وقول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57] الآية [الإسراء: 57] ، وقوله {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26 - 27] [الزخرف: 26 - 27] الآية، وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] الآية [التوبة: 31] وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165] الآية [البقرة: 165] .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبَد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله - عز وجل " . وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب.
فيه مسائل:
فيه أكبر المسائل وأهمها: وهي تفسير الشهادة، وبيَّنها بأمور واضحة. منها: آية الإسراء بيَّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين؛ ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر
ومنها: آية براءة، بيَّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلها واحدا، مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم.
ومنها: قول الخليل عليه السلام للكفار: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف: 26 - 27] (الزخرف: 26 - 27) فاستثنى من المعبودين ربه، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة: هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 28] (الزخرف: 28) .
ومنها: آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167] (البقرة: 167) ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما؛ ولم يُدخلهم في الإسلام. فكيف بمن أحب الند أكبر من حب الله؟ فكيف بمن لم يحب إلا الند وحده؟ ولم يحب الله؟
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله» وهذا من أعظم ما يُبَيِّن معنى " لا إله إلا الله " فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضِيفَ إلى ذلك الكفر بما يُعْبَد من دون الله. فإن شك؛ أو توقف؛ لم يحرم ماله ودمه.
فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها! ويا له من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع!