السرقات العلمية ( مختار الطيباوي أنموذجا ) - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية .. > قسم التحذير من التطرف و الخروج عن منهج أهل السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

السرقات العلمية ( مختار الطيباوي أنموذجا )

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-02-07, 15:21   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
أبومحمد17
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

كشفُ الإبلاس في بؤرَة الجهلِ والإفلاس "سحاب"
بتحقيق الفرق بين السَّرقة وأنواع الاقتباس

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده.
أمَّا بعد، فبعد أن أبلط موقع الفتنة والجهل والسُّفول :"سحاب" من كلِّ علم وخير خرج بعضهم يعوس فخربش بنابِه أو ذيلِه شيئا سخيفا يشبه عقله، يتِّهم بالسَّرقة العلميَّة(؟!)
فهذا ما تعلَّموه من منهج الشَّيخ ربيع: تشقيق الكلام بما لا طائل منه للتّهويش على طلبة العلم، وذكر مساوئ أهل العلم لتحريش النَّاس عليهم.
وقد برعوا في إسقاط الكلام من سياقه، والتَّشبيه بالمتشابهات والمجملات الَّتي لا يحي مذهبهم إلاَّ فيها، فبمجرد التَّفصيل يصير لغوا من الكلام وضربًا من الجهل، وليس للقوم علم يميِّز بين الفوارق وعلاقات التَّشابه بين أنواع الاقتباس والأخذ والسَّرقة، فيأتي كلامهم إحالة على التَّناقض.
فلم يفرَّقوا بين السَّرقة كسرقة الحديث والسَّرقة في الشِّعر جريا على الخطأ الشَّائع المأخوذ من كتب نقد الشّعر والأدب الَّتي تتبع قواعد أخرى، واقتباس التَّشبيه أو التَّمثيل، وأخذ العبارة في سياق آخر ونسج كلامي آخر، أو اقتباس مقدِّمات علميَّة استدلالية ممَّا يسمَّى بمادَّة العلم، أو اقتباس المعنى وتحليله وتطويره بما لم يكن عند السَّابق.
كما لم ينتبهوا إلى أسباب تخلف العزو، وهي كثيرة منها: شهرة المقتَبَس حتَّى يصير من الكلام المشترك، أو سبق العهد بالمصدر، أو الثقة بالمنقولِ عنه فلا يتحقَّق من الأصل، والغفلة، والنَّقل من الذاكرة والنّسيان.
وكما قال ابن عبد البرِّ ـ رحمه الله ـ في (جامع بيان العلم وفضله) (2/1135): ((يدينون بالشَّيء وضده، ولا يعرفون ما في ذلك عليهم ...فألسنتهم تروي العلم، وقلوبهم خلت من الفهم)).
وعندما يرميك أحد هؤلاء بالسَّرقة فلأنّه معجب بمقالاتك لكن خنقه الحسد، ولم يجد ما يردُّ به فترك مقارعة البرهان، وقال، وقد عله السَّيف وعانى الموت: هذا ليس سيفك (؟!)
وليس هذا بجديد ـ خاصَّة عندنا ـ فقد قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في رسالة (فضل الأندلس) ضمن (نفح الطيب)(3/166): ((...ولا سيما أندلسنا فإنَّها خُصَّت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم، الماهر منهم، واستقلالهم كثير ما يأتي به، واستهجانهم حسناته وتتبُّعهم سقطاته وعثراته ـ وأكثر ذلك مدَّة حياته ـ بأضعاف ما في سائر البلاد ..إن أجاد قالوا : "سارق مغير منتحل مدَّع".
وإن توسَّط قالوا: "غث بارد وضعيف ساقط".
وإن باكر لحيازة قصب السبق قالوا: "متى كان هذا، ومتى تعلَّم، في أي زمان قرأ، ولأمِّه الهبل(؟؟؟!)"))
((وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين: إما شفوفا بائنا يعليه عن نظرائه أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها : فهنالك حمى الوطيس على البائس وصار غرضا للأقوال وهدفا للمطالب ونصبا للتسبب إليه ونهبا للألسنة وعرضة للتطرق إلى عرضه .. وربما نحل ما لم يقل وطوِّق ما لم يتقلد و ألحق به ما لم يفُه به ولا اعتقده قلبه....فإن تعرَّض لتأليف غمز ولمز وتُعُرِّض وهمز واشتطَّ عليه وعظم يسير خطبه واستشنع هيِّن سقطه وذهبت محاسنه وسترت فضائله وهتف ونودي بما أغفل فتنكسر لذلك همَّته وتكلُّ نفسه وتبرد حميَّته....فإنه لا يفلت من هذه الحبائل ولا يتخلَّص من هذه النُّصب إلا النَّاهض الفائت والمطفِّف المستولي على الأمد.))
ونفس الشيء ذكره عنهم أبو بكر بن العربي في (العواصم) فإنه قال: ((فإن ظهر عندهم من له معرفة، أو جاءهم بفائدة في الدِّين، وسرد عليهم البراهين: غمزوا جانبه، وقبَّحوا عجائبه ،وعيبوا حقَّه استكبارا وعتوا، و سعوا في إخماد ذكره، وتحقير قدره، وافتعلوا عليه وردُّوا كلَّ عظيمة إليه.)).
وقد يرمون النَّاس بما يشبه أحلَام الأطفال، وعُقُول رَبَّات الحِجال، ولتمريره على ضعفة العقول من أصحابهم يقولون لهم: حدثني من أثق بدينه.
وقد علموا أن جلّ المصائب في العلم والتراجم جاءت ممَّن يوثق بدينه، ولا عقل له، فلو قالوا كما يقول المتحقِّقون: "من أثق بدينه وعقله" لكانوا قد قاربوا الصَّواب، واستدعى النَّظر، ولكن دين القوم معروف: ورع عن الخضب بالسَّواد وفجور في أكل الأعراض.
وقد كنتُ تغافلت عنهم فيكفيهم ما فيهم، وكما قيل: كم قائلٍ أغفلتُه وهو حاضرٌ (!)
لكن إصرار بعض الأفاضل على تفصيل هذه المسألة من باب التّعليم اضطرني إلى تسطير هذا المقال حيث ظهر لي أنَّهم لم يلتزموا فيه بالموضوعيَّة اللازمة، وانساقوا خلف منهج شيخهم: صناعة البهتان، والمغالبة بالأخطاء الشائعة في كتب بعض المتأخِّرين.
ولا ساروا فيه على خطَّة منهجيَّة علميَّة محكَمة في قواعد الاستشهاد والاقتباس والاستدلال.
ولأنَّ هذه المسألة جزء من منهج الاحتطاب ليلا، غاب عنهم بعضُ أركانها، أو صوَّرها الَّتي لم ينتبهوا إليها، ولم يولوها اهتمامهم فهذا استدراكٌ بسيط على ما جاء في خربشتهم يوضِّح أساب التَّشابه، ومكمن الخطأ.
الموضوع:
الاقتباس من كلام العلماء :
الاقتباس من كلام العلماء وكتبهم له شروط، وهو أنواع، فهناك اقتباس الألفاظ والنصوص، وهناك اقتباس المعاني، وهناك فرق بين الجمل العلمية والجمل التعبيرية أو الخطابية الإنشائية والفرق بين أخذ المادة العلمية، وأخذ الصياغة والتكوين الاستدلالي، فمادة الجويني، ومادة الرازي، ومادة الغزالي في (الإحياء) ومادة كل السلفيين في مسائل الصفات وغيرها كلها مقتبسة من غيرهم.
فعندما نقتبس الأدلة العامة كمادة خام ونتصرف فيها بالتحليل أو البناء الاستدلالي نقول هذا :مادته من كلام فلان، أو من كتاب كذا، ولا نقول: سرق، لأنه ما من عالم وكاتب في العلوم إلا ومادته ممن سبقه، فالاختراع من غير مثال سابق لا يكون إلاّ في الشّعر والنثر حيث الخيال واسع وغير محدد وحيث الكذب مسموح به.
