الشهيد الرويني السعدي.. بطل ملحمة الميمونة وشهيدها
[IMG][/IMG]
نقلا عن كتاب :"منطقة بن سرور..جهاد متصل من الحركة الوطنية الى ثورة التحرير" للدكتور عبد الحميد عباسي.
قامة ثورية عملاقة وهامة جهادية كبيرة ،وقيادي ثوري لامع ، رجل متمرس شجاع ، ومقاتل شرس، تعرف بأسه فرنسا و تردد ذكره جبال المنطقة وشعابها،كان ذكره يستدعي معاني الشجاعة والبطولة والتضحية، وقد وقد وصفه سي الطاهر لعجال بأنه بطل كبير ومقاتل متمرس شجاع وعدّه مع علي بن المسعود ومخلوف بن قسيم من أكبر الخبرات القتالية في جيش التحرير. غير أن المعلومات المتوفرة عن هذا البطل الاستثنائي لا تتيح لنا تتبع مساره الثوري بشكل تفصيلي دقيق يفيه بعض حقه ، وكل ما نعرفه عنه أنه يسمى غويني المختار بن الحملاوي المدعو" رويني السعدي" من مواليد بلدية بن سرور سنة 1919 ،نشأ في أسرة ريفية بسيطة تعيش على الفلاحة وتربية الماشية قريبا من مدينة بن سرور ، ونتيجة لظروفه المعيشية القاسية التي فرضها الاستعمار على عموم أبناء الشعب الجزائري ورغبة منه في تحسين أوضاعه المادية الصعبة تطوع للخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي سنة 1943 ، وتم تحويله على الفور إلى ألمانيا للمشاركة ضمن صفوف الجيش الفرنسي الذي كان يخوض الحرب مع الحلفاء ضد ألمانيا النازية ودول المحور ، و قد اكتسب الشهيد من وراء تلك المشاركة خبرة عسكرية قتالية جيدة .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واصل الشهيد عمله في صفوف الجيش الفرنسي،وكان ضمن القوة العسكرية الفرنسية التي تمركزت ببرج الآغا بوادي الشعير بعد استيلاء الفرنسيين على هذا البرج السكني بالقوة من أسرة آل بن الضيف وتحويله إلى مركز لقيادة الجيش الفرنسي إثر اندلاع الثورة بقرار من الحاكم العسكري بسور الغزلان في ماي 1956.
وما أن اندلعت الثورة التحريرية المباركة حتى أدرك الشهيد بحسه الوطني أن مكانه الطبيعي ليس هنا بل ينبغي أن يكون تخندقه الصحيح إلى جانب شعبه المكافح ضد فرنسا الاستعمارية فقرر في بداية شهر جوان سنة 1956 الفرار من الجيش الفرنسي والالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني مع خمسة من رفاقه وقيل أربعة كما أكد لي ذلك الرائد الطاهر لعجال * وهم : الرويني السعدي، سليمان الوهراني المدعو "لكحل" ،أحمد عسوس ، عبد القادر الذبيح ، وذكر بعضهم بن عون عمار أيضا ،بمساعدة الشهيد بن صوشة عبد القادر الذي قدم لهم بعض الملابس المدنية لمساعدتهم على التنكر وباتوا ليلتهم بناحية "وقيس" شمالي وادي الشعير حيث اتصل بهم الشهيد مسعودي علي بن عبد الله الذي تعرف على الرويني السعدي كونه من أبناء المنطقة ،وفي الصباح ربط الاتصال بينهم وبين قيادة جيش التحرير في منطقة النسينيسة، ، وهكذا التحق الشهيد بقيادة جيش التحرير بجبل الميمونة في شهر جوان 1956 ، وتدرج في الرتب والمسؤوليات داخل صفوف الجيش إلى أن وصل رتبة مساعد وتولى الإشراف العسكري على منطقة الميمونة ، وباعتباره جنديا متمرسا في القتال واستعمال السلاح فقد خاض الشهيد البطل الرويني السعدي مع جيش التحرير معاركه الأولى بالمنطقة ومنها قيادته لمعركة النسينيسة التي جرت وقائعها في بداية شهر ديسمبر1956 وأبلى فيها البلاء الحسن ، وقد تميز الشهيد بالشجاعة والإقدام وحب التضحية،وقد عرف الشهيد بالشجاعة والإقدام وحب التضحية ، يروي أحد المجاهدين (*) أنهم كانوا في جلسة ليلية في إحدى ليالي شتاء سنة 1957 مع القائد الرويني وأثناء الحديث دعا الله أن يرزقه الشهادة قبل أن يتحقق الاستقلال فرد عليه المجاهد عطية بن الضيف الذي كان حاضرا ودعا له بالسلامة وطول العمر فقال القائد الرويني له:إن الشهادة في سبيل الله غاية مثلى يسعى إليها كل مجاهد مخلص لله ولوطنه.
حضر الرويني السعدي معركة الميمونة الخالدة يوم الاثنين 08 أفريل 1957 التي يسميها البعض أيضا "معركة رمضان" ،و هي من أشرس وأقسى المعارك التي شهدتها الولاية السادسة ،ومن كبريات معارك الثورة التحريرية عبر الوطن ،و كان الشهيد قائد هذه الملحمة وبطلها ونجمها وشهيدها بلا منازع، ومازالت هذه المعركة تحمل اسمه في الذاكرة الشعبية لأبناء المنطقة حتى اليوم "معركة الرويني"،وقد استمرت هذه المعركة يوما كاملا كان النصر فيها لجيش التحرير ،و الانكسار والاندحار للجيش الفرنسي الذي بلغت خسائره بين 650 جنديا حسب استخبارات جيش التحرير و 400 جنديا بينهم " النقيب سانكا" قائد العملية ، وفقدان خمس طائرات حسب تقديرات وكالات الأنباء الأجنبية.وتمثلت خسائر جيش التحرير الوطني في استشهاد ثلاثة شهداء منهم: القائد الرويني السعدي الذي أصابه صاروخ قذفته طائرة B26 ورشاشه بيده يطلق النار على الأعداء،وكان بذلك أول شهيد عسكري بالقسمة 52، ودحماني أحمد بن الحاج عامر آخر الشهداء العسكريين بها.. ويتذكر رفيقه المجاهد المسعود لمجد أحد أبطال الميمونة استشهاد قائده فيقـول :" مازلت أذكر اللحظات الصعبة التي استشهد فيها الرويني وكان هو المسؤول عنا ،تعرض لقصف الطائرة في مواجهة مكشوفة وأصابته شظية فقضت عليه" (01) وظل جثمان الشهيد الطاهر معلقا في قمة شاهقة بجبل الميمونة إلى سنة 1974، بعد ذلك تم نقل رفاته ودفن في موكب مهيب يليق بتضحيته بمقبرة الشهداء بمدينة بن سرور في ذكرى عيد النصر بحضور رفاق السلاح وبعض قادة الولايــة التاريخيــة السادسة وعائلة الشهيد وأصدقائه