والجواب على ما ذكر سلمان العودة دراية ورواية أما رواية فقد صح معنى حديث الافتراق من غير حديث الافتراق المعروف من ذلك :[/COLOR][/B]
[/SIZE][/FONT] 1-عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" متفق عليه واللفظ لمسلم . ونحوه في الصحيحين عن معاوية، وفي مسلم عن ثوبان وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وسعد بن أبي وقاص نحوه . و هذا الحديث متواتر كماعده متواتراً الإمام ابن تيمية في الاقتضاء (1/69) وجلال الدين السيوطي في كتاب قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة , وهو يفيد معنى افتراق الأمة وأن الذين على الحق طائفة واحدة .
2-وأخرج أحمد(1/435) والنسائي في الكبرى (6/343) بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال خط رسول الله خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خطخطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(الأنعام: من الآية153)
3-عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ))(2) أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي وصححه وصححه أبو نعيم والبزار وابن عبدالبر (3). قال ابن القيم: وهذا حديث حسن، إسناده لا بأس به.
فهذه الأحاديث تدل على ما يدل عليه حديث الافتراق المعروف الذي رواه جمع من الصحابة وخرجه طائفة منهم :
أ-أخرج الإمام أحمد وأبوداود عن معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال إن رسول الله قال إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ) في إسناد حديث معاوية أزهر الهوزني وقيل الحرازي وقيل غير ذلك، حسن حديثه الذهبي في الميزان ولم أر في أئمة الحديث المتقدمين من وثقه توثيقاً معتبراً وإن كان توثيق الذهبي له اعتباره.
ب-أخرج الترمذي وابن ماجه من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )، وقد تكلم يحيى بن معين في رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة.
وقد روي حديث الافتراق عن ما يقارب ستة عشر صحابياً .
وهذا الحديث لم يتفرد بحكم جديد بل تؤكده الأحاديث السابقة لذا لم يشدد فيه الأئمة فصححه و حسنه طائفة .
قالَ الحافِظُ ابنُ حجَر في «تخريج أحاديث الكشاف» ( ص 63) : «حسَنٌ ».
و قال ابن تيمية في «مجموعِ الفتاوَى» (3/345): «الحديثُ صحيحٌ مشهورٌ في السّننِ والمسانيدِ ».
و قال الشّاطِبي في «الاعتصامِ » (2/186): «صحّ مِن حديثِ أبيِ هريرَةَ ».
و قالَ الحافِظُ ابنُ كَثير في «تفسيرِه» (2/482): «كما جاءَ في الحديثِ المرويِّ فيِ المسانيدِ والسّننِ من طُرقٍ يشدّ بعضُها بعضاً : أنّ اليهُودَ افترَقَت... » الحديث .
وقالَ (4/574): «كمَا جاءَ في الحديثِ المرويِّ من طرقٍ ».
والإمام الألبانِي في «الصّحيحةِ» (204و205) .[2]
وبعد بيان صحة حديث الافتراق وذكر ما يشهد لمعناه أقف مع بعض الملاحظات في كلامه
الملاحظة الأولى :أنه عاب على من يبالغ ويذكر هذا الحديث عند العامة خشية أن يفهموا منه ما ليس مراداً ونسي أنه ممن يلقيه على العامة ويفهمهم خلاف المراد منه عند علماء السنة حتى اليمن لما زارها ذكر الحديث وأفهمهم منه ما ليس مراداً عند علماء السنة , والأحرى بالمنع هو من أتى بفهم جديد خلاف فهم السلف .
الملاحظة الثانية:حاول التشكيك في صحة الحديث مع اعترافه بصحته وذلك أنه ذكر أن الشيخين لم يخرجاه وهذا لا فائدة منه بما أنه معترف بصحته ثم إنه ذكر من ضعفه وهذا لا فائدة منه بما أنه اعترف بصحته ثم زاد في التشكيك لما عزا وأشاد ببحث المفتون عبد الله الجديع وهو يعلم أنه ممن يضعف الحديث.
الملاحظة الثالثة :أورد حديث أبي موسى (( أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلاَزِلُ وَالْقَتْلُ)) الذي جوده إسناده ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/100)و حسنه الحافظ ابن حجر في بذل الماعون (2/54) وابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى (4/23)وصححه الإمام الألباني في السلسة الصحيحة رقم959 وقد أورده العودة في سياق الرد و التشكيك في أحاديث الافتراق وهذا ما لا يصح لأن ظاهر هذا يعارض نصوصا أخرى متواترة تدل على أن من المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من سيدخل النار كأحاديث الشفاعة لذا وجهه أهل العلم توجيهاً يتوافق مع بقية النصوص الشرعية خلافاً للعودة وذلك بأن حمله طائفة على الغالب كما هو قول ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى(4/23) والإمام الألباني إذ قال :واعلم أن المقصود بـ ( الأمة ) هنا غالبها للقطع بأنه لابد من دخول بعضهم النار للتطهير ا.هـ وآخرون من العلماء على أن المراد أهل قرنه صلى الله عليه وسلم كما هو قول ابن رسلان والمناوي كما في فيض القدير (2/185) .
إذا تبين توجيه العلماء للحديث على ما تقدم لم يكن للعودة متعلق بالحديث إلا أن يقول على التوجيه الأول : إن هذا يفيد أن غالب الأمة سالم وهذا خلاف ظاهر حديث الافتراق فيقال :إن هناك فرقاً بين أحكام الدنيا والآخرة -على ما سيأتي بيانه- وحديث الافتراق يتعلق بأحكام الدنيا والواجب تجاه المخالفين من أهل البدع ممن تلبسوا بالبدع ثم لازم استدلال العودة بالحديث ألا ننكر الزنا ولا الربا على المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا عذاب على أمة محمدصلى الله عليه وسلم وهذا ما لا يقول به لا هو ولا غيره فبهذا يكون تناقض تناقضاً بيناً !!
الملاحظة الرابعة: استدل على رد أحاديث الافتراق بقوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس) ، وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وهذا مالا دلالة فيه بحال لأنه لا تنافي ولا تعارض بين خيرة الأمة على غيرها من الأمم ووجود فرق أكثر من الأمة ضالة من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول:
قد تكون الخيرية من جهة النوع لا العدد .
الوجه الثاني :أنه لا يلزم من كثرة عدد الطوائف والفرق الضالة أن يكون عدد الأفراد الضالين أكثر فقد يتفرق مائة على فرقتين وفي المقابل يتفرق عشرة على خمس فرق .
الوجه الثالث:أن نوع تفرق هذه الأمة أهون من نوع تفرق الأمم السابقة وهذا التفرق الأهون مقابل بفضائل ومحامد كثيرة للأمة .
وقد ذكر هذين الوجهين الأخيرين سلمان العودة نفسه في مقاله المردود عليه ثم بعد ذلك وقع فيما يخالفهما .!!
الملاحظة الخامسة : استدل على رد أحاديث الافتراق بقوله تعالى في سورة البقرة (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)وهذا استدلال باطل عاطل فمن قال: إن هذه الفرق الضالة ناسية أو مخطئة الخطأ المقابل لتعمد القول أو الاعتقاد ؟
هذا لم يقل به أحد ولو كانوا كذلك لما ضللوا فضلاً أن يخرجوا من الفرقة الناجية المرضية .
الملاحظة السادسة:أكثر من إيراد الأدلة التي فيها كثرة دخول أمة محمد e الجنة , والأدلة التي فيها العفو عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا ...
وهذا ما لا يصح الاعتماد عليه لرد أحاديث الافتراق من وجهين :
الوجه الأول: أنه لا تلازم بين أحكام الدنيا والآخرة فهم في الدنيا ضلال أما حكمهم في الآخرة إلى الله ولا يلزم من ضلال الرجل المعين في الدنيا أن يكون في الآخرة بالنار قال الإمام ابن تيمية : لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليها الأحكام في الدنيا، لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة ثم تكلم عن المنافقين وأن عبد الله بن سلول ورث ابنه عبد الله ا.هـ[3]
وقال - رحمه الله - : فهذا أصل ينبغي معرفته فإنه مهم في هذا الباب، فإن كثيراً ممن تكلم قي مسائل الإيمان والكفر لتكفير أهل الأهواء - لم يلحظوا هذا الباب، ولم يميزوا بين الحكم الظاهر والباطن ، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة ، والإجماع المعلوم ،بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، ومن تدبر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع ، قد يكون مؤمناً مخطئاً جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول ، وقد يكون منافقاً زنديقياً يظهر خلاف ما يبطن ا. هـ[4]
وقال: وبالجملة فأصل هذه المسائل أن تعلم: أن الكفر نوعان : كفر ظاهر ، وكفر نفاق،فإذا تكلم في أحكام الآخرة كان حكم المنافق حكم الكفار ، وأما في أحكام الدنيا فقد تجري على المنافق أحكام المسلمين ا0هـ[5] ومن المعلوم عند أهل السنة أن كل ذنب دون الشرك تحت المشيئة كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) وقد أشار إلى هذا العودة في جوابه.
الوجه الثاني :أنه لا يصح لأحد أن يضرب السنة بعضها ببعض والواجب عند الاشتباه التسليم والإيمان بكل دليل وحده كما قال تعالى عن الراسخين في العلم (كل من عند ربنا ).
الملاحظة السابعة :ذكر نقلاً عن الشاطبي أن السلف لم يكونوا يشتغلون بتعين الاثنتين والسبعين فرقة .
ونقله عن الشاطبي صحيح لكن لا فائدة منه فيما نحن بصدده لأن الكلام ليس في تعيين هذه الطوائف الاثنتين والسبعين كلها حتى يقال هذا الكلام وإنما في مفهوم حديث الافتراق وتبديع من لم يكن من الفرقة الناجية وعدائه, والسلف جزموا بأن بعض الطوائف من الفرق الهالكة الاثنتين والسبعين كمثل المرجئة والقدرية والمعتزلة والشيعة كما جعلها الإمام ابن المبارك أصول الفرق الضالة , وجزموا أن الأشاعرة كذلك كما تقدم فالمطلوب صحة الحكم على بعض طوائف المسلمين أنهم من الفرق الضالة لا تعيين جميع طوائف الاثنتين والسبعين .
وإني لأجد نفسي مضطراً أن أبين للمسلمين نصحاً لله ولدينه أنه من دراستي لأطروحات العودة فإني أجدها غير صريحة وغير واضحة وإذا أراد الدعوة إلى أمر يصادم ما عليه الجماهير اتخذ أسلوب الخفاء وعدم الوضح كما فعل في أحاديث الافتراق فكن حذراً فإن الزم ما عليك دينك وهو زادك عند لقاء ربك وتذكر قول الإمام ابن سيرين كما في مقدمة صحيح مسلم : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
[1] قد أرسل لي الشيخ الدكتور أحمد بن صالح الزهراني-وفقه الله لكل خير - أوراقاً في نقد كلام سلمان العودة ,وقد استفدت منها . فجزاه الله خيراً .
(3) انظر جامع العلوم والحكم الحديث الثامن والعشرين ، وجامع بيان العلم وفضله(2/1165 ) .
[2] انظر كلام الشيخ سليم الهلالي-وفقه الله لكل خير- على الحديث وقد استفدت منه .
[3] مجموع الفتاوى (7/209-210) .
[4] الفتاوى (7/472) .
[5] الفتاوى (7/620) .