محمد
صلى الله عليه و سلم
خير الأنام و الرفق بالأنعام
من إعداد: محمد الصالح خالد
الحمد لله الذي يستحق الحمد و الثناء ,على ما أنعم به على خلقـه من رســل و أنبياء ليبينـوا لهم ما يتقون , و ختمهم بخير الخلق أجمعين , حيث جعله رحمة للعالمين عليه وعلى آله و صحبه أفضل الصلاة و أزكى التسليم و على تابعيهم بإحسان إلى يوم ينفخ في السور و يحيا الناس و يبعثون .
كثيرا ما نسمع أناس يرفعون أصواتهم منادين بالرفق بالحيوان , و قد جهل بعض المسلمين دينهم و سيرة رسولهم صلى الله عليه و سلم , و راحوا يقلدون صياحهم , و كأنهم اكتشفوا هدا الأمر فقط عندما سمعوا تلك الأصوات , بل منهم من راح يكون الجمعيات و يندد بما يحدث للحيوانات بزعمهم .
و لو أدرك المسلمون من يتبعون دينه و عليه يصلون و يسلمون كلما ذكر اسمه عليه الصلاة و السلام , و عملوا ما يعمل و ما به يأمر, لكانوا هم أرأف و أرحم بالحيوانات من غيرهم , أليس نبينا صلى الله عليه و سلم هو المبعوث رحمة للعالمين ؟ بجنها و انسها و أنعامها و حجرها و مائها و كل ما فيها .
و لهذا رأيت أن أبحث في هذا الجانب من حياة رسولنا صلى الله عليه و سلم موضحا ما استطعت إلى ذلك سبيلا , ما كان يقوله و يفعله صلى الله عليه و سلم مع الحيوان و له , و ما ربى عليه الرعيل الأول من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم , و الذين كانوا يتنافسون لمعرفة ما يفعله من لا ينطق عن الهوى لإيمانهم بأن لهم القدوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه و سلم , فكانوا خير سلف لخير خلف , يكفيهم فخرا أنهم عاشوا في القرن الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم : خير القرون قرني ....أو كما قال عليه أفضل الصلاة و التسليم .
و لا أدعي الإلمام بهذا الموضوع , و لكنني سأبذل قصارى جهدي في ذلك , لعل الجاهلون بهذا يقتدون و يعلمون أن محمدا صلى الله عليه و سلم على خلق عظيم في شتى مجالات الحياة , حتى مع البهائم فما بالك مع من كان له عقل ألا و هو الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم .
و إنني أسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم و أن يثقل به ميزان حسناتي يوم القيامة إنه على ذلك قدير , و أن يغفر لي و لوالدي كما ربياني صغيرا , و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
إن الذي يتلو كتاب الله سبحانه و تعالى و يتدبر معانيه كما أمر , حتما سيعلم علم اليقين أن الله ما خلق شيئا عبثا في هذا الكون الفسيح الذي لا يعلم مداه إلا هو , كما أنه سبحانه و تعالى ما أمر بأمر و لا نهى نهيا إلا ومن ورائه حكمة و منفعة لخلقه , و من بين ما خلق سبحانه و تعالى الأنعام ( الحيوانات ) و ما خلقها لهوا و لا عبثا سبحانه و تعالى علوا كبيرا, بل ما خلقها إلا لتكون منفعة لهذا الإنسان الذي بثه من نفس واحدة ثم جعل منهم الكثير.
و قد قال في محكم تنزيله : [(( أولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون (71) و ذللناها لهم فمنها ركوبهم و منها ياكلون (72) و لهم فيها منافع و مشارب أفلا يشكرون (73) ))] سورة يس الآيات 72,71, 73
و قال : [(( و فديناه بذبح عظيم ))] سورة الصافات الآية 107
فهذه الانعام خلقت لمنافعنا عامة ركوبا و أكلا و شربا و منافع أخرى متنوعة كاستعمال أشعارها و أوبارها و جلودها ......
و من هنا كان من واجبنا أن ننفعها و نستنفع بها , إذ أن من لم تعطيه لا يعطيك إلا الله الصمد الذي خلق و سوى و هدى و تكفل بالرزق لمن آمن به و لغيره .
و ليس لنا مثالا و لا أسوة أفضل ممن جعله الله رحمة للعالمين , فهو الذي يقتدى به في جميع أحوال الحياة مع الناس و مع الأنعام و هذا واجب المسلمين قبل غيرهم , بل لا بد أن يكونوا قدوة غيرهم في الرفق بالحيوانات و ليس العكس إتباعا لما ورثوه عن إمامهم صلى الله عليه و سلم , و سأسرد أحاديث تبين مدى رحمة محمد صلى الله عليه و سلم و رفقه بالحيوان حتى تكون حجة لنا على غيرنا إن عملنا بها أو حجة علينا أمام الله إن نحن تغافلنا عنها و رحنا ننعق كما فعل الكثير إقتداء ببعض من ينادون بالرفق بالحيوان لأننا في حقيقة الأمر نجهل ديننا فما تعلمناه و ما بلغناه لغيرنا حتى يعلموا أننا لسنا بحاجة لما يقولون بل نحن أرفق بالحيوان منهم و ذلك بإتباع خطى حبيبنا صلى الله عليه و سلم .
و قد جاء في رياض الصالحين :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها , فجاءت الحمّرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ((من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها )) و رأى قرية نمل قد حرقناها فقال : ((من حرق هذه ؟ )) قلنا : نحن , قال : ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار )) رواه أبو داود بإسناد صحيح ص460
عن ابن عمر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( عذبت إمراة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار , لا هي أطعمتها و سقتها , إذ هي حبستها , و لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض )) متفق عليه ص 458
عن ابن عمر رضي الله عنه أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا و هم يرمونه, و قد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة مكن نبلهم , فلما رأوا ابن عمر تفرقوا , فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا , إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا . متفق عليه ص 458
أي أن كل ذي روح لا يجوز اتخاذه هدفا قصد الرماية.
عن أنس رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم (( أن تصبر البهائم )) متفق عليه ص 458 و معناه أن تحبس للقتل .
كما نرى في هذه الأحاديث كيف تذكر الكلب و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أمر بقتله إن لم يكن له غرض مما ذكر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( من أمسك كلبا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية )) متفق عليه ص 479
و في رواية لمسلم (( من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد و لا ماشية و لا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم )) ص 479
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس )) رواه مسلم ص 479
و في كل الغزوات التي حضرها رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما يقسم الغنائم كان يعطي لمن
كان راجلا سهم و لمن كان راكبا ثلاثة أسهم , سهم للفارس و سهمان للفرس .... فأي رحمة و شفقة و رفق بالحيوان بعد هذا . فهو من أرسله الله رؤوفا رحيما للعالمين صلى الله عليه و سلم .
و إذا درسنا حياة من رباهم الرسول صلى الله عليه و سلم و رضي الله عنهم جميعا و هم قدوتنا بعد حبيب الله صلى الله عليه و سلم لوجدنا النماذج الجمة التي تغنينا عن غيرهم ممن يتشدقون بالرفق بالحيوان , بل من واجبنا أن نفعل ذلك , و لنا في ما يلي الأسوة و هم من خريجي مدرسة محمد صلى الله عليه و سلم.
سافر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القدس حيث كان يركب مرة و يركب مرافقه أخرى و يترك الدابة تسير فارغة أخرى لتستريح .
و كذلك لما وجدوه رضي الله عنه يصلح الطريق للبهائم فقيل له أتصلح طريق الدواب يا عمر فكان رده المعروف : لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر .
عمر بن العاص رضي الله عنه , لما أمر على الجيش ثم توجه لفتح مصر , و لما وضعوا الرحال في الطريق لأيام , حيث وضعت حمامة عشها فوق فسطاطه , و هم يريدون الارتحال , لما قيل له عنها , قال هي ائتمنتنا فوضعت بيضها , فيجب أن نؤمنها , فأمر الحرس أن يتركوا ذلك الفسطاط و جعل عليه حرسا , آمرا إياهم أن ينتظروها الى ان تطير فراخها بعد الفقس, ثم يقلعون الفسطاط و يلتحقون بهم .
عمر بن عبد العزيز لما اشتهى العسل و ما كان موجودا في المنطقة , فأرسلت زوجته خادم البريد على دابة البريد , و احضر العسل من الشام , فلما أعطته منه سألها من أين أحضرته , فأجابته فأمر بإحضار صاحب البريد , و طلب منه أن يبيع العسل و يعطيهم ثمنه الذي اشتراه به , و الباقي مهما كان يشتري به علفا لدابة البريد .
فماذا بعد هذا يا أمة محمد صلى الله عليه و سلم الذي جعله الله لنا القدوة الحسنة في كل مناحي الحياة و إني أتذكر أن أحد اليهود سأل صحابيا عن خلق رآه تخلق به فقال له أو علمكم رسولكم حتى هذا فرد عليه علمنا حتى أدب الخراءة أكرمكم الله أي أدب قضاء الحاجة .
أرجو أن تعود الأمة الإسلامية غلى قدوتها و لا تقتدي بالمزيفين الذين يصيحون ليجعلوا من أنفسهم أرحم من غيرهم و هم يكذبون و وهما يعيشون .
الفقير إلى الله
محمد الصالح خالد