق للضابط جرأة الشيخ وصراحته اللاذعة فهدده وتوعده ،وكانت تلك المقابلة العاصفة سببا كافيا في مضايقته وتشديد المراقبة عليه،وقد طالبه المسؤولون الفرنسيون بالتزام الصمت و الابتعاد عن السياسة فلم يأبه بتحذيرهم وتهديدهم فقاموا أولا بنفيه إلى مدينة بوسعادة، ولكنه واصل نشاطه من هناك مما اضطر السلطات إلى اعتقاله والزج به في غياهب معتقل وادي الشعير البغيض ،ثم نقل إلى معتقل "عين الريش" الذي بقي به لفترة قصيرة ثم تمت تصفيته بدم بارد، ويعتقد أن إعدامه كان يوم الثلاثاء 02 جويلية 1957 ** الموافق للثالث من شهرذي الحجة 1376 هجرية، وغُيب جثمانه الطاهر في مكان مجهول حتى اليوم ، وتكريما له وإقرارا بعلمه وجهاده وجهوده الإصلاحية فقد حملت أول ثانوية ببن سرور اسمه واسم رفيق دربه في العلم والجهاد والاستشهاد سي محمد بن لخضر عباسي عرفانا لهما على ما قدما للمنطقة وللوطن...رحم الله الشهيد وجزاه عن الوطن والأمة خير ما يجزي به عباده الصالحين.