اليسر في الاسلام - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

اليسر في الاسلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-01-18, 10:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
leprence30
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي اليسر في الاسلام

اليُسْر مقصد مـن مقـاصـد الـدِّين الكبـرى، جعـله الله ـ تعالى ـ أساساً لكل ما أمر به ونهى عنه في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأمرنا أن نلتزمه في فهمنا للدين والعمل به والدعوة إليه؛ فقال ـ تعالى ـ: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره» وفي لفظٍ: «إنكم أمة أُريد بكم اليُسْر». أخرجه الإمام أحمد بسندٍ صحيح.
ولكن ما معنى أن يكون الدِّين يسراً؟ إن آية اليُسْر نزلت تعليلاً لأمره ـ تعالى ـ بالفطر للمريض والمسافر. ولكن هل الصيام نفسه الـذي وردت بمناسبته قاعـدة التيسير شـيء لا مشقة فيه؟ ماذا لو قال إنسان: لو كان الصيام نصف شهر لكان أيسر، ولو كان أقل من ذلك لكان أكثر يُسْراً، بل لو لم نُؤمر بالصيام لكان اليُسْر كله؟!
ومــا يُقــال عن الصيـام يُقــال عــن سائـر ما أمــر الله ـ تعالى ـ به من صلاة وصيام وحج وزكاة وجهاد بالمال والنفس؛ إنها كلها تكاليف فيها شيء من مشقة؟ فلو كان معنى التيسير: أن لا يُؤمر النـاس بشـيء فيـه أدنى مشـقة؛ لما كـان هنالك تكليف بصلاة ولا صيـام ولا حـج ولا زكـاة ولا جـهـاد؛ لأن فعـل ما لا مشقة فيه البتة أَيْسر ـ فيما يبدو لأول وَهْلَة ـ مما في فعله أدنى مشقة.
فما المقصود باليُسْر إذاً؟ معـناه فيـما يـبدو لي: فـعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة، مثلاً: إذا كان لا بد لك من وسيلة للكسب تحفظ لك ماء وجهك وتغنيك عن السؤال وتوفر لك ما تحتاج إليه من طعام ولباس وسكن وزيادة توفر بعضها وتتصدق ببعض؛ فإن خير وسيلة هي عمل يحقق لك كل هذا بأدنى قدر من المشقة. فإذا قال لك الشيطان: لكن عدم الكسب أَيْسر من أية وسيلة فيها شيء من مشقة، ولذلك فإن الأفضل لك أن لا تعمل إطلاقاً.. ستقول له ـ إن كنتَ عاقلاً ـ: هذا صحيح بادئ الرأي أيها الخبيث! لكن انظر ماذا سيترتب على البطالة، إنها ستجعل حياتي أعسر نفسياً وربما جسدياً؛ فعملي رغم ما فيه من مشـقة هـو فـي النهـاية أَيْســر من البطـالة الـتي يـبدو أنه لا مشقة فيها.
وكذلك الأمر بالنسبة للدِّين؛ فما يأمرنا الله ـ تعالى ـ به هو أعمال تحقق غايات ضرورية لنا، غايات لا تكون لنا سعادة إلا بها، ولكنها باعتبارها أعمالاً فلا بد أن تتضمن شيئاً من الجهد والمشقة، لكن الله ـ تعالى ـ الخالق لكل شيء، المحيط علماً بالوسائل والغايات، الرحيم بعباده، يختار لنا أسمى الغايات، ثم يدلُّنا إلى أحسن الوسائل التي تحققها بأدنى مشقة، كما قال الله ـ تعالى ـ في أول آية علّل بها أمره بالصيام: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة: 183).
فالغاية المطلوب الوصول إليها هي التقوى، والوسيلة إليها التي لا وسيـلة غيرها لتحقـيق هذا النوع من التقوى هو صيام شهر رمضان.
وعليه؛ فيمكن تقسيم الأعمال بالنسبة لغاياتها ووسائلها إلى أربعة أنواع:
أحسنها: غاية حسنة ووسيلة ميسرة، وهذا هو الذي اختاره الله ـ تعالى ـ لعباده.
وأسوؤها: غاية سيئة ووسيلة شاقة، من أمثلتها: محاربة الكفار للمسلمين، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في سبيل ذلك. ومنها: ما يتظاهر به المنافق من صلاة وصوم وحج وزكاة وربما جهاد.
في مثل هذا العمل قالت العرب: لحم جمل غَثٌّ، على رأس جبل وَعْرٍ، لا سمين فيُشْتَهى، ولا سهل فيُرْتَقى.
وأقل منه سوءاً: غاية سيئة ووسيلة سهلة.
وأحسن من هذا: غاية حسنة ووسيلة عسرة. وهذا يشمل كل ما خالف السُّنّة من أنواع الأعمال الصالحة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَمِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الحال الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ! قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ». (صحيح مسلم).
فالحديث يدل على أنه بالاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في عبادته يحصل الإنسان بالعمل القليل في الوقت القصير على الأجر الكبير. فيا خسارة الذين يستبدلون بأذكار النبي - صلى الله عليه وسلم - أذكاراً اخترعوها أو اخترعها لهم سادتهم، إنها في أحسن أحوالها جهد كبير وأجر قليل. ولذلك كان عدد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يقول: اقتصاد في سُنّة خير من اجتهاد في بدعة. أما إذا كانت تتضمّن شركاً أو شيئاً حراماً فإنها قد تكون من النوع الذي قال الله ـ تعالى ـ فيه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُالْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} )الغاشية: 1 – 4.
وقوله ـ تعالى ـ(وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) (الفرقان 23). وإذاً؛ فالدِّين كله يُسْر بهذا المعنى الذي ذكرناه. قال سماحة الشيخ صالح بن حميد في خطبة له جامعة عن اليُسْر(1): والتيسير مقصد من مقاصد هذا الدِّين، وصفة عامة للشريعة في أحكامها وعقائدها، وأخلاقها ومعاملاتها، وأصولها وفروعها؛ فربُّنا بمنِّه وكرمه لم يكلِّف عباده بالمشاقّ، ولم يردعنا كالناس، بل أنزل دينه على قصد الرِّفق والتيسير.
شريعة الله حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، فلله الحمد والمنّة.. {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُالْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنيُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، {هُوَ اجْتَبَاكُمْوَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْـمُسْلِمِينَ} (الحج: 78).
والتيسير له معــانٍ أخــرى، مـنها: أن الله ـ تعــالى ـ لا يكلِّـف الـناس بما يطيـقون، بـل بمـا هـو في وُسْعهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وتأمَّل قوله ـ عزَّ وجلَّ ـ ) : إلاَّ وُسْعَهَا (، كيف تجد تحته أنهم في سِعَة ومنحة من تكالـيفه، لا في ضـيق وحرج ومشـقة؛ فـإن الوُسْـع يقتـضي ذلـك؛ فاقـتضــت الآية أن ما كلَّفهم به من غير عُسْر لهم ولا ضيق ولا حرج، بخلاف ما يقدر عليه الشـخص؛ فـإنـه قـد يكون مقـدوراً له ولكن فيه ضيق وحرج عليه. وأما وُسْعه الذي هو منه في سِعَة فهو دون مـدى الطـاقة والمجـهود، بل لنفسه فيه مجال ومتّسع). (الفتاوى: ج14، التفسير الجزء الأول، ص 137ـ( 138 .
ومنها: أن العمل وإن كان فيه مشقة إلا أن الله ـ تعالى ـ يجعله سهلاً بطرائق كثيرة، منها: أنه يغير طبيعته الشاقة فيجعلها سهلة، كما ذكر الشيخ بالنسبة للقرآن الكريم ذكراً وتدبُّراً وفهماً.
ومنها: أن يجد المؤمن في العمل لذّة روحية، حتى إنه ليكاد ينسى ما فيه من مشقة.
وإذا حلَّت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاءُ
ومنـها: أن يريـد المؤمن تحقيق غاية يحبها لكنه يعلم أنـها لا تتـحـقق إلا بعبـادة معـينة فيحرص علـيها طـلـباً لتـلك الغـاية المحبـوبة فتهون عليه؛ كما في قوله ـ تعالى ـ عن الصلاة:
( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلَى الْـخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة: 45 - 46]. وقوله ـ تعالى ـ: {اتْلُ مَاأُوحِيَ إلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
«وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاهُ قَالـَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُـولَ اللَّهِ! أَتَصْـنَعُ هَـذَا وَقَـدْ غُـفِـرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ! فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ! أَفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً» (أخرجه مسلم) .
فحرصه - صلى الله عليه وسلم - على شكر ربه ـ وهو شعور له لذّة لا تعدلها لذّة ـ هو الذي يسَّر له هذا العمل الذي يبدو شاقّاً.
ومـنها: أن الله ـ تعـالى ـ قـد يزيل مشقات العمـل حتـى لا يكاد يبقى منها شيء؛ فأشق شيء على الإنسان أن يُقْتل لكن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - يقـول: «ما يـجد الشهيدمن مسِّ القتال إلا كما يجد أحـدكم مـن مسِّ القرصة» الترمذي.
وعليه؛ فإذا كان الله ـ تعالى ـ قد تكفَّل بتسهيل العمل بما أنزل من أمر ونهي؛ فكذلك يجب أن نفهمه ـ نحن ـ في ممارستنا له. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح مشيراً إلى هذه الممارسة: «إن هذا الدِّين متين؛ فأوغلوا فيه برفق». وقال: «إن خير دينكمأَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره»، فعبارة «خير دينكم» هي إشارة إلى الدِّين الممارس لا الذي أنزله الله ـ تعالى ـ، فإن ذلك ميسّر في أصله لا يحتاج إلى أن ييسّره إنسان.
ومن أحسن ما قرأت تطبيقاً لهذه الأحاديث ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه قال: عن الأزرق بن قيس قال: (كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء، فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلّى وخلّى فرسه، فانطلقت الفرس، فترك صلاته وتبعها حتى أدركها، فأخذها، ثم جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأي، فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته من أجل فرس، فأقبل فقال: ما عنّفني أحد منذ فارقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال: إن منزلي متراخٍ، فلو صليت وتركت لم آتِ أهلي إلى الليل، وذكر أنه صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى من تيسيره ).
لكنَّ فعل (أبي برزة) يختلف عما يفعله بعض الناس الآن في اختيارهم لما يختارون من الأقوال التي اختلف فيها العلماء. يقول أحدهم لنفسه: ما دام الدِّين يسراً فإنني سأختار ما أراه أسهل عليّ أو على الناس، ثم يبدأ ينظر في الأقوال بهذا المعيار فيقول ـ مثلاً ـ: قول الحنفية هذا صعب، لكن قول الحنابلة أصعب، أما قول المالكية فسهل، وأسهل منه قول الشافعية، وأسهل من هذا كله قول العالم الفلاني الذي خالفهم جميعاً، فأنا آخذ به.
إن المنهج الصحيح هو أن يقول الإنسان لنفسه: ما دام دين الله كله يُسْراً فسأختار ما أراه بأدلّته أقرب إلى الشرع؛ لأن الأقرب إلى الشرع هو الأقرب لتحقيق الغاية بأدني مشقة.
قد يقول قائل : أليس هذا الذي انتقدتَ منهجه متأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أَيْسرهما؟ يقال له: نعم إذا خُيِّر كما في قوله ـ تعالى ـ: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌمِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) .
والتخيير معناه أن كل واحد من الأمور المخيّر فيها يؤدي الغرض المطلوب، لكن بعضها قد يكون أَيْسر على الإنسان من بعض، فيختاره. لكن ما نحن في صدده لا علاقة له بالتخيير، بل المطلوب فيه معرفة حكم الله ـ تعالى ـ في الأمر الذي اختلفــت فيه الأقـوال أو الاجتهـادات؛ لأنـها إذا تناقـضت فلا يمكن أن يكون كل واحد منها صحيحاً مؤدّياً الغرض. نعم؛ إذا استوت الأدلة ولم يمكن ترجيح بعض الأقوال على بعض، فإن الأخذ بالأَيْسر يكون منهجاً صحيحاً.
لكن رغم هذا فقد يحدث التعــسير في الــدِّين شــرعاً أو قدراً، ويكون عقاباً من الله ـ تعالى ـ لبعض الناس. مثال التعـسير شـرعاً: مـا قال الله ـ تعالى ـ فيه: {فَبِظُلْمٍ مِّنَالَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (النساء: 160 ).
وأما التعسير القدري فيكون بسبب سوء فهم بعض النـاس للـدِّيـن وإلـزامهـم أنـفسـهم بمـا لـم يلـزمهم به الـله ـ تعالى ـ من أنواع العنت. وهذا هو الذي يحدث لأناس من هذه الأمة التي اختار الله لها الحنيـفية السمـحة والتـي قال الله ـ تعالى ـ عن رسولها : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْـمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْـخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ ) (الأعراف: 157).
هذا العنت القدري العقابي هو الذي يدعو المسلمُ ربَّه أن يعيذه منه: {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْعَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} البقرة

286









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-01-18, 10:14   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
leprence30
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

سم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، وبعد:
إن الإسلام هو الدين الذي اختاره الله - تعالى - لعباده، منذ أن خلق الخليقة الأولى آدم عليه السلام، يقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1) . ويقول أيضًا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2) . وجعل لهذا الدين محورًا واحدًا إلى يوم القيامة، هو توحيده جل وعلا، وهو المحور الذي كان يدعو إليه الأنبياء والرسل أقوامهم وأتباعهم، يقول جل ثناؤه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (3) . وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4) .
(1) سورة آل عمران، الآية: 19.
(2) سورة آل عمران، الآية: 85.
(3) سورة النحل، الآية: 36.
(4) سورة الذاريات، الآية: 56.

مفهوم اليسر اليُسْرُ لغة: ضد العُسْرِ. ومنه " الدِّين يُسْرٌ " أي سهلٌ سَمْحٌ قليل التشديد (1) .
أما في الاصطلاح: فهو تطبيق الأحكام الشرعية بصورة معتدلة كما جاءت في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من غير تشدُّد يُحرِّم الحلال، ولا تميُّع يُحلِّل الحرام.
ويدخل تحت هذا المسمى السماحة والسعة ورفع الحرج وغيرها من المصطلحات التي تحمل المدلول نفسه.
وسنتحدث عن اليسر والسماحة في ضوء العناصر الآتية:
(1) المعجم الوسيط، مادة: يسر 2 / 1078

ولاً - الدين الإسلامي قائم على اليسر والسماحة إن الدين الإسلامي بمجمله قائم على اليسر ورفع الحرج ابتداء من العقيدة وانتهاء بأصغر أمور الأحكام والعبادات بشكل يتوافق مع الفطرة الإنسانية وتتقبله النفس البشرية من غير تكلف أو تعنت، وهذا ما أشار إليه الله تعالى في مواطن كثيرة من كتابه العزيز منها قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1) ، وقوله أيضًا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2) ، وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (3) .
وتلت هذه الآيات الكريمات السنة النبوية بأحاديث كثيرة تحمل معاني اليسر في أمور الدين وعدم التنطع والتشدد في العبادات والطاعات، فقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن من أهم ما تميزت به رسالة الإسلام عن غيرها من الرسالات السماوية السابقة هي السماحة واليسر كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (4) .
(1) سورة الحج، الآية: 78.
(2) سورة البقرة، الآية: 185.
(3) سورة النساء، الآية: 28.
(4) صحيح البخاري، رقم39، ص9-10

- الرخصة
الرخصة في اللغة: التيسير والتسهيل، أو اليسر والسهولة، والرخص ضد الغلاء، وفلان يترخص في الأمر إذا لم يستقص، ويتعدى بالهمزة والتضعيف (1) .
أما في الاصطلاح فقد عرفها البيضاوي بأنها: "الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر" (2) .
والرخصة قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين حيث تشمل جميع أمور الدين وجوانبه في العقيدة والعبادة والمعاملة والعقوبات وغيرها. وهي منحة وصدقة من الله - تعالى - لعباده، كما قال عليه الصلاة والسلام: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (3) .
ويمكن وصف الرخصة بأنها من أهم معالم اليسر في هذا الدين، وأن الله - تعالى - إنما أجازها ليخفف عن عباده وطأة بعض التكاليف، ويعذرهم عما لا يطيقونه، لذلك يستحب إتيان هذه المنحة والعمل بها في مواضع الجواز، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» (4) .
ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الرخص التي بيّنها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام للأمة من خلال الأمثلة الآتية:
(1) المصباح المنير 1 / 304. القاموس المحيط 2 / 304.
(2) نهاية السول 1 / 87.
(3) صحيح مسلم، رقم1573، ص279.
(4) مسند أحمد، رقم5873، ص453. ورواته ثقات

1 - في العقيدة
تميز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والعقائد بوضوح العقيدة وسهولة الإيمان بالله تعالى، حيث أمر الناس بعبادة الله وحده، وأنه الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، بيده ملكوت السموات والأرض، لا معبود سواه، وأنه لا وساطة بين العباد وخالقهم، ولا شركاء معه، فليس في العقيدة الإسلامية ألغاز لا يعرفها إلا فئة من الأحبار والرهبان، وليس فيها غموض وغبش كما في العقائد الأخرى من تجزئة الواحد إلى ثلاثة، وليس فيها استهانة بالعقل الإنساني ليعبد أحجارًا وأشخاصًا وحيوانات كما في البوذية وغيرها، وإنما هي عقيدة في غاية من اليسر والسماحة، فَهِمَها الأعرابي الذي يعيش في الصحراء حينما قال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فليل داج، وسماء ذات أبراج، ألا يدل على الواحد القهار، أو كما قال.

رابعًا - القواعد الشرعية المستنبطة من النصوص الواردة في اليسر استنبط علماء الأصول من النصوص الواردة في سماحة الإسلام ويسره، بعض القواعد وجعلوها معالم لعلم الأصول، ونذكر منها قاعدتين أساسيتين، هما:
1 - "المشقة تجلب التيسير" (1) :
ومعنى هذه القاعدة الأصولية أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله، فإن الشرع قد أجاز له عدم القيام بها.
وتعتمد هذه القاعدة الشرعية على الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام التي سبقت الإشارة إليها خلال البحث (2) ، من خلال بيان يسر الإسلام وسعته ورحمته بالعباد في العبادات والمعاملات وإتيان الرخص وغيرها.
والمشقة التي تجيز فعل المحظور وتجلب التيسير تلك التي فوق طاقة البشر، فلا تتحملها النفس البشرية، وإذا أخذ بها الإنسان تعرض للأذى والضرر في أساسيات حياته من النفس والمال والعقل والعرض.
وانبثقت عن هذه القاعدة الأصولية قواعد فرعية أخرى مثل: "إذا ضاق الأمر اتسع"، أو "إذا اتسع الأمر ضاق" (3) وغيرهما.
2 - "الضرورات تبيح المحظورات" (4) :
(1) ينظر في هذه القاعدة وتفاصيلها: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، للسيوطي، ص76-82. وغيره من كتب القواعد الفقهية.
(2) منها على سبيل المثال لا الحصر، قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر [سورة البقرة، الآية: 184] وقوله صلى الله عليه وسلم لمن يسأله في الحج عن تقديم نسك على آخر: «لا حرج» وقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس من البر الصوم في السفر» .
(3) انظر: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، للسيوطي، ص83.
(4) انظر: شرح القواعد الفقهية، لأحمد الزرقا، ص131.


خامسًا - آثار الابتعاد عن منهج التيسير للابتعاد عن منهج التيسير آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، ومنها:
1 - التكليف بما لا يطاق:
إن أي تشدد زائد في تطبيق أحكام هذا الدين وتكاليفه، وأي تجاوز للخط الذي رسمه الله - تعالى - لعباده، سيعرض صاحبه للوقوع في الحرج والمعصية، وقد بيّن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام لأولئك النفر الذين حاولوا أن يكلفوا أنفسهم ما لا تطيق، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (1) .
(1) صحيح البخاري، رقم5063، ص906. ورواه مسلم في صحيحه برقم3403، ص586


خلاصة البحث من خلال هذا السرد الموجز عن سماحة الإسلام ويسره في تطبيق الأحكام والقيام بالعبادات وغيرها، نخلص إلى بعض النتائج والوصايا التي نجملها فيما يأتي:
1 - أن مبدأ اليسر والسماحة ثابت في هذا الدين، وهو مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، لا ينكره إلا الجاهلون بأحكام الإسلام وحقيقة رسالته، وهو مبدأ مأخوذ من النصوص الكثيرة الواردة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وآثار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
2 - وسطية هذا الدين في كل جوانبه، في العقيدة والعبادة والمعاملة والسلوك وغيرها، وهو امتثال لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (1) .
(1) سورة البقرة، الآية: 143


ثبت المراجع * القرآن الكريم.
* الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، للإمام جلال الدين بن عبد الرحمن السيوطي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 1403هـ، 1983م.
* جامع الترمذي، إشراف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
* سنن ابن ماجه، إشراف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
* سنن أبي داود، إشراف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
* سنن النسائي، إشراف صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. ط1، دار السلام، الرياض 1420هـ، 1999م.
* شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا؛ قدّم له نجله مصطفى الزرقا، وعبد الفتاح أبو غدة، ط1، دار الغرب الإسلامي، 1403، 1983م.
* صحيح البخاري. ط2، دار السلام، الرياض 1419هـ، 1999م.
* صحيح مسلم. ط1، دار السلام، الرياض 1419هـ، 1998م.
* المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، طبعة دار الفكر.
* مسند الإمام أحمد، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، 1419هـ، 1998م











رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلام, الحشر


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:38

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc