|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2013-03-13, 20:48 | رقم المشاركة : 256 | ||||
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
||||
2013-03-13, 21:23 | رقم المشاركة : 257 | ||||
|
اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اهلا بكِ اختي الكريمة صراحة لم افهم اي موضوع اتخذته مدخلا للمذكرة بالنسبة لمضمونها فهو ليس بالصعب لان الشعر الجاهلي غني بخاصية الفحولة يعني المذكرة ستكون غنية والمراجع كذلك ان احتجت اي شيء فانا هنا موفقة اخيتي |
||||
2013-03-21, 18:22 | رقم المشاركة : 258 | |||
|
موضوع اعجبني فاحببت مشااركتكم به تعتبر الخاطرة فن أدبي كغيرها من الفنون الأدبية متشابهة مع القصة والرسالة في مضمونها والأسلوب الناجح لكتابتها بشكل جيد متقارب إلى حد كبير مع أساليب القصة والرسالة والقصيدة النثرية.... .وما يميز الخاطرة بأنها غير محددة برتم أو وزن موسيقي معين أو قافية .. شلال الشعور الدافئ , وفن التعبير الأدبي هو موهبة وملكه من عند الله ولكن لا يمنع أن ننوه ببعض النقاط التي سوف تعين على معرفة أسلوب الخاطرة الناجحة 1- الوضوح في الأسلوب : من شروط النجاح فيجب أن يكون الأسلوب واضحاً ومصدر هذا هو عقلية الكاتب بشرط أن لا يكون الوضوح تاما لأنه يسلب الإثارة والدهشة والتفاعل مع الخاطرة .. والوضوح يكون في اختيار الكلمات المؤدية للغرض بحيث تكون دقيقة . 2-العقدة والمغزى : عندما تحوي الخاطرة هدف معين وتكون ذات معنى يكون هذا داعيا أكبر لكي تحوي الخاطرة في عمقها أحداث متسلسلة وروح حركية تحركها الحروف وتجعل القارئ ينشد لقراءتها ويعيش أجواءها وهذا يحقق أسلوب التشويق وجذب الانتباه المطلوب تواجده في كل خاطرة. 3-طريقة السرد : فمثلا نستخدم ضمير المتكلم عندما نريد البوح والاعتراف ونستخدم أسلوب ضمير الغائب عندما نريد أن نتحدث عن هموم الغير ونشعر بأحاسيسهم فلكل سرد مزايا معينة . 4-إحياء المواقف : فعندما تحوي الخاطرة موقف معين يجب على الكاتب أن يجعل في ذهنه تحويل هذا الموقف عبر مرآة الحروف إلى مشهد يجعلنا نشاهده بأعيننا وذلك باستخدام الوصف الدقيق الموجز. 5-فصل الخاطرة : بحيث يجعلها كاتبها مقسمة ومتسلسلة إلى مقدمة يمهد لها وعرض يطرق فيه محوره الرئيسي وخاتمة مؤثرة تحوي لب وخلاصة شعوره المتدفق . 6-التناسق : بحيث تكون الخاطرة مرتبة الأفكار وتسير في خط معين لا تحيد عنه ويتم إزالة الكلمات الزائدة التي لا تضيف شيئا للخاطرة. 7-الخيال والتصاوير والتشبيهات المجازية: تجعل للخاطرة رونق ونكهة محببة ومستساغة فمثلا نجعل القمر يبتسمـ والزهور تتكلمـ والنسيمـ يتراقص وهكذا. 8-العنوان: ويجب أن يكون معبرا عن الفكرة الرئيسية ويفضل آن يكون مجرد إيحاء أو عا** لثوب الخاطرة ولا بأس أن يكون مقتبس من سياق الخاطرة على أن يكون هذا العنوان قوي التعبير وعميق المعنى ومؤثر في النفوس حتى يجذب الأنتباه. تحياتي
|
|||
2013-03-21, 18:25 | رقم المشاركة : 259 | |||
|
الأدب الإسلامي: العلامة محمد إقبال أنموذجاً |
|||
2013-03-21, 18:38 | رقم المشاركة : 260 | |||
|
الأدب الإسلامي: العلامة محمد إقبال أنموذجاً (2) ان نظرية الأمتين في شبه القارة الهندية ، نابعة من قناعة إقبال بعقيدته الاسلامية ، و تاريخ الإسلام المجيد ، حـيـث أن العقيدة و اللغة و التاريخ المشترك عوامل أساسية لبناء الأمة ، لذلك نجد التاريخ الإسلامي من المصادر النابضة في شعر إقبال بصور فنية و معبرة عـن ذاكرة الأمة الاسلامية سواء في عـزهـا و قوتها أو تصوير حال دول الاسلام لما آلـت اليه الشعوب الاسلامية في الأنـدلس التي يقول عنها يا ظلَّ حدائق أندلسٍ/ أنسيتَ مواني عشرتنا/ وعلى أغصانك أوكارٌ/ عَمُرت بطلائع نشأتنا). و هي أشبه ما تكون بالبكائيت على الأطلال مثلما نرى ذلك في قصيدة صقلية: ( و غرناطة جنة العالمين/عروس المدائن تاج القرى/ و يوم أطاح ببغداد خطب/ أحل على الآمنين الردى/ جرى دمع سعدى بشيراز شعرا / أهاج القلوب و أدمى الحشى). و لابد لهذه الوقفة على مدائن الاسلام أن يلحقها تذكير بدولة الاسلام حيث يقول و للعرب كانت هنا دولة/ و مثوى حضارة أم قرى/ عمالقة البيد خاضوا البحار/ فكانت لأسطولهم ملعبا)، الا أن الحقيقة تفرض عليه أن يعود الى واقعه ليختم بها قصيدة صقلية أعـود الى الهند مستعبرا/ بأنبل ذكرى لمجد خلا/ هنا قد بكيت و في الهند أبكى/ و أبكى الصديق معا و العدا / هو القدر اختارني للرثاء / سأرسله صيحة في المـلا). الرافد الرابع: المعرفة و التجارب الإنسانية: تعتبر البيئة الإجتماعية في شيه القارة الهندية نموذجاً مصغراً من العالم الإنساني بكافة مناشطة البشرية و الجغرافية ، و الثقافية بما في ذلك العقائد و الأديان المختلفة. و في الوقـت الذي ترزح فيه تحت الإستعمار الإنجليزي ، الذي عمل طوال فـترة و جوده على تقسيم الأرض و إضـاعـة هـوية الإنسان فيها ، و خصوصاً إذا عـلمنا أن الهدف الأساسي من المخططات إنهاء الوجود الحضاري للمسلمين و إبـعـادهـم عـن ديـنـهـم الإسـلام. و هـذه البيئـة بـتنوعها ، سـاهمت كثيراً في تكوين ذهـنية العلامة محمد إقبال إجتماعيا و جـعـلته أكـثر وعـيـاً بها ، و أكثر تمسكاً بـدينه لأنـه إبـن الثقـافة الإسلامية بالوراثة ، و رجل علم و فلسفة و أستاذ أجيال لأنه صقل موهبته، و نهل من معين الفكر و المعرفة بالدراسة و التجربة ، حيث درس في لاهور، و حصل على درجة الماجستير في الآداب و علم الفلسفة من الكلية الاسلامية ، ثم سافر الى بريطانيا للحصول على الدرجة العلمية في الفلسفة مـن جامعة كامبردج و الدرجة العلمية في القانون من كلية لندن للعلوم السياسية ، و عمل أستاذا للغة العربية في جامعة لندن. و لم يتوقـف حتى حصل على درجة الدكتوراة من جامعة ميونيخ في ألمانيا. و كانت فترة دراسته في أوروبا سانحة ليكون داعية اسلامي و مدافعا عن المسلمين حيث ألقى العديد من المحاضرات في انجلترا عن الإسلام وعظمته. شارك في المؤتمر الإسلامي عام 1931م ، و تشرف بزيارة القدس الشريف ملبيا دعوة السيد/ أمين الحسيني ، ممثلا لمسلمي الهند ، لأن فلسطين الجذوة التي تنطلق في أعماقه فيرى حال الاســلام و المسلمين لينشد أروع قصائده مطالبا الأمـة بالعودة الى دينها و تاريخها المجيد – قصيدة طلوع الاسلام ( ترنم أيها الشادي و اسمع/ غناءك وامح آثار الطغام / و أيقظ عالم الإسلام و اخلق/ عقاب الجو في جسم الحمام/ و قل هيا فتى الاسلام بادر/ و سر قدما الى نيل المحال / و كن لكتاب ربك ترجمانا / و برهانا لقدرة ذى الجلال )، و هـذا الطلب لا يأتي من فراغ بـل نجـد سـؤالا استنكاريا وكيف تغيرت بكم الليالي؟/ و كيف تفرقت بكم الأماني؟ / تركتم ديـن أحمـد ثم عدتم / ضحايا للهوى و الهـوانِ)، سـؤال استنكاري لابـد أن يتبعه بسؤال أخر أكثر قـوة ، و اثـارة لاشعـال جــذوة الاسـلام في نفوس أبناء الأمــة موضحا السـبب ، و هو القائل (أرى التفكير أدركه الخمول/ و لم تبق العزائم في اشتعال / و أصبح وعظكم من غير سحر/ و نور يطل من المقال/ و عند الناس فلسفة و فكر/ و لكن أين تلقين الغزالى / و جلجلة الأذان بكل أرض / و لكن أين صوت من بلال ؟؟)، و حديث الرسول علي أفضل الصلاة و السلام ( أرحنا يا بلال ) ، و لكن الأصوات التي يسمعها لا يوجد فيها صوت بلال المفعم بالايمان و القوة التي تهز أركان الأرض ، و الآذان الذي يريده رمز مـن رموز انتصاراته و فتوحاته الاسلامية و فيه يقظة الأمة نحن الذين استيقظت بأذانــهم/ دنـيا الخـلـيقـة من تـهـاويـل الكـرى، نحن الذين إذا دعوا لصلاتهـم/ و الحرب تسقى الأرض جاما أحمرا). و الآذان رسالة تشرق في الكون، و كناية عن الدين الإسلامي الذي يقول عنه اقبال ان المؤمن اذا نادى الآفاق بأذانه أشرق العالم و استيقظ الكون/ ان الدين هو الذي ينظم الحياة / وانه لا يكتسب الا من ابراهيم و محمد عليهما الصلاة و السلام)، و يعبر عن ذلك عن أمجاد دولة الاسلام( بلغت نهاية كل أرض خيلنا/ و كأن أبحرها رمال البيد/ في محفل الأكوان كان هلالنا / بالنحر أوضح من هلال العيد / في كل موقعة رفعنا راية/ للمجد تعلن آيـة التوحيد / أمم البرايا لم تكن من قبلنا/ إلا عـبيدا في إسار عـبيد / بلغت بنا الأجيال حرياتها/ من بعد أصفاد و ذل قيود). و من هذه الأبيات نتذكر ماضينا و تراثنا حيث اقتباس البيت الأول من قصيدة عمرو بن كلثومملئنا البر حتى ضاق عنا / و ظهر البر نملئه سفينا) ، أما البيت الأخير فهو من مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كنا قوم أذلاء فأعزنا الله بالاسلام، و هي الحقيقة التي يقرها اقبال حيث يخاطب أبناء الأمة موضحا أسباب الانحطاط في صورة فنية معبرة عن حالهم لقد فقد المسلم لوعة القلب/ وانطفأت نار الحياة فيه/ و أصبح ركاما من تراب/ فالصفوف زائغة/ و القلوب مضطربة/ و السجدة لا لذة فيها لأن قلب صاحبها خال من الحنان). و معرفة الأسباب تؤدي الى معالجتها للنهوض بالأمة، لـذلك لم يرضخ لأي من خصومه سواء فـلـسـفـيا أو أدبـيا ، حيث عاش صراعا مع المتصوفة ، و قدم فكرا لمواجهة الاستعمار الانجليزي رافضا الاستعمار و التعايش مع الهندوس ، حيـث يرى وحدته و أمته في الاسـلام. و ألمح الى فكرة قيام الدولة الاسلامية( أضحى الإسلام لنا دينا / و جميع الكون لنـا وطـنـا). ظل طوال سنوات حياته يهتم بالمجموع ، و اهتمامه بكل ما يعيد للأمة الاسلامية مجدها و حضارتها ، لذلك أستنكر على كمال أتاتورك اسقاطه الخلافة حيث رد عليه بقصيدته المشهورة( خطاب الى مصطفى كمال باشا) في ديوانه رسالة الشرق ( بيام مشرقي) باللغة الفارسية ، حيث عبر عن حزنه على تغريب المجتمع التركي و تقليد أتاتورك للأفكار الغربية بما سماه الاصلاحات ، ليس ذلك فحسب بـل أنـتقـد عـصبة الأمـم المتحـدة في ذلك الوقـت ، و خصوصا أن العالم الذي يرزح في الاستعمار ما هو الا مساحة الأرض للأمة الاسلامية أنذاك إلا أن نجـد الصورة لا تزال حتى الآن ، فكأنما العلامة محمد إقبال ، يعيش بين ظهورنـا: صور الغاصب عدلا ظلمه *** ما هو التفسير للعدل الجديد زاد فـي التـحـريـر مـعـنى *** أنه يحكم القيد لتحرير العبيد قال للطير إذا رمـت الأمان *** فاتخذ في منزل الصياد وكرا ليس في الأجواء للطير مكان *** و لا تأمن في الصحراء نسرا و خلاصـة القول: أن أدب العلامة محمد إقبال – رحمة الله عليه - ، مـن الرؤى التي تشكلت على أطرها أسس الأدب الأسلامي، حيث أشرقت البدايات الأولى في شبه القـارة الهندية ، و وجدت أذانا صاغية في العالم الإسلامي للإستفادة من المضامين الإسلامية ، و صياغة الأدب الإسلامي وفق الأسس التي أتبعها العلامة محمد إقبال في صياغة خطابه الأدبي : ** المضمون القرأني فـنـيـاً مـن حيـث الأسلوب و جماليات اللغة. ** المضمون النبـوي و السنة المطهرة مـن حيـث الأفـكـار و أحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام ، و سيرته العطرة. ** المضمون الإنساني مـن حيث العلوم و التجارب الإنسانية بما في ذلك المناهج الأدبية و الرحـلات . رحل العلامة محمد إقبال – رحمة الله عليه – من دنيانا الفانية مساء الخميس 21/2/1357هـ الموافق 21/4/1938م. و تتجدد ذكـراه كلمـا أشرقـت شمـس أبريل مـن كل عام ، أو التاسع مـن نوفـمـبر ذكرى ميلاده ، و للناس فيما يعشقون مذاهـب. هـكـذا تتجدد ذكـراه ، و أشـعـاره تنبض بين الحين و الآخر في وجـدان الأمـة ، و هـو القائل: نفحات مضيئة لي هل تعود *** أنسيم من الحجاز يعود ان النسيم الحجازي أول بشائر الأدب الإسلامي ، حـيث تسمو النفـس مع بارئهـا ، و بالتالي صياغة الخطاب الأدبي ليكون هـمزة وصل و تـعـارف بين الشعوب . قال تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). سورة الحجرات – أية(13). و التواصل بين الشعوب ثقافة إسلامية عمادها القييم و المبادئ الأصيلة و التي تشكل الصورة العامة في الأدب الإسلامي مـن حيـث الرؤية بغض النظر عـن الأداة التي تختلف وفـق التنوع المكاني و أثـره على الإنسان في شتى مناشط الحياة و إنعكاس ذلك على اللغة و القييم الفنية المصاحبة لها مع الأخذ بعين الإعتبار أن التميز في نهاية الأمـر إن اكرمكم عند الله أتقاكم). حـقـاً ، يرحل المرء ، و تظل كلماته فـواحـة متى أحسن الإختيار ، و استدل على نسيم الحـجـاز أول دلائل الأدب الإسلامي .
|
|||
2013-03-21, 18:42 | رقم المشاركة : 261 | |||
|
مفهوم الخيال عند الشعراء واشكاليته في** نظرية المحاكاة** 1_ لم يظهربشكل مستقر وثابت مفهوم الخيال من خلال الرؤى الحديثه والمثمره _ وهو انهانفعالية توليد الصوره والتي وظيفتها تصوير الحقائق الفسيه والادبيه بكافةاطيافها _ الا من فلاسفة الرومانتيكية والفيلسوف (( كانت )) ، ونجد ان النقدالقديم كان بعيدا عن هذا الفهم والمنهجية الحديثه التي نتداولها هذه الايام . حتى ان ارسطو ذلك الفيلسوف المفكر والداهية قلل من شأن الخيال وافترض وصايةالعقل والمنطق عليه حتى اني من خلال قراءاتي لافكاره والمدونه في كتبهالفلسفيه اجد انه لديه _ أي ارسطو _ اشكالية وخلط بين مفهوم الخيال والوهموشتان مابين الاثنين . الا ان مايحز في النفس ان هذه الاشكاليه انتقلت الىفلاسفة المسلمين اولا مما ادى الى ظهورها ومن ثم تأثيرها في النقدالادبيالعربي القديم .ليطالعنا ابن سينا من خلال احدى منهجيات والتي يفترض بها انالكلام المخيل (هو الذي ينفعل به المرء انفعالاً نفسانيا غير فكري ، وان كانمتيقن الكذب ) وقد كان ابن سينا يحذر من عملية الخيال بكافة فنونها واطلقعليه مجازا التخيل أي اصطناع الفكره دون ان تهطل بذاتها على الاديب وهذا ماكان يحذر منه الفيلسوف اليوناني ارسطو في اغلب دراساته ناهيك عن الكلاسيكيونوالاوروبيون ولننظر هنا ما خطه ابن سينا في ( رسالة حي بن يقظان ) حيثيقول ( وفي حركة تطلب المعارف العليا يستعين الانسان بالعقل الفعال الذييهديه عن طريق المنطق والفلسفه ، ويفضل مصر المعارف والذي هو مصدر النفسالملكية.وهذا العقل الفعال قدسي) نجد هنا ان ابن سينا لديه مفهومه الخاص بهوهو التحذير من رفقة العقل الفعال والذي يقصد به القوى الحسية الاخرى ، ويصفابن سينا منهب التخيل قائلاً: ( واما الذي امامك فباهت مهذار ، يلفق الباطلتلفيقاً ، ويختلق الزور أختلاقاً ، ويأتيك بأخبار مالم تزود، قد درن حقهابالباطل ، وضرب صدقها بالكذب . وانك لمبتلى بانتقاد حتى ذلك من باطله والتقاطصدقه من زوره .. ) ونجد الانعكاسيه على اثر هذا المفهوم الادراكي للخيالفي النقد العربي عند عبد الظاهر فيما سماه أي الخيال بالتخييل او الايهامبالكذب ... لذا اجدني هنا انا كاتب هذه الدراسه عاجزاً عن ربط الخيال بالصورهفي النقد العربي القديم واجعله حقيقة ضرب من ضروب العبث لاستقلال كل منهمابمفهوم خاص به ومميز عن الاخر ولم يكن بينهما رابطا الا منذ عهد قريب _ فيمفهومنا الحديث _ اما فروع البلاغه والتي قد تكون لها علاقه واضحه بالصورهومتصله بها اجدها قاصره الى الان في تحديد الربط الحسي والادراكي بين الصورهوالخيال فلم اجدها عند بعض النقاد مرتبطه بشكل جلي وواضح وانما كان الاساسللاغلبية هو القدر والذي فهموه من خلال نظرية المحاكاة برؤية افلاطونيهوارسطويه ان جاز لي تسميتهما بذلك . 2_ وقد ربط النقاد العرب المحاكاةبالمجاز والذي اعني به التشبيه والاستعاره والكناية ويستحضرني هنا قول بن رشد (( والمحاكاة في الاقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة اشياء : من قبل النغمالمتفقه ، ومن قبل الوزن ، ومن قبل التشبيه نفسه . وهذه قد يوجد كل واحدامنها مفردا عن صاحبه ، مثل وجود النغم في المزامير ، والوزن في الرقص ،والمحاكاة في اللفظ ... وقد تجتمع هذه الثلاثه بأسرها ، مثلما يوجد عندنا فيالنوع الذي يسمى بالموشحات والازجال . وهي الاشعار التي استنبطها في هذااللسان العربي اهل الجزيره ( الاندلس ) وهذا ماوجدته انا في استعراضي وقراءتيلملخص كتاب ( ارسطو طاليس في الشعر ) ومما اثار في نفسي الكثير من الاشكالياتواحداها اننا اذا سلمنا بقول بن رشد هنا في ان المحاكاة قد توافرت فيالموشحات والازجال ، فاننا بذلك نكون قد نسفنا او بتعبير اكثر وضوحا قوضناالنظرية اليونانية من اساسها . ووجدت ايضا ان الفلاسفة العرب كانو يميلونبشكل كبير الى الفيلسوف اليوناني افلاطون عندما يتعرضون لمفهوم المحاكاةواشكالية مصدر الشعر وهل هو الهام ام فن والذي اعتبره افلاطون انه الهام الهيمن ربة الشعر ويستحضرني هنا قول ابي سليمان المنطقي فيما يحكيه ابو حيانالتوحيدي : (( وقد علمنا ان الصناعة الفنية تحكي الطبيعه ، وتروم اللحاق بهاوالقرب منها ، على سقوطها دونها .. وهذا راي صحيح وقول مشروح . وانما حكتها ،وتبعت رسمها ، وقصت اثرها ، لانحطاط رتبتها عنها )) . ويتضح هنا تفسيرللعلاقه بين نوعين من الصناعه وهما الصناعه الفنيه والصناعه الطبيعيه علىاعتبار ان الطبيعه تعتبر النموذج الامثل والمحتذى به وعلى الفن ان يحاكيهولكن القصور عن محاكاته كما يقول افلاطون هو العجز عن الوقوف عند الظواهرالطبيعية _ على ان هذا القول لم يرتبط بقائله بمباديء ذات قيمه في صلتهبالشعر او حتى بالفن مما يدل على ان النص السابق ماثور عن الاوليين . ويرىبعض نقاد الادب من العرب ان الانسان قادر على المحاكاة متاثرا بالاقدميين منقبله وهذا ما يقوله الجاحظ في (( البيان والتبيين )) : ( ولذالك زعمت الاوائلان الانسان انما قيل له : العالم الصغير سليل العالم الكبير ، لانه يصوربيديه كل صوره ، ويحكي بفمه كل حكايه .. وانما تهيأ وامكن الحاكية لجميعمخارج الامم ، لما اعطى الله الانسان من الاستطاعه والتمكين ، وحين فضله علىجميع الحيوان بالمنطق والعقل والاستقامه ) ونجد هنا ان الجاحظ يدور حول احدىمبادئ ارسطو حينما قال ان الانسان اقدر الحيوانات على المحاكاة الا ان ارسطوربط ذلك بالشعر ونشأته ونموه على ان الجاحظ استطرد في قوله مبدأ معين وهو انالانسان يملك من القدره مما يؤهله ان يحاكي مختلف الناس والحيوان . وقداستطيع هنا ان ابين ان الشعر الغنائي وسطوته على الادب العربي كان له اثراسلبيا على النقاد العرب انذاك من محاولة استفادتهم من نظرية المحاكاة كما جرتعلى فم افلاطون وارسطو الا اننا نريد هنا ان نوضح امرا مهما للغايه وهو اننظرية المحاكاة وان كانت لم تؤثر تاثيرا بالغا في ثقافة الادباء والنقادالعرب الا اننا ومن باب العداله يجب ان نوضح هنا امرا جليا حتى لانظلم النقادالعرب من باب عدم استفادتهم من تلك النظريه وهو ان احدى البوابات المنبثقه مننظرية المحاكاة والتي اطلق عليها ارسطو فكريا صلة الشعر بالفنون الاخرى كانلها تاثيرا واضحا وهاما في ادوات الناقد العربي حيث يقول ارسطو ان الشعروالفنون الاخرى انما هي جميعا تصور لجوهر الاشياء لا مظاهرها راداً بذلك علىاستاذه افلاطون ومن هذا المنطلق نجد ان متى بن يونس ذكر ان الناس (يحاكون) بالوان واشكال كثيره ومنهم من يشبهون بالاصوات ، وكذلك بالحركات ( واضح انذلك في الرسم والموسيقى والرقص على ماقال ارسطو ) ، كما يشبهون في الكلامالموزون بالشعر ، هذا ما استدليت عليه من خلال قراءتي لترجمة متى بن يونسللدكتور عبدالرحمن بدوي واجدني هنا ملزما بايراد كلام بن رشد حيث يقول (( وكذلك الحال في الصنائع المحاكيه لصناعة الشعر التي هي الضرب بالعيدان ،والزمر والرقص _ اعني انها معده بالطبع لهذين الغرضين )) ثم يسترسل بعد ذلكليقول ان (( الناس بالطبع يخيلون ويحاكون بعضهم بعضاً بالالوان والاشكال ( فيالفنون التصويرية ) والاصوات ( في الموسيقى ) )) الا اننا نجد ان النقادالعرب لم يستقر او يرسخ في اذهانهم سوى ارتباط الشعر بالفنون التصويريه ولميحاولو ان يربطو الشعر ذاته بالفنون الاخرى مثل الرقص والموسيقى لانها اساساهي بعيده عن اذهانهم وكانوا يضعونها تحت مظلة الفنون الجميله وربما هذا عائدالى التاثيرات البيئية والتي جعلت من الفنون كالرقص والموسيقى ليست من ضمنالفنون التصويريه وانما جعلوا الفنون النفعية كالنحت والنجاره والنقش هياركان تلك الفنون . ويستحضرني هنا ثلاثة من كبار نقاد العرب اجد علي لازاماًان استعرض اراءهم في علاقة الشعر بالفنون الاخرى وبالسيكيولوجية الذاتيه لدىالشعراء واستهل هنا بالناقد الاجتماعي المفكر الاديب الجاحط حيث يقول مرجحاًالصيانه على المعاني محتجا بان الشعر (( صياغه ، وضرب من النسخ ، وجنس منالتصوير )) ويؤيده بذلك قدامه بن جعفر حين يقول في قضية الصدق واهميته فيالشعر بحيث لايؤدي الى تناقض بين الشاعر وما هو عليه من حاله فقدامه بن جعفرلايلقي للنبل الموجود بالنص أي اهميه بقدر ما يولي الاهميه لصدق المضمونوجودة الصنعه لانه انما يحكم عليه بصورته التي هطل بها مستشهدا بالنجار والذيلايعاب صنعه برداءة الخشب بذاته انما بصناعته فيه ، لان الشعر شانه شانالصياغه والتصوير والنقشويستشهد قدامه بما روي عن الاصمعي انه سئل : من أشعرالناس ؟ فاجاب : (( من ياتي الى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيراً ، او الىالكبر ، فيجعله بلفظه خسيسا )) ويعرج الى قول اليونان بان (( ااحسن الشعراكذبه )) بل قد يسنده الى ارسطو نفسه وهو قد يكون غير واقعي ولايستند الىادله وليس له اساسا من الصحه وقد يكون مصدره غير محدد من احدالسوفسطائيين والذين اطلع على ارائهم . وباعتقادي هنا ان عبدالقادرالجرجاني هو اكبر المستفيدين من ربط الشعر بالفنون الاخرى ويتبين ذلك من خلالنظريته في (( النظم )) حينما اورد واقر ان الطريق للمعنى هو الطريق الذي يقعفيه التصوير والصياغه لايمانه ان الصياغه متوحده مع المعنى بكل اشكاله لانالتغيير في جملتان مترادفتان في الدلاله قد يكونا لهما معنى اخر اذا تغيرتالتراكيب اللغويه في ذات الجملتين مما ينتج عنه اختلاف ضمني بالصوره المرادايصالها للمتلقي وقد تطرق من ذك الى وجوه حسن الصوره في اتساق الكلام . وعندهان الجمل التي لاتؤلف الصوره الواحده حتى لو اتفقت بالمعنى الظاهري ليس بينهاأي وحده بالتصوير وايضا يرى ان هناك جملا لها سياق لغوي واحد واتساق صوريواحد وهذه هي التي تجتمع في حقيقة الوصول للهدف النهائي ولم اجد ان هناك احدمن النقاد العرب استطاع ان يصل الى ما وصل اليه الجرجاني في فهم الصورهوصلتها بالتعبير ، متعمداً في كل ذلك اساسا على فكرته في عقد الصله بين الشعروالفنون النفعية وطرق النقش والتصوير وكما ارى ان التجديد الخصب في بعض محاورالنظرية السابقه والمتاثره على نحو كبير بالبيئه والتراث العالمي القديم بداالى جانب ذلك الاتجاه التقليدي المحافظ في حديث نقاد العرب في عمود الشعروالذي يعني به نقاد العرب وجوه الشعر والتي استنتجت من النصوص الشعريه فيالعصر الجاهلي ومن ثم عصر صدر الاسلام والعصر الاموي . 3_ عمود الشعر ونجد هنا ان منهجية النقاد العرب اختلفت بشكل كبير عن نظرة ارسطو لانارسطو كان يضع معايير تراثيه تختص بالتراث اليوناني القديم وابقى على ادواتومعاني واعتبرها انها هي الانموذج الذي يجب عدم تخطيه عند الحاله الكتابيهلذلك عاب ارسطو كبار شعراء اليونان من خلال هذه الالية التي عمل عليها وكذلكرفع الشعراء الادنيين مكانة مستخدما نفس منطقه السابق وفي الجهة المقابله نجدان النقاد العرب كانو في عمود الشعر اسارى التقاليد لما ورثوا من تراث شعريحيث وضعوا اللفظ ليكون هو المسؤول من حيث الجرس والمعنى في موضعه في البيتومنه مايتعلق بمفهوم المعنى الجزئي في تاليف القصيده ، ثم منه مايختص فيتصوير المعاني الجزئية وصلتها ببعضها البعض في بناء القصيده وكانوا النقادالعرب يشددون على طلب الجزاله والاستقامه والمشاكله للمعنى وشدة اقتضائهللقافيه من ناحية اللفظ ومما كان يتبادر الى ذهنهم عند الوقوف على اللفظ هوالاهتمام بالمعنى الجزئي والذي يعتبرونه بمقام شرف المعنى والذي يوصل الىالصحه في تركيبته أي اللفظ والاصابه من خلاله الى اقصى درجات الجمال الوصفيواما ما يختص في تصوير المعاني الجزئية في بنية القصيده فانهم يعتبرونه يقعفي زاوية المقاربه بالتشبيه ، ومناسبة المستعار منه للمستعار له ومن ثمالتحام النظم والتئامها وقد اكون صائباً هنا اذ اردت ان استعرض مع الشرحوالتعليق بعض النقاط والسمات الهامه والتي تعنى باللفظ كونه من اعمد الشعرواهمها على الاطلاق ولنبدأ بهذه السمه وهي - جزالة اللفظ : وتتوافرهذه الجزاله عندما يخلو اللفظ من امور تعيبه مثل السوقيه والابتذال والغرابهويكون المعيار هنا هو معرفة العامه باللفظ الذي تسمعه ولا تستعمله فيمحاوراتها وعلني اورد هنا مثالاً شعرياً بسيطا ً لتوضيح المضمون السابق يقولالحطيئه : يسوسون احلاماً بعيدا اناتها=وان غضبوا جاء الحفيظة والجد أقلواعليهم- لا ابا لأبيكم=من اللوم او سدوا المكان الذي سدوا اولائك قوم انبنوا احسنوا البنى=وان عاهدو اوفو وان عقدوا شدوا ومن منظور هذه القاعده عاب كثير من النقاد شعر المحدثين ونجد ان اكتسابالالفاظ نبلا هنا يشبه النبل الطبقي مما يؤدي الى اغفال لموقع اللفظ منالجمله ولكن اثارني ما قراته ل عبد القاهر والذي يقول فيه ان استقراء الشعرالشعر العربي استقراء سليما يكذب هذه القاعده . - استقامة اللفظ : فكان من الاجدر بمسلم ان يقول السهل والوعر او حتى السهول والاوعار حتى يصل الى بناء لفظي واحد سواء بالتثنيه او بالجمع على حد سواءوتعتمد اعتمادا كليا على الجرس او على الدلاله او التجانس مع قرائنه منالالفاظ . فيجب ان يكون اللفظ خاليا من تنافر الحروف مستقيما بسلامتهاللغويه الا انني اعتبر ان هذا المقياس هو نسبي بالدرجه الاولى وذلك لاختلافالالفاظ بين بيئه واخرى ناهيك عن اختلاف اللهجات بذاتها ومما ينتج عنه اختلافالاذواق ايضاً على ان الخطأ هنا هو ان الالفاظ الثقيله قد تكون جميله في بعضالاحيان اذا وضعت في موضعها الصحيح ودون تكلف . وللدلاله اللفظيه اهميهقصوى في ايصال المعنى بشكل محدد وواضح والا انتفت الاستقامه من اللفظ واصبحالشاعر في موقع لايحسد عليه من ضعف في ايصال ما اراد ايصاله وهذا ما وجدته فيشعر البحتري في احد ابياته حيث يقول : تشقعليه الريح كل عشية=جيوب الغمام ، بين بكر وأيم . فالايم التي لازوج لها سواء سبق لها الزواج ام لا وهذا مارجعت اليه في كتاب ( سر الفصاحه ) لابن سنان الخفاجي ص 73 فالمقابله بين الايم والبكر غير مستقيمةالمعنى وهذه القاعده سليمه هنا لاغبار عليها . وعندما يتجانس اللفظ معقرائنه من الالفاظ يكون واضحا وجميلا الا ان عدم التجانس بينهم يؤدي الى انيكون اللفظ معابا وهذا ما اخذ على مسلم بن الوليد في قوله : فاذهبكما ذهبت غوادي مزنه=يثني عليها السهل والاوعار - مشاكلةاللفظ المعنى : وهو يكون موقع اللفظ يحمل المعنى دون زيادة او نقصان بحيثيكون المعنى واضحا وجليا وقاطعا دون قصران ومن الشعراء الذين اخذ عليهم هذاالمحور عيبا الاعشى حيث يقول : استأثرالله بالوفاء وبالعد=ل وولى الملامة الرجلا فلو انه اختار الانسان كلفظ كان له افضل من اختياره للرجل بديلا عنه لانالملامه تتجه للجنسين سواء كان المخاطب رجلا ام انثى وعلى خط مغاير للاعشىيمدح النقاد بيت للحطيئه اجاد فيه من الناحية والتي نتعرض لها الان وهيمشاكلة اللفظ للمعنى حيث يقول : همالقوم الذين اذا ألمت=من الايام مظلمة اضاءوا فالاضاءه هنا اتت كلفظ موفق واعطي معنى واضحاً لان الظلام يتطلب تلك الاضاءه . ويمدحون النقاد في المعنى ان يكون شريفاً ... وشرف المعنى يقصد به توجهالشاعر الى الاغراب ، وان يختار السمات المثلى في المدح بحيث ان الشاعرلايبالي بواقعية التصوير فعند وصف الفرس مثلا فانه ينعته بالكرم وي صفه تطلقفي الواقع على الانسان الا ان الاغراب اعطى الصفه طيفا اخر عندما ربطت بذاتالفرس واذا تغزل بمحبوبته فانه قد يعطيها من الصفات التي قد تكون من الامورالغير واقعيه وذلك ليبين مدى شغفه بمحبوبته وهيامه بها واذا مدح الشاعر فعليهان يذكر ما يدل على شرف المقام ابداعاً واغراباً دون ان يراعي الواقعيه فيصفات الممدوح . _صحة المعنى : ويقصد به ان الشاعر اذا اورد معنى معينايختص بحدث زماني او مكاني يجب ان يكون صحيحا من الناحية التاريخيه مثلاً وهذهالقاعده لها علاقه وثيقه بلا شك في ثقافة الشاعر الذاتيه وتجربته الزمانيهومما يحضرني الان في ما يعاب على بعض الشعراء من ايراد معاني لاصحة لها هوقول الاعشى في احد ابياته : فتنتجلكم غلامان اشأم كلهم=كأحمر عاد ثم تنتج فتتئم ومما عاب الامدي على الشاعر البحتري في قوله : نصرتلها الشوق اللجوج بادمع=تلاحقن في اعقاب وصل تصرما وهنا يتضح الخطأ على حسب لعرف السائد وذلك لان المدي يرى ان الشوق يشفيهالبكاء ولايزيد منه وكذلك يطالعنا من ناحية مخالفة العرف اللغوي ابي تمامعندما يقول : اذامارحى دارت ادرت سماحة=رحى كل انجاز على كل موعد ومما يعاب عليه انه أي ابي تمام جعل انجاز الوعد كالطحن بالرحى وهو قضاء عليهوهذا في العرف اللغوي لا يكون الا للاخلاف . _ الاصابة في الوصف : وهيذكر المعاني التي هي الصق بمثال الموصوف مثلاً كان مصيباً لا لانه مدح هرم بنسنان بصفاته الخاصه بل لانه مدح بصفات عامه للرجل الكريم وكان عمر الفاروقيقول ((كان لايمدح الرجل بما لايكون في الرجال )) . -المقاربه في التشبيه : واصدقه ( مالاينقص عند العكس ) كتشبيه الخد بالورد او العكس وقد ذكرالمرزوقي في شرح ديوان الحماسه واحسنه ما اوقع بين شيئين اشتراكهما بالصفاتاكثرمن انفرادهما كي يبين وجه الشبه بلا كلفهالا ان يكون المراد من التشبيهاشهر صفات المشبه به واملكها لانه حينئذ يدل على نفسه ويحميه من الغموضوالالتباس ). -مناسبة المستعار منه للمستعار له : بحيث تكون الصله بينالمستعار منه للمستعار له واضحه وواقعيه وبينهما اشياء مشتركه لا ان تكونالعلاقه بعيده بين الاثنين لان ذلك يكون عيبا في استخدام مبدأ الاستعاره منالطرفين وهذا ماوقع به ابي نواس حين قال : بحصوت المال مما=منك يشكو ويبوح فالشاعر هنا يريد ان المال يشكو من يدي الكريم من شدة العطاء الا انالاستعاره هنا كانت غير موفقه لان المال والانسان لاصلة بينهما . _التحاماجزاء النظم والتئامها : وهو الانتقال من جزء في القصيده التقليديه الىجزء اخر دون الاخلال في الوحده العضوية للقصيده ويكون الانتقال بشكل جيد الااننا نرى ان النصوص الشعريه في العصر الجاهلي لم تراعي هذا الامر فالشاعرالجاهلي كان يتنقل من موضوع الى اخر كالاستهلال بالغزل ثم المدح او البكاءعلى الاطلال ومن ثم التوجه لموضوع اخر مغاير تماما لما استهل به الشاعر الاان مايحسب بشكل عام لشعراء ذلك العصر واقصد به هنا الجاهلي هو حرفية الانتقالبين المواضيع بشكل جيد حتى ان النقاد العرب شفعوا للشعراء في العصور التاليهوحتى الحديث منها هذا التقطيع في مواضع القيده لانهم وباختصار اخذوا النصالجاهلي انموذجاً للنقد . _ عمود الشعر : وحول عمود الشعر وما انبثقمنه من امور النقد والياته نجد ان مسائل الخصومه بين القدماء والمحدثينوالذين انحرفوا عن قليلاً في صناعتهم عما يقتضيه عمود الشعر من اصول وقد كانهناك فريقا من النقاد العرب الذين تعصبوا للقديم لقدمه ونجد ذلك عند الرواةواللغويين بشكل خاص ، كابي عمرو بن العلاء والاصمعي ، وكان ابو عمر لايحتجببيت من الشعر الاسلامي ، وكان يقول (( حتى ان هممت ان امر فتيانا بروايته )) ولا قيمة لهذه الاراء الا ان القول الفصل في هذه الاشكاليه كانت لابن قتيبه: (( .. ولا نظرت الى المتقدم منهم بعين الحلالة لتقدمه ، ولا المتاخر منهمبعين الاحتقار لتاخره ، بل نظرت بعين العدل للفريقين ، واعطيت كلا حقه .. ولميقصر الله العلم والشعر والبلاغه على زمن دون زمن ولا خص به قوما دون قوم )) وقد انتبه النقاد العرب الى في موازنتهم بين الشعراء والتي من خلالها ظهرتالخصومه بين القديم والحديث الى التاثير البيئي والمكاني والزماني ايضافالاختلاف بين بيئة البدو وجزالة الالفاظ عندهم وقوة الاعراب وبين الحضروسهولة الالفاظ والمعاني وخاصة بعد الاسلام حين اتسعت رقعة الدوله الاسلاميهوشملت ممالك وحاضرات جديده ونزوح البدو الى اجواء المدينه والحضاره الجديدهبالنسبة لهم بدأ الناس هنا يستسيغون الالفاظ السهله والمعاني العذبه لسهولةانتشارها بين ارجاء المعموره واتذكر هنا انه كان من اوائل من تعرض للتاثيرالبيئي في الشعر هو ابن سلام الجمحي في طبقاته فهو من استعرض شعر عدي بن زيدوبين سهولة الالفاظ لديه ولينها الى بيئته المتمثله بالحيره وريفها وعلل قلةشعر اهل الطائف وقريش بسبب قلة الحروب لديهم . وبعد ان استعرضنا هذهالاتجاهات الادبيه ارجو ان اكون قد اعطيت الدراسه حقها واستطعت ان اوضح نقاطاربما تكون في الماضي مبهمه على البعض ... هذا وان اخطأت فمن نفسي والشيطانوان اصبت فمن الله عزوجل . |
|||
2013-03-21, 18:50 | رقم المشاركة : 262 | |||
|
الأدب والترجمة وحوار الحضارات |
|||
2013-03-21, 18:52 | رقم المشاركة : 263 | |||
|
إطلالة على السخرية عند أبي العلاء المعري -* فوزي معروف * السخرية سلاح الروح العظيمة لقهر المتاعب، ولعل المثل المعروف الأقدم هو "سقراط الذي سخر من قاتله وهو يتجرع كأس السمِّ قائلاً يرد على تلاميذه الذين كانوا يرددون: "من المؤسف أيها المعلم أن تموت دون ذنبٍ ارتكبته" "وهل تظنون أن الموت كان يمكن أن يكون أسهل لو كنتُ مذنباً" ضحك تلاميذه بين دموعهم وثار حقد أعدائه أكثر. أحد رجال الثورة الفرنسية قال قبيل إطلاق الرصاص عليه: "رصاصة واحدة تكفيني دع الباقي لبريء آخر" أضحك قولهُ الحاضرين بينما أثار حنق خصومه. السخرية العميقة قدرُ العظماء من بني البشر من سقراط أول الساخرين المعروفين إلى الجاحظ والمعري إلى برناردشو ومارك توين... ويتميز الساخر العظيم بأنه يضع يده على القاع الروحي لمن يعيشون حوله وهذا يكاد يكون واحداً عند معظم شعوب الأرض.. ولعل هذا الأمر يكمن وراء تشابه الأدب الساخر عند كثير من الشعوب وبخاصة تلك المتقاربة جغرافياً التي تتقاطع في نصوصها الساخرة هموم مشتركة ومشاكل متشابهة. والأدب الساخر أدب عالمي لا يخلو منه تراث أمة حيّة.. فالإنسان أينما كان يعالج نواقصه عندما يسخر منها... وكثيرون من الناس يؤمن أن السخرية إحدى الطرق لتغيير الواقع، أو هي أحد أشكال المقاومة، والأدب الساخر لا يقصد الإضحاك فقد بل له أهداف وغايات من أهمها: الحفاظ على قيم المجتمع العليا، تكريس السلوك القويم، تعديل مجرى اتجاه متطرف.. لأن السخرية تهاجم دائماً التصلب في الفكر والطبع والسلوك ساعية لجعل طباع المجتمع أكثر مرونة كما أن السخرية تترجم حالة روحية حين تنحرف القيم ويسود الزيف. وكثيرون يرون أن السخرية سلاح يحمي الروح من ضعفها كما يرون فيها تعبيراً عن مأساة هي أكبر من أن يتحملها الضمير الإنساني كما يحدث الآن في الأراضي العربية والعراق المحتلة إذ معظم التعبير عن الواقع العربي الآن يميل إلى السخرية. تتوهج السخرية حين يمر الإنسان بظروف تشعل الروح وتمزق الأعصاب.. وهذا ما كان مع (غوغول) حين وصل الواقع الروسي إلى حدٍ من السوء لا يُطاق إذ ذاك ظهرت سمة بارزة في أدبه هي "الضحك من بين الدموع" كما قال ناقده "بيلنسكي" آمن بالإضحاك الهادف وتولت السخرية عنده نقل الرسالة المرة في نقد الواقع نقداً إيجابياً. حين تصبح الآلام هائلة يبتسم المبدعون الكبار بدل البكاء لكنها ابتسامة أفظع من الدموع. تنعكس في كلمات ومواقف ساخرة كما عند ابن الرومي والمعري والجاحظ في تراثنا. والمازني ومحمد الماغوط في واقعنا المعاصر. الأدب الساخر لون صعب الأداء يتطلب موهبة خاصة وذكاءً حاداً وبديهةً حاضرة(1). وهو وليد المرحلة العمرية الأكثر نضجاً التي تتحرر من العواطف العنيفة... السخرية الحقة لا تكون إلا مع وجود التوازن الشاق الجميل والنظرة المستوعبة للطبيعة والإنسان ومن أجل ذلك لا تقع السخرية الناجحة النافذة في مرحلة مبكرة من العمر الإبداعي.. إذ لا بد كي تنجح السخرية من يقظة في الروح وهذه قلَّما تتوفر مع حماسة الشباب" ولعل هذا هو السبب في خلو آثار شباب المعري من السخرية العميقة ووجودها بكثافة وعمق في نتاج المرحلة المتأخرة من عمره اللزوميات رسالة الغفران. الكتابة الساخرة الناجحة، فنٌ صعب المراس، يتوفر لقلة قليلة من بداياتهم الكتابية إذ لا بد من النضج الفكري والاجتماعي حتى يصل الكاتب إلى درجة معينة تؤهله لأن يصير كاتباً ساخراً.. ولعل أعمق الكتابات الساخرة وأبقاها على الزمن هي تلك التي توج بها بعضُ المبدعين حياتَهم بحيث يمكن القول: إن السخرية الناجحة فنُّ المرحلة المتأخرة من العمر نذكر أمثلة منها أفلاطون يقول وقد قارب الشيخوخة "علمتني الحياة أن الجد والصراحة لا مكان لهما في العلاقات الإنسانية". بعد استقراء نماذج الكتابة الساخرة عند بعض أعلامها يلاحظ المرء أنها تتطلب درجة عالية من المهارة والرهافة... المهارة: التي تبقي على الشعرة الدقيقة الفاصلة بين المسموح به والمنهي عن التصريح به. باللقطة المحايدة في الظاهر، الوصف الذي يُنطق الحال على نحو غير مباشر والتعليق البريء على مستوى السطح بما يضفي حياداً مراوغاً في وصف المشاهد أو صوغ الحوارات جنباً إلى جنب. الرهافة: التي تنفر من الإعلان المباشر عن المواقف أو الآراء، فتؤثر التلميح الذكي على التصريح الفج متجنبة العبارات النابية والجمل العاطفية رافضة الاستسلام لغواية أي حال من حالات الهشاشة الوجدانية في البوح، لذلك تبدو اللقطات الإنسانية عند هؤلاء وأمثالهم رهيفة تنطق بأكثر مما تؤديه الكلمات. ويُلاحظ هنا إن كتابة المعري المتأخرة بخاصة لا تخلو من الوجه الآخر للجد المتجهم... وهو السخرية التي تعطي مذاقاً لاذعاً لكتابته. السخرية سلاح ناوش به مفاسد الواقع حيث ما كان يملك وهو على الحال التي نعرف سوى السخرية لمواجهة واقع أفسده القمع والخوف والسرقة. إذاً واجه المعري الحياة ومحنتها الدائمة بالسخرية مرة والنفاذ بالوعي والحكمة إلى صميمها مرة أخرى واصلاً إلى ما ظنه اليقين عندما يعلن إيمانه بالعقل وثقته المطلقة فيه دليلاً وهادياً وإماماً. كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء هذا الذي تقدم لا يعني أن المعري يُعلن أنه يقدم أو قدم نصاً في السخرية ولكننا نستخلص أقواله التي تشير إلى روحه الساخرة في ثنايا ما كتب لتكون فقط عيّنة من أدبه الساخر.. المعري يشبه الجاحظ في سخرياته المقنعة بالجد المتعالية عن الكثيرين من عامة الناس. هذا المبدع الذي حاول أن يفرَّ من سجونه إلى الجحيم والجنة ليتحدث هناك بحرية ويعطي رأيه بكل ما في الحياة حوله وكان بذلك باراً بقسمه الشهير: إني وإن كنتُ الأخيرَ زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل إن الكثير من لقطات المعري الساخرة تستند إلى آلية المفارقة اللغوية التي تجعل العلاقة بين الدلالة المباشرة والدلالة المنزاحة علاقة قائمة على التقابل الدلالي لأن بنية السخرية تتحقق بوجود دال ومدلولين يكون الأول مباشراً ويكون الثاني ضمنياً... يكون المدلول الأول حرفياً وظاهراً بينما يكون المدلول الثاني قصدياً وضمنياً ولا بد والحال كذلك لكي تحقق السخرية الهدف منها على مستوى الكتابة.. لا بد من تفاعل العنصرين: الكاتب والمتلقي لأن السخرية تحضر في النص من خلال مؤشرات وقرائن فقط يأتي بعد ذلك دور المتلقي في تشييدها لتصبح محققة... وعند المعري كما عند غيره من كبار الساخرين نجد أن السخرية العميقة هي التي تتحقق بواسطة عدد قليل من المؤشرات إذ تستطيع بهذه المؤشرات القليلة توليد الأثر الساخر الذي يبتعد عن الابتذال. المقياس الحقيقي للرجل الكبير.. ابتسامته.. روحه المرحة.. قدرته على السخرية من المتاعب.. والمعري واحد من هؤلاء مع أستاذه الجاحظ سيد الأدب الساخر في تراثنا المتوفى عام 255ه وبخاصة في المرحلة المتأخرة من حياته في كتاب البخلاء، ورسالة التربيع والتدوير.. هكذا كان المعري الذي عاش بين عامي 363 449 ه/ 973 1058م/ الشاعر الفيلسوف المتجهم النظرة إلى الحياة والناس.. كان في آثاره التي كتبها بعد مرحلة الشباب من كبار الساخرين في التراث الإنساني تميز بأسلوبه الساخر ذي الدعابة الدكناء التي لم يخلُ منها حتى اسمه الذي قال فيه: دُعيت أبا العلاء وذاك مينٌ ولكن الصحيح أبو النزول *** وأحمد سماني كبيري وقلما فعلتُ سوى ما أستحق به الذمّا السخرية عند المعري موقف من العالم، يهجو نقائصه يركز الضوء على أبرز مفارقاته.. موقف يُدمي الروح في اللحظة ذاتها التي يضحك فيها الكائن البشري على ضعفه وتخاذله وخساسته وابتذاله.. قبل أن يضحك بسببها على الآخرين وفي مأثورنا العربي (شر البلية ما يضحك) البلية في كل زمان ومكان من حولنا التي قد نواجهها بأسلحة متعددة ومنها السخرية التي هي أعرق أسلحة البشر وألطفها. وحين تأتي السخرية من أمثال المعري يسمو الإعجاب إلى درجة عالية، إذ ليس هنا ما هو أشد من سجون أبي العلاء الثلاثة التي عبر عنها بقوله: أراني في الثلاثة من سجوني فلا تسأل عن النبأ الخبيث لفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون النفس في الجسم الخبيث لأنه كان من الممكن لهذه السجون أن تؤدي كما كان متوقعاً إلى مزاج سوداوي أو غضب عارم على البشر أو مرارة تفحّ بسمومها في وجه الآخرين.. بالعكس إن هذه السجون طهرته من أوضار الحياة وجعلته أبعد ما يكون عن هوس الدنيا وفتنتها، كما جعلته أبعد عن أشراكها. هذه السجون قادته مع الميل القابع فيه إلى الفلسفة، قادته إلى الحقيقة الإنسانية المتمثلة في التجرد (العزلة) والمشاركة فقد أصبح اتساع عقله الرحب المتفتح ووجدانه الخصب الممتلئ لكل ما يشمل الآخرين صفةً من أبرز صفات المعري وتوجهاً أساسياً يفيض عنه: فأي الناس أجعله صديقاً وأي الأرض أسلكه ارتيادا كأني في لسان الدهر لفظٌ تضمن منه أغراضاً بعادا يكررني ليفهمني رجالٌ كما كررتَ معنىً مستعادا ولو أني حُبيتُ الخلد فرداً لما أحببتُ بالخلد انفرادا فلا هطلت عليَّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا ولي نفسٌ تحلُّ بي الروابي وتأبى أن تحل بي الوهادا السخرية من المتبجحين: الواسطة التي ترفع غير المستحقين إلى أماكن لا يستحقونها، والتي قضت على أس الأساس لكل تقدم حقيقي وهو "الرجل المناسب في المكان المناسب"... يسخر المعري منها بطريقته في رسالة الغفران حين يقول على لسان "أوس بن حجر".. ولقد دخل الجنة من هو شرٌّ منّي ولكن المغفرة أرزاق، كأنها النشب في الدار العاجلة...". كما يسخر المعري من الجاهلين الذين يعيشون نعمة الجهل مبتعدين بأنفسهم عن عذاب الفكر واستخدام العقل حين يقول على لسان "طرفة بن العبد" وددتُ أني لم أنطق مصراعاً ودخلتُ الجنة مع الهمج والطغام"(2). وسخر كذلك من أدعياء الشعر والضعفة الذين قالوا ما لا قيمة له ومثل لهم بالرجّاز ولعلهم الذين اختاروا بحر الرجز لقصائدهم مُفْرِداً لهم حديثاً خاصاً بل وجنّة خاصة جمع فيها الرجّاز واختار لهم فيها مكاناً متواضعاً ومن هؤلاء ذكر: الأغلب العجلي العجاج رؤبة حميد الأرقط.. ويتصور المعري في رسالته أن أحد هؤلاء يعترض على رأيه فيهم فيكون رده العنيف: "لو سُبك رجزك ورجزُ أبيك لم تخرج منه قصيدة مستحسنة" ولا ينجو المدّعون المتبجحون الذين يُعطون أنفسهم ما لا يستحقونها ويضعونها في غير أماكنها من سخريته ومثّل لهؤلاء بأبي القاسم الذي ذكره المعري في بيتين من الشعر فجعله نموذجاً لكثيرين من بني البشر في كل العصور يقول: هذا أبو القاسم أعجوبة لكل من يدري ولا يدري لا ينظم الشعر ولا يحفظ ال قرآن وهو الشاعر المُقري ومعظم الناس عند المعري غير عادلين أو منصفين لا يعطون صاحب الحق حقه، أو يبالغون في الثناء على من لا يستحق.. لقد ضاق بأمثال هؤلاء واشتاق إلى بشر يُعطون الحق لأصحابه: من لي أن لا أقيم في بلدٍ أذكر فيه بغير ما يجب يُظن بي اليُسر والديانة والعلمُ وبيني وبينها حجب أقررت بجهلي وادّعى فهمي قوم فأمري وأمرهم عجب ولعل الناس في زمن المعري مثلهم في زمننا هذا تشغلهم المظاهر ودائماً لا يعبّر مظهرهم عن حقيقتهم.. لذلك سخر من ناس زمنه وفضل عليهم الحجر: يُحسن مرأى لبني آدم وكلهم في الذوق لا يعذب ما فيهم بَرُّ ولا ناسكٌ إلا إلى نفعٍ له يجذب أفضلُ من أفضلهم صخرةٌ لا تظلم الناس ولا تكذب(3) ولا يغيب عن ذاكرة المتلقي الحادثة التي سخر منها المعري من الجنس البشري الذي لا يفارقه الطمع حتى وهو في الجنة، حين يقف ابن القارح أمام سفرجلة فتتحول من فاكهة إلى جارية حوراء ولكنها نحيلة ضاوية فيسجد صاحبها شكراً لله.. ويخطر بباله وهو ساجد أن جاريته ذات جسم ضاوٍ... وما إن رفع رأسه من سجوده حتى صار ردفاها يُضاهي كلٌّ منهما كثبان عالج وأنقاء الدهناء (مكانان ضخمان في الجزيرة العربية).. فيقع ساجداً مرة ثانية تمجيداً لقدرة الله.. وهو يسمع أصداء أصوات تخبره تحويلها على الإرادة. معرفة المعري بإنسان عصره وصلت به إلى حد فقدان الثقة الذي عبر عنه بقوله: عصاً في يد الأعمى يروم بها الهُدى أبرُّ له من كلِّ خدنٍ وصاحبِ السخرية من بعض رواة الشعر: يعقد أبو العلاء في رسالة الغفران مجلساً طريفاً يسخر فيه من طريقة بعض الرواة في الرواية لنصوص الشعر طارحاً في الوقت ذاته الطريقة التي يراها مناسبة... حين يذكر بطله (ابن القارح) بيتين من الشعر للبكري.. يهتف هاتف قائلاً: "أتشعر أيها العبد المغفور له؟ لمن هذا الشعر؟ فيقول الشيخ: نعم حدثنا أهل ثقتنا عن أهل ثقتهم يتوارثون ذلك كابراً عن كابر حتى يصلوه بأبي عمرو بن العلاء فيرويه لهم عن أشياخ العرب.. عن وعن أنّ هذا الشعر لميمون بن قيس(4) ثم يعرض المعري موكباً من الشعراء يسألهم عما نُسب إليهم من شعر، فينكرون ويتهمون رواته.. يلتفت ابن القارح إلى أعشى قيس فيقول له: يا أبا بصير أنشدنا قولك: أمن قتلة بالأنقا ء دار غير محلوله فيقول أعشى قيس ما هذا مما صدر مني وإنك منذ اليوم لمولَعٌ بالمنحولات!! وجاء بأبينا (آدم) يسأله عما نُسب إليه من شعر قائلاً: يا أبانا قد روى لنا عنك شعرٌ منه قولك: نحن بنو الأرض وسكانها منها خلقنا وإليها نعود فيقول آدم: إن هذا لقول حق، وما نطقه إلا بعض الحكماء؛ ولكني لم أسمع به حتى الساعة. فيقول: فلعلك يا أبانا قلته ثم نسيت، فقد علمتُ أن النسيان متسرع إليك وحسبك شهيداً على ذلك الآية: ولقد عَهدْنا إلى آدم من قبلُ فَنَسِيَ ولم نجد له عزما(5) فيقول آدم: أبيتم إلا عقوقاً وأذية إنما كنت أتكلم بالعربية وأنا في الجنة، فلما هبطت إلى الأرض، نُقل لساني إلى السريانية فلم أنطق بغيرها إلى أن هلكت، فلما ردني الله إلى الجنة عادت عليّ العربية فأي حين نظمت هذا الشعر؟ في العاجلة أم الآجلة؟ والذي قال ذلك يجب أن يكون قاله وهو في الدار (الماكرة)... ثم يسأل ابن القارح آدم (عليه السلام) عن شعر نُسب إليه لما قتلَ قابيلُ هابيلاً وهو: |
|||
2013-03-21, 18:53 | رقم المشاركة : 264 | |||
|
تغيرت البلاد ومن عليها |
|||
2013-03-21, 19:00 | رقم المشاركة : 265 | |||
|
شيء من الحداثة |
|||
2013-03-21, 19:07 | رقم المشاركة : 266 | |||
|
الأدب العربي بين الأصالة والحداثة - د.مها خير بك ناصر 1. مدخل ومفتاح مذ وجد الإنسان، ارتبط وجوده بالتساؤل والشك، والبحث عن الحقيقة، فهل كان هذا الوجود انبثاقاً عن حركية يرفض سكونية البقاء وما يتمظهر معها من راحة واستقرار وسلام، أم تحقيقاً للمشيئة الإلهية المتصفة بالقدم والأزل؟ لا تعنيني هذه الإشكالية بقدر ما يعنيني صراع الإنسان مع ذاته من جهة، ومع واقعه من جهةٍ أخرى، والأهم من هذا الصراع ما يتولّد عنه من تجاذب بين طمأنينة القبول وقلق الرفض، مما يكسب وجوده فاعلية الحياة، وما يرافقها من حركة لا نهاية لها. إذا كان التعايش مع الظروف، والواقع الجديد، نوعاً من العقاب على ما ارتكبه الإنسان من خروجٍ على المألوف والمعهود فهو في شكلٍ آخر دعوة إلى التحدي وإثبات الذات. والدعوة في معانيها الباطنية حركة تتخطى السكون، والمألوف والراهن، وتتجه نحو مسارات تتمحور حول نقطة واحدة تختزل رغبة الإنسان في رفع الحجاب عن كمونه الإرادي في لحظة التعالي والتسامي على الصعاب وتذليلها. ومن ثم تتولَّد لديه حالة من النشوة، يتحرر معها ويطمح إلى كشف النقاب فيتعرّف إلى ذاته العظيمة، القادرة على القهر، والإذلال، والإخضاع، ويترسّخ إيمانه بقوته وجبروته، مما يدفعه إلى تأسيس مركز قضيته بغية اختراق الشكلي الجاهز وتسيير العالم، ليكون أكثر ملاءمةً وتوافقاً مع طموحاته وأحلامه. هذه فرضية ليست بالضرورة قابلة للبرهان، ولكنها قابلة للتصديق أو النفي، وبين النفي والتصديق حركة لا تنتهي، حركة تستفز الذات الإنسانية وتدفعها إلى البحث والتنقيب، ثم تنقلها في لحظة تجل وانعتاق إلى حالة من الاندهاش، في عالم مفتوح لا حدود له، ومحجوب مغلق في آن معاً. فتتمخّض الدهشة نطقاً بدائياً يختزل معان إنسانية باطنية لا حصر لها. فكانت الكلمة الأداة الأكثر تعبيراً عن الذات الإنسانية، وعن رغبتها في التواصل، وتقليص مساحات التوحش والاغتراب النفسي. بعيداً عن التأويل الديني، يمكنني القول إن الإنسان الأول مبدعٌ وخلاق، "فالمسيح كلمة الله". و"في البدء كان الكلمة"، والإنسان القادم من لدن الله استطاع أن يستخدم أداة التبليغ الإلهية-الكلمة-واستعاد بذلك شيئاً من لا محدودية قدرته وعظمته. ألم يطلب الله من الملائكة السجود لآدم؟ ولذلك يمكننا وصفه بالخلاق القادر على جعل الصامت المحتجب ناطقاً يعلن عن انفعالاته، ومشاعره، وأحاسيسه، ورغباته، وتطلعاته بأشكالٍ مختلفة تتفق وحاجات النفس البشرية، الهادفة أبداً إلى تأصيل وجودها، وتكريس طاقاتها إزميلاً لكشف الغطاء عن سرّ الحياة. ومادامت الحياة في سيرورة استباق، فالنفس البشرية المبدعة ستبقى في حركة دائمة تستقصي الحقائق، وتبحث عن الجوهري، معلنة في كل لحظة مضيئة من وجودها عن دأبها الساعي إلى القبض على أسرار الوجود، وترسيخ قوانين الطبيعة علوماً ومعارف تسهم في سيادة الإنسان وتقرير مصيره. يعتبر الأدب بهذه الرؤيا الخطوة الأساس للمعرفة، وما ينتج عنها من علوم إنسانية تسخّر لخدمة الإنسان، لأنه مركز الكون وقضيته الرئيسية. ولعل الأدب كان التعبير الأول عن حاجات النفس، وعن انفعالاتها واندهاشها المُقنع بالسؤال، فالأدب ليس هواية بل "حاجة أو ضرورة منغرسة في الحياة والإنسان(1)" والقصد منه "الإفصاح عن عوامل الحياة كلها"(2) والكشف عن سر الوجود. بهذه الرؤيا، يمكننا اعتبار الأدب، المظهر الأسمى المتجلي عن تفجُّر الدهشة، الصادرة عن دأب النفس البشرية لتحقيق ذاتها، لذلك كان لكل مجتمع إنساني تراث أدبي فرضته حقيقة الحياة، وجسّدته فكراً إنسانياً أنجزه تفرّد المبدعين المفعّلين بعمق التجربة وروح الكشف. ولما كان الإنسان هو الإنسان في كل زمانٍ ومكان، فإن تفرد التجربة الإنسانية يتمخض في كل مجتمع عن فعل كلامي مقنّع بالتساؤل والكشف، جسّده الإنسان العربي بتراثٍ أدبي اختزل اللحظات المضيئة من تاريخه والتي كانت لحظات تأسيسية لأزمنة لا تنتهي، أزمنة تتجاوز ذاتها في حركة دائمة نحو الأمام. فكان الأدب بالنسبة لهم علماً دعاه ابن خلدون "علم الأدب" وعرّفه بقوله: "هذا العلم لا موضوع له، ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الكلمة(3)". فالأدب الحقيقي هو كلمة جوهرية جاءت ثمرة تفاعل الأصيل مع الفرع، ومن أهم ميزاتها الجودة في التعبير عن تجدد الحياة، وعن لهفة الإنسان إلى معرفة ما يجهل، ونقل تجربته الجديدة، بأساليب جديدة تنبئ عن ارتباط أدبه بجوهر الحياة الثابت والمتجدد في آن معاً. وهذا خلق جديد منبثق عن قديم ولكنه مغاير ومختلف. إن ما تولده الحياة المتجددة من أنماط أدبية جديدة ليس بفرضية يطلب البرهان عليها بل حقيقة ثابتة راسخة أوجدتها سنّة الحياة، وما تصبو إليه من توّحد بين الذات والمعنى، هذا المعنى الجوهري المتصف بالقديم والجديد والمحدث، يلزمه ذات لفظية توازي جدّته وحداثته، وهذا يفرض وجود الإنسان المبدع المحدث القادر على خلق النموذج الأدبي الجديد لفظاً ومعنى ليحدث تغييراً على مستوى الكتابة الأدبية في العصور جميعها، فيقابل النموذج بالرفض أو القبول، ويكون اختلاف بين قديم وحديث، وهذا الاختلاف في رأي طه حسين "أصل من أصول الحياة، يشتد الجهاد بين أولئك، وهؤلاء، حتى يتم انتصار الجديد فيصبح هذا الجديد قديماً، ويظهر جديد آخر يحاربه(4)". فالحداثة حركة دائمة باتجاه المستقبل، تنبثق عن ماضٍ مضيء، لذلك يكون الكلام على ما بعد الحداثة كلاماً مرفوضاً، فالحداثة ليست لحظة