المرجعية الدينية الوطنية ودورها في وحدة الأمة

[الكهف الجزائري]

المرجعية الدينية الوطنية ودورها في وحدة الأمة

مرت الجزائر خلال العقدين الأخيرين بمحنة لم يمر بها بلد من قبل، اقتتل المسلمون فيما بينهم من أجل لذة عابرة تقود إلى حياة غابرة· ثم منّ الله علينا بالأمن والأمان لفترة من الزمان· بعدها فهم الجميع أن الذي جرى ليس جهادا بالمعنى الشرعي، إنما هو فتنة وقع فيها شبابنا بسبب جهلهم بالدين وعدم فهم الأحكام الشرعية· واستهوت الشباب فتاوى ضالة باطلة تحمل في طياتها بذور فنائها ودمارها وخرابها، كيف يعقل أن يقتل المسلم أخاه المسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ''لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم''·
ما هو السبب في هذه الفتنة التي أطفأها العلماء وأخذ رمادها في بحر العفو والسلم والمصالحة رئيس الجمهورية الذي ما توانى لحظة في أن يبث في عقولنا وأرواحنا المشروع الحضاري الإنساني الذي اشتقه من القرآن الكريم والسنة المطهّرة·
ماذا يريد هؤلاء المفجّرون؟!
إن الذين فجّروا أنفسهم يوم11 أفريل 2007م أمام قصر الحكومة أرادوا الهروب من الحياة التي يعيشونها وما فيها من الجهل والفقر المادي والثقافي والديني، فوضعوا حدا لأنفسهم· ويا ليتهم فعلوا ذلك مع الأعداء، أخذوا معهم ضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا لأرزاقهم وأرزاق أولادهم·· ما ذنب الشرطي الذي يحرص على أمنك ويقف الساعات الطويلة لتنام أنت وتهنأ بالأمن والأمان! ما ذنب المرأة التي خرجت لتأخذ ولدها الرضيع للطبيب، ما ذنب·· وما····؟ والأسئلة كثيرة تحتاج للإجابة ولكن···!
لابد من مرجعية دينية
في جميع البلدان الإسلامية مرجعيات دينية ومراكز علمية، مصر لها الأزهر، السعودية لها هيئة كبار العلماء· بل إننا نرى مرجعيات ومراكز علمية خارج بلاد المسلمين، كالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث·· إلا أن في الجزائر مايزال السؤال مطروحا· متى يمكن أن يكون للجزائر مرجعية ومراكز علمية ترفع الخلاف وتوحّد جماهير المسلمين؟·· لقد أصبحنا نرى الغرابة في كل أحوالنا·· كل من لبس قميصا وأعفى لحية تصدّر للفتوى بحجة أن له الحق في الدفاع عن الدين···
فكفانا من الفتاوى المعلّبة في مخابر الوهابية···
لقد ملّ الجزائريون الأفكار المستوردة المصبوغة بصبغة الإسلام، التي أشعلت نار الفتنة وفرّقت الصف·
في رأيكم هل كانت الجزائر في الستينيات أو السبعينيات تعرف شيئا من هذه الأفكار الهدامة؟ هل كانت تسمع بمثل هذه التيارات وما فيها من عصبية وعنف؟ هل يعني أن الجزائر قبل ظهور الوهابية كانت على غير منهج السلف؟ هل كان الشيخ الرئيس عبد الحميد بن باديس لا يعرف السلف؟ هل كانوا يعبدون إلها آخر وينتسبون إلى نبي آخر حتى تخرج علينا هذه الفرقة بأفكارها المسمومة التي أضرّت أكثر مما نفعت؟! إننا نُكبر في المسلم الجزائري حبه لدينه وتقديره لحملته من العلماء والمفكرين، ولكننا نعيب عليه تقليده لغيره··
في حرب أفغانستان ضد روسيا التي هزمت فيها هذه الأخيرة شر هزيمة، خرج بعض الشباب وأرادوا أن يتبنوا الفكر الأفغاني في عقيدته ولباسه، وحملت هذه الأفكار إلى الجزائر· وكما قال وزير الشؤون الدينية والأوقاف عند زيارته إلى قسنطينة يوم 25أفريل 2007: إن الأفغان بعدما هزموا الشيوعية في روسيا قالوا: لا بد من محاربة الشيوعية في الجزائر·
لماذا لا نتأثر بالفكر الباديسي بدل الفكر الأفغاني؟
إن المرجعية الدينية الغائبة هي البلسم الشافي الذي يكفكف الدموع والمرهم الكافي الذي يداوي الجراح، ويجمع شتات وشمل الأمة فيتنوّر المسلم في فكره وعقيدته وتستقيم دنياه، ويأمن في أخراه· وفي الأخير، وجب التنويه بمجهود وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في ترسيخ ثوابت الأمة عن طريق الاهتمام بنشر المذهب المالكي كخطوة هامة في سبيل توحيد وجهة الأمة الفكرية، وذلك بعقد الملتقيات والندوات التي يتسنى من خلالها للفرد المسلم أن يعرف مذهبه ليخرج من اختلاف المذاهب التي لايزال كثير من الأفراد لا يفقهون أدبه·
بقي القول أن الجزائر مدعوة في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل المرجعية الدينية والوطنية التي تلمّ الشعث وتوحّد الصف·