هل العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية أم اعتباطية ؟
تقديم المشكل :
لو تأملنا أحداث قصة حي بن يقضان للفيلسوف بن طفيل لوجدناها قصة تجري وقائعها في جزيرة نائية يلعب الدور الرئيسي فيها حي الذي ولد تلقائيا من غير أب فتعهدته ظبيه فقدت صغيرها حتى اشتد عوده وأصبح قادرا على مجاراة البهائم في العدو والدفاع عن النفس ولما ماتت الظبية اخذ يبحث عن سر الحياة والموت فاكتشف بمجاراة الحيوانات أصوات قلدها عوضها بإشارات ثم في أعقاب ذلك التقى بفتيين فتعلم منهما الكلام وعلى ضوء هذه القصة الرمزية نجد بان اللغة لدى الإنسان بدأت طبيعية وانتهت اصطلاحية يعرفها العلماء:" هي تلك الرموز والحركات والرسومات التي يقوم بها الإنسان لكي يتصل بغيره." ويعرفها الجرجاني:"هي كل ما يعبر به قوم عن أغراضهم." واللغة تحمل علامة رمزية لسانية تنقسم إلى قسمين: دال وهو الصوت ومدلول وهو المعنى
لكن المشكل هنا لا يتعلق باللغة بل بأقسام العلامة اللغوية فهل العلاقة بين الدال والمدلول في العلامة الرمزية ضرورية أم اعتباطية ؟
محاولة حل المشكل:
للإجابة عن هذا الإشكال المطروح انقسم علماء اللغة إلى قسمين:
ج1 : قسم أول يرى أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة طبيعية ضرورية ويؤكد ذلك أيميل بينفست وحججهم على ذلك :
-إن اللفظ دائما يطابق ما يدل عليه في العالم الخارجي
-أساس هذه المطابقة محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة
-تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية دفع بالإنسان إلى إبداع كلمات وألفاظ تدل على أشياء
-اثبت علماء اللغة المعاصرين الترابط الوثيق بين الدال والمدلول في العلامة اللسانية
-العلامة اللسانية لبنة واحدة يتحد فيها الدال والمدلول وبدون هذا الاتحاد تفقد العلامة اللسانية خاصيتها الذهنية
-الإنسان لا يقبل الأصوات التي لا تحمل تمثلا للأشياء لان الأصوات التي لا تحمل معاني هي غريبة ومجهولة
-يقول بينفست : (إن العلاقة بين الدال والمدلول ليست اعتباطية بل هي على عكس ذلك ضرورية )
النقد: تصطدم بعض الحقائق التي اقرها علماء اللغة على انه لا توجد علاقة ضرورية بين الدال والمدلول لأنه لا يوجد تناسب بين ما نملكه من أصوات ومعاني.ثم وكيف تفسر تعدد الألفاظ لشيء واحد؟
ج2 : وقسم ثاني يرى أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية (ارنست كاسيرر ) حججهم على ذلك :
-إن العلامة اللسانية لا توحد بين الاسم والشيء وبين المفهوم والصورة السمعية
-إن المعنى يعبر عنه في لغات أخرى بتتابع أصوات أخرى فمثلا كلمة تلميذ-lélève-student تبين تباين الأصوات وهذا يعني انه لا علاقة بين الدال والمدلول
-يتقيد الفرد في وضع العلامات اللغوية بالمجتمع إذ لا يمكن للفرد أن يشير إلى كلمة أخت بأصوات أخرى حسب هواه
-اللغة نشاط رمزي والعلاقة فيه بين الأسماء والأشياء غير ضرورية بواسطة هذا النشاط يتمثل الإنسان الواقع دون الحاجة إلى إحضاره في شكله المادي.
-يقول كاسيرر :"بقدر ما يتقدم النشاط الرمزي بقدر ما يتراجع الواقع المادي "
النقد : اقر علم اللسانيات وعلم اللغة بأنه لا دال بدون مدلول، فالعلامة اللغوية تقوم على التناسب بين الدال والمدلول
ج3: انطلاقا من الجزء1 والجزء2 نصل إلى أن اللغة هي كل نشاط يقوم به الإنسان ويعبر عن علامة لغوية يدرسها علم الرموز باعتباره أدوات اتصال لذلك يصعب تحديد طبيعة العلاقة بين الدال والمدلول حسب علم المعاني والألفاظ (الدلالة)
الخروج من المشكل :
وأخيرا نصل إلى أن العلاقة بين الدال والمدلول هي علاقة اعتباطية مبدئيا وضرورية ممارسة فلا يمكن تصور عالم الألفاظ (الدال) بدون عالم المعاني (المدلول) والقدرة على استيعاب الألفاظ يتناسب مع القدرة على تحديد المعاني .