المبحث الأول: مفهوم الاستغلال:
المطلب الأول : تعريف الاستغلال و عناصره:
الفرع 1) تعريف الاستغلال:
لغة: هو الانتفاع من الغير بدون حق.
اصطلاحا : هو استغلال الطيش البين أو الهوى الجامح الذي يعتري المتعاقد بغرض دفعه إلى إبرام عقد يتحمل بمقتضاه التزامات لا تتعادل بتاتا مع العوض المقابل أو من غير عوض.
و يقع الاستغلال في جميع التصرفات .
الفرع 2) عناصر الاستغلال :
جعل المشرع الجزائري من الاستغلال عيبا في الإرادة ينطبق على سائر التصرفات و يتبين ذلك من نص المادة 90 ق م أنه يشترط لقيام الاستغلال عنصرين هامين و هما:
1- العنصر المادي للاستغلال:
و به :
أ/ التفاوت بين الالتزام و العوض :
بحيث يكون التفاوت بين قيمة الأداء الذي يقوم به المتعاقد المغبون و قيمة العوض الذي يتحصل عليه و يتبين لنا هذا التفاوت عند مقارنة قيمة الأداء المقابل .و يعتد المشرع الجزائري بالتفاوت الكثير في النسبة ، و التفاوت اليسير الذي نجده في كل المعاملات هو أمر عادي و مقبول في التبادلات العقدية. و قد اكتفى المشرع بوصف التفاوت دون تعيين مقدار حسابي ، و القاضي هو الذي يتولى تعيين التفاوت الكثير في النسبة و الذي يقتضي الحماية ، بحيث أنه يتمتع بالسلطة التقديرية و له أن يفصل في كل قضية على حدى ، خاصة و أن عملية التقدير هذه مسألة واقع لا تخضع لرقابة المحكمة العليا ، و قد يعاب على هذه الكيفية ما قد يعتري القاضي من تفريط و تعسف عند تقديره للتفاوتات ، غير أنها تبقى الأكثر انسجاما مع مفهوم الاستغلال 1.
و هناك معايير في تقدير التفاوت منها المعيار الموضوعي بحيث ننظر فيه إلى قيمة الآداءات بحسب سعر السوق ، و المعيار الشخصي حيث نرجع فيه في تقويم الآداءات إلى الطرف المستغل ، و لعل الأقرب إلى تحقيق استقرار المعاملات هو الأخذ بالمعيار الأول .ص30
و العبرة في تقدير الاختلال هي بقيمة الشيء وقت التعاقد و ليس بعد ذلك .130
ب/ التفاوت بين حظ الربح و الخسارة :
و يكون فيها احتمال الربح و الخسارة الذي يتحمله المتعاقد متكافئا مع حظ الربح و الخسارة الذي يتحمله المتعاقد الثاني و إلا فإننا نكون بصدد تفاوت بين التزامات المتعاقدين ، و قد يرجع هذا إلى ضعف نفسي للمتعاقد المغبون و استغلال هذا الضعف من قبل المتعاقد الآخر .
و لقد أخذ القضاء الفرنسي بهذا الحل فيما يخص بيع العقارات مقابل إيراد شهري أو سنوي ، فإذا كان هذا الأخير أقل أو يساوي المدخولات الشهرية أو السنوية فإن حظ الخسارة الذي يتحمله المشتري لا يتناسب تماما مع ذلك الذي يتحمله البائع ، فهناك تفاوت كبير في النسبة ما بين حظ الربح أو الخسارة الذي يتحمله المشتري ، و ذلك الذي يتحمله البائع 2.
جـ/ انعدام العوض :
كعقود التبرع حيث أن المتبرع فيها يلتزم بدون مقابل ، و عقود التبرع تخضع لنظرية الاستغلال ، و الجزاء المترتب عليها هو إبطال العقد أو إنقاص التزامات المغبون . و العنصر المادي في عقود التبرع قد يقتصر على غاية أدبية أو معنوية ، فيتمثل الاختلال في التعادل النسبة لهذه العقود في الفرق بين الالتزامات التي يتحملها المتبرع و الغاية المعنوية التي يسعى إلى تحقيقها ، و تكون العبرة حينئذ بالقيمة الشخصية للأشياء لا بالقيمة المادية ، فما هو تافه القيمة بالنسبة لمتعاقد قد يعتبره غيره من الأمور الهامة و الضرورية ، و يرجع ذلك إلى القناعات الشخصية لكل فرد 3.
و يمكن أن يتوفر العنصر المادي في العقد المحدد ، و في العقد الاحتمالي على حد سواء . و يتحقق هذا العنصر أيضا في عقود المعاوضة و في التبرعات كذلك .130
و يتصور الاختلال سواء في عقود المعاوضات (من بيع و إيجارو غيرهما) محددة كانت أو احتمالية (و من أمثلة الأخيرة أن يكون الثمن في البيع عبارة عن إيراد مرتب مدى الحياة إلا أن احتمالات الخسارة أكبر بكثير ، من احتمالات الكسب كمن يشتري عقارا من شيخ هرم لقاء إيراد زهيد) . و يتصور هذا الاختلال في الآداءات أيضا في عقود التبرع عند البعض فقط و إن صعب ذلك ، على اعتبار أن ميزة التبرع أن طرفا ما يتنازل عن شيء دون مقابل مما يجعل طبيعة هذه العقود هو هذا الاختلال في الآداءات . ص29