تناقضـات ســورية
بقلم/ أسامة سرايا
كم في السياسة السورية من غرائب ومتناقضات.. ولاتأخذنا الدهشة منها, فقد تعودنا علي أساليب تلاعبها, ولكننا هنا إزاء موقف يستحق التسجيل. فقد خرج علينا الرئيس بشار الأسد أمس بحتمية المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل حول الجولان وكأنه اكتشاف جديد, مع أن المفاوضات مع الإسرائيليين قديمة, ولكنها علي الأقل علنية عربيا منذ مؤتمر مدريد عام1991. وقبل أن يأخذنا الموقف الجديد القديم ويستولي علينا أعتقد أنه يحق لنا أن نتساءل: لماذا كان كل هذا التعطيل والتسويف علي مدي ثلاثة عقود ضاعت من عمر قضايانا؟! وأضاعت علينا فرص استعادة الأراضي العربية, بما فيها الجولان وأراض محتلة في لبنان, بل وقيام الدولة الفلسطينية, لأن سوريا ـ وهي جزء رئيسي من قضيتنا العربية ـ لها فصائلها الفلسطينية التي تتحكم فيها, وتستخدمها في التوقيت غير المناسب للفلسطينيين لتعطيل وضرب مصالحهم. بل بالأمس القريب وقف عدد من السوريين مقلدين موقف عدد من الإيرانيين أمام سفارتنا في دمشق, كما وقفوا أمام بعثاتنا الدبلوماسية في طهران, للتلاعب مرة أخري بقضية الشعب الفلسطيني, مستغلين الحصار الإسرائيلي علي غزة كشماعة للهجوم علي مصر وسياستها, وهم يعرفون جيدا أكثر من غيرهم أن مصر تستهدف عمليا دعم القضية الفلسطينية علي طول الخط, ومنها إنهاء الحصار علي قطاع غزة, وأن مصر لا تتلاعب بالقضية الفلسطينية ولاترهنها ـ مثلما يفعل غيرها ـ لقضايا نعلمها وتوظفها لتعطيل أو تأخير بمبررات واهية أو لمصلحة قضايا داخلية لبلدانهم أو تسلمها ورقة للمساومة مع الآخرين, كما حدث مع إيران أخيرا إزاء القضايا العربية بدعم وتخطيط سوري مفتوح ومستمر منذ سنوات ولا مبرر له إلا خدمة رؤية سياسية قديمة لدي السوريين, اكتشفوا الآن بعد سنوات عدم جدواها, ويحاولون الخروج عليها والبحث عن تسوية تجعلهم يلحقون بقطار تأخروا عنه طويلا, ولكنه العناد والمكابرة التي تجعلهم لا يعترفون بأخطائهم السياسية الكبري في حق أنفسهم, وفي حق قضاياهم بل وفي حق القضية العربية الكبري والمصالح العربية التي يتحدثون عنها ليلا ونهارا.. ويتهمون من يعمل علي استئصال مشكلاتنا واسترداد حقوقنا وأراضينا العربية المحتلة اتهامات ظالمة ـ بل وبذيئة ـ مثل الكلمات التي لقنت للمتظاهرين أمام سفارتينا في دمشق وطهران, ونحن نعلم جيدا أنها منظمة, فلا مجال في إيران وسوريا للاجتهاد في الرأي أو التظاهر. إن حصار غزة إسرائيليا ـ بأسباب فلسطينية بعد الانقسام الفصائلي والجغرافي بين حماس وفتح, والانقسام والقطيعة بين الضفة وغزة ـ كان عمليا مستحيلا بدون الدعم السوري ـ الإيراني لهذا الانقسام, وبالتالي فإن المسئولية السورية ـ الإيرانية غير بعيدة عن حصار غزة وتجويع شعبها محققة بذلك هدفا إسرائيليا إستراتيجيا. ومصر التي عملت علي إنهاء الحصار وحماية الشعب الفلسطيني من تجويع وضرب مصالحه.. هي المتهمة علي لسان الغوغائية الإيرانية والسورية أمام الرأي العام بالمسئولية عن الحصار الإسرائيلي مستغلين معبر رفح المفتوح عمليا أمام الفلسطينيين. ولكن الحقيقة لا تضيع, والشعارات تسقط دائما تحت أقدام من يعملون بجد لمصلحة العرب وقضاياهم وأولاها قضية وحقوق الشعب الفلسطيني الضائعة. وإذا كانت سوريا جادة كما جاء علي لسان رئيسها وتتجه إلي مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لاسترداد أراضيها في الجولان فنحن معها ونساعدها. ولكن يجب أن تكون عملية فما تطلبه لنفسها ليس جريمة للآخرين, وعليها أن توقف التدخل في الشأنين الفلسطيني واللبناني. فحماس التي تسيطر علي غزة بتشجيع ودعم سوري ترفض الآن العودة عن الانقسام والتسليم بوحدة الضفة وغزة من أجل سلطة لقطاع تحت الاحتلال في غزة.. ويجب أن تتوقف عما تسير فيه لمصلحة قضية شعبها. وأن تشجع سوريا النهج والسياسة المصرية لتحقيق وحدة الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل ووقف حصار قطاع غزة بوحدة الضفة وغزة والقدس, وأن تتجه الفصائل الفلسطينية للتهدئة مع إسرائيل برعاية مصرية, وأن توقف سوريا دعمها الفوضي في لبنان, أو تسليح فصيل للوقوف ضد الآخرين, أو ضرب أو حتي تخويف شركاء الوطن. والأهم أن تحرص سوريا علي حماية المصالح العربية ولا تبيعها أو ترهنها لتحقيق مصالح إيرانية, وكذلك أن تعتذر سوريا عن أخطائها في السنوات الأخيرة في حق العرب وقضاياهم بأخطائها السياسية القاتلة وتحالفاتها الإقليمية المعيبة لتقوم بتسوية مصالحها الداخلية مع العالم علي حساب المصالح العربية ومصالح الشعب والقضية الفلسطينية العادلة. وألا تقع سوريا فريسة لازدواجية مقيتة بين ما ترضاه لبلادها, وما يحقق مصالح الفلسطينيين ومستقبل دولتهم, فلسنا في تنافس بين المسارات كما تريد إسرائيل. والعرب جميعا, وفي مقدمتهم مصر بالقطع, سيكونون مع سوريا حتي تحصل علي كامل أراضيها.. فالسلام والاستقرار في منطقتنا لن يتحققا دون انسحاب إسرائيلي من كل الأراضي العربية المحتلة. ويجب أن تعرف سوريا ذلك ولا تنساق إلي هواجس يدفعها إليها الآخرون... فتسقط في أخطاء السياسات أو تسلم قرارها المصيري لمصلحة قضية إيرانية, هي بطبيعتها ضد المصالح العربية بل ضد حقوق الشعب الفلسطيني ودولته المرتقبة.
الاهرام المصرية