زمنية محددة، إنها الجدّة التي لا تعرف البلى، وهي إبداع لا تَخَلُّق فيه، قديم من حيث الزمن، محدث متجدد من حيث الجوهر والمعنى. فالحداثة لا تعبّر عن مرحلة آنية، وإنما هي حركة تأسيس واستباق قوامها التساؤل والكشف إنها "معادلة إبداعية بين الثابت والمتغير أي بين الزمني والوقتي فهي تسعى دائماً إلى صقل الموروث لتفرز الجوهري منه فترفعه إلى الزماني بعد أن تزيح كل ما هو وقتي لأنه متغير ومرحلي(5)". ولذلك لا حداثة من دون تراث تنبثق عن بذوره الحية ثم تتجاوزها لتشكل بذوراً لحداثة أكثر جدّة وتعبيراً عن الحياة المتغيرة في مظاهرها وأشكالها وأنساقها. ii أنّ التراث والحداثة: لاشك في إن الإبداع استباق وإضافة، وإذا لم تسهم الحركات الفكرية في إضافة ما، فهي حركات عقيمة لم تقدّم شيئاً على مستوى الإبداع الإنساني. ولم تلامس أحلام الإنسان وتطلعاته، ولم تبشّر بنتاجٍ ثقافي حي. أن الإبداع وليد مخاض التجربة الذاتية الإنسانية الملقحة بإرث ثقافي حي وفاعل. ومسرح الصرخة الأولى مساحة اللاوعي اللامتناهية، وغير المرئية، وغير الملموسة، فتكون الكلمة الصورة الأصدق والأكثر إيحاءً وتعبيراً عن اصطدام هيولى هذه الروح الجديدة بتموجات أثيرية لا توصف، فتتناغم إيقاعاتها وتتوحّد مع حقائق كونية أزلية لا هوية إقليمية لها. بهذه الرؤيا أفهم الحداثة، فهي ليست حكراً على زمن محدود أو مكانٍ معيّن. إن نتاج الحداثة منطوق أثيري لا هوية له، يبلّغ رسالة وحي هادفة، أدواتها الكلمة المموسقة بصدق التجربة بغية التواصل اللازماني واللامكاني. فالذي كان محدثاً في شعر الجاهلية، مازال يفعل في نفوسنا وسيبقى فاعلاً في أحاسيس أجيال لم تولد بعد. وما جاء بعد الجاهلية وما بعد صدر الإسلام وحتى يومنا هذا لا يمكن اعتباره محدثاً إلاّ إذا كان ممهوراً بخاصة التفرّد والمغايرة، من دون إعادة الأشكال والأنماط المعهودة. فالحداثة إذاً ارتباط بالتراث، وهي في الوقت عينه خروج على المألوف، ولذلك رأى أدونيس أن هذه العلاقة حتمية لأن الشاعر العربي المعاصر "لا يكتب في فراغٍ بل يكتب ووراءه الماضي وأمامه المستقبل، فهو ضمن تراثه ومرتبط به، ولكن هذا الارتباط ليس محاكاة للأساليب والنماذج التقليدية، وليس تمشياً معها، ولا بقاءً ضمن قواعدها ومناخها الثقافي الفني-والروحي. فليس التراث عادة في الكتابة، أو موضوعات طُرقت، ومشاعر عُونيت وعُبّر عنها، وإنما هي طاقة معرفة وحيوية خلق، وذكرى في القلب والروح(6)"، ولذلك أعتبر أن للارتباط بالتراث "معنيين (...) ارتباط خلقٍ وإضافةٍ واستباق، (...) وارتباط التقابل والتوازي والتضاد(7)." فالتراث ليس إرثاً مقدّساً بل طاقة تفعِّل عملية الخلق والإبداع، وتحرِّض على إقامة علاقة موضوعية مبنية على النقد والتمحيص والفرز. والتراث ليس مومياء لا حياة فيها، إنه التربة السليمة لأصالتنا، وفيه تحفِّز كمون الحاضر المعرفي، وتقدح طاقات المبدعين بشرارة فكرية تؤصل للحظة مضيئة في هيكل تفردنا الإنساني، تكون عوناً لأولئك المسكونين بقلق المعرفة والاستباق بغية نزع القشرة عن نواتها، وبعث خلق جديد منبثق عن تنوع الحياة وتناقضاتها. إن علاقة الأفذاذ بالتراث أشبه بعملية الفصد، إنه جزء من كياننا المعرفي، ولكن يجب التخلص مما ليس سليماً أو صالحاً للحياة. والتحرر من الفاسد لا يكون إلا بالاسئصال، وعملية الاستئصال تتوقف على مهارة المبدعين وقدرتهم على وعي التراث وفهم علاقته بالحاضر والمستقبل. يمكنني القول إن التراث خَلْف، والتجديد بمفهومه الحداثي أمام، فهل يمكن أن يكون أمامٌ من دون خَلْف؟ وهل الخلفُ بمقطوعٍ عن الأمام؟ إن الحاضر واللحظة اكثر إشراقاً في تلاقي الأمس (التراث) والغد (التجديد). وعلى المبدع أن يستغل فلسفياً وعلمياً وفكرياً وإبداعياً هذه اللحظة الحقيقية، ويمنحها وجوداً متميزاً بالسبق والتأصيل والاستباق، فيكون مفصلاً رئيساً بين ثابتٍ أصيل ومتحرّك متغيّر. فيجعل من هذه اللحظة الحاضرة حلقة تصل ما بين خلف وأمام، وبقدر ما تكون هذه الصلة حقيقية وأصيلة ومبتكرة، تؤسس لنفسها وراءً مضيئاً لا يمكن استئصاله أو رفضه. وبذلك تتكرّس القيمة الإبداعية للفكر الإنساني في لحظة من لحظات انبعاثها، ويثبت هذا الفكر قدرته على خلق أنماطٍ جديدة تتجاوز الأشكال المألوفة وتتجه نحو المستقبل. وهذا التجاوز لا يتحقق إلا بمعرفة سابقة لأن "كل معرفة جديدة تكون بواسطة المعرفة الحاصلة لنا، ولكن ليس كل معروفٍ لنا يؤدي إلى معرفة ما هو مجهول لنا. فلكل مجهول معروف يناسبه، ويمكن بواسطته أن يصبح معروفاً، وكذلك ثمة طريق ينبغي إتباعه للذهاب من المعروف إلى المجهول، حتى يصبح هذا المجهول معروفاً(8). ولذلك لابد لكل كشف من أصل يبني عليه لبلوغ المعرفة، وهذه المعرفة لا يمكن الحصول عليها دفعة واحدة بل لها أساليبها وطرقها، فالمجهول من أسرار النفس البشرية يمكن التعرف إليه وفق طرفي المعادلة الإنسانية التي تحتاج دائماً إلى معلوم مُدرك للتوصل إلى المجهول المحتجب عن طريق الرصد والتناسب بين المرئي والمستتر وبالتناسب يمكننا "الحصول على المجهول من المعلوم الحاصل للنفس.. ولاسيما في أهل الرياضة(9)"، فالتراث هو الطاقة الأساس في استجلاء الطرف المعلوم من معادلة الحياة وما تفرضه من كشف للمجهول عن طريق اختراق قشرة الجمود، والتحقق من وهم الرؤية، وحقيقة الرؤيا، لتتناسل الأفكار رؤىً جديدة مختلفة لها سمتها وخصائصها المتميزة، ليرشح عنها، مستقبلاً، أفكارٌ ورموزٌ ودلالات لا حصر لها. فالماضي ليس محدداً دلالياً بارتباطه الزماني أو المكاني المحدد، فهو وعاء التراث المخصب بقدرات الفعل البشري غير المقيدة، والمتفاعلة مع سيرورة الحياة وحاجاتها الفكرية وأنماطها الحضارية. إن موقفنا من التراث هو انعكاس حقيقي عن فهمنا وإدراكنا للوجود والموجودات، وتصوير صادقٍ للخصوبة الفكرية التي تتخذ من التراث مادة أولى للتحليل والكشف ومن ثم إعادة إنتاجه بأدوات العصر وحاجاته وتطلعاته ورؤاه. إن عملية فرز التراث وتحليله وإعادة إنتاجه تكشف للمبدع العربي الوشائج اللامرئية بين تراثه، وتراث الأمم الأخرى؛ لأن الذات الإنسانية واحدة وبالتالي فإن موروثها الثقافي متشابه ومتداخل ومتشابك من حيث المعنى الدلالي. فالإرث الثقافي الحي يحفظ انفعالات النفس البشرية لحظة احتكاكها بنورٍ معرفي، وهذه اللحظات ما هي إلا زمن انفلت من ذاته المتبلورة، ناشراً فضاء يرتاده المبدعون ليخصبوا قرائحهم، ويبتدعوا فضاء آخر يتمدد ويتواصل من أجل خلق تراث كوني، أسست له لحظات زمنية منفلتة من التعريفات والحدود والانتماءات، إنها اللحظات الأكثر إشراقاً كونياً. بهذا المفهوم يمكننا النظر إلى إرثنا الثقافي الحي على أنه جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني، فإذا تفتقت القرائح العربية عن فعلٍ إبداعي حقيقي فلا يعني ذلك بالضرورة اتباعاً أو تقليداً، فربما وجد مبدع عربي نفسه في إبداعات الغربيين، وإذا ما تشابهت المعاني، فلا يؤدي ذلك إلى رميه بالسرقة والتقليد والتبعية للآخر. إن النتاج الإنساني يتشابه في جوهره لأنه متفجِّر عن نفس بشرية متوحدة مع الفيض الإشراقي الذي ينهل منه المبدعون على امتداد مستويات الخلق الفني اللامتناهية، وهذا التوحد جسّده بودلير عندما أفصح إلى صديق له عن التقارب الروحي بينه وبين الشاعر الأمريكي "إدغار آلان بو" قائلاً: "أتعرف لماذا ترجمت في صبر ودأب ما كتبه ادغار آلان بو لأنه كان يشبهني. ففي أول مرّة تصفّحت فيها كتاباً من كتبه رأيت فيه ما كان مثار فتنتي وروعتي، ولم أعثر فيه على الموضوعات التي كنت أحلم بها فحسب، ولكنني وجدت فيه كذلك الجمل التي كانت تراود أفكاري وكان له السبق في كتابتها قبلي بعشرين عاماً(10)". وما التشابه إلا دليل على تفتق الفعل الإبداعي عن كمون إنساني واحد من حيث المنهل، ومتعدد في الظواهر الحركية. إن الموضوعات الإنسانية ثابتة في السلوك البشري والتعبير عنها متغير في الشكل والظاهر، فجاءت الموضوعات متشابهة ومتكاملة، ترشح منها العواطف والمشاعر، ولكنها مختلفة في ظاهر أشكال الأجساد النصية المتأقلمة مع الظروف الاجتماعية والسياسية والبيئية والاقتصادية واللغوية. وهذا الاختلاف في الظاهر الشكلي أوجد تبايناً في عملية تلقي الصور الفاكسية وما يلازمها من تغيير في أنماط التعبير ونقل الرسالة وتلقيح الأفكار. والتباين عينه ولّد حركة كشف واستكشاف تهدف إلى الحصول على معرفة ما، تؤصل التواصل الإنساني وتنتج جينات فكرية جديدة في الشكل، تسهم في إضافات لا حصر لها على الإرث الإنساني الشامل. بهذه الرؤيا يمكننا التأكيد على تخليص الحداثة من محدودية الحضور الزماني أو المكاني. فما كان محدثاً في لحظة من الحضور الإبداعي مازالت روحه فاعلة بما هو آت، لأن الحداثة أصل مترسخ وتجاوز متجدد، يخلقها ماضٍ في أثوابِ المستقبل لكأنها أشبه بقول المتنبي: إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً *** مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم نعم إن الحداثة حدث يفرض ذاته، وتفرضه الحياة. إنها كشف دائم عن قضايا إنسانية متلازمة ومترابطة، تنغرس في التراث بقدر ما تتخطى هذا التراث، إنها الفعل الحي الخارج من تراثه، والمندفع باتجاه الآتي. iii. إشكالية الحداثة والتراث العربي مما سبق يمكننا القول إن القيمة الإبداعية للفكر الإنساني ترتبط بقدرته على خلق أنماط جديدة تتجاوز الأشكال المألوفة وتتجه نحو المستقبل، فتولد حركة دائمة محفِّزةً بكمون رؤيوي يتمرّد على صنمية التبعية والجمود، ويسعى إلى ابتكار مسار مغير للمسارات المعهودة والمتبعة برضى وقبول تقديس. فيتمخّض الفكر عن فتحٍ جديد، له ميزاته وخصائصه الخارجة على المألوف، والمتمردة على سكونية القبول. يختزل الفتح الجديد حدثاً مغايراً، ويعلن عن انبثاق حركة جديدة لها أنماطها الأكثر جدّة، وملاءمة للتطورات الحياتية، والاجتماعية والسياسية، وتتميّز بقدرتها على التجاوز والتفاعل والتأسيس. فتعلن هذه الحركة عن تحدث متأصل في تراثه، ومتجاوز له في وقتٍ واحد. فلا حداثة من دون خصوبة الأصل التراثي ليمنح الأصل الفرع طاقة تساعد على اكتساب خصائص متفرّدة به ومن ثم يكسب نفسه استقلالية وتمايزاً. وتمايزه مرتبط بقدرته على كشف المجهول المحتجب وراء معلوم متأصل وراسخ، ولكنه معلوم يساعد في اكتشاف مجاهيل لا حصر لها في زمن آت له خصائصه وميزاته. هذه الفاعلية الإبداعية يطلقها روّاد خلاقون لا يعنيهم نقل الحدث بحيثياته المرئية، بل يعيشون تفاصيل الحدث الظاهرة والمستترة، ويلمسون النتائج المرئية وغير المرئية، وينقلون انفعالاتهم ورغبتهم الصادرة عن تجربة ذاتية إنسانية، تفصح عن آلام وآمال وتطلعات النفس البشرية في كل زمانٍ ومكان فينبئ عملهم عن التنقيب في مجاهل الحياة وأسرارها المقدّسة، ويكون لهم فضل السبق في اكتشاف أحد أعمدة الهيكل المحتضن سر الحياة. النتاج الفكري الإبداعي الحقيقي هو الإنسان، ومن أجل الإنسان. فالإبداع مرادف لجوهر الإنسان وحقيقته، لأن الإنسان كما يقول أدونيس: "ليس قفصاً، بل هو اللانهاية. ليس إقامة، بل سفر دائم. الإنسان هو ما يتجاوز الإنسان، إنه موجود يما يأتي(11)" فهو سر الحداثة، وهو الطاقة المبدعة التي تعني بالتعبير عن روح الثقافة الإنسانية، وهو الخلاق الذي يسكنه الحدث وينغرس فيه، جاعلاً منه الصيغة الأساس التي يبني عليها كيان تعبيري يفصح عن مكنوناته الإنسانية وتطلعاتها. من أجل هذه القضية لم يقف امرؤ القيس أمام الصحراء عاجزاً، ولم يحتم بإرث والده السلطوي، ولم يتبن عرفاً سائداً، بل خرج على العرف والمألوف وأحدث لرؤاه مساراً مغايراً جعل منه أصلاً لمساراتٍ لا حصر لها. فخرج على المفاهيم المعهودة وغيّر في نظام الأشياء وكيفية رؤيتها، فاخترع من رؤيته وفهمه لمحيطه، معاني صاغها شعراً، لم يسبقه إليه قائل، ثم جاء بعده من استخرج من هذه المعاني صوراً جديدة فأبدعوا. ولذلك وضع ابن رشيق تعريفاً للمخترع، متخذاً من امرئ القيس نموذجاً للمخترع، وواصفاً من جاء بعده من الملقحين بتجربته الشعرية بالمولدين، مدعماً رأيه بالبراهين، قال: "المخترع من الشعر هو: ما لم يسبق إليه قائله، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه، كقول امرئ القيس: سموت إليها بعدما نام أهلها *** سموّ حباب الماء حالاً على حال |
|||
2013-03-21, 19:08 | رقم المشاركة : 267 | |||
|
(...) والتوليد أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر تقدّمه أو يزيد فيه (...) والإبداع إتيان الشاعر بالشيء المستظرف (...) فالاختراع للمعنى، والإبداع للفظ(12)". |
|||
2013-03-21, 19:10 | رقم المشاركة : 268 | |||
|
الحداثة إذاً، انبثاق من الحضور، وانغراس في الماضي، واستشراف للمستقبل، فهي "حركة إبداعٍ تماشي الحياة في تغيرها الدائم، ولا تكون وقفاً على زمن دون آخر، فحينما يطرأ تغيير على الحياة التي نحياها نظرتنا إلى الأشياء، يسارع الشعر إلى التعبير عن ذلك بطرائق خارجة على السلفي والمألوف(19)". |
|||
2013-03-21, 19:11 | رقم المشاركة : 269 | |||
|
قراءة ما ورائية في بوح الهمسات النفسية قصيدة النثر كما يسمونها أو كما تتراءى لنا نص لا يعتمد القافية و هي تحمل في نبضاتها ما يختلج في الوجدان لتنبض بتصوير رمزي و إيحائي يفرغه الشاعر على أرض الواقع من خلال مخزون ارثه الثقافي ، فالشكل الشعري الجديد يبدأ من الكلمة و مدلولاتها و إيقاعها ليأخذنا نسبح في عالم الصورة التعبيرية و الرمز و سائر ضروب الإيحاء اللفظي و مدلولاته الكامنة في مناخات اللغة و الموسيقا التي تلون النص بإيقاعها الدافئ تضفي عليه رونقاً جديداً و هذا ما يفتقده قالب الشعر النثري مع الاحتفاظ بسمته الأدبية 0
و النص الذي بين أيدينا بعنوان : / شرنقة مزقت رعشتي / للشاعرة سمر سليم الزريعي هو أحد نصوص النثر فالعنوان يرسم لوحة على جدار الذات ليسبر مغاورها و يتوجس أنفاسها الصاعدة التي تبوح برعشتها 000 لوحة ترتسم مع أمواج البحر لتتلاقى مع أصداء الذات عبر الأنفاس المتبرعمة في شطآن الوهم و الحقيقة 00 وهمٌ يركض حافياً يرتدي الخطوات لكنه يشرق من انفعالاتها حلمٌ طفولي فيه براءة القرنفل و نقاوة الياسمين بولادة جديدة و حلم جديد (( أيها البحر الغريق امض لليلي 000 لتعبر الأنفاس المتبرعمة و سأرتديك لأمحو خطواتها مني فأشرقت منك طفلة تتشكل من جديد )) حركة ديناميكية مستمرة تكسر أعتاب صمتها ببوح السكون لتقف عند حدود الذات ترسم حروفها المائية التي تحمل حيوية متدفقة من شعورها الصادق الباحث عن ظل واعد في ليل الحياة المظلم 000 إنها انطلاقة جديدة ترسمها الشاعرة بحروفها الملتهبة 000 و همسة راعفة تزجيها إلى أسلاك القلب التائهة في مغاور النفس التي تبحث عن أنفاس جديدة ترتقي بحلمها من عتمة الليل و الوحدة إلى نافذة الهمسات التي تشرق منها بوحاً جديد 0 (( فكل الحروف مائية حطت بخيلها في أضلعي تحررني لتجمع ماءك من عتمتي 000 فيمضغني السواد بوحدتي عند أبواب همساتك )) لكن التدفق الحيوي في لغة الشاعرة لم يقرع باب اليأس بل فتح نافذة الأمل للربيع الذي يجدد الحياة بنسغ ٍ يخضوري يورق في كأس ورد الحبيب يعطر ليل الماضي : (( استدعي الربيع الآن ليلتهم فراشة حنطتها 000 بغرفتــي في كأس ورك )) و تبقى زفرات الصورة تنقلنا بألوان طيفها قوس قزح يقرأ فنجان قهوتها من رئة ممتلئة بحصى الأنفاس الهاربة من أطياف وحدتها إلى عالم واقعها تاركة أنفاسها المتعبة و صمت وحدتها و أحلامها الخرافية تنكسر على أمواج زرقة البحر لتنقلنا عبر جواز مرور إلى أفق ممتد ٍ في فضاءات رحبة تعلن ميلاد ساعة الصفر 00 الشاعرة باحت بصمتها و بلغتها الوجدانية أفاقاً تخترق حاجز الذات لتسبر معالمه و جعلت من لوحتها البحرية الغريقة في عالم الوجدان رموزاً تولد ُ في كائناتها لتغدو عنصراً فاعلاً في لوحتها 000 ( فالبحر الغريق و الأنفاس المتبرعمة ) صور ٌ تتعدى سكون الحركات لتدخل أعماق الذات 0 صورتان متلازمتان ( غرق وولادة ) و لأن عجلة العمر الكوني لا ترجع إلى الوراء ندرك أن بعد الموت ولادة و حياة جديدة 0 فتمتشق من مفرداتها قاموساً ذاتياً يحتوي خصوصية تلقائية ترسم لوحتها في جسم القصيدة فتعابير مثل ( بجوفي – عتمتي – لملمني – برعدي – في رئتي – في يدي ) كائنات حسية ترسم لوحة الذات و تعبر عنها بل تغوص في أعماقها لتسبر بمفرداتها جمالية اللوحة 0 فالوهج و الإحساس الصادق لدى الشاعرة يسبر مغاور نفسها عبر انغماسه في الواقع الحياتي و هذا ما عبرت عنه جلياً في مفرداتها : (( بنضج الليل عند اشتهائي احتسي قراءتي لفنجاني )) نبض صادق يتعالى في صراع مع حواس الجسد لينطلق في أفق الوعي اللامحدود بخصوبته المترامية في الأفق الطلق يبحث عن معالم جديدة لحلم جديد 0 و من هنا يبدو لنا أن العزف على أوتار قصيدة النثر يحتاج إلى قوة تخزينية للصورة الشعرية بحيث تدهشك معالمها دهشة ً تنقلك دفعة واحدة إلى عالم آخر كما و تحتاج إلى لغة مختزلة ترتقي مفرداتها إلى قاموس ينقلك عبر أثير روح الكلمات ليرسم أبعاد الهدف الذي تتحدث عنه القصيدة 0 هدفان متكاملان و متسارعان في الوصول بالقارئ إلى اللحظة الشعرية الفطرية التي تبعث في النفس حقيقتها ( الصورة الشعرية – اللغة الشعرية ) و كم نتمنى من كتابنا المعاصرين الذين يمتطون صهوة هذا الجنس الأدبي أن يعوا أن حصان الشعر حصان مشاكس يحتاج إلى فارس ٍ ماهر يقوده من صحارى الكلمات إلى واحات الوجدان الشعري الخالص 0 حسين الهنداوي ـــ حاتم قاسم |
|||
2013-03-21, 19:14 | رقم المشاركة : 270 | |||
|
الهرطقية في مأزق النقد العربي المعاصر عبدالرحمن حمادي دمشق - سوريا عندما نتحدث عن موقع النقد العربي المعاصر وواقعه، لا يستطيع أحد بالتأكيد أن يلوم ناقدا مثل خلدون الشمعة حينما يقف ويصف النقد العربي بالهرطقة، أو حينما يشن هجوما عنيفا على معظم ما ينشر من نقد واصفا إياه بالهرطقيات، ولا يعني فقط ما ينشر من نقد صحفي يكتفي من الأثر بمراجعة خاطفة تروي ردود فعل المرجع على رواية أو قصيدة دون أن تقدم تعليلا، ودون أن تحشد ما لديها من أدوات الإقناع، أو دون أن تستند في محاجّتها إلى مصطلح نقدي، بل يشمل الشمعة أيضا النقد الأكاديمي الذي كما يقول قد « تردى بدوره في جملة هرطقات نقدية تكّرس واقعا نقديا عربيا يتسم بالتواصل بين مراحله المختلفة.(1). وخلدون الشمعة هو واحد من عدد كبير من النقاد الذين وقفوا ضد النقد العربي السائد ووصفوه بأنه كتابات تنهض على قاعدة من الجهل أو لكل بعض ما تحقق من تقدم في نظرية النقد الأدبي الحديث، والنقد العربي المعاصر-والقول ما زال للشمعة. ما يزال في جزء يسير منه أسيرا لجملة من الهرطقات التي تفصح عن قصور فاضح في إدراك العلاقة بين النقد والإبداع ، وبين النقد والعصر الذي ينتمي اليه النص المنقود”(2). وهذا يجب ان نكرر بأن خلدون الشمعة ما هو إلا واحد من عدد كبير من النقاد العرب الذين استلّوا سيف الهجوم على ما ينشر من نقد في السنوات الأخيرة متهمين إياه بالخرف أحيانا، وبالهرطقات أحيانا أخرى، ومن الواضح ان هذا التهجم من النقاد على النقد يوضح بجلاء أن ثمة معركة يحاول النقاد فتحها لاستنباط معالم نقد عربي صحيح وفاعل، ولكن ما ملامح هذا النقد المنشود، وما أسسه ومناهجه؟ وأسئلة أخرى تحولت إلى معركة أخرى بين النقاد العرب في ما بينهم، ولتتعمق أزمة النقد العربي أكثر فأكثر. ومع ذلك نقول إن ما يثار حول النقد العربي من قبل النقاد العرب هو أمر طبيعي ويشكل في أحد جوانبه رغبة في الخلاص من المأزق النقدي، ولعلنا لا نجافي الحقيقة حينما نرى ان المعارك النقدية الحالية هي امتداد لمنهج العربي القديم(نقد النقد)، فقد مارس النقاد العرب القدماء هذا الشكل من النقد وعلى مستوى مؤلفات كاملة ظهرت لا تنتقد شاعرا و ناثرا، وانما تنتقد ناقدا بالدرجة الأولى، وللتذكير نشير إلى عدد منها، من مثل:
وأرى أننا بعد هذا قد أزلنا أسباب الحرج في مكاشفة أنفسنا بدوافع نقدنا وملامحه، وهي ملامح غير سارة بالطبع.
نحن سعداء بالطبع أن يعي نقادنا المدارس والاتجاهات الغربية في النقد، ولكن إلى الحد الذي يمكننا من تأصيل ثقافتنا النقدية، ودون أن ننسى بأن آداب الأمة العربية وإبداعاتها-بما في ذلك النقد- لا يمكن أن تتطور إلا من داخلها، أما التأثيرات الأجنبية فلا تكون فعالة إلا حين يمكن صهرها وتمثلها في الإبداع الأصلي. المضحك المبكي فعلا والذي يعكس تصاغر نقادنا أمام النقد الغربي وعدم ثقتهم بما لديهم أن أي مؤتمر عربي حول النقد العربي يتحول إلى دروس تعيد شرح المدارس النقدية الغربية بإعجاب وحماس.
- الأول: الناقد نفسه لا يفهم معنى هذه المصطلحات، ولكن تقديم نفسه كناقد يتطلب منه هذا الحشو لألفاظ متداولة وأخرى غير متداولة أو معروفة يخترعها من عندياته، وفي هذه الحالة، لا القارئ، ولا صاحب الإبداع المنقود، ولا الناقد نفسه يفهمون ما يعنيه النص النقدي، ومع ذلك يتخاطبون مع بعضهم على مبدأ (حوار الطرشان)، ولي أن اضرب مثلا: في أمسية شعرية وقف ناقد يعقّب على ما ألقي من شعر، فحشى حديثه بمصطلحات وهو يحلل الشعر الملقى بحديث لم نفهم منه ولا كلمة، فضاق بي، ووقفت معقبا على كلام الناقد بكلام مثله مخترعا عشرات المصطلحات الوهمية والأسماء الأجنبية، ومع ذلك حاورني الناقد مؤيدا بعض ما قلت ونافيا بعضه، وهكذا تحاورنا بحوار، كلانا كنا نخترع فيه الأسماء والمصطلحات، والجمهور المسكين يتظاهر معظمه انه يفهم ما نقوله، ولكم أن تتصوروا سخافة الموقف حينما كاشفت الناقد والجمهور بالحقيقة. - أما الاحتمال الثاني، ففيه، يكون الناقد ملما بالمصطلحات التي يستعرضها، ومع ذلك يستخدمها ليس للدلالة على معانيها، وإنما لتأكيد تأثيرها العاطفي الهيجاني الذي تحدثه، أي أن الناقد يورد المصطلح ثم يملأه بالمفهوم الذي يلائم رأيه المسبق ونزعته العاطفية بمحبة شيء أو كرهه له، وهكذا يورد الناقد المصطلح بمعزل عن دلالته الحقيقية، وهذه الظاهرة تشكل ضررا بالغا على النقد العربي المعاصر وعلى الإبداع معا؛ لأنها تساهم إسهاما خطيرا في تكريس عادات لغوية تفرغ الفكر العربي من قابليته على الإقناع العقلي وتشيع فيه النزعة الى السحر اللفظي على حساب الدلالات المنطقية للألفاظ.
ان استعراض المقدرة بهذا الشكل الذي يستغبي المتلقي هو الذي جعل كل شيء قابلا للنقد على أساس انه إيداع حتى لو كان خرفا لغويا لا علاقة له بعشيرة الإبداع، إذ من المعيب ان يعلن الناقد أن هذا الخرف لا يستحق النقد، بل لابد من تناوله على انه إبداع، وإلا على ماذا سيتكىء الناقد في استعراض مقدرته النقدية، وبذلك يصبح النقد مشجعا للانحدار الذي وصلت إليه بعض الإبداعات، لا سيما في الشعر العربي الحديث، لذلك لم نعد نستغرب جاهزية بعض النقاد للتعامل الفوري مع «القصيدة الإلكترونية» و”القصيدة الكهربائية» و « القصيدة البصرية”. مثلا، يصدر أحدهم (ديوانا) يتضمن ما اسماه (القصيدة البصرية) وهي تشكيل رسومات من حروف عربية، كأن يشكل صاحب هذا الشيء المسمى ديوانا صورة رجل من الحروف العربية، وبسرعة يتنطع النقد للحديث بإسهاب عن هذه التجربة الشعرية ومضامينها و..و من مثل”وهذا الشكل الكتابي يؤكد الحرية الغائبة ويذكر بها حين ينشدها في تعدد المقترحات الكتابية، فان هذه المقترحات تصبح في الوقت ذاته مأوى للحرية وملجأ لها، ولذا فهي تأوي الى الذات وتلمح الى نفسها من النوافذ، أنها حرية خائفة مهددة، ومن اجل هذا فهي تتجه الى صيغ التعاويذ والرقي والسحر والمخلوقات التي تشبه كتابة سومرية فقط لتحافظ على امتدادها.. هذا مثال، وقس على ذلك عشرات وعشرات الأمثلة التي تطالعنا تحت اسم النقد وتمتلئ بالغريب من المعادلات والمربعات والجداول من مثل :» ان الشاعر في هذا النص معبأ بالانبهارية-الاندفاع لديه لا انتماء للفوق-تحته المنبعثة من التحت-فوقية- حيرة مستمرة تصطدم بديماغوجية لا جمعية= صدام لا ذكوري مع المخزون الذاكوري.. ألا يعرض ما ذكرناه أمامنا مشكلة عويصة يعاني منها النقد العربي؟ وان النقد قد كف عن كونه عنصر كشف وإنارة واستحال الى عنصر تضليل واعاقة؟
والناقد في هذه الإشكالية هو كالنبات الطفيلي الذي يتسلق على الإبداع ويرى ان هذا الإبداع يجب ان ينحني له وحده، ويقتصر نشاطه التطبيقي على اختيار نصوص قد اكتسب أصحابها شهرة ويستشهد بها كحجج دامغة يجب ألا تناقش. أنها بعض ملامح وإشكاليات النقد العربي المعاصر، والإلمام بكافة هذه الإشكاليات يحيلنا الى مثال علبة الحليب، ومفادها ان علبة حليب مجفف عليها صورة طفل يحمل صورة العلبة نفسها، والصورة التي على العلبة فيها صورة الطفل نفسه يحمل العلبة نفسها، وفي الصورة الموجودة في الصورة توجد نفس صورة الطفل وهو يحمل نفس علبة الحليب وعليها صورته وهو يحمل نفس علبة الحليب التي أيضا عليها صورته وهو يحمل نفس علبة الحليب ... وهكذا فثمة متاهة لا تنتهي وتشكل مأزقا لمن يريد الوصول الى الصورة الأخيرة المفيدة. هذا المثل ينطبق في المحصلة على النقد العربي المعاصر، فالإشكاليات كثيرة، والغريب أن نجد من بين نقادنا من يدافع عن هذه الإشكاليات بادعاء ان النقد يرتبط بالإنتاج «يتقهقر ويتطور بتطور العلم والتقنيات والصنائع، وبين النقد والأدب علاقة، بل علاقات، غير أنها عموما غير مباشرة تمر من خلال عمليات الإنتاج والعلاقات الناتجة عن تطوراته في المجتمع وفي الفكر والعواطف» (7)، ومع ذلك يعترف صاحب هذا الرأي بأن”اكثر الممارسات في النقد العربي اليوم هي تمرينات مدرسية تصلح للتعليم والتدريب اكثر منها ممارسة فعلية لوظيفة النقد الأدبي”.(7)
بالطبع نحن لا نريد ان نفعل مثل جورج طرابيشي ونستمر بالتهجم على واقع النقد، ولكن نرانا مضطرين الى العودة للسؤال المدرسي وهو: ما هو النقد؟ ربما نضطر الى استحضار تعاريف النقاد العرب القدامى ومنهم أبو حيان التوحيدي الذي عرف النقد بأنه"علم الكلام على الكلام» وهي النتيجة التي توصلت إليها البنيوية في النقد الأدبي، وهذا يعني ان مضمون النقد يجب ان يكون محددا بطبيعة محتوى الإبداع وتعليقا عليه، أي هو فعالية قولية على هامش الأثر الإبداعي، تابع له، ويجب ان يكون كذلك لان تبعيته هذه هي المعيار الأول لمصداقيته» فالناقد ظل المبدع ، وبقدر ما يفلح الظل في ان يبقى لصيق اصله، وهو هنا المبدع، فان صدقه-كما يقول المناطقة- يكتسب المزيد من الكينونة والصلابة(10). ومن هنا نقول ان إحدى سبل خروج النقد العربي المعاصر من أزمته هي ان لا يكتب الناقد من عنده ليستعرض ثقافته، أو لينظر كفاعلية فوق الإبداع، بل ان يكتب محيلا الى ما هو عند المبدع، فالمبدع هو الشمس التي تضيء، والناقد هو القمر الذي ينير بما ينعكس عليه من ضوء الشمس، وفاعلية النقد في محاولاته ان يستقرئ من النص ولادته الباطنية والصامتة التي لا تزال بحاجة الى ان ترى النور. وعلى النقاد العرب ان يدركوا بأن آداب الأمم العريقة وإبداعاتها لا يمكنها ان تتطور إلا من داخلها، والتأثيرات الأجنبية لا تكون فعالة إلا بصهرها وتمثلها في الإبداع الأصلي، عند ذلك يتقدم النقد العربي، ويصل الى تحديد الضوابط والملامح الفنية فيه، ومن غير المقبول ان يبقى النقد العربي تابعا للفكر الأجنبي ومناهجه لان ذلك يعني فيما يعنيه خللا في استقلالنا الحضاري، والاستقلال الحضاري جزء لا يتجزأ، في الفكر والفلسفة والعلوم، كما في كل جوانب الإبداع والنقد. مصادر :[LIST=1"> [/B]<LI dir=rtl>خلدون الشمعة-هرطقات في النقد-مجلة الموقف الأدبي-العدد 11- دمشق 1974. <LI dir=rtl>نفس المصدر. <LI dir=rtl>جان ايف تأدييه. النقد الأدبي في القرن العشرين-ترجمة منذر عياشي-مركز الإنماء الحضاري- دمشق-1996. <LI dir=rtl>محمد مظلوم في نقده لكتابة ناصر مؤنس-جريدة الثورة السورية-العدد1-170-11-12-1996. <LI dir=rtl>من نص منشور في إحدى الدوريات الثقافية العربية، وارتأينا عدم ذكر اسم الدورية منعا لتكرار حساسية تلك الدورية عندما انتقدت في بحث لي الهرطقيات التي تنشرها تحت اسم نقد. <LI dir=rtl>خلدون الشمعة –مصدر سبق ذكره. <LI dir=rtl>عبد الصمد بلكية-ندوة الإبداع والهوية القومية-مجلة الوحدة-العدد58-59-الرباط-1998. <LI dir=rtl>نفس المصدر. <LI dir=rtl>جورج طرابيشي-ندوة الإبداع والهوية القومية-مجلة الوحدة-العدد58-59-الرباط-1998. نفس المصدر. |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc