[align=right]بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
إطلالة على ملامح من شخصية
العلامة الولي الصالح القطب الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد رضي الله عنه
هو البركة العالم الفقيه المحدث الصوفي الولي الصالح القطب الغوث الأديب مفتي الديار المغربية، محيي الدين الشيخ سيدي عبد القادر ابن محمد بن سليمان بن أبي سماحة، المكنى "أبا محمد " المعروف ب "السماحي" الشهير عند الخاصة والعامة ب" سيدي الشيخ" رضي الله عنه.
1ـ نسبــــــه:
يرتفع نسبه رضي الله عنه من جهة أبيه إلى الدوحة الصديقية والأرومة العتيقية؛ من نسل الصحابي الجليل سيدي عبد الرحمن بن شيخ الصحابة وسيد المومنين، ثاني اثنين وخليفة رسول رب العالمين، سيدنا أبي بكر الصديق التيمي القرشي رضي الله عنه الذي يلتقي نسبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجد السادس: ( مرة بن كعب). قال ابن الوردي في الانتساب إلى هذا البيت العريق الحسيب:
غير أني أحمد الله علــــــــــى***أني نسبي بأبي بكر اتصل
ومن جهة أمه يرتفع نسبه إلى الدوحة النبوية الشريفة، إذ والدته هي بنت الشريف سيدي علي بن سعيد من الشرفاء الوداغير الأدارسة. ذكر نسبته هذه إلى البيت النبوي الشريف الأستاذ الشيخ أبو بكر حمزة في
Un Soufi Sidi Cheikh,الجزء الأول من الكتاب:
Les Grandes familles du Maroc,وصاحب كتاب:
أبي محلي في "المهراس"، حيث أشار إلى أنه من نسل فاطمة الزهراء. وأثبت ذلك الشاعر بقوله. وكذلك
وأمه لآل البيت تنسب***نجل سعيدهم علي إذ تحسب.
والدليل على ثبوت الشرف من جهة الأم ما أخرجه الجلال السيوطي في جامعه من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع قول شاعر الجاهلية:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد.
قال:" قاتل الله شاعرهم ابن أخت القوم منهم."
والمفتى به في مذهب المالكية بثبوت الشرف ولو من جهة الأم، وهو الذي أفتى به شيخ الحنفية الشيخ حسن الشرنبلالي، أورد هذا الشيخ العلامة إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه :" عمدة التحقيق في بشائر آل الصديق،) وقال: وهو لنا دليل في شرف الولد لأمه.
ـ مولده ونشأته ورحلاته في طلب العلم:
ولد الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد رضي الله عنه بالشلالة الظهرانية عام 940 هجرية،. ظهرت عليه الكرامات وخوارق العادات منذ ولادته، كما اشتهر بتوقد الذكاء، وحضور البديهة، وحدة الخاطر منذ طفولته، إذ بدا عليه منذ ذلك الحين ميل كبير نحو الدراسات الإسلامية ونبوغ خاص في علوم الشريعة، ولقي تشجيعات كبيرة في هذا الاتجاه من طرف عدة شيوخ محليين. وحفظ القرآن الكريم واستظهره صغيرا على يد والده الفقيه العلامة الولي الصالح سيدي محمد بن سليمان بن أبي سماحة، وتتلمذ على الشيخ العلامة سيدي عبد الجبار من قصر الشلالة، وانتفع بجده العلامة العارف بالله الشيخ سيدي سليمان بن أبي سماحة، كما صحب والده إلى شيخه العلامة سيدي محمد بن عبد الجبار بفجيج، وهناك أخذ عن أخواله الشرفاء الوداغير حيث ولج زاوية بني العز السكونية النيرة، ونشأ بها طالب علم إلى أن تخرج منها على يد عميدها الفقيه العلامة الأديب الصوفي الشيخ سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر السكوني الودغيري في معقول العلم ومنقوله. ثم جال في عدة مناطق من صحراء المغرب الكبير آنذاك كعين ماضي وكورارة وتوات وسجلماسة، فأخذ عن الفقيه النحوي الأديب الشيخ أبي عبد الله سيدي محمد بن مشرف الراشدي، والعلامة الشيخ أبي القاسم ين محمد بن عبد الجبار، والإمام العلامة الأديب الشيخ أبي عبد الله سيدي محمد بن بهلول فقيه ناحية زواوة ووليها وإمام وقته في العلم والصلاح، وكذلك عن الشيخ الفقيه المعروف بالبودخيلي وغيرهم، ثم رحل إلى فاس حاضرة المغرب العلمية فأخذ عن علمائها وخاصة النجم اللامع الشيخ سيدي عبد القادر الفاسي.
3ـ رحلاته في طلب التصوف واتصاله بالقطب:
بعد أن تضلع الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد رضي الله عنه في اللغة وآدابها، وأتقن علوم الشريعة برمتها،تشوق إلى علم التصوف،فخرج في طلب القطب ليجوب على نطاق أوسع أرجاء المغرب الكبير ويعمق دراسته الصوفية على يد عدة شيوخ بأشهر الزوايا في عصره، فأخذ أولا عن عمه الولي الصالح الشيخ أبي العباس سيدي أحمد المجدوب المعروف ب(الحمياني)،ثم عن الشيخ أبي العباس أحمد بن موسى السملالي، والشيخ موسى بن حسن الكرزازي، وبتلمسان أخذ عن الشيخ العارف بالله الحاج بن عامر الشهير بالشريف التلمساني الملقب بالعبد الوادي دفين باب كشوط. وبعيدا من هناك أخذ عن الشيخ العارف بالله المحقق الحاج أبي القاسم الجراري، وبغرب المغرب أخذ عن الشيخ العارف بالله المحقق كذلك أبي الحسن علي بن إبراهيم المشهور ببسط تادلة من بلاد فشتالة.
ثم أشاروا عليه بوجود شيخ العصر وقطب الزمان بالمكان المعروف ب(قصر السهلي)على ضفة وادي كير وهو العارف بالله الشيخ القطب المربي الشهير أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الرحمن السهلي الجرجري رضي الله عنه ومريد القطب الشيخ أبي العباس سيدي أحمد بن يوسف الراشدي الملياني وأحد مذابيحه السبعة المشهورين ووارث سره. قال عنه صاحب ( جواهر السماط): "الشيخ الولي الجليل النفاع الظاهر الحال القوي السلوك أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن دفين بلاد السهل بكير.."، فأخذ عنه ولزمه بالطاعة والخدمة، وأبان عن صدق تام في محبته، وإخلاص كامل في العمل وفق توجيهاته، تجلى ذلك بجلاء في تفوقه على جميع أقرانه في كل الاختبارات التي اختبره بها طيلة مدة مكوثه معه. اتخذ رضي الله عنه الخلوة وتعبد بإذن من هذا الشيخ الفحل الجليل في كثير من الجهات، فكانت له في كل ربوة عالية خلوة، وفي كل واد من القفار متعبدة وبركة جارية سرا وعلانية، إذ تعبد على طول ضفتي الوادي الغربي ووادي الناموس، وعلى القمم في القسم الأوسط من جبال الأطلس الصحراوي كجبل كسال وبونكتة وعنتر...وفي جبال لمناطق أخرى قرب مقابر مهجورة وفي مغارات وكهوف تحت الأرض. وفي هذا السياق ذكر له ابن مرزوق تسعة وتسعين خلوة على عدد أسماء الله الحسنى، وذكر له Octave Depont و Xavier Coppolani في كتاب " Les confréries religieuses musulmanes " مائة خلوة. وذكر له الأستاذ الشيخ أبو بكر حمزة في كتابه المذكور وصاحب كتاب: Les grandes familles du Maroc مائة وعشرة خلوة، ووافقهما على ذلك الشاعر الزجال محمد بلخير المعروف ب: " مادح سيدي الشيخ " في أشعاره الشعبية حيث قال في إحدى قصائد ديوانه المخصص لهذا الغرض:
مولى عشر ميات روحانيــــة***والخلوات ميا وعشرة زايـــــد
مولى البركة الظاهرة وخفيـــة***خبرني لله واش نعـــــــود
وقال في قصيدة أخرى:
عبدت ميا والعشـــــــرا***خلوات والفضايل بانـــــــو
من عاش بالفضل والقـــدرة***والواصلين هاك يكونـــــــو
وذكرت له بعض الروايات الشفوية مائة وأحد عشرة خلوة، وقيل أن ذلك يطابق عدد الأولياء النائمين بفجيج. وذكر له الشاعر الزجال مصطفى الزيادي أكثر من ذلك فقال:
اعبد سيدي كم من خلـــوات***.خلاها له قاعدة تفكيـــــــر
لميا والعشرة بلا تنعــــات***زيادة والغير لا تحكيــــــــر
ويؤثر عنه رضي الله عنه كما أورد ذلك الأستاذ الباحث عبد الله طواهرية في كتابيه: " الحضرة " و " تذكرة الخلان " وكما يستقى أيضا من بعض الروايات الشفوية أنه حددها هو نفسه في مائة وواحدة فقال: " عبدت في ميات خلوة وخلوة زايدة وما حصلت على الفايدة حتى عطيت المايدة" وهو ما يفيد أنها أكثر من مائة كما أورد ذلك عنه العلامة السكوني في " المناقب" حيث قال رضي الله عنه: " ما دخل أحد مائة خلوة وأزيد يتعبد فيها منذ زمان أويس القرني إلى زماننا هذا سواي". وتراوحت المدد الزمنية التي رابط خلالها على العبادة في الخلوات كما جاء عن الأستاذ أبي بكر حمزة ما بين خمسة أيام وخمسة أشهر وخمس سنوات. وحسب " المناقب " و " الشعر الشعبي" و "الرواية الشفوية" أنها تراوحت كذلك ما بين عشرة أيام وستين يوما وسبع سنين.
وفي آخر عهده بهذا الشيخ الرباني تمكن من الانفراد مرة أخرى بالتفوق في آخر امتحان وذلك أنه لما تخرج على يديه رفقة من كان معه من الأشياخ رحلوا جميعا عنه إلا الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد فإنه آثر البقاء معه للمزيد من الخدمة وقوفا عند حدود الأدب معه ومراعاة لحقه عليه، فبقي معه مدة إلى أن أعاد عليه البشارة مرة أخرى بأنه وارث سره والقطب من بعده، وأذن له في الرحيل إلى فجيج والتصدر للتربية هناك بعد وفاته فقال له قولته المشهورة:
ليا أنت بغيت العفس والدفس..... . واقشيع الزنــــادي
اقعد معايا في بــــلادي
وليا أنت بغيت العز والكنـز.......وركوب لعيـــــــادي
سير لفجيج غــــادي
.
ـ استقراره بفجيج وتأسيسه الزوايا هناك وتصدره للتربية:
غادر الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد قصر السهلي وهو يحمل شارة شيخ الطريقة على هدي السلسلة الشاذلية متوجها إلى الجنوب الشرقي المغربي، فاستقر أولا بالمغرار التحتاني غير بعيد من العين الصفراء، ثم تركها و مر بالمشرية، ثم عين ماضي، ثم تاسلا بتوات ففجيج التي كانت آنذاك مركزا للإشعاع العلمي والصوفي نظرا لما كانت تزخر به من الرخاء الاقتصادي، فأخذ استقراره بها لأنه كان قد اتخذ لنفسه في بستان الشرفاء الجمالين (أولاد معلى) خلوته سماها "العباد "تيمنا بعباد الشيخ القطب سيدي أبي مدين الغوث دفين تلمسان وهو أحد شيوخ سلسلته وأحد أوتاد المغرب. وفي هذه المنطقة المطلة على قصر زناكة آن أوان ظهوره حيث أسس أول زاوية له سماها باسم خلوته المذكورة "العباد" وكان ذلك بعد وفاة شيخه وعمدته في الطريق الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان السهلي رضي الله عنه بسنة 968ه. ولما تكاثرت عليه وفود المريدين من ساكنة قصور فجيج ومن الأعراب البدو الذين كان لأوائلهم انتماء طرقي لجده الشيخ سيدي سلمان بن أبي سماحة في زمانه، اضطر إلى تأسيس زاوية ثانية في الفضاء الواسع الشامل شرق الحمامين لمنطقة أجدل سماها(سهلي) تبركا بشيخه المذكور وذلك في أواخر القرن العاشر الهجري. وظل رضي الله عنه يرأس الزاوية(العباد) وفرعها بأجدل والتي أصبح لها في ذلك الوقت إشعاع علمي وصوفي كبير أدى لما يقرب من قرن من الزمن إلى خفوت صوت الزوايا هناك.
وقد ساعد على ذلك ازدهارها ما كانت تزخر به من موارد عيش عريضة، إذا كان لها ثمانون جنانا،وستون خروبة ماء، وثمانية عشر ناقة خاصة للتموين، وطاحونتان مائيتان على ساقية تزدارت وفرقة من الخيول، وفرقة من العبيد، وممتلكات أخرى في بعض الواحات كبساتين بني ونيف. كما كانت له رضي الله عنه فتوح في كل أرض من الصحاري بحيث كانت تأتيه القبائل التي تخدمه في كل عام وفي المناسبات بالهدايا والأعطيات من الأموال والأكباش والنوق والحبوب والتمور والزبدة والعسل. هذا بالإضافة إلى سهمه في الغنائم أثناء جهاده ضد المحتل الإسباني، وكذا الامتيازات المادية والمعنوية التي أنعم بها عليه ملوك الدولة السعدية كظهائر التوقير والاحترام التي أسقطت عنه كل التكاليف وحول بموجبها بعض ما كان يدفعه أهل المنطقة إليه عوضا عن خزينة الدولة. كل ذلك أنشأ منه زاوية كافية، بل أكبر زاوية في المنطقة وأحد أغنى مراكز التصوف في المغرب، الأمر الذي أهلها لاستقطاب كل القبائل العابرين للسبيل، وبالتالي افتتاح فروع أخرى لها في الجنوب والشمال وفي الداخل وعلى السواحل في المدن والقرى على السواء. ومن هذه الزوايا ما هو قائم إلى اليوم كزاويته بفاس، وتحديدا بالمدينة البيضاء أو العليا وهي ما يعرف اليوم بفاس الجديد، وزاويته بالجامع الكبير بطنجة، وهي الآن في حوزة التيجانيين، وزاويته قرب الجديدة، وتحديدا بمولاي أبي شعيب الرداد، وزاويته بناحية ورزازات، وزاويته التي تحمل إلى اليوم اسمه، وتسمى بها إحدى جماعات دائرة القصيبة بعمالة بني ملال، وهي "زاوية الشيخ"، وزاويته بمراكش بحومة سيدي محمد بن صالح، وغيرها في الأقطار المغاربية.
5: أدوار الزاوية الشيخية خلال العهد السعدي في الميادين الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية:
* الحقل الديني والثقافي:
الجانب العلمي: كان للزاوية الشيخية على عهد السعديين نشاط جد مكثف وخاصة على عهد الملوك الثلاثة:المولى عبد الملك والمولى أحمد المنصور والمولى زيدان، فنظرا لما عرف عن مؤسسها الشيخ سيدي عبد القادر بن محمد من علم غزير، ونظرا للأعداد الهائلة أيضا من الطلبة والزوار الوافدين عليها من مختلف الجهات، فقد رتب لها مجالس من كل فن، إذ أنه كان يقرئ أربعة عشر فنا من فنون العلم الظاهر. ومما يدل دلالة قاطعة على بلوغه الغاية القصوى في الإحاطة بعلوم الشريعة برمتها إلى حد التمكن من الاجتهاد، ويشهد كذلك شهادة دامغة على أنه كان أعلم أهل زمانه على الإطلاق اختياره من قبل سلطان المغرب المولى زيدان لتولي الإفتاء حيث طلب منه استصدار الفتاوى في القضايا الشائكة، ومن ذلك على سبيل المثال نص الفتوى التي أصدرها في ربيع الثاني من عام 1016 هجرية الموافق 1607 ميلادية.
يتبع ان شاء الله .[/align]