كل الحوادث مبدأها من النظـر **** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها **** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبـه **** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجتـه **** لا مرحبـا بسرور عـاد بالضرر
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على الهادى المصطفى سيدنا وحبيبنا
محمد ابن عبد الله وعلى من اتبعه باحسان الى يوم الدين
وبعد.........
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( استحيوا من الله حق الحياء . قالوا : إنا نستحي يا رسول الله ، قال : ( ليس ذلكم ، ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ، وليحفظ البطن وما حوى ، وليذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك ، فقد استحيا من الله حق الحياء ) رواه الترمذي، فالحياء الشرعي للعين أن تحفظ نفسها من النظر إلى ما حرم الله ، فإن العين إذا اشتد حياؤها صانت صاحبها ودفنت مساوئه ونشرت محاسنه. قال ابن حبان : " ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ومن ذهب سروره هان على الناس ".
النظر بريد الزنا:
النظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ، فإن النظرة تولد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فزنى العين النظر ، وزنى اللسان المنطق ، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) رواه البخاري.
وقال تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) ،
يقول القاسمي في تفسير هذه الآية : " سر تقديم غض البصر على حفظ الفرج هو أن النظر بريد الزنا ورائد الفجور ".
لا تتبع النظرة النظرة:
النظرة ... سهم من سهام إبليس المسمومة ، ورائد الشهوة ، النظر المحرم يثمر في القلب خواطر سيئة رديئة ، وقد أمر الله تعالى عباده بأن يغضوا أبصارهم ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ....... ) ، يقول سيد قطب : " إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف ، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ، ولا تستثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين . فعلميات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ، ولا يرتوي. والنظرة الخائنة والحركة المثيرة والزينة المتبرجة والجسم العاري كلها لا تصنع شيئا إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون. فغض البصر من جانب العين أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الإطلاع على المحاسن والمفاتن والأجسام، كما أن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتن والغواية ، ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم. والواجب على المسلم إذا وقع نظره على ما حرم الله أن يصرف بصره، ولا يتبع النظرة النظرة ، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن الأولى لك وليست لك الآخرة ) رواه أبو داود. إن النظرة كأس مسكر، وسكره العشق وسكر العشق أعظم من سكر الخمر ، فسكران الخمر يفيق وسكران العشق أنّى يفيق !! ".
فوائد غض البصر عن الحرام:
ذكر ابن القيم جملة من الفوائد في غض البصر منها :
امتثال أمر الرب جل وعلا والذي هو نهاية سعادة العبد دنيا وأخرى
أنه مانع من وصول أثر السهم المسموم إلى قلبك فيهلك
أنه يورث القلب أنسا بالله ، ولذة لا يجدها من أطلق بصره في الحرام
أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه
أنه يورث العبد الفراسة الصادقة التي يميز بها بين الحق والباطل والصدق والكذب
أنه يورث القلب شجاعة وثباتا ويجمع الله لصاحبه سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة
أنه يسد على الشيطان مدخلا من مداخله على القلب
أن بين العين والقلب منفذا وطريقا يوجب انفعال أحدهما بالآخر وأنه يصلح بصلاحه ويفسد ، فإن صلحت منظورات العبد صلح قلبه ، وإن فسدت فسد
كل الحوادث مبدأها من النظـر **** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها **** كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبـه **** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجتـه **** لا مرحبـا بسرور عـاد بالضرر