و فيها ينص المشرع على الحبس كعقوبة مقررة للجريمة في صورتها المشددة فقط ، خاصّة عندما لا يرتدع الجاني بالعقاب المحكوم به عليه لأول مرة ، ويعود لارتكاب نفس الأفعال ، مثل ما ورد في المادة 84 من قانون حماية البيئة رقم 03 10 التي تنص على : " يعاقب بغرامة من .. كل شخص خالف أحكام المادة 47 من هذا القانون و تسبب في تلوث جوّي و في حالة العود يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستّة أشهر و بغرامة .. " .
الحالة الثالثة :
يحدد المشرع في هذه الحالة مدة عقوبة الحبس المقررة للجريمة ، بحيث لا تكون للقاضي سلطة تقديرية في اختيار أنسبها ، مثل ما نصت عليه المادة 100 من القانون المتعلق بحماية البيئة رقم 03 10 التي تعاقب بالحبس لمدة سنتين و بغرامة قدرها 500000 دج كل من رمى أو أفرغ أو ترك تسربا في المياه السطحية أو الجوفية لمادة يتسبب مفعولها أو تفاعلها في الإضرار و لو مؤقتا بصحة الإنسان أو النبات أو الحيوان .." و كذلك الحال ما نصت عليه المادة 38 من القانون رقم 88 08 المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طب العمل ، في حالة مخالفة قواعد النظافة و شروط الوقاية الصحية الضرورية لصحـة العمال و أمنهم لا سيما حمايتهم من الغبار ، تصريف المياه القذرة ، الفضلات أو الدخان و الأبخرة الخطيرة و الغازات السامة و الضجيج بغرامة من .. دون الإخلال بالعقوبات المهنية و في حالة العود يعاقب المخالف بالحبس لمدة ثلاث أشهر على الأقل .
و الملاحظ أن هذه العقوبة في جميع الحالات ، تتميز بقصر مدتها مما يجعلها غير ملائمة أمام جسامة الأضرار الناجمة عن التلوث ، ولا تتناسب مع أهمية المصالح العامة و الخاصة التي تشكل هذه الجرائم اعتداءا عليها الأمر الذي يفقدها فاعليتها كجزاء رادع (1) .
أمّا بالنسبة لعقوبة الغرامة المقررة لجرائم التلوث الصناعي ، فقد اعتمد المشرع في تحديدها طريقتين :
الطريقة الأولى :
و فيها يضع المشرع حدين لعقوبة الغرامة ، حد أدنى و حد أقصى ، كما هو الحال في المادة 84 من قانون حماية البيئة رقم 03 10 التي تعاقب كل من يخالف أحكام المادة 47 من هذا القانون و تسبب في إحداث تلوث جوي بغرامة من 5000 إلى 1500 دج .
الطريقة الثانية :
في هذه الطريقة ، ينص المشرع على قيمة ثابتة للغرامة ، كما هو الحــال في نص المادة 100 المشار إليها آنفا من قانون حماية البيئة رقم 03 10 ، التي تعاقب بالحبس لمدة سنتين و بغرامة قدرها 5000 دج ، و كأنّ المشرع لم يترك للقاضي أي مجال لتقدير العقوبة .
يتبيّن من استقراء النصوص المجرمة لأفعال التلوث الصناعي ،أنّ معدّل الغرامات الممكن تسليطها على الملوث ضعيف نوعا ما ، فالغرامات المقررة بنصوص القانون تقل بكثير عن التكاليف التي قد يتكبدها الصناعي لدرء التلوث ، مما يجعلها بمثابة الرخصة التي تجيز للمنشآت تلويث البيئة (2) . لأنّ دفع الغرامة البسيطة مقارنة مع ارتكاب الفعل غير المشروع المسبب للتلوث ، أيسر و أكثر فائدة لها من اتخاذ الاحتياطات و التقيد بالاشتراطات التي تنص عليها القوانين و اللوائح البيئية (3) .
1) د/ فرج صالح الهريش – المرجع السابق –ص 515.
2_ Michel prieur , op. cit p 717 .
2)– د/ ماجد راغب الحلو – المرجع السابق –ص 147 .
ب تدابير الأمن :
تحقق تدابير الأمــن هدفا وقائيا من الجريمة ، خاصة إذا تبين أنّ نشاط الجاني على درجة عالية من الخطورة ،أو أنه دأب على انتهاك و مخالفة أحكام التنظيمات البيئية ، حينئذ يكون في تجريده من مقومات نشاطه ما يحمل معنى الجزاء من ناحية و يحقق الوقاية و المنع من ناحية أخرى(1) .
و من بين التدابير الاحترازية ،اختار المشرع المنع من استعمال المنشآت كجزاء لارتكاب أفعال التلوث ، حيث أجاز للقاضي في المادة 85 من قانون حماية البيئة إذا اقتضى الأمر ذلك أن يحكم بمنع استعمال المنشآت أو أي عقار أو منقول آخر يكون مصدرا للتلوث الجوي ، حتى إتمام انجاز الأشغال و الترميمات المحكوم بها لإزالة التلوث .
2 الجزاءات الإدارية :
تتخذ الجزاءات الإدارية في مجال التلوث الصناعي أساسا صورة الإنذار أو التنبيه ، الغلق المؤقت أو وقف العمل و إلغاء الرخص ، وهي مقررة في العديد من المجالات كحماية الجوّ ، حماية المياه ، مراقبة النفايات الصناعية السائلة ...
أ الإنــــــذار :
الإنذار أخف جزاء يمكن أن توقعه الإدارة على من يخالف حماية البيئة ، يتضمن بيان مدى خطورة المخالفة وجسامة الجزاء الذي يمكن أن يفرض في حالة عدم الامتثال (2) . وقد ورد هذا الجزاء في نصوص عديدة ، كنص المادة 06 من المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المنظم لإفراز الدخان والغاز و الغبار و الروائح والجسيمات الصلبة في الجوّ ، الذي أوجب على الوالي بعد تلقي تقرير من مفتش البيئة عن تسبب استغلال منشأة صناعية معينة في أخطار أو مساوئ على أمن الجوار و سلامته أو على الصحة العمومية ، إنذار المستغل بأن يتخذ كل التدابير اللازمة لإنهاء الخطر و المساوئ الملاحظة و إزالتها .
كذلك أقرّت المادة 10 من المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المنظم للنفايات الصناعية السائلة ، الإنذار بنصها على الآتي : " إذا رأى مفتش البيئة أنّ شروط التصريف غير مطابقة للشروط الواردة في رخصة التصريف ، ينذر الوالي المختص إقليميا ، صاحب الرخصة مالك الجهاز بأن يتخذ في الآجال المحددة له كل التدابير و الأعمال التي تجعل التصريف مطابقا لمضمون رخصة التصريف " .
1)– د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق – ص 545 .
2) – د|/ ما. جد راغب الحلو – المرجع السابق – ص 145 .
و في حالة استمرار المخالف في انتهاك الأحكام البيئية أو مخالفة الشروط المفروضة عليه رغم إنذاره يمكن أن توقع عليه جزاءات إدارية أكثر شدّة .
ب الجزاءات الإدارية الأخرى :
عادة ما تتمثل الجزاءات الإدارية التي توقع على المخالف في حالة عدم توفيق أوضاع المنشأة و تطابقها مع أحكام قانون البيئة – في توقيف العمل الكلي أو الجزئي للأجهزة المتسببة في التلوث ، و سحب الترخيص ، وهي جزاءات تمس مباشرة النشاط المتسبب في إحداث التلوث ، وتسمح بتحقيق هدف الإدارة ، المتمثل في فرض احترام التدابير الإدارية ، فبالنسبة لتوقيف عمل التجهيزات ، فقد منح القانون في بعض الحالات ، الوالي المختص إقليميا سلطة إعلان التوقيف الجزئي أو الكلي لسير التجهيزات التي تتسبب في إحداث تلوث بيئي ، إذا لم يمتثل صاحبها للإنذار الموجه إليه في الآجال المحددة . و من ذلك ما نصت عليه المادة 06/2 من المرسوم رقم 93 165 المشار إليه أعلاه ، إذ جاء فيها : " إذا لم يمتثل المستغل أو المسيّر في الآجال المحددة لهذا الإنذار ، يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات كليا أو جزئيا بناءا على اقتراح مفتش البيئة بقرار من الوالي المختص إقليميا " كما منحت المادة 212 من قانون المناجم رقم 01/01 لإدارة المناجم سلطة وقف أشغال البحث أو التنقيب في حالة تسببها في إحداث تلوث بيئي بعد تقديم طلب للغرفة الإدارية المختصة(الفرع الإستعجالي)لأن حماية البيئة تتطلب السرعة في اتخاذ القرارات .أمّا سحب الترخيص ، فيعد من أشدّ الجزاءات الإدارية الممكن توقيعها على المنشآت الصناعية المتسببة في إحداث التلوث(1) ، وتخول هذه السلطة للإدارة إذا كان القانون يسمح لها بذلك ، لأنها تتمتع بسلطة منحه للصناعي ، للتمكن من مباشرة نشاط معين (2) . وقد تضمن القانون في مادة التلوث بالنفايات الصناعية السائلة جزاء إلغاء أو سحب ترخيص التصريف بموجب قرار وزاري في حالة عدم مراعاة مستغل المنشأة الصناعية شروط التصريف الواردة بالترخيص أثناء تصريف نفاياته على الـرغم من إعذاره (3) .
ويتميز سحب الترخيص بطابعه المؤقت حتّى في حالة عدم تقرير المشرع صراحة لهذا الطابع لأنّ تقريره بصفة نهائية يعني الحظر الدائم لممارسة النشاط .
وفي الأخير، توقيع الجزاء الإداري لا يحول دون توقيع الجزاء الجنائي على نفس المجرم .
1) – ماجد راغب الحلو المرجع السابق ص 152 .
2) فرج صالح الهريش – المرجع السابق – ص 499 .
3 ) تنص المادة 11 من المرسوم التنفيذي 93 160المتعلق بالنفايات الصناعية السائلة : " إذا لم يمتثل مالك التجهيزات في نهاية الأجل المحدد أعلاه ، يقرر الوالي الإيقاف المؤقت لسير التجهيزات المسببة في التلوث إلى غاية تنفيذ الشروط المفروضة ، وفي هذه الحالة يعلن الوزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناءا على تقرير الوالي " .
ثانيا الآثار السيئة للجزاء الإداري :
من الناحية النظرية ، لا يفترض أن يعطّل استعمال الجزاءات الإدارية إقامة المسؤولية الجنائية للمجرم الصناعي ، و لا يحول دون تطبيق الجزاءات الجنائية عليه ، إذ يمكن أن يتعرض للجزاءين في نفس الوقت بسبب ارتكاب نفس الوقائع المجرمة ،و إن كان من الجانب التطبيقي يكشف عن فساد النظام العقابي ، بسبب الهيمنة الكبيرة للجزاء الإداري على الجزاء القضائي ،الذي لا يستنجد به إلاّ في حالات فشل العمل الإداري . إذ أنّ مبدأ الفصل بين السلطـة الإدارية و القضائية ، تتولد عنه قاعدة هامة " استقلالية الأنظمة العقابية الإدارية و الجزائية " (1) مفادها أن يتلقى المجرم نوعين من الجـــزاء ( إداري و جنائي ) عن نفس الفعل الملوث .
فإذا قرر المشرع لنفس الفعل المجرم نوعا الجزاء ، فكيف يتم توقيعهما عليه ، هل ينبغي اختيار أحد طريقي الجزاء على الآخر ، أو أنّه من الممكن السير بالتزامن في الإجراءات المتعلقة بكليهما (2) ؟
يسمح تفحص التنظيمات التي تكرس الجزاءات الإدارية بالإجابة عن هذا التساؤل ، إذ تنص المادة 06/2 من المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المنظم لإفراز الدخان و الغاز و الغبار و الروائح و الجسيمات الصلبة في الجوّ على : " …و إذا لم يمتثل المستغل و المسير في الآجال المحددة لهذا الإنذار يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات ، كليا أو جزئيا ... دون المساس بالمتابعات القضائية الأخرى ..." .
و كذلك ما نصت علـيه المادة 11/02 من المرسوم التنفيذي رقم 93/160 الذي ينظم النفايات الصناعية السائلة : " و في هذه الحالة يعلن وزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناءا على تقرير الوالي ، وذلك دون المساس بالمتابعة القضائية المنصوص عليها في التشريع المعمول به " .
تدل هذه النصوص على أنّ المشرع نظم طريقي العقاب الإداري و الجزائي بالتوازي ، دون أن يعارض بينهما ، بحيث لم يجعل من توقيع الجزاء الإداري أو السير في إجراءات المتابعة الإدارية سببا لانقضاء الدعوى العمومية و لا العكس ، مكرسا بذلك قاعدة الإستقلالية بين الجزاءين الإداري و الجنـائي .
في الواقع يسمح تتبع العمل الإداري في مجال التلوث ، بتقديم دليل مقنع على فشل الخوض في المتابعات الجزائية ، فعلى سبيل المثال سنة 2005 لم يقم مفتش البيئة لولاية عنابة بإخطار وكيل الجمهورية بأية قضية من المخالفات التي كانت محل محاضر معاينة و توقيع جزاءات إدارية بين الإعذار و الغلق ، لإعتقاد الإدارة بكفاية العقاب الإداري .
1_ Mathieu le Tacon ,op.cit , p 54.
2_Patrick Mistretta , op .cit , p 273.
المطلب الثاني التطبيق القضائي المخزي :
للدفاع عن المجتمع بفاعلية من كل صور الإجرام ، لا يكفي إعداد المشرع لنصوص عقابية تحدد الأفعال المجرمة ، و تنذر بعقوبات رادعة للمخالفين ، ما لم تنقل هذه النصوص بطريق الدعوى العمومية من حالة السكون إلى حالة الحركة بواسطة رجال يطبقونها و يكتشفون ما هو مخالف لها (1) و لذلك لا ينسب اختلال وظيفة قانون العقوبات في مكافحة الجريمة إلى ضآلة العقوبة ، بقدر ما يعزى إلى تعذر الوصول إلى معرفة المجرم و إدانته في أغلب الأحوال ، وهذه وظيفة القضاء الجزائي بمساعدة بعض الأجهزة " مساعدو العدالة " .
إلاّ أنّ مهمة القضاء تبدو صعبة في مواجهة التلوث البيئي ، بسبب كثافة التشريعات و تنوع الجرائم وتعقدها أمام فشل المخولين بمعاينة جرائم التلوث في البحث و التحري و كذا ضآلة و ضعف عمل الجهاز القضائي في هذا الميدان .
الفرع الأوّل فشل الضبطية القضائية في البحث و المعاينة :
خوّل المشرع في مجال التلوث صلاحيات معاينة الجريمة و إثباتها بواسطة المحاضر ، للعديد من الفئات و حثهم على إخطار النيابة العامة بالمحاضر التي يتم إعدادها ، غير أنّه يعترض تطبيق الأحكام الجزائية عدة عراقيل إجرائية كالتوزيع غير المتسلسل لسلطات المعاينة ، وكذا نقص التكوين القانوني للأعوان المكلفين بمهام البحث و التحري ، الأمر الذي يصّعب عملية ضبط هذا النوع من الجرائم يظهر من خلال نذرة المحاضر المحررة كما يحول دون اطلاع النيابة العامة عليها .
أوّلا – صلاحيات الضبطية القضائية :
تعود صلاحيات البحث عن جرائم التلوث لرجال الشرطة القضائية وفقا للقواعد العامة ، و إلى بعض الموظفين الذين أهلتهم القوانين البيئية ذلك ، فبالنسبة لضباط و أعوان الشرطة القضائية فهم يتمتعون بنفس المهام في مجال البحث و التحري عن جرائم القانون العام ، الأمر الذي لا يتوافق مع تعقّد جرائم التلوث ، لذلك غالبا لا تتدخل الشرطة القضائية إلاّ إذا كانت الجريمة جدّ خطيرة و ذات آثار ظاهرة،كأن يتم إفراز مواد كيميائية بشكل كبير في مجرى مائي(2) ،أمّا إذا كانت الجرائم البيئية صعبة المعاينة و تتطلب إجراء عمليات محددة ، تقنية وعلمية ، فإنها تفسح المجـال للمختصين و الموظفين
1) – د/ أمين مصطفى محمد – الحماية الإجرائية للبيئة – دار الجامعة الجديدة للنشر 2002 ص 119.
2) – ألقت مؤسسة صناعية بواد السمار بالعاصمة كميات ضخمة من مادة الصودا تتجاوز 15 طن في واد الحراش الذي يصب مباشرة في البحر – جريدة الشروق اليومي بتاريخ 16/01/2007 .
المؤهلين بموجب قوانين البيئة ، بسبب افتقارها للوسائل اللازمة و المعارف العلمية الخاصة (1) . و هو ما جعل القوانين المختلفة و المتعلقة بالبيئة أو التي تنظم جانبا منها ، تعطي صلاحيات الضبطية القضائية لموظفين بحكم عملهم يمكنهم ضبط و معاينة جرائم التلوث ، إذ يؤهل قانون الغابات رقم 84 12 مثلا الهيئة التقنية الغابية المتكونة من رؤساء الأقسام و المهندسين و الأعوان الفنيين و التقنيين المختصين في الغابات و حماية الأراضي و استصلاحها ، للبحث و التحري و معاينة مخالفات قانون الغابات(2) ،كما تمنح المادة 147 من قانون المياه صلاحية معاينة مخالفات أحكامه إلى المهندسين و التقنيين السامين و الأعوان التقنيين في الري و أعوان استغلال محيطات الري ، و كذلك الشأن بالنسبة لقانون حماية البيئة رقم 03 10 ، إذ تمنح المادة 11 منه مهمة البحث و معاينة مخالفة أحكامه إلى الموظفين و الأعوان المذكورين في المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية و مفتشي البيئة و موظفي الأسلاك التقنية للإدارة المكلفة بالبيئة ، و الأعوان التقنيين بمعهد البحث العلمي و التقني و علوم البحار و أعوان المصلحة الوطنية لحراس الشواطئ و كذا شرطة المناجم .
السلطات المخولة للموظفين في إطار البحث عن الجرائم البيئية : يخوّل القانون صلاحيات هامة للموظفين ، تمكنهم من كشف الجرائم و إثباتها ، هذه الأخيرة يتطلب تحديد نطاقها الإطلاع على مضمون كل قانون خاص يؤهلهم للقيام بمعاينة الجرائم(3) . و باستقراء بعض الأحكام البيئية يتضح أنّ القانون يمنح الأعوان في سبيل تحقيق مهامهم سلطتين هامتين :
1 الدخول إلى الأماكن : يجوز للموظفين إجراء التحريات في الأماكن العامـة ، كالشوارع و المزارع و الشواطئ العامة ، وأخذ عينات من التربة أو الهواء أو الماء الموجود ، للتحقق من مدى سلامتها و تطابقها مع المعايير التي يشترطها القانون(4)، غير أن معاينة التلوث في هذه الحالة قد لا تكفي لتوجيه الاتهام إلى أحد ما لم تتوافر قرائن تفيد بأنّ المواد المقررة في الوسط البيئي منبعثة من مصدر محدد(5) .
1_ Mathieu Le tacon , op . cit , p 4
2) تنص المادة 62 من قانون الغابات :" يتولى الضبط الغابي ، ضباط و أعوان الشرطة القضائية وكدا الهيئة التقنية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية ".
3) رفعت مديرية البيئة لولاية الجزائر دعوى قضائية ضد سفينة قبرصية لتلويثها بمياه البحر بمادة الطلاء بناءا على
محضر أعوان المصلحة الوطنية لحراس الشواطئ و قد طالبت بتعويض قدره ثلاثة ملايين دج تدفع لفائدة الصندوق الوطني لحماية البيئة و مكافحة التلوث .
مقال بعنوان :دعوى قضائية ضد سفينة قبرصية لتلويثها مياه البحر جريدة الشروق الصادرة بتاريخ 12/6/2007.
4) د/ أمين مصطفى محمد – المرجع السابق ص 29 و ما بعدها .
5) – د/ اشرف توفيق شمس الدين – المرجع السابق – ص 270 .
كما يجوز للموظفين الدخول إلى أماكن العمل المختلفة كالورشات بغير حاجة إلى نص القانون الصريح مادام القانون يمنحهم الحق في إثبات الجرائم المخالفة لأحكامه و القرارات المنفذة له ، دون أن يمتد ذلك إلى المساكن و المنازل أو الأماكن الخاصة داخل المنشآت التي يقوم العون بالتفتيش فيها ، لأنّ تفتيشها يخضع لشروط معينة .
و قد خوّل المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المنظم للنفايات الصناعية السائلة ، صراحة الحق لمفتش البيئة في الدخول إلى التجهيزات الخاصة بالتصريف ،عند ممارسة مهمة الرقابة بقصد التثبت من مخالفات قانون البيئة (1) .
2 أخد العينات :
يقتضي إثبات جرائم التلوث في غالب الأحيان – التحقق من المواصفات الفيزيائية و الكيمائية و البيولوجية و البكتريولوجية للمفرزات الصناعية ، الأمر الذي لا يتم إلاّ بأخذ عينات من المواد المستخدمة في العمليات الصناعية أو من المواد الناتجة عن هذه العمليات ، سواء أكانت في حـالة غازية ، سائلة أو صلبة و تحليلها حسب المقاييس المعمول بها في مخابر معتمدة .
و من بين القوانين البيئية التي تمنح بعض الموظفين سلطة أخذ العينات ، المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المشار إليه أعلاه ، إذ تنص المادة 17 منه على : " تشمل مراقبة التصريف ، حسب الحالة فحصا للأماكن و القياسات و التحليلات في عين المكان و أخذ عينات للتحليل .." ، كذلك ما تنص عليه المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المنظم لإفراز الملوتاث في الجوّ من خضوع التجهيزات الثابتة لأخذ عينات دورية و مراقبات مباغتة من مفتش البيئة (2).
و نظرا لأهمية العينات في إثبات مدى تطابق الإفرازات الصناعية مع المعايير المعمول بها ، تخضع عملية أخذها إلى إجراءات و آجال يحددها التنظيم تتعلق بطرق أخذ العينة و المحافظة عليها و تحليلها .
و في الأخير ، إذا تبين للموظف المختص ، أثناء قيامه بعمليات المراقبة داخل أماكن العمل أو خارجها ، أو بعد صدور نتائج العينات ، مخالفة المنشأة الصناعية للمعايير المعمول بها ، يعدّ محضرا بالمخالفة و يسلمه إلى النيابة العامة المختصة .
هذا من الناحية النظرية .. فماذا عن الواقع العملي ؟
1) المادة 15، 16 من المرسوم التنفيذي رقم 93 160 الذي ينظم النفايات الصناعية السائلة .
2) المرسوم رقم 96 60 المؤرخ في 27/01/1996 المتضمن إنشاء مفتشية ولائية للبيئة .
ثانيا – واقع معاينة جرائم التلوث :
يفترض أن تدون معاينة المخالفات البيئية في محاضر يعدها ضباط الشرطة القضائية أو الموظفون المختصون طبقا للقواعد المقررة في القوانين الخاصة بالبيئة ، دون الإخلال بالقواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائية و المتعلقة بالمحاضر ، هذه المعاينة يجب أن تتم من طرف العون المؤهل شخصيا ، لذلك لو اكتفى العون في محضره بسرد تصريحات أشخاص عن تجاوز إفرازات منشأة صناعية للحدود المسموح بها دون أن يتحقق من هذا التجاوز و من عمل و تركيب المعدات ، تعرض محضره للبطلان (1) . كما يتعين على العون المؤهل ، إرسال المحاضر المحررة إلى النيابة العامة ، في الآجال المحددة ، حتّى تتمكن من تقرير ما تراه ملائما من إجراءات . و لكن ما يحدث في الواقع يخالف هذا التصور ، لأنّ المحاضر لا تحرر إلاّ ناذرا ، و لا تخطر النيابة إلاّ بعدد قليل منها .
1 ندرة المحـــاضر :
يبقى استنجاد القانون بالعديد من الأشخاص ، للبحث عن جرائم التلوث و معاينتها غير مجد ، و لا يحقق النتائج المرجوة ، فرجال الشرطة القضائية كما سبق بيانه ، لا يتدخلون بخصوص الجرائم البيئية لانعدام الوسائل و غياب المعارف العلمية الخاصة التي تمكنهم من معاينتها ، لذلك فهم لا يحررون محاضرا بشأنها . أما الموظفون المختصون فعلى الرغم من تمتعهم بالمواهب الخاصة فهم لا يستسيغون الإجراءات الجزائية (2) لذلك لا يحررون المحاضر إلاّ إذا أبدى الصناعي عدم إكتراثه للمفاوضات أو إذا شكّل الرأي العام ضغطا كبيرا عليهم (3) .
و قد أكدت دراسات فقهية ، أنّ الأعوان المكلفين بمعاينة الجرائم البيئية لا يقومون بمهامهم ، و كأنهم لا يشكلون مصدرا حقيقيا للنيابة العامة ، و تتدعم هذه النتيجة بتحليل بعض إحصائيات العمل الإداري ، ففي سنة 2005 لم يقم مفتش البيئة لولاية عنابة مثلا إلاّ بتحرير 06 محاضر تتعلق بمخالفات بعض الورشات و المؤسسات الصغيرة للأحكام البيئية (4) ، في حين تعترف وزارة البيئة بإنتاج المنشآت الصناعية بولاية عنابة لحوالي 67.527 طن في السنة من النفايات الصناعية السامة و السامة جدا ، و التي تفرز دون مراقبة في البيئة و تتسبب في تلويثها (5) .
1_Juris_ class , environnement , vol 03,fasc 1020 , *******ieux répressifs, 2000 ,p 19 .
2_ Mathieu le tacon , op.cit , p 46.
3_ Juris_class , op.cit , p 21.
4) مديرية البيئة لولاية عنابة – إحصائيات القضايا البيئية لسنة 2005 – غير منشورة .
5_ Algérie , le ministère de l aménagement du territoire et de l environnement , la politique environnementale industrielle, mai 2002 , p 09_ 10 .
و يمكن تفسير ظاهرة عدم معاينة العديد من المخالفات في مجال التلوث الصناعي ، بعدم قيام الموظفين المعنيين بالبحث عن الجرائم ، إلاّ بناءا على تلقي شكاوي أو بلاغات من المواطنين أو المضرورين ، أو عندما تكون آثار الجريمة ظاهرة أو جسيمة ، لذلك فتدخلاتهم تكون ضئيلة ، لأنّ جرائم التلوث يمكن أن تقع و يتحقق ضررها دون أن يدري بها أحد (1) .
2 عدم إخطار النيابة العامة :
من الطبيعي ألاّ تخطر النيابة العامة بجرائم التلوث ، مادامت الوسيلة الأهم لإعلامها تكاد تنعدم (المحاضر) ، بل حتى في حالة إعداد المحاضر ، يفضل محرروها عدم إرسالها إلى النيابة العامة لأنهم يستحسنون طريق التسوية الودية على طريق المتابعة الجزائية(2) .
الفرع الثاني ضآلة العمل القضائي :
تنذر القضايا الجزائية البيئية المعروضة على القضاء الجزائري بالشكل الذي لا يسمح بتحليل و دراسة العمل القضائي ، بخلاف الوضع في بعض الدول كفرنسا ، التي عرفت تطبيقا قضائيا معتبرا . ويمكن نسبة هذه الضآلة إلى جمود جهاز النيابة العامة ، الذي لا يبلّغ بدوره قضاء الحكم إلاّ بعدد قليل من جرائم التلوث ، و إن كان هذا الأخير يتساهل في تسليط العقاب على المجرمين .
أوّلا – جمود النيابة العامة :
تملك النيابة العامة سلطة تحريك الدعوى العمومية ، حيث يتلقى وكيل الجمهورية طبقا للمادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية المحاضر و الشكاوى و البلاغات ، و يقرر ما يتخذه بشأنها ، فإذا رأى ملائمة المتابعة ، أبلغ الجهة القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها .
و يكشف المجال البيئي عن جمود النيابة العامة مقارنة مع مواقفها اتجاه القضايا الأخرى ، إذ بيّن إحصاء القضايا الجزائية أنّ نسبة القضايا البيئية لا تشكل إلاّ 0.1 %من مجموع القضايا المسجلة (3). و لعل سبب ذلك راجع لسياسة المتابعة لدى النيابة العامة إذ أنّ القضايا البيئية غير مدرجة ضمن أولويات المتابعة ، كما قد يعود ذلك لعدم اهتمام وزارة العدل بالمنازعة البيئية ، إذ لم تقم حقيقة بتوجيه
1) د/ أمين مصطفى محمد – المرجع السابق ص 23.
2) – من بين 06 مخالفات تمت معاينتها و حررت بشأنها محاضر سنة 2005 على مستوى ولاية عنابة ، لم تخطر النيابة العامة بأي منها .
3) بلغ عدد القضايا البيئية المعروضة على القضاء الجزائي سنة 2003، 06 قضايا من مجموع 5131 قضية .تتعلق بالقطع العمدي لأشجار بدون رخصة و استعمال مياه قذرة غير صالحة للسقي في غياب أية قضية تتعلق بالتلوث .
مجلس قضاء عنابة – إحصائيات القضايا الجزائية لسنة 2003 – 2004 – غير منشورة .
السياسة الجنائية للنيابة العامة ، بخصوص الإجرام البيئي ، ولم تدع وكلاء الجمهورية إلى الحرص في التعامل مع هذا النوع من الجرائم ، لذلك من الطبيعي أن يترتب على تضمين القضايا البيئية في السياسة الجنائية الوطنية ، غياب تام لسياسة جنائية محلية تعطي مكانة للإجرام البيئي ضمن الجرائم التقليدية التي أخذت كل وقت و جهد النيابة العامة . و كنتيجة لذلك ، لا تبادر النيابة العامة بإجراء التحريات عن جرائم التلوث التي تصل إلى علمها بطرق أخرى غير المحاضر ، رغم ما تتمتع به من سلطات في مباشرة الدعوى العمومية .
ثانيا تساهل قضاة الحكم :
تسوى القضايا البيئية في غـالب الأحيان بعيدا عن القضاء الجزائي ، أي بطريق التسوية و التنظيم الإداري ، و بفشل هذا الطريق ، تحرر محاضر بالمخالفات و ترسل إلى النيابة العامة ، التي تقوم بدورها بحفظ العديد منها و بالمقابل تصل نسبة قليلة منها إلى القاضي الجزائي ،الذي يفصل فيها بدوره بناءا على الأدلة المعروضة أمامه . ففي فرنسا كشفت الإحصائيات المتعلقة بطبيعة الجزاءات المحكوم بها في مواد الإجرام البيئي ، عن تفضيل قضاة الحكم للعقوبات الأقل ردعا و تأثيرا على المجرمين ، إذ غالبا ما ينطقون بغرامات بسيطة دون تطبيق عقوبة الحبس و كذا بعض العقوبات التكميلية كالمصادرة و غلق المؤسسة (1) .
و تجدر الملاحظة أنّ المرسوم رقم 98/276 المؤرخ في 12/09/1998 المتعلق بتأهيل مفتشي البيئة لتمثيل الإدارة أمام العدالة ، أعطى في مادته الأولى سلطة تمثيل مديرية البيئة أمام القضاء لمفتشي البيئة .
هذا و يمكن إرجاع أسباب تساهل القضاة إلى ما يلي :
1 الأسباب التقنية :
يتعين على القاضي عند النظر في القضايا المعروضة عليه أن يقدر في نفسه و ضميره مدى خطورة الأفعال الضارة بالبيئة ، و كذا الخطورة الكامنة في شخص من يرتكبها ، حتى يتبين له ما إذا كان لازما تشديد الجزاءات الجنائية التي يتعين أن يحكم بها من عدمه .
في الواقع يعاني القاضي من نقص في التكوين المتعلق بالمنازعات البيئية ، إذ يخلو برنامج تكوين الطلبة القضاة على مستوى المدرسة العليا للقضاء ، من دراسة الجرائم الماسة بالبيئة ،و بالمقابل كثافة النصوص المتعلقة بالتلوث و تعقد الجريمة البيئية ، هذا من جهة، و من جهة أخرى حجم العمل و كذا حجم القضايا المعروضة على القاضي لا تترك له من الوقت ما يكفي للتكوين في مجال التلوث .
1 Patrick Mistretta , la responsabilité pénale du délinquant écologique , thèse de doctorat en droit , Jean moulin ,Lyon 03 , 1998 .
كما أنّ تعقد القوانين البيئية و كثافتها و اتسامها بالطابع التقني و كذا عدم تناسقها ، يشكّل صعوبة أمام القاضي في الوصول إلى القاعدة الجزائية الواجبة التطبيق ، كونه اعتاد اللجوء إلى التقنين العقابي لتحديد التكييف الجزائي الملائم و الجزاءات المطبقة ، إلاّ أنّ كثرة التشريعات في هذا المجال تؤدي برجل القانون بخاصة القاضي إلى الاختناق فيضطر بخصوص جرائم التلوث الصناعي إلى البحث في نصوص عديدة سواء كانت قوانين أو مراسيم ..
و كنتيجة لنقص التكوين و تقنية و تعقيد القوانين البيئية ، يلجأ القضاة إلى الاستعانة بذوي الإختصاص ، لتوضيح مسائل التلوث و كيفية إضرار المواد الملوثة بالبيئية ، فيتأثرون بنتائج الخبرات رغم عدم تقيدهم بها (1) .
2 الأسباب النفسية :
حيث أنّ القاضي الجزائي لا يهتم بقضايا الإجرام البيئي بقدر ما يهتم بالقضايا المتعلقة بالإجرام التقليدي ، فيعاقب السارق و النصاب بشدة ، في حين يتساهل مع الصناعي الذي سمّم نهرا أو خزّن نفايات بطريق غير قانوني و ألحق أضرارا بالبيئة و الإنسان ، لأنّ القاضي يعتبر السارق مجرما خطيرا ، في حين ينظر إلى رئيس المنشأة الصناعية ، كشخص يساهم في تطوير المجتمع و تنمية الإقتصاد ، مع اعتباره جرائم البيئة مجرد انتهاكات بسيطة للقيم الاجتماعية المحمية ، لذلك يعتمد على تلطيف الجزاء الجنائي (2) .
1_ Patrick Misteretta, op . cit , p 329 .
2_Ibid , p 329 _330 .
في الأخير نخلص إلى أنّ المسؤولية الجزائية للمجرم الملوث لا تعرف تطبيقا حقيقيا ، في غياب أحكام قضائية تدين الصناعيين الذين يحدثون بنشاطهم تلوثا بيئيا ، كما أنّ أغلب المتابعات الجزائية تنتهي بحفظ الأوراق على مستوى النيابة العامة . و يرجع ذلك أساسا إلى عدم التحام السياسة التشريعية و عدم انتظامها مع تعقيد النصوص و تناثرها و عدم تناسقها و كذا تكاثفها ، مما صعّب على القاضي الوصول إلى القاعدة القانونية الواجبة التطبيق و الشعور بالاختناق ، خاصة إذا لم يكن لديه التكوين الكافي في المجال البيئي و كان يفتقر إلى الرغبة الجادة للخوض في المسؤولية الجزائية للملوث .لذلك عادة ما يتساهل قضاة الحكم مع مجرمي التلوث البيئي في حالة ما يخطرون بالقضايا إذ غالبا ما يستبعدون تسليط العقوبات المشددة الأمر الذي لا يسمح بتفعيل قواعد القانون الجزائي البيئي في مواجهة جرائم التلوث الصناعي .
أدّت ظاهرة الإعتداء على البيئة إلى نمو وعي بيئي ترجم على المستوى الداخلي ، بتدخل المشرع عن طريق رسم سياسة جنائية حامية للبيئة ،تسمح بإقامة المسؤولية الجزائية للملوث الصناعي ، على حساب الإستقامة القانونية الصارمة .
و قد تبيّن من خلال الدراسة ، أن المشرع اكتفى أثناء إعداد التجريم ، بوضع القاعدة العامة في التجريم ، و ترك للجهات الإدارية أو للنصوص التنظيمية مهمة تحديد مضمون التجريم، كما استخدم أسلوب النصوص الواسعة ليمنح بذلك أجهزة تنفيذ القوانين حرية أكبر في تحديد الوقائع المجرمة و شمولها لأي فعل من شأنه المساس بالمصلحة البيئية لأنه لم يحصر فعل التلويث في صورة معينة .
بالإضافة إلى ذلك ، قام المشرع بإدراج الأشخاص المعنوية ضمن قائمة الأشخاص الممكن مسائلتهم حتى يضمن أكبر قدر من الفعالية للنظام العقابي المقرر لحماية البيئة ، ما دامت صعوبة إسناد الجرائم إلى الأشخاص الطبيعية ، تسمح لهم بالإفلات من العقاب .
كل هذه المؤشرات تدل على الرغبة الجادة للمشرع في إقامة نظام للمسؤولية الجنائية عن جرائم التلوث ، و لكنها لا تعبر البتة عن قوة و فعالية هذه المسؤولية ، لأنّ الواقع يثبت تنامي ظاهرة الإجرام البيئي و جرائم التلوث الصناعي بصفة خاصة ، و يكشف يوما تلو الآخر عن الآثار الوخيمة التي تخلفها ، و مع هذا طائفة قليلة من مجرمي التلوث تتمّ متابعتها جزائيا .إلاّ أنّ التدخل المتعدد للمشرع ، أسفر عن إشراك الإدارة في إعداد النصوص الجزائية ، مما أدى إلى كثافتها و تناثرها في العديد من المجالات ، فضلا عن تميزها بالطابع التقني المعقد مع غياب التنسيق بينها ، بشكل لا يسمح للقاضي الوصول إلى القاعدة الجزائية الملائمة ، الأمر الذي يعوق إقامة المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث الصناعي .
هذه الحقيقة لا ترضي رجل القانون ، لأنها تمس بمصلحة يتوقف على تحققها تواجد الصنف البشري و استمراره لذا عليه الاجتهاد لتفعيل الحماية المكرسة للمصلحة البيئية ، بتشخيص أسباب فشل و عدم فعالية المسؤولية الجزائية و محاولة وصف الحلول المناسبة لها .
اتجاه هذا الوضع نقدم بعض الاقتراحات التي من شأنها تفعيل المسؤولية الجزائية في مجال التلوث بصفة عامة :
1 حتى يمكن تفادي عدم التنسيق و الإختلال الوارد في القوانين الخاصة بمكافحة التلوث، يجب توكيل مـــهمة إعدادها إلى لجان مختلفة ، تتشكل من رجال القانون و من موظفين و تقنيين يمثلون الإدارات المعنية بالبيئة تسهر على منهجية العمل التشريعي و تفادي عدم التلاحم و التناقض ، و الوصول إلى صياغة قانونية مبسطة ، موجهة للتطبيق القضائي .
2 يتعين إدراج القوانين البيئية ، كمادة تدرس ضمن برامج تكوين الطلبة القضاة ، و إذا كان من الممكن تخصص القضاة في المنازعات البيئية .
3 يتعين برمجة دورات تكوينية في المجال القانوني لموظفي الإدارة المكلفين بمهام كشف الجرائم و معاينتها .
4 يتعين على الدولة دعم اقتناء التكنولوجيا الحديثة غير الملوثة ، مادامت تسهر في هذه المرحلة على النهوض ببعض القطاعات بدعم المستثمرين ، مثلما هو الحال بالنسبة لقطاع الفلاحة ، و بعض القطاعات الصناعية ..
و في الأخير أعلم أنه بحث قاصر ، لأنّ الكمال ليس من صفات البشر ، فإن وفقت فبتوفيق من الله و إن باعدني الصواب ، فذلك من تقصيري .
تم بعون الله و توفيقه
المـــــــلاحق
مقدمــــــــــة
المبــحث الأوّل: الأحكـــــــام العامّة لجرائم الـــتلوث الصناعي .
المطلب الأوّل: الإطار القانوني لجرائم التلوث .
الفرع الأوّل : الأساليب التشريعية المعتمدة لحماية البيئة من أفعال التلوث .
الفرع الثاني : الأركان العامّة لجرائم التلوث .
المطلب الثاني: أنواع جرائم التلوث الصناعي في القانون الجزائري.
الفرع الأوّل : جرائم تلوث وسط بيئي محدد.
الفرع الثاني : جرائم تلوث أخرى .
المبحث الثــاني: المسؤولون عن جرائم التلوث الصناعي .
المطلب الأوّل: مسؤولية الشخص الطبيعي .
الفرع الأوّل : مسؤولية العامل في المؤسسة الصناعية .
الفرع الثاني : مسؤولية مسيّر المؤسسة الصناعية .
المطلب الثاني: مسؤولية الشخص المعنوي .
الفرع الأوّل : موقف القانون الجزائري من مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم البيئية .
الفرع الثاني : تطبيق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في القانون الجزائري .
المبحث الثالث: فعالية المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث الصـــــناعي .
المطلب الأول: إختلال السياسة التشريعية في المجال البيئي .
الفرع الأوّل : طابع التدخلات التشريعية و تضخمها .
الفرع الثاني : التنافس بين الجزاء الإداري و الجزاء الجنائي .
المطلب الثاني : التطبيق القضائي المخزي .
الفرع الأوّل : فشل الضبطية القضائية في البحث و المعاينة .
الفرع الثاني : ضآلة العمل القضائي .
الخاتمــــــة
قائمة المراجع
أوّلا باللغة العريبة :
1 الكتب :
1 د أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجزائي العام الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائر الطبعة الأولى 2002.
2 د أشرف توفيق شمس الدين: الحماية الجنائية للبيئة دار النهضة العربية الطبعة الأولى 2002.
3 د أمين مصطفى محمد: الحماية الإجرائية للبيئة دار الجامعة الجديدة للنشر 2002 .
4 د أحمد مجحودة : أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري و القانون المقارن الجزء الأول دار هومة للنشر الجزائر بدون تاريخ طبع .
5 د مصطفى العوجي : المسؤولية الجنائية في المؤسسة الإقتصادية مؤسسة نوفل بيروت 1980 .
6 د مصطفى العوجي : القانون الجنائي العام المسؤولية الجنائية الجزء الثاني الطبعة الأولى مؤسسة نوفل 1985 .
7 د ماجد راغب الحلو: قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة منشأة المعارف الإسكندرية – 2002.
8 د محمد السيد الفقي : المسؤولية و التعويض عن أضرار التلوث البحري بالمحروقات منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة الأولى 2002 .
9 د فتوح عبد الله الشادلي المسؤولية الجنائية دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية بدون تاريخ طبع .
10 د فرج صالح الهريش جرائم التلوث البيئية الطبعة الأولى بدون ذكر دار النشر 1998 .
11 د نور الدين هنداوي الحماية الجنائية للبيئة دراسة مقارنة دار النهضة العربية 1985 .
2 الرسائل العلمية و المقالات :
1- وناس يحي :الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر أطروحة دكتوراه جامعة تلمسان 2007 .
2- د أحسن بوسقيعة : مشكلات المسؤولية الجنائية و الجزاءات في مجال الإضرار بالبيئة بحث مقدم للمؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي أكتوبر 1993 القاهرة مجموعة أعمال المؤتمر .
3- د الغوثي بن ملحة : مشكلات المسؤولية الجنائية و الجزاءات في مجال الإضرار بالبيئة بحث مقدم للمؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي أكتوبر1993 القاهرة دار النهضة العربية 1993 .
4- وزارة البيئة و تهيئة الإقليم المخطط الوطني للأعمال من أجل البيئة و التنمية المستدامة ملخص التقرير 2001 .
3 القوانين و المراسيم :
1 القوانين :
1- الأمر رقم 66 156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق ل08 يونيو سنة 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم .
2- القانون رقم 03 10 المؤرخ في 19/07/2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
3- القانون رقم 01 19 المؤرخ في 12/12/2001 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها .
4- القانون رقم 84 12 المؤرخ في 23/06/1984 المتضمن النظام العام للغابات المعدل و المتمم بالقانون رقم 91 20 المؤرخ في 02/12/1991 .
5- القانون رقم 87 17 المؤرخ في 01/08/1987 المتضمن حماية الصحة النباتية .
6- القانون رقم 83 17 المؤرخ في 16/07/1983 المتضمن قانون المياه المعدل و المتمم بالقانون رقم 05 12 المؤرخ في 04/08/2005 .
7- القانون رقم 88 08 المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طب العمل .
8- القانون رقم 01 10 المؤرخ في 03/07/2001 المتضمن قانون المناجم .
9- القانون رقم 02 02 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بحماية الساحل و تثمينه .
10 القانون رقم 01 14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق و سلامتها و أمنها .
11 القانون رقم 03 02 المؤرخ في 17/12/2003 المحدد للقواعد العامة لاستعمال و استغلال
الشواطئ .
12 القانون رقم 98 05 المؤرخ في 25/06/1998 المتضمن القانون البحري .
2 المراسيم :
1 المرسوم رقم 81 04 المؤرخ في 17/01/1981 المتضمن المصادقة على الاتفاقية الخاصة
بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث الناشئ عن رمي النفايات من السفن و الطائرات .
2 المرسوم رقم 03 95 المؤرخ في 21/01/1995 المتضمن المصادقة على اتفاقية ريودجانيرو المتعلقة بحماية البيئة المبرمة في 04/06/1992 .
3 المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المؤرخ في 10/07/1993 المنظم لإفراز الدخان و الروائح
و الجسيمات الصلبة و السائلة في الجوّ .
4 المرسوم التنفيذي رقم 93 161 المؤرخ في 10/07/1993 المنظم لصب الزيوت و الشحوم
الزيتية في الزسط الطبيعي .
5 المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المؤرخ في 10/07/1993 المتضمن تنظيم رمي النفايات الصناعية السائلة في الأوساط الطبيعية .
المرسوم التنفيذي رقم 98 339 الذي المؤرخ في 03/11/1998 الخاص بالتنظيم المطبق على المنشآت المصنفة و يحدد قائمتها .
المرسوم التنفيذي رقم 02 01 الخاص باستغلال الموانئ و أمنها .
المرسوم التنفيذي رقم 06 198 المتعلق بالمنشآت المصنفة .
المرسوم التنفيذي رقم 98/276 المؤرخ في 12/09/1998 المتعلق بتأهيل مفتشي البيئة لتمثيل الإدارة أمام العدالة .
المرسوم التنفيذي رقم 96 60 المؤرخ في 27/01/1996 المتضمن إنشاء مفتشيه ولائية للبيئة .
ثانيا باللغة الفرنسية :
1_ LES OUVRAGES :
1_ Jérome & Philipe , Droit de l environnement ,Eyrolles ,1993
2_ Michel prieur : Droit de l environnement, Dalloz, 2e édition, 1991.
2_Thèses , revues , rapports et Articles :
1_Patrick Mistretta , la responsabilité pénale du délinquant écologique , thèse de
doctorat en droit , Jean Moulin , Lyon 03 , 1998 .
2_Mathieu le tacon , Droit pénal et l environnement ; mémoire de D .E.A
Université de Toulouse , 1998_1999.
3_Abdelaziz.M.Abdelhady , Le droit a l environnement en droit international ,
revue de droit , kuwit vol 17 n 12 , mars 1993 .
4_ Ramdan Zerguin , La responsabilité pénale des dirigeants des entreprises ,
revue Algérienne des sciences juridiques, vol 31 n 04.
5_ Ministère de l aménagement du territoire et de l environnement , la politique
Environnementale industrielle , mai 2002 .
6_ Juriss_ classeur , environnement , vol.03 , 2000.
7_ Juriss_ classeur, environnement , vol. 01 , 1998 .
ثالثا المواقع الإلكترونية :
https:// ecoroute.uqcn.qc.ca/envir/santé/ t2 .htm
https:// arpcv .free.fr/ biodiversité. htm
https:// www. Acceand1.net /codrural.htm
https:// www mygale_chez tiscali.fr/legislation.htm#2