يقول شيخ الإسلام: ((وأما ابن سبعين فأصل مادته من كلام صاحب (الإرشاد) [يقصد الجويني]).
((وأبو حامد مادته الكلامية من كلام شيخه في (الإرشاد) و(الشامل) ونحوهما مضموما إلى ما تلقاه من القاضي أبي بكر الباقلاني لكنّه في أصول الفقه سلك في الغالب مذهب ابن الباقلاني مذهب الواقفة وتصويب المجتهدين، ونحو ذلك، وضم إلى ذلك ما أخذه من كلام أبي زيد الدبوسي وغيره في القياس ونحوه))
((ومادة أبي حامد في الفلسفة من كلام ابن سينا ،ولهذا يقال: أبو حامد أمرضه (الشفاء)[قلتُ: وكذلك الجويني، والرازي، والآمدي، والطاهر بن عاشور، وحتى كلام ابن تيمية في السلوب ـ مثلا ـ أصله من الإشارات] ومن كلام أصحاب (رسائل إخوان الصفا) ورسائل أبي حيان التوحيدي ونحو ذلك.
وأما في التّصوف وهو أجلّ علومه وبه نبل فأكثر مادته من كلام الشّيخ أبي طالب المكيّ الذي يذكره في المنجيات في الصّبر والشّكر والرّجاء والخوف والمحبّة والإخلاص فإنّ عامته مأخوذ من كلام أبي طالب المكي لكن كان أبو طالب أشدّ وأعلى.
وما يذكره في ربع المهلكات فأخذ غالبه من كلام الحارث المحاسبي))
((وأمّا شيخه أبو المعالي فمادته الكلامية أكثرها من كلام القاضي أبي بكر ونحوه واستمد من كلام أبي هاشم الجبائي على مختارات له، وكان قد فسر الكلام على أبي قاسم الأسكاف عن أبي إسحاق الإسفرائيني ولكن القاضي هو عندهم أولى.
ولقد خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة وأما كلام أبي الحسن نفسه فلم يكن يستمد منه وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه النّاس.))
((والرّازي مادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشّهرستاني فإنّ الشّهرستاني أخذه عن الأنصاري النّيسابوري عن أبي المعالي وله مادّة قويّة من كلام أبي الحسين البصري وسلك طريقته في أصول الفقه كثيرا، وهي أقرب إلى طريقة الفقهاء من طريقة الواقفة.)) انظر (بغية المرتاد)(1/448 وما بعدها).
فهنا نتحدث عن أصل الكلام بالإسناد التّاريخي أي أوّل من أظهره أو سطره في كتاب وأصل الكلام يعني روحه ومادته الخام لذلك لا نوصف هذا بالسّرقة لأنّه طبيعي إذ العلم بناء اللاحق على كلام السّابق.
وهناك نوع آخر من هذا القبيل وهو ما جرى عليه ابن قدامة في (روضة النّاظر) فمعلوم أنّه اختصر(المستصفى) ليس بمعنى الاختصار المعهود كما قد ذهب إليه بعض الباحثين، فهذا خطأ لأنّ (المستصفى) لا يناقش آراء الحنابلة كما فعل ابن قدامة في (الرّوضة) ولكن اتباع ترتيبه وتبويبه،كأنمّا كتبه على منواله، وإذا لم يشر إلى الغزالي و(المستصفى) فهذا لا يعني أنّه بسبب السّرقة لأنّه لم يشر لأسماء الكتب الّتي أخذ منها، فهذا ليس خاصا بـ(المستصفى) لكنه يتساهل في عزو آراء ولا يدقق النّقل.
كذلك من هذا الجنس ما فعله أبو بكر بن العربي ـ كما أشار إليه غير واحد ـ في كتابه (ترتيب الرحلة) حيث ينقل من مادّة الغزالي ولا يشير إلى ذلك .
وإذا كان من شكر وبركة العلم عزو الأقوال إلى أهلها كما قال غير واحد فإنّ أعظم بركة من ذلك الإنصاف مع أهل العلم كما قال ابن عبد البر فلا نطبق على البراهين والاستدلالات قواعد الشعر أو سرقة الحديث لاختلاف الجنسين من كل جهة.
وهناك نوع آخر من الاعتماد على المادّة العلمية لعالم سابق من غير عزو وهو ما فعله ابن أبي العز في (شرح الطحاوية)، والمعلمي في (القائد إلى تصحيح العقائد)، وقبلهما السيوطي في (صون المنطق) من أخذ كلام ابن تيمية برمته، وليس التصرف فيه وإعادة صياغته من جديد في ثوب آخر، أو في بناء استدلالي جديد كما هو صنيع العلماء في كتبهم، بل النقل الحرفي دون عزو، وقد ذكر لهم العلماء أعذارا منها بغض بيئتهم لابن تيمية، وعدم استعدادهم لقبول كلامه رحمه الله.
كذلك إذا اعتمدنا مبدأ الإسناد التاريخي فإن رأي ابن حزم في قياس الغائب على الشاهد وأنه يصلح في الإبطال لا في الإثبات أو الاستقراء أخذه من الفارابي، فكونه انتهى بالبحث إلى نفس النتيجة أمر صعب حصوله لكنّه ليس ممتنع.
فيجب التّفريق بين نقل النّص بتمامه، واقتباس المادة العلمية والتصرف فيها.
وقد اختلفت طرائق أهل العلم في الاقتباس من الكتب والنقل منها، فأحيانا نضطر لنقل النص بتمامه، وهنا يجب العزو ـ إلا من غفلة أو نسيان ـ لأن من شكر العلم العزو إلى أهله كما قال العلماء، لكن الإشارة قد تكون في بداية الكلام أو في آخره.
وقد يغفل عن ذلك بسبب نقل من مسودة أو غير ذلك، وهذا يقع لمن له كتابات كثيرة ليس كمن عنده أربع وريقات.
وأحيانا ننقل المعنى والفحوى، ونحاول الحفاظ على روح النص.
ونقل المعاني لا يكون كله اقتباسا، بل إن نقل المعنى في اتجاه آخر غير اتجاه صاحبه الأصلي لم يكن اقتباسا، بل هذا تملُّك للمعنى، وتصرف به، بحيث يصبح مشتركا غير خاص بصاحب الكلام ابتداءً.
فللاقتباس طريقان إما اقتباس نص الكلام كما هو بالمطابقة فيأتي به كما هو، و هذا استشهاد يحتاج إلى العزو الصّحيح الصّريح إلاّ أن يغفل أو ينسى أو يكسل عن المراجعة فلا ينتبه إلى أن النّقل بغير عزو.
وإمّا أن يحصل معنى الكلام ويتصوره في ذهنه فيأخذ جزءا منه، ويبني عليه، أو يعبر عنه بألفاظ أخرى، أو ينزله على شيء آخر بنوع قياس يبرع فيه.
وهذا إن عزا إلى الأصل فحسن وإلاّ فهو متملّك للكلام هنا، لأنّ صاحب أصله لم يستعمله حيث استعمله هذا.
ولذلك نفرّق بين ما هو من جنس الحكمة والخبر، وما هو من جنس البرهان لأنّه مبني على أوّليات فطريّة مشتركة عند جميع النّاس فالقول: "إنّ المطلوب من إثبات الذّات إثبات الوجود لا إثبات التكييف فهكذا في الصفات"، وجميع القواعد العلميَّة الصَّحيحة سواء كانت منطقيَّة أو أصوليَّة، وكذلك المصطلحات فمثل هذا لا يحتاج إلى عزو لأنَّه صار شائعا وكالبديهي، وإن كان لظهوره أوَّل، وهكذا.
فحتَّى في كتب ابن تيمية خاصة في (الدرء) أدلَّة لم يكن منشئا لها أصالة، بل اقتبسها عن الغزالي أو ابن رشد أو ابن ملكا لكنَّه يتوسع فيها بما لم يأتوا به، وبكيفية أخرى مغايرة لطريقتهم.
وعليه، فالاقتباس ليس كله سردا للأقوال كما يعتقد بعض الجهلة، فربما يحتاج الكاتب إلى نقل المعنى أو استعارته لمشابهة وتجانس بين مسألتين، أو يقتصر على بعض القول دون بقيته حسب ما يقدر في ذهنه.
ويعلم المعتادون على الكتابة أنَّ المقالات تتبع مقاصد أصحابها، وأنَّ الكلام يتداخل مع بعضه بعضا، وقد يحتوي الفصل الواحد، وحتَّى الجملة الواحدة موضوعات متعدِّدة قد ينجح المقتبس في فصلها عن بعضها بعضا، وقد لا ينجح.
ومن هنا يختلف تقديره لاقتطاع الكلام من حيث يبدأ وإلى حيث ينتهي كلُّ ذلك تتبعا للموضوع الَّذي يريد إبرازه، والاستشهاد بكلام صاحب المتن.
فيأتي من ليست له خبرة، أو صاحب غرض دسيس خسيس ويزعم عليه بتر الكلام والتَّصرُّف فيه بغير حقٍّ.
ومع حسن النية ببعض النّاس نقول:
إذا اختلفت الأغراض والمقاصد اختلفت الرؤى، وبالتالي اختلفت الحاجة إلى كلام صاحب المتن فهذا يأخذ هذا، ويراه هو المناسب، وهو الحامل للوصف المؤثِّر بينما يرى الآخر أن ما تركه النَّاقل حاسم، وفارق في بيان المعنى وتوضيحه.
ولعلَّ بعض النَّاس لم يفقه مسألة الاقتباس، وليس له خبرة بطريقة العلماء في الكلام ، وليست له دراية بتحليل النص، فلم يدر المقدِّمات من النتيجة والحكم فراح يعترض على غيره في غير معترض، فهذا ابن القيم الإمام الزاهد الورع ينقل في (بدائع الفوائد) قول ابن الجوزي في (المدهش) : (( العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة، الجهل والبطالة توأمان أمهما إيثار الكسل)) دون أن يعزو إليه.
وهذا الجامي يقول: ((إذا رأيت الرجل يحب جميع النّاس فاعلم أنه مداهن)) ،وهذه كلمة سفيان الثوري نقلها عنه الذّهبي في (سير أعلام النبلاء) ولو تتبعنا هذا لوجدنا عشرات الأمثلة عنه.
وقول ابن القيم في (مدارج السالكين)(): ((من رغب عن العمل لوجه الله وحده)) مأخوذ من (الدرء)
فإطلاق السرقة على الكل مع وجود هذه الفوارق الواضحة البينة لا يتجه، وهو تلاعب بالعبارات، ووضعها في غير موضعها، وهذا يشبه من جعل القلب في الحديث سرقة، ولم يفرق إن كان المبدل به منفردا أو لم يكن.
نماذج من عدم العزو للأسباب التي ذكرنا:
1 ـ قال الحافظ في (تهذيب التهذيب)(10/247): (( وذكره البخاري في (صحيحه) في مواضع يسيرة سماه فيها وكناه تعليقا، منها في (التفسير): قال معمر: الرجعي :المرجع.
ومنها في "تفسير الأحزاب": وقال معمر: التبرج أن تخرج محاسنها.
ومنها: في {هل أتى}: قال معمر: أسرهم شدة الخلق.
ومنها في قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} قال: كلمته كن فكان، قال البخاري: وقال أبو عبيدة: فذكره، ووقع في بعض الروايات: "وقال أبو عبيد" فكأنه تصحيف.
وهذه المواضع كلها في كتاب (المجاز) لأبي عبيدة معمر بن المثنى، هذا وقد أكثر البخاري في (جامعه) النقل منه من غير عزو كما بينت ذلك في الشرح، والله تعالى الموفق))
قلتُ: فهذا البخاري ـ رحمه الله ـ على ما جرى عليه عمل أهل العلم ينقل عن أبي عبيدة معمر بن المثنى من كتابه( المجاز) من غير عزو، لأنه يكتفي بالإشارة إلى ما سبق العزو إليه فيعرف القارئ ـ لكثرة الاستعمال ـ أنه منقول من نفس المصدر.
فأهل العلم يعلمون أن تفسير معاني الكلمات الواردة في النّصوص ليس من صناعة البخاري ولا هو من المراجع في الباب، وأنه حينما يقول: معناه كذا وكذا فهذا حتما أخذه من مظانه وعن أهله.
فالتصرف في هذا الأمر يعود إلى تحديد الأعراف المتبعة في اقتباس المعاني والألفاظ، ولو أخذنا بقول بعض العلماء كالسيوطي في العزو ــ مع أنه لم يف به ـ لما صح لأحد كلام علمي واستدلال، فالعلم ليس اختراعا من غير سبق، بل بناء على ما أتى به السابق تطويرا وانتقالا به من حال إلى ما هو أفضل صياغة وقوة، والاشتراك في اللفظ لا يلزم منه اتصال وتناسب.
فيجب أن نفرق بين الفوائد العلمية، والاستشهاد وبين الاستدلال فإن الأدلة مشتركة ومترددة بين العلماء كما تجده في كتب العلم، ومنها المشهور كبعض الألفاظ والقواعد وهذه لا عزو فيها فاستخراج دليل من دليل سابق، وتوليد كلام من كلام ليس من قبيل السرقة، بل هذا طبع العلم وحقيقته، ينمو من كلمة حتى يصير مؤلفات.
فهذا الشرط "أن يكون مخترعا غير مسبوق" لا يصح إلا في الأدب فقط حيث لا حدود للخيال والشعور، أما العلم فشيء آخر.
ومن هنا لم يكن للاستدلال إسناد تاريخي مهم في قبوله ورده، لأن الدليل أشهر من أن يفتقر فيه إلى قول عالم من العلماء.
فحيث الأدلة المشهورة عند أرباب الفن فلا سرقة، وكذلك تشابه الموضوع أو تشابه الأسلوب لا يعني أنه مسروق.
وعليه فاتهام الناس بالسرقة بلا ضابط ولا قاعدة محددة إنما يفعله الجهَّال.
2 ـ استدرك عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن على ابن عبد الهادي في (محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) كثرة النقل من غير عزو، فقد نقل كثيراً من: (المغني) ، و(المقنع) ، و(عيون المعارف)، دون الإشارة أو التنبيه إلى مصدره المنقول عنه.
3 ـ واستدرك المناوي في ( فيض القدير)(3/382) على ابن الأثير النقل عن الزمخشري دون عزو إليه كما في تفسير" حُزُقَّة" فقال: ((ذكره كله الزمخشري وتبعه ابن الأثير من غير عزو له كعادته))
4 ـ واستدرك محمد بن إبراهيم البكري في (دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين) على صاحب (النهاية) فقال: ((وقال ابن الأعرابي: ثمرة السمر شبه اللوبيا، وذكرهما في «النهاية» مقدماً الثاني فيهما من غير عزو لابن الأعرابي حاكياً للأول بقيل))
فقد يغفل الكاتب عن العزو، وقد ينسى المصدر إن كان ناقلا من ذاكرته.
5 ـ قال جلال الدين السيوطي في (عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث) ـ وهو يقصد ـ ربما ـ القسطلاني: ((قد أوردت جميع كلام أبي البقاء معزوّا إليه، ليعُرف قدر ما زدته عليه، وتتبعت ما ذكره أئمة النّحو في كتبهم المبسوطة من الأعاريب للأحاديث، فأوردتها بنصهّا معزوّة إلى قائلها، لأن بركة العلم عزو الأقوال إلى قائلها، ولأن ذلك من أداء الأمانة، وتجنب الخيانة، ومن أكبر أسباب الانتفاع بالتصنيف، لا كالسارق الذي خرج في هذه الأيام فأغار على عدة كتب من تصانيفي، وهي (المعجزات الكبرى)، و(الخصائص الصغرى)، و(مسالك الحنفاء)، و(كتاب الطيلسان) وغير ذلك، وضمّ إليها أشياء من كتب العصريين، ونسب ذلك لنفسه من غير تنبيه على هذه الكتب التي استمد منها، فدخل في زمرة السارقين، وانطوى تحت ربقة المارقين، فنسأل الله تعالى حسن الإخلاص والخلاص، والنجاة يوم يقال للمعتدين لات حين مناص.))
قلتُ: وهو نفسه أخذ منطق ابن تيمية ونسبه إلى نفسه أو لم ينسبه إلى صاحبه، وهكذا للحرب كلام وللسلم كلام.
6 ـ ولما نسب الشهاب ابن حجر لابن الهمام الاسترواح والسقط لأنه زعم على المحققين مذهبا "القول بالترادف"، قال المناوي في (فيض القدير) : ((قد انحرف هنا عن صوب الصواب... فإن أراد أن محققي أئمة الأصوليين خلاف العضد والتفتازاني والجرجاني وأن هؤلاء ليسوا بمحققين فهذا شيء لا يقوله محصل وإن أرادهم فهذه نصوصهم قد تليت عليك... إنما الملام في إقدامه على تغليط ذلك المحقق ونسبته إلى الغفول عن كلام المحققين من رأس القلم))
7 ـ وفي ترجمة عبد الرحمن الفوراني صاحب القفال قال الذهبي : ((نقل قول الذهبي :"لَهُ المصنفات الْكَثِيرَة فِي الْمَذْهَب وَالْأُصُول والجدل والملل والنحل وطبق الأَرْض بالتلامذة وَله وُجُوه جَيِّدَة فِي الْمَذْهَب وَكَانَ مقدم الشَّافِعِيَّة بمرو"
ثم قال: صنف الْإِبَانَة فِي مجلدين والعمد دون الْإِبَانَة وَذكر فِي خطْبَة الْإِبَانَة أَنه يبين الْأَصَح من الْأَقْوَال وَالْوُجُوه وَهُوَ من أقدم المبتدئين بِهَذَا الْأَمر... وَأما الإِمَام فَكَانَ ينقصهُ ويحط عَلَيْهِ بِلَا حجَّة كَمَا قَالَ الذَّهَبِيّ حَتَّى قَالَ الإِمَام فِي موضِعين عَن الفوراني وَهُوَ غير موثوق بِهِ والفوراني ثِقَة جليل الْقدر وَاسع الباع فِي دراية الْمَذْهَب وعمده محشوة من النُّصُوص ملخصة وَالنِّهَايَة محشوة من الْإِبَانَة بلفظها من غير عزو وَحَيْثُ قَالَ الإِمَام وَفِي بعض التصانيف أَو قَالَ بعض المصنفين فمراده الفوراني))
قلتُ: هذا لاختلاف الغرض في التأليف وتناوب الكلام بين النقل وبين الاستطراد والتفصيل والعمق في البسط فيركب أدلته مع أدلة غيره وتصيرا شيئا ثانيا، وهنا يصير الكلام جديدا وإن تضمن شيئا من كلام غيره، وهذا لا يحتاج إلى عزو لأنه إنشاء جديد، وإلا فما هو العلم إن لم يكن البناء على قول من سبق وهكذا تبنى العلوم وتتطور وتتسع في النحو و اللغة والحديث والأصول وغيرها فليس العلم الاختراع من غير سابق أو من عدم (؟!)
8 ـ أما في كتب التراجم و الجرح والتعديل فالأقوال المجردة من الإحالة والعزو كثيرة، منها على سبيل المثال ما نقله ابن حبان في المجروحين (1 / 306) في ترجمة زياد بن المنذر بن أبي الجارود عن يحي بن معين قوله فيه: " كذاب عدو الله، ليس يسوى فلسا.
" من غير عزو إلى معاوية بن صالح. قاله محقق (تهذيب الكمال في أسماء الرجال) بشار عواد.
9 ـ ـ قال السخاوي في (القول البديع) بعد أن ذكر من سبقه بالكتابة عن الصّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : ((ولم أنقل عن هؤلاء إلاّ بواسطة لأني لم أقف عليهم وإلا ولأن كل واحد منهما في كراسة لطيفة وأما الثالث فهو مفيد بالنسبة إليهما وحجمه كبير بسبب التكرار وسياق الأسانيد وأما الرابع فقد أكثر من ذكر الغرائب بلا عزو قد نقلت منها أشياء بناء على أنه ثقة لكن الظاهر من حاله أنه لم يكن الحديث من صناعته)) (1/259).
قلتُ: فهنا عدم العزو بسبب الثقة في المنقول عنه وأنه نقل نقلا صحيحا موثقا فلا يرجع الناقل إلى الأصل ويعتمد على إحالة المنقول عنه.
ونفس الشيء في المثال الآتي.
10 ـ قال المعلمي في التنكيل (929/2): ((وذكر ابن عدي أن ابن عجلان وغيره رووا عن أبي الزناد عن ابن أبي صفية عن شريح قوله.)) فتعقبه الألباني في الهامش: عزو هذا لابن عدي فيه نظر، فإنه ليس عنده في ترجمة المغيرة من «الكامل» (ق386/2-1) ، والمصنف أخذه من «التهذيب» ، ولكن هذا لم يصرح بعزوه إلى ابن عدي، وإنما هو من قول الذهبي في «الميزان» مصرحاً به أنه من قوله.
11 ـ وفي (السر المكتوم) يذكر السخاوي وغيره أن القاضي عياض أورد نصوصا عن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم في (الشفا) بدون عزو .
قلتُ: فهذا يقع للعلماء لأسباب كثيرة، أغلبها من عدم المراجعة بسبب كثرة المعاودة والتردد على الموضوع حتى يسأم منه، والاقتباس من كبتهم ومسوداتهم الشخصية، فينقل جزءا من البحث أو الكلام فيسقط العزو.
في الأخير:
بعض الناس كالقائمين على موقع كل الفتن "سحاب" نشأ على منهج المضغ والعلك كصاحب ابن حزم الذي قال عنه في (التقريب لحد المنطق)():
(( ...يأبى إلا أن أريه العرض مزالا عن الجوهر باقيا بحسبه يراه في غير جوهر ...فلا أحصي كم قلت له : إن العرض لو قام بنفسه، وكان كما تريد مني لم يكن عرضا، وإنما هو عرض لأنه بخلاف ما تريد.))
فيجب التفريق بين النقل الحرفي الذي يجعل بين قوسين، وبين ما تنقله بصياغتك، فهذا يشترط إليه أصحاب علم التوثيق والمكتبات أن تكتب قبل المصدر "انظر" كما يشترطون ذكر دار الطبع، وتاريخ الطبعة، واسم المحقق، وهذا كله محدث من منهج الفلاسفة في الكتابة.
أما كون علمك من مادة فلان فيطبع أسلوبك وطريقتك في الاستدلال، أو التعبير، ونقل الأدلة والتصرف فيها على غير وضع المنقول عنه، واستعارة التمثيل والتشبيه، والعبارات والمعاني، وتطويرها وإخراجها عن هيئتها عند المنقول عنه إلى هيئة جديدة فهذا شيء آخر وهو لب العلم إذ العلم استخراج المجهول والخفي من المعلوم والجلي.
ومشكلة القوم أنَّهم لا يجيدون الكتابة فتراهم يحشون مقالاتهم بالنقل عن غيرهم دون شرح واستنباط وتحليل وصرامة في ضبط شروط تنزيله عن الواقعة التي يتحدثون عنها وليس هذا بالعلم فإن عملهم لا يعدو كونه تكرارا لكلام من سبقهم.
فإذا جاء من يأخذ كلام الأوائل ويشرحه ويستنبط منه ما يذهب به في اتجاهات أخرى إحياء له في واقع الناس يحل به الإشكالات العلمية ويؤصل القواعد زعموا أنه يسرق فجعلوا لغبائهم الفهم بضاعة تسرق.









رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
محتار, أنموذجا, السرقات, العلمية, الطيباوي


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:46

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc