مفدي زكريا.. حياة في نشيد
ربع قرن على رحيل شاعر الثورة الجزائرية مؤلف «قسما بالنازلات الماحقات»
لندن: علي شعيب
في السادس عشر من هذا الشهر، مر ربع قرن على رحيل مفدي زكريا، شاعر الثورة الجزائرية الذي ما زال تلاميذ وطلاب المدارس والمعاهد الجزائرية يرددون كلماته التي نظمها بسجن بربروس في الزنزانة رقم 69 في الخامس والعشرين من ابريل (نيسان) 1955 اثناء احتلال فرنسا لوطنه الجزائر.
قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الدفقات والبنود اللامعات الخافقات، في الجبال الشامخات الشاهقات نحن ثرنا، فحياة أو ممات وعقدنا العزم.. أن تحيا الجزائر فاشهدوا...
ولد مفدي زكريا آل الشيخ في قرية «بني يزغن» جنوب الجزائر في ابريل من سنة 1908، وتلقى تعليمه الأولي بمسقط رأسه ثم بمدارس تونس.
تفتحت موهبة الأدب والشعر عنده على مقاعد الدراسة. وكان لالتحاقه بجامع الزيتونة في تونس الأثر في صقل تجربته الشعرية، وإثراء رصيده اللغوي، ومنحته صلاته بالعقاد وطه حسين وصالح جودة وغيرهم زخما هائلا فجاء اسلوبه سهلا لا أثر للصناعة، او التصنع، فيه.
وتجسد ذلك في ديوانه الاول: «اللهب المقدس» الذي تضمن جملة من القصائد الشعرية الحماسية الثائرة التي تدعو الى مقاومة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ولم تكن دعوته مقتصرة للناس الآخرين بل خاض هو نفسه المعارك في صفوف جيش التحرير، بل أكثر من ذلك دعا اهله الى الجهاد. فكانت رسالته الى ابنه في هيئة قصيدة: «هكذا يفعل ابناء الجزائر»، التي تقول:
أي بني..
هكذا يفعل ابناء الجزائر...
هكذا، يفعل ابناء الجزائر يا صلاح الدين، في أرض الجزائر..
سر الى الميدان، مأمون الخطى وتطوع، في صفوف الجيش، ثائر انت جندي، بساحات الفدا وانا، في ثورة التحرير، شاعر زغردي، يا أمّه وافتخري فابنك الشهم فدائي مغامر وهي تأتي في نفس السياق الذي صاغ به قصيدته «الذبيح الصاعد» التي نظمها بسجنه في بربروس اثناء تنفيذ الفرنسيين حكم الاعدام في «أول شهيد» دشن المقصلة المرحوم «أحمد زبانا» في 18 يوليو (تموز) 1955. والتي مطلعها:
هام يختال كالمسيح وئيدا يتهادى نشوان، يتلو نشيدا ....
ثم يقول فيها:
وامتطى مذبح البطولة معـ راجا، ووافى السماء يرجو المزيدا وتعالى، مثل المؤذن يتلو كلمات الهدى، ويدعو الرقودا صرخة، ترجف العوالم منها ونداء مضى يهز الوجودا اشنقوني، فلست اخشى حبالا واصلبوني، فلست اخشى حديدا واقض يا موت فيّ ما انت قاضٍ، انا راضٍ، ان عاش شعبي سعيدا انا ان مت، فالجزائر تحيا، حرة، مستقلة، لن تبيدا وقد حمل زكريا قضيته الى جميع المحافل الدولية التي شارك فيها للتعريف بقضية الجزائر التي كانت تكافح من أجل نيل استقلالها، فكان حاضرا في المؤتمرات والمنتديات السياسية عبر العالم كجزء من التحرك السياسي المواكب للعمل المسلح.
وساهم مفدي زكريا مساهمة فعالة في النشاط السياسي والأدبي في كامل المغرب العربي، حيث ترأس تحرير صحيفة الشعب التي حملت لواء الدعوة الى استقلال الجزائر منذ صدورها عام 1937. ورغم رحيله في 16 اغسطس (آب) 1977 بتونس فإنه ما زال يحيا في وجدان الشعب الجزائري الذي يردد يوميا النشيد الوطني الذي تفتتح به الاذاعات.. ويعزف امام زوار الجزائر وضيوفها من رؤساء الدول، وكأنه يفند مقولة المستشرق الفرنسي «اندريه ميشيل» الذي قال مرة:
«ان الشرق الأدنى ـ ويعني البلاد العربية ـ مستودع الموتى ومستنقع الافكار المنسية»! =
منقول من جريدة الشرق الأوسط السبـت 16 جمـادى الثانى 1423 هـ 24 اغسطس 2002 العدد 8670