الحضـانـــــة في ظل قانون الأسرة الجزائري
المـقـدمـة :
الفصـل الأول :مفـهوم الحـضانة و آثـارها
المبحث الأول : تعريف الحضانة و شروطها و أصحاب الحق فيها:
- المطلب الأول : تعريف الحضانة .
* الفرع الأول : تعريف الحضانة فقها.
* الفرع الثاني : تعريف الحضانة قانونا.
- المطلب الثاني : شروط الحضانة .
*الفرع الأول : الشروط العامة في الرجال و النساء.
*الفرع الثاني : الشروط الخاصة بالنساء .
*الفرع الثالث : الشروط الخاصة بالرجال .
- المطلب الثالث : ترتيب أصحاب الحق في الحضانة .
*الفرع الأول : الأم و من يليها من قريباتها .
*الفرع الثاني : الأب و من يليه من أقاربه.
*الفرع الثالث : الأقربون درجة.
المبحث الثاني : آثار الحضانة .
- المطلب الأول : نفقة المحضون و أجرة الحضانة.
*الفرع الأول : نفقة المحضون.
*الفرع الثاني : أجرة الحضانة .
- المطلب الثاني : سكن الحضانة.
*الفرع الأول : المكلف بتوفير مسكن الحضانة أو أجرته .
*الفرع الثاني : مكان ممارسة الحضانة و الإنتقال بالمحضون.
*الفرع الثالث : حق الحاضنة في السكن .
- المطلب الثالث : حق الزيارة.
*الفرع الأول : حق الزيارة في الفقه .
*الفرع الثاني : حق الزيارة في القانون.
الفرد الصالح هو أساس الأسرة الفاضلة ، والأسرة الفاضلة هي نواة المجتمع الخير ، ولهذا فإن الإسلام عني بالفرد منذ نعومة أظفاره قبل أي تشريع وضعي ، بل عني به قبل ذلك عندما أمر الرجل أن يختار الزوجة الصالحة والمنبت الحسن .
ومنه يعد البيت الركيزة الأساسية للتربية والمؤثر الأول في الطفل باعتباره ينشأ وينمو في ظله في أولى مراحل عمره و أن الوقت الذي يبقى فيه الطفل في المنزل أكبر من أي زمن أو وقت آخر . هذا دون أن نهمل دور المدرسة والشارع في التربية باعتبارهما كل متكامل .
والطفل في مراحل حياته الأولى يكون محل تأثر تام بما يحيط به في أجواء الأسرة أو خارجها ، فهو يولد صفحة بيضاء والمجتمع يكتب عليها ما يشاء وقد نبه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أهمية تنشئة الطفل تنشئة صالحة فقال " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودّانه أو ينصرّانه أو يممجّسانه ".
حيث أن ما يحدث للطفل في هذه الفترة يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المقبلة التي يصبح من الصعب إزاحة بعضها في المستقبل سواء كانت سوية أو غير سوية .
ولأن المولود يعد رجل المستقبل الذي يحمل الرسالة في الغد، لذا فإن الطفولة تذكرنا بضخامة العبء وفداحة المسؤولية وما ينبغي أن نقوم به من توجيه ونصح وتربية و إرشاد وتعبئة روحية وخلقية حتى نقود هذه الجموع الزاحفة من هذا الجيل الصاعد ، من براعم الأمة إلى ما يبوئها سنام المجد ويوصلها بر السلام وفهم أمانة وضعها الله في أعناق الآباء .
وإن من أهداف الزواج تحقيق الأنس والراحة والطمأنينة بين الزوجين وهي الخاصية التي تلتصق بعقد الزواج لقوله تعالى (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))
وإن حفاظ الوالدين على تماسك الأسرة له الأثر الفعال في سلوك أبنائهم وحسن تكيفهم وتوافقهم النفسي والعقلي . غير أن التماسك والأنس والمودة والرحمة والتفاهم الذين هم دعامة الرابطة الزوجية ليست بالأمر الهين ، فقد تعصف مشاكل الحياة ببناء الأسرة وتؤدي إلى التنافر فتنتفي الغاية المرجوة من الزواج .
وحتى لا تصبح الحياة مستحيلة وحتى لا يهضم حق طرف على حساب طرف آخر أباح الإسلام الطلاق مع أنه اعتبره أبغض الحلال إلى الله وذلك لضرورة قاهرة و إلى ظروف استثنائية ملحة والتي تجعله دواءا وعلاجا للتخلص من شقاء محتم قد يمتد ليشمل أفراد الأسرة جميعها ، فإذا لم تجد جميع وسائل الإصلاح للتوفيق يذهب كل منهما لحياة جديدة .
ومن أهم وأبرز النتائج المترتبة عن الطلاق مسألة حضانة الأطفال الناتجين عن هذا الزواج والمشاكل االتي تطرحها حول مصير الأطفال ومن يكفلهم وكيف نحافظ عليهم ؟ ومن هنا تزداد أهمية الحضانة ويعظم قدرها .
فهناك أحكام شرعية تحفظ للأولاد حقوقهم وتكفل رعايتهم منذ ولادتهم حتى البلوغ حيث اتخذها العلماء أساسا لوضع نصوص تشريعية تثبت نسبهم و تدبر رضاعتهم وحضانتهم والإنفاق عليهم وإدارة شؤونهم المالية حتى يبلغوا أشدهم . وقد أراد الشرع الإسلامي من وراء هذه الأحكام حماية الصغار من الضياع .
وقد تعهدت جل التشريعات الوضعية بعديد من الأحكام تتعلق بمصير الولد وحمايته ، وتطور الأمر إلى إبرام اتفاقيات دولية من أجل هذا الغرض ، فقد حثت اتفاقية حقوق الطفل في المادة الثالثة منها جميع الدول والمؤسسات والهيئات التشريعية والقضائية على أن يعطى الإعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال ، ونحن ندرك تمام الإدراك أن الحضانة هي من أهم الأولويات التي يجب أخذها محمل الجد .
إذن لا يحق أن نحمل الأطفال تبعات النزاع الحاصل بين والديهما والذي لا ذنب لهم فيه لكن لو تم الانفصال بين الزوجين فمن سيكفل الأطفال بعد الطلاق ؟ و ماهي معايير التميز في إسناد الحضانة لطرف دون آخر .
غير أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إنه حتى عند اللجوء إلى القضاء تثار إشكالات تمس بمصلحة الطفل ، وهو الأمر الذي يدعو القاضي إلى التصدي لها من خلال الدعاوى التي تعرض عليه.
فما هي هذه الدعاوى و ماهي أبرز الإشكالات التي تثار حول الحضانة ؟
إنّ الحضانة تعد من أعقد المسائل التي ينظرها القاضي ، وعليه أن يتعامل معها بكل دقة مراعيا في الأساس مصلحة المحضون في الأحكام التي يصدرها . لكن هل له في ذلك السلطة الكاملة في تقدير مصلحة الطفل أم أنه مقيد بالنصوص؟
للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها إخترنا موضوع :
"الحضانة في ظل قانون الأسرة الجزائري "
فاتجهنا إلى دراسة الموضوع بالرجوع إلى الكتب الفقهية مستفيدين من أحكام المادة 222 من قانون الأسرة التي تحيلنا على قواعد الشريعة الإسلامية ، كما حاولنا تحليل النصوص مواد قانون الأسرة المتعلقة بالحضانة ، بالإضافة إلى إبراز مواقف المحكمة العليا من المسائل المتعلقة بها .
ومنه تناولنا هذا الموضوع حسب الخطة التالية :
أ – في الفصل الأول : تناولنا مفهوم الحضانة وآثارها ، فتطرقنا إلى تعريفها فقها وقانونا وتبيان شروطها ثم ترتيب أصحاب الحق فيها وأهم آثارها .
ب- وفي الفصل الثاني : دعاوى الحضانة وأبرز الإشكاليات المتعلقة بها فتناولنا الدعاوى المدنية للحضانة والدعاوى الجزائية المتعلقة بمخالفة أحكامها ، ثم تكلمنا على أهم المشاكل التي تثور بمناسبة الحضانة ومنها : الزواج المختلط ، قاعدة مصلحة المحضون والمسؤولية عن أفعال المحضون الضارة .
مفهوم الحضانة وآثارها :
من أهم الآثار القانونية لانحلال عقد الزواج أو الطلاق هو وضع الطفل عند من هو أقدر على الإهتمام به والعناية بشؤونه ، والحضانة هي ضرب من هذه الرعاية بالطفولة بحيث يكفل للطفل التربية الصحية والخلقية السليمة ومن هنا فإن أحكام الحضانة هي مظهر من مظاهر عناية التشريع الإسلامي بالطفولة و كذا التشريعات الوضعية .
وعليه سنحاول في هذا الفصل أن نعرف الحضانة ونحدد شروط ممارستها مع تحديد أصحاب الحق فيها ، وترتيبهم وأخيرا الآثار المترتبة عنها .
المبحث الأول :تعريف الحضانة وشروطها وأصحاب الحق فيها :
إن الحضانة هي القيام على شؤون الطفل وكفالته بغرض المحافظة على بدنه ، وعقله ، ودينه ، وحمايته من عوامل الانحراف وطوارئ الإنحلال بما يمكنه من أن يكون فردا صالحا داخل مجتمعه مما يقتضي وضعه تحت أيدي مؤهلة لمثل هذه الواجبات ، وأن يكون لهم الحق في ذلك وفقا لقواعد الشريعة والقانون .
غير أن القانون ذكر بعضهم ورتبهم درجة بدرجة ثم ترك البعض الآخر دون ذكر صفاته ودون تحديد درجة قرابتهم من المحضون .
المطلب الأول:تعريف الحضانة:
الحضانة – بفتح الحاء – هي ضم الشيء إلى الحضن وهو جانب الشيء فنطلقها على جانب الجبل أو بطنه في قولنا « تعيش الذئاب في حضن الجبل أي عمقه ونقول " حضن الطائر بيضه " إذا جلس إليها وغطاها بجناحيه ، وعند الإنسان يطلق على عملية الحنان حين تضم الأم ابنها إلى صدرها وهي تعنقه وتلتصق به فتعطي هذه الكلمة معاني ضم الشيء وحفظه والحنان عليه
الفرع الأول :التعريف الفقهي للحضانة
عرف الفقهاء الحضانة بأنها عبارة عن القيام بحفظ الصغير أو الصغيرة أو المعتوه الذي لا يميز ولا يستقل بأمره وتعهده بما يصلحه ووقايته مما يؤذيه أو يضره وتربيته جسميا ونفسيا وعقليا كي يقوى على النهوض بتبعات الحياة والاضطلاع بمسؤولياتها .
والولد منذ أن يولد محتاج لمن يعتني به ويقوم على تربيته وحفظه وتدبير كل ما يلزمه في حياته لأنه يكون عاجزا في حياته الأولى عن القيام بمصالح نفسه غير مدرك لما يضره وينفعه ، والشارع الحكيم قد أناط هذا الأمر بوالدي الصغير لأنهما أقرب الناس إليه في هذه الحياة و وزع الأعباء عليهما كل فيما يصلح له أما عن تربيته ورعاية شؤونه في المرحلة الأولى فقد جعلها للأم ، وأما عن ولاية التصرف في نفس الولد وماله فقد جعلها للأب ، وقد عرفها الإمام مالك بأنها:
(( تربية الولد وحفظه وصيانته حتى يحتلم ثم يذهب الغلام حيث شاء))
أما بعض فقهاء الشافعية يعرفونها بأنها " حفظ من لا يستقل بأمره وتربيته ، بما يصلحه ويقيه ما يضره " ويرى إبن القيم أن الولاية على الطفل نوعان : نوع مقدم فيه الأب عن الأم ومن في جهتها وهي ولاية المال والنكاح ، ونوع تقدم فيه الأم و هي ولاية الحضانة و الرضاع ، و قدم كل من أبويه فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد .
أمّا الشيخ أبو زهرة فيرى أنه تثبت للطفل منذ ولادته ثلاث ولايات: الأولى ولاية التربية ، الثانية ولاية النفس ،و الولاية الثالثة هي الولاية على ماله إن كان له مال :
أمّا الولاية الأولى: فهي ولاية التربية فالدور الأول يكون فيها للنساء وهي ما يسمى بالحضانة ، فالحضانة هي تربية الولد في المدة التي لا يستغني فيها عن النساء ممّن لهنّ الحق في تربيته شرعا وهي حق للأم ثم محارمه من النساء ، فبمجرد ولادة الطفل حيا تثبت له ولاية التربية، حيث يكون في حاجة ماسة إلى من يرعاه ويقوم بشؤونه في هذه المدة التي تعتبر مرحلة حرجة في حياته ، فلا يمكن الاستغناء عن وجود النساء في جانبه خاصة .
و يرى الأستاذ صالح جمعة أنّ الولاية على النفس هي القيام و الإشراف على مصالح المولى عليه فيما يختص بنفسه منذ ولادته حتى بلوغه و تزويجه ، و يدخل في نطاقها ثلاث ولايات :
- أوّلها: ولاية الحفظ و الرعاية ، و تبدأ منذ ولادة المولى عليه حتّى بلوغه سنّ التّمييز ، و هي ما تسمى بالحضانة .
- ثانيها : ولاية التربية و التأديب و التهذيب ، و تبدأ بعد بلوغه سنّ التمييز و استغنائه عن النّساء حتى البلوغ الطبيعي مع العقل ، وهي ما تسمى بالكفالة أو ولاية الضم والصيانة .
- ثالثها : ولاية التزويج ، وهي تثبت للولي بناءا على القدرة الشرعية التي أناطها الشارع إليه في تزويج من في ولايته .
وحكم الحضانة أنها واجبة لأن المحضون يُهلك بتركها، فوجب حفظه من الهلاك كما يجب الإنفاق عليه و إنجاؤه من المهالك ، ودليل وجوب الحضانة للصغير قوله تعالى عن مريم عليها السلام :
(( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا)).
وقوله صلى الله عليه وسلم : " بحسب المرء من الإثم أن يُضَيِّعَ ما يعول " .
وتتطلب الحضانة الحكمة واليقضة والانتباه والخلق الجم،ّ حتى إنّه يُكره على الإنسان أن يدعو على ولده أثناء تربيته ،كما يُكره أن يدعو ا على نفسه و خادمه و ماله لقوله صلى الله عليه و سلم :
" لا تدعوا على أنفسكم و لا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب له " وروى أبو موسى عن إبن عباس أن أوس بن عبادة الأنصاري دخل على النبي صلى الله عليه و سلم فقال :
( يا رسول الله إنّ لي بنات وأنا أدعو عليهن بالموت ، فقال :
" يا ابن ساعدة لا تدعوا عليهنّ ، فإنّ البركة في البنات هنّ المجملات عند النعمة والمعينات عند المصيبة والممرّضات عند الشّدة ثِقْلُهُنَّ على الأرض و رِزقهن على الله "
الفرع الثاني: التعريف القانوني للحضانة
نصت المادة 62 من قانون الأسرة : " الحضانة هي رعاية الولد وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسّهر على حمايته وحفظه صحة و خلقا ، ويشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك " .
وعرّفتها المادة 97 من المدونة المغربية للأحوال الشخصية بانها حفظ الولد مما قد يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته ومصالحه .
كما عرفتها المادة 54 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية بأنّها حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته . فخلافا للقانونين السابقين المشرع الجزائري في قانون الأسرة ركّز في تعريف الحضانة على أسبابها وأهدافها وهي رعاية الولد ، وتعليمه والقيام بتربيته على دين أبيه والسهر على حمايته وحفظه صحة وخلقا .
ويرى الأستاذ عبد العزيز سعد أن التعريف الوارد في المادة 62 يعتبر أحسن تعريف على الرغم من إحتوائه على أهداف الحضانة وأسبابها وذلك لشموليته على أفكار لم يشملها غيره من القوانين العربية ، حيث أنه تعريف جمع في عمومياته كل ما يتعلق بحاجيات الطفل الدينية والصحية والخلقية والتربوية والمادية .
ومما تقدم فإنّ أهداف الحضانة تظهر فيما يلي :
أولا : تعليم الولد
ويقصد به التعليم الرسمي أو التمدرس ، وما دام التعليم إجباريا ومجانيا فكل طفل له الحق أن ينال قدرا من التعليم حسب استطاعته وامكانياته الذهنية وقدراته العقلية واستعداده الفطري والنفسي.
ثانيا : تربية الولد على دين أبيه
يجب أن يربىّ الولد على مبادئ وقيم الدين الإسلامي ، ولما كان زواج المسلم بغير المسلمة جائزا ، فإن القاضي يمنح الحق في الحضانة للأم غير المسلمة ، ولا ينكره عليها أبدا ، فهي كالمسلمة على أن تراعي أحكام الشرع في تربية الطفل .
ثالثا : السهر على حماية المحضون
إذا كانت الحضانة رعاية وحماية فلا بد أن تتخذ هذه الحماية كل أشكالها، فيجب أن لايكون الطفل عرضة لأي اعتداء مادي كالضرب أو اعتداء معنوي كالإرهاب و التخويف و الشتم ، مما يؤدي إلى زعزعة انضباط الطفل نفسيا و عاطفيا ، و ليس معنى ذلك أن يترك للطفل الحبل على الغارب و أن لا يُؤدّب كلما استدعت الحاجة ، ثم إنّ الحماية لا تكون من الغير فقط، بل لابد من حماية الطفل حتى من نفسه .
رابعا : حماية الطفل من الناحية الخلقية
و يكون ذلك بتنشئته على حسن الخلق و تهذيبه و إعداده لأن يكون فردا صالحا سويا و أن لا يُترك عرضة للشارع و رفقاء السوء.
خامسا : حماية المحضون صحيا
يجب أن يلقى الطفل العناية الصحية الكاملة ، خاصة في السنوات الأولى من حياته ، و ذلك بأن يتلقى كل التّلقيحات اللازمة
و الدورية ، و أن يُعرض على طبيب كلّما استدعت الحاجة .
المطلب الثاني: شروط ممارسة الحضانة
إن الحاضن هو من يتولى شؤون الصغير بإذن الشرع أو بأمر القاضي ذكرا كان أم أنثى ، إذ يتساوى الرجال و النساء في أهليتهم للحضانة مع اختلاف في الأولوية و تباين في الترتيب .
و عليه فالحضانة تثبت لمن كان أهلا بها بتوافر شروطها ، إذ يرى الفقهاء أن هناك شروطا عامة في الرجال و النساء و أخرى تختص بها النساء ، و البعض الآخر لابد من توافرها في الرجال .
كما أن المشرع الجزائري حصر شروط الحضانة في الأهلية بعد تعريفه لها في المادة 62 من قانون الأسرة الجزائري ، إذ نصت الفقرة الثانية منها على أنّه :
(( و يشترط في الحاضن أن يكون أهلا للقيام بذلك )) .
إذ المقصود بالأهلية هنا هو القدرة على القيام بمهمة شاقة
و محفوفة بالمخاطر تتعلق بتربية الطفل و إعداده إعدادا سليما ليكون قادرا على الإعتماد على نفسه في المستقبل .
و لتحديد هذه الشروط الغير واردة في القانون فإن المادة 222 من قانون الأسرة الجزائري تنص على أنّه : (( كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون يرجع فيه إلى أحكام الشريعة الإسلامية )) .
و على هذا الأساس سنتطرق في هذا المطلب إلى شروط ممارسة الحضانة على ضوء الفقه مع الإشارة إلى موقف المشرع الجزائري منها مع الإستشهاد ببعض قرارات المحكمة العليا باعتبارها الهيئة العليا المنوط بها توحيد الإجتهاد القضائي لإبراز مدى تكريس القضاء لهذه الشروط .
الفرع الأول :الشروط العامة في الرجال و النساء
الأهلية للحضانة تثبت للرجال كما تثبت للنساء و إن تقدمت حضانة النساء على حضانة الرجال لأن المرأة بحكم الفطرة و التكوين هي الأقدر على رعاية الصغير و الأكثر صبرا على توفير احتياجاته المتنوعة و من بين الشروط العامة لممارسة الحضانة للرجال و النساء نجد :
1- العقل : لا يستطيع المجنون القيام بشؤون نفسه و بالتالي لا يكون له تولي شؤون غيره ، و يستوي في الجنون أن يكون مُطْبقًا أو متقطعا فكلاهما مانع من الحضانة ، و لا فرق بين جنون متقطع قليل أو كثير ، و لو كان من القلة بحيث لا يأتي إلا ليوم واحد في السنة ، ذلك لأن ترك المحضون لدى مثل هذه الحاضنة فيه ضرر عليه ، فقد يرد جنونها في أي وقت و إن كان نادرا أو قصيرا . و لو مثلا مرة في كل سنة ، لأن المقصود بالحضانة هو مصلحة المحضون و توفير الحماية اللازمة له ، و عليه ينبغي الإبتعاد به عن أدنى ضرر محتمل يصيبه و ذلك رعاية لمصلحته .
و المعتوه يأخذ حكم المجنون و الصغير لأنه محتاج لرعاية الغير
و بالتالي فلا يرعى هو غيره ،و لأن ولايتهما لغيرهما كالصغير فلا ولاية لهما على محضون ، إذ الحضانة من الولاية ، كما أنّه لا يتصور أن يكون الشخص قاصرا في حق نفسه لا يمكنه القيام بشؤونه الخاصة و تكون له في الوقت نفسه ولاية على غيره لأنه في حاجة إلى إشراف الغير و الأخذ بيده في شؤون نفسه فلا يصوغ له أن يتولى هو هذا الإشراف على الغير باعتبار الحضانة ولاية على النفس ، و غير العاقل لا ولاية له على نفسه ، فمن باب أولى لا تثبت له ولاية على غيره .
و إلى جانب العقل اشترط المالكية الرشد ، فلا حضانة عندهم لسفيه مُبَذِّركي لا يتلف مال المحضون أو ينفق عليه منه ما لا يليق.
و اشترط أيضا الحنابلة مع المالكية بالإضافة إلى العقل عدم المرض المنفركالجذام و البرص فلا حضانة لمن به شيء من هذه المنفرات .
أما موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة فإنه يرى أن الحضانة ولاية على النفس ، فلا تكون لغير العاقل الذي لا يقوى على شؤونه إذ هو نفسه بحاجة إلى من يرعاه و هو ما ورد في نص المادة 85 من قانون الأسرة الجزائري التي تنص ، أنّه : (( تعتبر تصرفات المجنون و المعتوه و السفيه غير نافذة إذا صدرت في حالة الجنون أو العته أو السفه )) .
كما أنه لا فرق في الجنون سواء كان مستمرا أو متقطعا ، لأن الحضانة هي رعاية المحضون و حفظ مصلحته .
2- البلوغ : الحضانة مهمة شاقة لا يتحمل مسؤولياتها و تبعاتها إلاّ الكبار ، بل أن وظائفها لا يقوم بها إلاّ هؤلاء ، إذ يشترط في الحاضن البلوغ لأن الحضانة من باب الولاية و الصغير ليس من أهل الولاية .
أما استحقاق المراهقة للحضانة فلأنّها بالغة حكما ، إذا ادّعت البلوغ و هي ان ادّعت البلوغ بالعلامات كانت بالغة ما دام أن الظاهر يشهد بصدق ادّعائها ، و كون البلوغ شرط في الحاضنة ، شرطٌ سار عليه سائر الفقهاء ، لأن الطفل محتاج إلى من يخدمه و يقوم على شؤونه ، فكيف يكون له أن يتولى شؤون غيره .
و البلوغ شرط أساسي لاستحقاق الحاضن للحضانة ، لأن به اكتمال الإرادة عادة
و القضاء الجزائري اعتبر البلوغ من شروط استحقاق الحضانة باعتباره متفق عليه لدى فقهاء الشريعة الإسلامية .
3- الأمانة على الأخلاق : الأمانة صفة في الحاضن يكون بها أهلا لممارسة الحضانة و بيئة مصاحبة للمحضون ، تضمن حدّا أدنى من التربية السليمة للصغير إذ تسقط الحضانة إذا أُلقيَ بالصغير في بيئة سيئة مصاحبة له تؤثر عليه سلبا و تثير الشكوك حول سلامة تربيته ، و المناط في سقوط الحضانة مصلحة الصغير و حمايته من الضياع و صيانته من الإهمال ، حتى قال بعض الفقهاء : " إن الحاضنة لو كانت كثيرة الصلاة قد استولت عليها محبة الله تعالى و خوفه حتى شغلاها عن الولد و لزم ضياعه نُزعَ منها وسقطت الحضانة عنها " .
وعليه فلاحضانة لغير أَمِين على تربية الولد وتقويم أخلاقه كالفاسق مثلا رجلا كان أو امراة من سِِّكير أو مشتهر بالزنا أو اللهو الحرام ، في حين أن في هذه المسألة قيَّد الشيخ ابن عابدين الفسق المانع من حضانة الأم ذلك الفسق الذى يضيع به الولد إذ يكون لها الحضانة ولو كانت معروفة عنده بالفجور ما لم يصبح الولدفي سن يعقل فيه فجورأمه. ففي هذه الحالة وإن أصبح يعقل فجورها ينتزع منها الولد صونا وحفاظا لأخلاقه من الفساد لأنّها غير أمنية عليه .أما الرجل الفاسق فلا حضانة له.
كما أنه قيل أنّ الحاضنة إذا كانت تخرج كل وقت وتترك الولد ضائعا فإنها تكون غير مأمونة عليه ،فلا تكون لها حضانته إذ ليست أهلا لها .
ولقد تشدّد القضاء الجزائري في اعتبار الأمانة شرطا جوهريا في الحاضن وتكرّس ذلك في العديد من أحكامه وقراراته ،إذ يرى أنّ الحاضنة التي لا تقيم وزنا للأخلاق ولا تراعي حرمة للشرف لا تكون أهلا للحضانة لأنها غير أمينة على نفس الطفل وأدبه وخلقه ،إذ ينشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها .
فأسقط القضاء الحضانة عن الأم لأنّ المحيط الذي يعيش فيه الطفل غير مأمون على أخلاقه حيث جاء في قرار المحكمه العليا : " أنّ عدم إبصار الأم مانع لها من حضانة الأولاد الأربعة لعجزها عن القيام بشؤونهم و مراقبتهم و السهر على تربيتهم و حمايتهم من الوقوع في زلات مشينة كتلك التي قام بها أخ المطلقة الذي هتك عرض أختهم من أبيهم خاصة و أنّ من المحضوضين بنتين إن تركت حضانتهما لأمهما فلا يؤمن عليهما.
و يتشدد القضاء في موقفه هذا و أسقط حضانة الجدة للأم لأن الأم كانت أخلاقها فاسدة ، فكما أُسقِطت الحضانة عن الأم لفساد أخلاقها و سوء تصرفها يسقط حق أمها في الحضانة ، إذ كذلك الأم التي لا تقدر على تربية ابنتها لا تستطيع تربية المحضون وكبح جماحه ، وعليه فلا الأم تستحق الحضانة ولا أمها لفقدان الثقة و الأمانة فيهما" .
والقول بأنّ الحاضنة ارتكبت فعلا فاحشا ، يجب إثباته بالطرق المعروفة شرعا وهي أربعة شهود عدول من الرجال ، أو اعترافها بالفعل المنسوب إليها لأن الإعتراف سيد الأدلة .
1/ القدرة على التربية: يقصد بالقدرة الإستطاعة على صيانة الصغير في خلقه وصحته ، إذ لا حضانة لعاجز لكبر السن أو مرض أو شغل ، فالمرأة المحترفة أو العاملة إذا كان عملها يمنعها من تربية الصغير والعناية بأمره لا تكون لديها أهلية الحضانة ، أما إذا كان عملها لا يحول دون رعاية الصغير وتدبير شؤونه حينئذ لا يسقط حقها في الحضانة (1) .
إذ يرى أغلب الفقهاء أنه لا حضانة لكفيفة أو ضعيفة البصر ولا لمريضة مرضا معديا أو مرضا يعجزها ويمنعها عن القيام بشؤون الصغير ولا لمتقدمة في السن تقدما يجعلها بحاجة إلى رعاية الغير لها، ولا لمهملة لشؤون بيتها كثيرة المغادرة له ، حيث أنه يخشى من هذا الإهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به أو لساكنة مع مريض مرضا معديا أومع من يبغض الطفل ولو كان قريبا له إذ لا تتوفر له الرعاية الكافية والجو الصالح الملائم لتربيته .
فالمالكية والشافعية والحنابلة يدخلون العمى في مانع العجز، وينيطون حضانة العمياء وغيرها من العاجزات بقدرتها على القيام بشؤون المحضون ولو كان ذلك بمساعدة غيرها ، أما إذا منعها شيء من ذلك عن رعاية شؤون المحضون فلا تكون لها الحضانة .
وعليه فإنّ الفقهاء لم يشترطوا لأهلية الحضانة سوى قدرة الحاضنة على رعاية الصغير و الإشراف على تربيته و المحافظة عليه و لم يشترطوا الإبصار بل أوجبوا توافر صفات ترجع إلى المحافظة على الصغير وتوفر راحته .
أما عن موقف القضاء الجزائري في اعتبار القدرة شرط أساسي في ممارسة الحضانة فيظهر جليا في العديد من قرارات المحكمة العليا إذ جاء في أحدها أنّ القدرة على التربية شرط ضروري لأداء واجبات الحضانة فلا حضانة لكفيفة أو مريضة مرضا معديا أو مرض يُعجز عن القيام بشؤون التربية و على القاضي اللجوء إلى الخبرة للوصول إلى الحكم النّزيه
و تقدير مدى عجز الحاضنة " .
و جاء في قرار آخر : " أن الشارع اشترط في الحاضن عدة شروط من بينها الكفاية و الصحة فلا حضانة لعاجز ذكر أو أنثى لكبر السن أو مرض لا يقدر معه على القيام بشؤون المحضون و لأنه هو نفسه في حاجة إلى من يأخذ بيده " .
5- الإسلام : يرى الشافعية و الحنابلة أن الإسلام شرط لممارسة الحضانة ، فلا تثبت الحضانة عندهم للحاضنة الكافرة للصغير المسلم لأنها ولاية و لا ولاية لكافر على مؤمن لقوله تعالى : (( و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )) . فهي كولاية الزواج و المال و لأنه يخشى على دين المحضون من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها و هذا أكبر ضرر يصيب الطفل ، فعن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:" كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
إلاّ أنّ الحنفية و المالكية لم يشترطوا إسلام الحاضنة ،فيصح كون الحاضنة كتابية أو غير كتابية سواء كانت أمًّا أو غيرها لأن الحضانة لا تتجاوز إرضاع الطفل و خدمته ، و كلاهما يجوز من الكافرة ، و دليلهم في ذلك ما روا ه أبو داود و النسائي : أن رافع بن سنان أسلم و أبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : ابنتي – و هي فطيم - أو شبهه و قال رافع : ابنتي ، فمالت إلى الأم ، فقال النبي صلى الله عليه
و سلم: " اللهم اهدها " فمالت إلى أبيها فأخذها .
و لأن مناط الحضانة عندهم هي الشفقة و هي لا تختلف باختلاف الدين ، لكن هؤلاء إختلفوا في مدة بقاء المحضون عند الحاضة غير المسلمة .
- فقال الحنفية : يبقى عندها إلى أن يعقل الأديان ببلوغه السن السابعة أو يتضح أنه في بقائه معها خطر على دينه كالذهاب به إلى معابدها أو تعوده على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير .
- وقال المالكية : إنّ المحضون يبقى مع الحاضنة إلى إنتهاء مدة الحضانة شرعا فإن خِيف على المحضون من الحاضنة أعطي حق الرقابة إلى أحد المسلمين ليحفظ الولد من الفساد .
وتجدر الإشارة إلى أن الأحناف وإن رأوا جواز حضانة الكافرة إلا أنهم إشترطوا أن لا تكون مرتدة ، لأن المرتدة تستحق الحبس حتى تتوب وتعود الى الاسلام او تموت في الحبس فلا تتاح لها الفرصة لحضانة الطفل ، فإن تابت وعادت عاد لها حق الحضانة .
أما عن موقف المشرع المشرع الجزائري في هذه المسألة فقد اكدت المادة 62 من قانون الاسرة الجزائري على ان يربى الطفل على دين ابيه , ولا فرق بين المسلمة وغير المسلمة في مسألة الحضانة .
والواضح من خلال تفحص أحكام وقرارات القضاء الجزائري أنه تمسك بوقف الإمام مالك رضي الله عنه حيث ساوى بين الأم المسلمة والغير المسلمة في استحقاق الحضانة.كما انه اسقطت الحضانة عن أم مسيحية لانها حاوت تربية ابنها وفق مبادئ دينها.
COLOR="Blue"]لفرع الثاني :الشروط الخاصة بالنساء
هناك جملة من الشروط الخاصة بالنساء يمكن سردها فيما يلي :
1- ألاّ تكون متزوجة بأجنبي عن الصغير أو بقريب غير محرم منه:
اختلف الفقهاء في حكم تزوج الحاضنة بالأجنبي عن المحضون على آراء منها:
أ - قولهم أن الحضانة تسقط بالتزوج مطلقا، سواء كان المحضون ذكرا أو أنثى ، و هو ما ذهب إليه كل من الأئمة الأربعة : مالك و الشافعي ، و أبو حنيفة و أحمد في المشهور عنه، و حجتهم في ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو : ( أ ن امرأة قالت : يا رسول الله إنّ ابني هذا كان بطني له وعاء و حجري له حواء و ثديي له سقاء و زعم أبوه أنّه ينزعه منّي فقال صلى الله عليه
و سلم : " أنت أحق به ما لم تنكحي " فهذا الحديث جعل لها حق الحضانة حتى تتزوج ، و عندها لا يكون لها هذا الحق و كذلك إجماع الصحابة على أن الحضانة للأم حتى تتزوج، فتسقط عنها و يدل على ذلك خبر عمر بن الخطاب في النزاع حول ابنه عاصم فقد قال له الصديق أبو بكر : إنّها أحق به ما لم تتزوج ، و قد وافقه عمر رضي الله عنه على هذا الحكم و كان بحضور الصحابة و لم ينكر عليه أحد ذلك ، و على حكم أبي بكر سار القضاة ابتداء من شُريح لا يختلفون فيه زمانا و مكانا .
ب- و قيل إن الحضانة لا تسقط بالتزوج مطلقا سواء كان المحضون ذكرا أو أنثى ، وهذا الرأي أكّد عليه الحسن البصري وهو قول ابن حزم الظاهري وحججهم في ذلك الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس له خادم، فأخذ أبو طلحة بيدي ، وانطلق بي إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله إنّ أنس غلام كَيِّسٌ فليخدمك ، قال : فخدمته في السفر والحضر ... ، وإنّ أنسًا كان في حضانة أمّه ، ولها زوج وهو أبو طلحة، بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم ينكر ذلك ، وحجتهم كذلك أن أم سلمة لما تزوجت برسول الله صلى الله لم تُسْقِطْ بزواجها كفالتها لبنيها . فإن تزوجت الحاضنة بقريب محرم من الصغير مثل عمه فإن حضانتها لا تسقط لأن العم صاحب حق في الحضانة و له من صلته بالطفل و قرابته منه ما تحمله على الشفقة و رعاية حقه ، فيتمّ بينهما التعاون على كفالته ، و هذا على عكس الأجنبي فإنها إذا تزوجته لا يعطف عليه و لا يمكنها من العناية به ، و عليه فالصغير لا يجد الجو الرحيم و لا الظروف المساعدة التي تنمي ملكاته
و مواهبه ، لأن الحاضنة قد أمسكته عند الأجنبي قد يبغضه و يقسو عليه و لا يؤدبه .
أما عن موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة ،تنص المادة 66 من قانون الأسرة الجزائري على أنه : " يسقط حق الحاضنة بالتزوج بغير قريب محرم و بالتنازل ما لم يضر بمصلحة المحضون " .
وعليه يستشف من هذه المادة أن حق الحاضنة يسقط بزواجها بالأجنبي
و بقريب غير محرم ، و لقد كرست المحكمة العليا هذا المبدأ في العديد من قراراتها منها ما جاء في أحدها: " من المقرر في أحكام الشريعة الإسلامية أنه يشترط في المرأة الحاضنة و لو كانت أما أن تكون خالية من الزواج أما إذا كانت متزوجة فلا حضانة لها لانشغالها عن المحضون ، مما يستوجب معه نقض القرار . " .
و الملاحظ أن موقف المشرع الجزائري أخذ بموقف الجمهور .حيث أسقط الحضانة عن الحاضنة لزواجها بغير ذي رحم للمحضون ، و للقاضي السلطة التقديرية الواسعة في مراعاة مصلحة المحضون .
و عليه و خدمة لمصلحة المحضون دائما فإن سقوط الحضانة بزواج الحاضنة بغير قريب عدم وجود من يحضن الطفل غير الأم : فبدل منمحرم تقع عليه عدة استثناءات منها : - وضع المحضون في دار من ديار الحضانة فإن حاضنته تكون أولى به رغم زواجها ، و كذلك الأمر إذا كان من يليها في الحضانة غير مأمون على الطفل أو عاجزا على حضانته .
- ألاّ ينازع الأم في المحضون بعد زواجها أحد ممن لهم الحق في الحضانة : و يبدأ حساب المدة من يوم الزواج إلى انقضاء السنة كاملة و ذلك وفقا للمادة 68 من قانون الأسرة الجزائري .
- أن يترك الأب أو من يقوم مقامه المحضون لأمه عن تراض .
و تجدر الإشارة هنا إلى أن أغلبية الفقهاء يرون أن العقد وحده ليس سببا في إسقاط الحضانة ، إذ لابد من الدخول بها حتى يتحقق الشرط .
و نشير أيضا أن الحاضنة إذا تزوجت و دخل بها زوجها ثم طُلقت أو مات عنها قبل أن يعلم من تنتقل إليه الحضانة فإنه في هذه الحالة تستمر في حضانة المحضون .
2- أن تكون ذات رحم محرم من الصغير : أي تكون الحاضنة رحما محرما على المحضون كأم المحضون و أخته و جدته ، فلا حق لبنات العم و العمة و بنات الخال و الخالة بحضانة الذكور لعدم المحرمية ،و لهن الحق في حضانة الإناث و لا حق لبني الخال و الخالة و العم و العمة في حضانة الإناث و لكن لهم الحق في حضانة الذكور .
3- عدم إقامة الحاضنة بالصغير في بيت يبغضه : يرى أغلب الفقهاء أن سكن الحاضنة مع من يبغضه الصغير يعرضه للأذى و الضياع ، فلا حضانة للجدة إذا سكنت مع بنتها إذا تزوجت ، إلاّ إذا انفردت بسكن آخر عنها
و هذا ما أورده المشرع الجزائري في المادة 70 من قانون الأسرة الجزائري :
" تسقط حضانة الجدة أو الخالة إذا سكنت بمحضونها مع أم المحضون المتزوجة بغير قريب محرم " .
و جاءت هذه المادة تكريسا لمصلحة المحضون ليتربى تربية سوية بعيدة عن كل المشاكل التي تحيط بالطفل و تؤثر عليه سلبا في المستقبل .
4- ألاّ تكون قد امتنعت عن حضانته مجانا و الأب معسرا : إن امتناع الأم عن تربية الولد مجانا عند اعسار الأب مسقط لحقها في الحضانة ، فعدم الإمتناع يعتبر شرطا من شروط الحضانة .
فإذا كان الأب معسرا لا يستطيع دفع أجرة الحضانة و قبلت قريبة أخرى تربيته مجانا سقط حق الأولى في الحضانة .
الفرع الثالث: الشروط الخاصة بالرجال
يشترط في الرجل الحاضن بالإضافة إلى شرط العقل
و الأمانة و الإستقامة شروط خاصة بالرجال فقط و هي :
1-أن يكون الحاضن محرما للمحضون إذا كانت أنثى ، و لقد حدد الحنابلة و الحنفية سنّها بسبع سنين تفاديا أو حذرا من الخلوة بها لانتهاء المحرمية ، و إن لم تبلغ الطفلة حد الفتنة و الشهوة أعطيت له بالإتفاق ، لأنه في حالة بلوغها هذه المرحلة من الشهوة فلا يكون لابن العم حضانة ابنة عمه المشتهاة ، و أجازها الحنفية إذا لم يكن لبنت العم غير ابن العم، و إبقائها عنده بأمر من القاضي إذا كان مأمونا عليها و لا يخشى عليها الفتنة منه .
2-اتحاد الدين بين الحاضن و المحضون لأن حق الرجال في الحضانة مبني على الميراث و لا توارث بين المسلم و غير المسلم ، و ذلك إذا كان الولد غير مسلم و كان ذو الرحم المحرم مسلما، فليس له حق الحضانة بل حضانته إلى ذوي رحمه المحارم من أهل دينه ، و إذا كان الولد مسلما و ذو رحمه غير مسلم ، فليست حضانته إليه لأنه لا توارث بينهما ، إذ قد بُنيَ حق الحضانة في الرجال على الميراث .
المطلب الثالث: ترتيب أصحاب الحق في الحضانة في ظل المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري
من المعلوم أن الفقهاء قدموا الحواضن بعضهن على بعض بحسب المحضون ، فجعلوا الإناث أليق بالحضانة على حساب الرجال لأنهن أشفق و أهدى إلى التربية و الرعاية و أصبر على القيام بها، و أشد ملازمة للأطفال ، ثم قدموا في الجنس الواحد من كان أشفق و أقرب ، ثم الرجال العصبات المحارم ،و اختلفوا أحيانا في ترتيب الدرجات بحسب ملاحظة المصلحة على النحو التالي ، علما بأن مستحقي الحضانة إما إناثا و إما ذكورا و إما الفريقان ، و ذلك في سن معينة ، فإذا انتهت تلك السن كان الرجل أقدر على تربية الطفل من النساء.
لقد حددت المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري ثلاثة أصناف من مستحقي الحضانة يقدم فيه صنف على آخر فنصت على أن : " الأم أولى بحضانة ولدها ، ثم أمها ، ثم الخالة ، ثم الأب ثم أم الأب ، ثم الأقربون درجة مع مراعاة مصلحة المحضون في كل ذلك و على القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة " .
الفرع الأول: الأم و من يليها من قريباتها
الولاية على الطفل نوعان ، ولاية على النفس و ولاية على المال ، فالولاية على المال هي الإشراف على شؤون القاصر المالية من استثمار، و تصرفات كالبيع و الإيجار و الرهن و غيرها ، فهذا النوع يقدَّم فيه الأب على الأم و من في جهتها ، و الولاية على النفس هي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من رعاية الصحة و التأديب و التهذيب و النمو الجسمي ، و التعليم و التثقيف في المدارس و نحو ذلك و عليه فإن ترتيب الحاضنات يكون على النحو التالي :
أولا : الأم
الأم أحق بحضانة الولد بعد الفرقة بطلاق ، أو وفاة بالإجماع لوفور شفقتها ، و دليل تقديم الأم من السنّة : ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت له : (( يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاءا ، و ثديي له سقاءا ، و حجري له حواءا ، و إن أباه طلقني و أراد أن ينتزعه مني ، فقال : " أنت أحق به ما لم تنكحي " .
وقال صلى الله عليه و سلم : " من فرق بين والدة و ولدها ، فرق الله بينه و بين أحبته يوم القيامة " .
وروي أن عمر ابن الخطاب طلق زوجته أم عاصم ، ثم أتى عليها و في حجرها عاصم ، فأراد أن يأخذه منها ، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام ، فانطلقا إلى أبي بكر رضي الله عنهما ، فقال ابو بكر : " مسحها و حجرها و ريحها خير له منك ، حتى يشبَّ الصبي فيختار لنفسه " .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( الأم أصلح من الأب لأنها أرفق بالصغير و أعرف بتربيته ، و حمله ، و تنويمه ، و أصبر عليه ، و أرحم ، فهي أقدر و أصبر في هذا الموضوع ، فتعيّنت في حق الطفل تمييز المخير في الشرع.
ثم قال : و مما ينبغي أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا بل لا يقدم المعتدي ، أو المفرط على العادل البار مطلقا ، فكل ما قدمناه إنما نقدمه إذا حصل به مصلحة الحضانة ، و إن دفعت به مضرتها ، فأما مع وجود فساد من إحداهما فالآخر أولى بها بلا ريب )) .
و قال ابن القيم رحمه الله : (( التقديم و التأخير و القرعة لا تكون إلا إذا حصلت به مصلحة الولد ، و كون كل واحد من الوالدين نظير الآخر، فلو كانت الأم أصون من الأب ،و أغير منه قدمت عليه ، و لا التفات إلى قرعة ، و لا تخيير للصبي في هذه الحال ، فإن الصبي ضعيف يؤثر عليه اللعب ، فيكون عند من هو أنفع له ، و لا تتحمل الشريعة غير هذا )).
و قال ابن مودود الحنفي : (( و يكون الولد عندهن حتى يستغني عن الخدمة ، فيأكل وحده و يشرب وحده و يلبس وحده و يستنجى وحده ، و قدّره أبو بكر الرازي بتسع سنين ، و الخصاف بسبع سنين اعتبارا للغالب ، و إليه الإشارة بقول الصديق رضي الله عنه : هي أحق به حتى يشبّ ، و لأنه استغنى احتاج إلى التأديب بآداب الرجال ، و التخلق بأخلاقهم و تعليم القرآن و الحرف ، و الأب على ذلك أقدر فكان أولى
و أجدر)) .
و لهذا فإن الأم هي المدرسة الأولى للطفل ، و بالتالي لها التأثير البالغ في الحياة النفسية و استقرارها لدى الطفل من حيث تربيته و تهذيب أخلاقه،
و استقامة سلوكه ، بالإضافة إلى ذلك فالأم هي مصدر الغذاء بالنسبة للطفل في بداية تكوينه الجسدي و العقلي ، و هي كذلك منبع العطف و الحنان ، و مجر ى الحب و الشفقة ، و لهذا فالأم أولى بحضانة الطفل ، و إذا توفرت فيها الشروط لن ينازعها أحد في ذلك .
ثانيا : أم الأم ( الجدة )
في حالة سقوط الحضانة عن أم المحضون ، إما لوفاتها ، أو لزواجها بأجنبي ، أو لأي سبب من أسباب السقوط ، تليها امها مباشرة، لمشاركتها في الإرث و الولادة ، و كذلك لأن الجدة اكثر رأفة و شفقة على المحضون من غيرها ، ولهذا فضلت الأم على الأب ، فقد فضلت كذلك الجدة أم الأم على الجدة أم الأب لهذا السبب .
فالمشرع الجزائري في المادة64 من قانون الأسرة الجزائري قد توقف عند أم الأم فحسب ، فإن جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية ، و منه بعض القوانين العربية ، لا سيما القانون السوري في المادة 139 الفقرة الأولى منه لم يتوقف عند أم الأم بل تعداها إلى جدة الأم أي أخذ بالقاعدة (( حق الحضانة للأم ، فلأمها و إن علت )) .
فحضانة الأم لمحضونها تتقيد بشروط فنفس الشروط لابد أن تتوفر في أم الأم ، بالإضافة إلى عدم إقامتها مع أم المحضون المتزوجة بأجنبي . وكذا انتقال حضانة الولد لأم الأم يكون دائما مؤيد بقرار من القاضي الفاصل في مادة الأحوال الشخصية .
ثالثا : الخالة
خالة المحضون سواء كانت أخت شقيقة لأم ، أو أخت لأب ، أو أخت لأم ، تأتي مرتبتها في استحقاق الحضانة بعد مرتبة أم الأم مباشرة ، و هذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء و على رأسهم المذهب المالكي و الحنفي و الشافعي و الحنبلي ، و عليه فإن المشرع الجزائري في المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري سار على مناهج جمهور الفقهاء و لهذا فإنه لا يمكن مخالفة الترتيب المنصوص عليه في المادة 64 بالنسبة للحاضنين إلا إذا ثبت بالدليل من هو أجدر بالقيام بدور الحماية و الرعاية للمحضون ، فالخالة تأتي في مرتبة أسبق من الأب و أن مركز الأب كأستاذ لا يجعله أقدر على الرعاية و الإنفاق من الخالة ، مع العلم أن الإنفاق على الأب ، و كذلك إسناد الحضانة للأخت من الأب بدل الخالة رغم مطالبتها بها يُعَدُ مخالفة للقانون ، إن شفقة الخالة على الصبي من شفقة أمه ، و في هذا اتفاق مع ما جاء في الأثر ، حيث روى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه و سلم قضى في ابنة حمزة لخالتها ، و قال: " الخالة أم" ، و قد كان ذلك عندما اختصم علي و جعفر و زيد ابن حارثة – رضي الله عنهم - في أيّهم يحضن إبنة حمزة رضي الله عنه ، فسلمها رسول الله لخالتها و هي زوجة جعفر .
و يجب أن تتوفر في الخالة الشروط نفسها التي تتوفر في الحاضنة .
الفرع الثاني :الأب و من يليه من أقاربه
إن لم يكن للمحضون أحد من جهة الأم ، لانتفاء الشروط فيهن أو وفاتهن إنتقلت الحضانة إلى جهة الأب ، و قد حددت المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري هؤلاء الأشخاص تحديدا حصريا .
أولا : الأب
يتضح لنا من قراءة المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري أنها رتبت أب المحضون بعد الخالة مباشرة ، و إن كانت أم الأب أسبق من الأب في استحقاق حضانة الطفل عند الإمامين مالك و أبو حنيفة .
وطبقا لما جاء في المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري ، فإن حضانة المحضون من حق الأب بعد الأم و قريباتها فعلى الأب أن يوفر للطفل من ترعاه من النساء كالخادمة أو أي امرأة تكون أمينة عليه و تتولى رعايته ، خاصة إذا كان الولد فطيما .
ثانيا : الجدة ( أم الأب )
الجدة لأب تأتي مرتبتها مباشرة بعد الأب ، حسب الترتيب المحدد في المادة 64 من قانون الأسرة ، و يبدو أن المشرع تأثر بالمذهبين الشافعي و الحنبلي اللذان يقدمان الأب على أمه ، و هذا خلافا للمذهبين المالكي و الحنفي اللذان يقدمان أم الأب على الأب نفسِه .
و كما تكون الحضانة لأم الأب ، تكون لأمها وجدتها ، عملا بقاعدة
(( الأم و إن علت)) .و هذا إذا توفرت فيهن الشروط ، بالرغم من أن المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري توقفت عند الأم فقط .
الفرع الثالث :الأقرب درجة
طبقا لنص المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري ، فإنها حددت لنا الفئة الثالثة من مستحقي الحضانة ، لكن يؤخذ عليها أنها جاءت غامضة ومبهمة " ... ثم الأقربون درجة ... " وبالرجوع إلى نصوص قانون الأسرة ، لم يتبن لنا ما المقصود بالأقربون درجة .
إن سكوت قانون الأسرة عن تحديد هؤلاء الأقربون درجة يؤدي بنا إلى الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية عملا بالمادة 2 2 2 منه ، نجد الآراء الفقهية تختلف في تحديد هؤلاء الأشخاص لكنهم إتفقوا على التصنيف الآتي بيانه .
أولا : القريبات من المحارم
بالرجوع إلى المذاهب الأربعة نجدها إختلفت في ترتيب هذه القريبات على النحو التالي :
1 - المذهب الحنفي : يرتب أصحاب هذا المذهب القريبات الحاضنات بداية بأخوات المحضون ، ثم بنات الأخوات ثم الخالات ، على خلاف المذهب المالكي ، الذي يرتب الخالة بعد الأم مباشرة ثم بنات الإخوة ، ثم عمات المحضون ، فخالات الأم ، ثم خالات الأب ، ثم عمات الأم ، فعمات الأب ، و تقدم دوما الشقيقات على التي لأم على الأخت لأب
2 - المذهب الشافعي : القريبات من المحارم فهن : الأخت ، ثم الخالة ، ثم بنت الأخت ، ثم بنت الأخ ، ثم العمة ، ثم بنت العمة ، ثم بنت العم ، ثم بنت الخال ، و تقدم الشقيقات على غيرهن ، و التي لأب تقدم على التي لأم على خلاف المذهبين المالكي و الحنفي .
3-المذهب الحنبلي : يرتب أصحاب هذا المذهب القريبات الحاضنات للأخوات بدءا بالأخت الشقيقة ثم أخت لأم ، ثم أخت لأب ، فالخالة ، فالعمة ، ثم خالات أمه ، ثم خالات أبيه ، ثم عمات أبيه ، ثم بنات أخواته ، ثم بنات إخوته ، ثم بنات أعمامه ، ثم بنات عماته ، ثم بنات أعمام أمه ، ثم بنات أعمام أبيه .
4- المذهب المالكي : يرتب القريبات من المحارم ابتداءا من الأخت الشقيقة على التي لأم و هذه الأخيرة على التي لأب ، ثم عمته أخت أبيه ، ثم عمة أبيه أخت جده ، ثم خالة أبيه ، ثم بنت الأخ الشقيق ، ثم الذي لأم ، و بعدها الذي لأب ، ثم بنت الأخت الشقيقة ، ثم التي لأم ، و تليها لأب ، و إذا اجتمع هؤلاء يقدم الأصلح منهن للحضانة ، و بعضهم رجّح بنات الأخ على بنات الأخت .
و إن تساوت الحاضنات في جميع ذلك تقدمت أكبرهن سنا ،فإن تساوين من كل وجه تُقدَّم دوما الشقيقة على التي لأم ، و تقدم هذه الأخيرة على التي لأب .
ثانيا : العصبات من المحارم من الرجال
لقد حددت المادة 150 من قانون الأسرة مفهوم العاصب بنصها : " العاصب هو من يستحق التركة كلها عند انفراده أو ما بقي منها بعد أخذ اصحاب الفروض حقوقهم ، و إن استغرقت الفروض التركة فلا شيء له " .
و العاصب إذا كان رجلا فلا يكون إلا عاصبا بنفسه حسب ما حددته المادة 152 من قانون الأسرة الجزائري على أنه :
" كل ذكر ينتمي إلى الهالك بواسطة ذكر " ، و قياسا على الميراث فإن حضانة الولد تعود لهؤلاء في حالة استغراق كل الأشخاص السالف ذكرهم ، و قد حددت المادة 153من قانون الأسرة الجزائري هذا الصنف حسب أربع جهات ، أولها جهة البنوة ثم جهة الأبوة فتليها جهة الأخوة ، و أخيرا جهة العمومة .
و على ما تقدم فإن ترتيب هذه الفئة يكون بناءا على ما جاءت به الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالميراث و ولاية النكاح . و عليه فالأخ هو أخ المحضون الشقيق ثم الذي يليه لأب عند فقهاء المذهب الحنفي خلافا للمذهب المالكي الذي يجعل الجد أسبق من الأخ ، و هو الجد لأب و إن علا ، ثم إبن أخ المحضون ، ثم عم المحضون الشقيق أولا ، ثم يليه الذي لأب ، و عم الأب يكون بمرتبة عم المحضون و بالتالي يحق له حضانة الطفل ، ثم أبناء العم ، و لا تثبت لهم إلا حضانة الذكور ، إذ أنهم من العصبات غير المحارم ، و بالتالي فلا حضانة لهم لأنثى .
و العصبات تقدم كما في ميراث الأقرب فالأقرب .
ثالثا : المحارم من الرجال غير العصبة
لا تتوقف القرابة عند القريبات من المحارم ، أو العصبات من المحارم من الرجال ، حيث أنه إذا لم يوجد من هذه الفئات من يحضن الولد أو وجد و ليس أهلا للحضانة ، إنتقل حق الحضانة إلى محارم المحضون من غير العصبة و هم على الترتيب التالي : الجد لأم ثم الأخ لأم ثم إبن الأخ لأم ثم العم لأم ، ثم الخال الشقيق ، فالخال لأب ، فالخال لأم.
رابعا : من يراه القاضي أصلح للمحضون
في حالة ما إذا لم يكن أهلا لحضانة الطفل أحد ممن سبق ذكرهم سالفا أو لم يوجد من يحضنهم لفقدانهم أو لعدم قدرتهم على حضانة المحضون كان للقاضي أن يختار من يراه أصلح لرعاية المحضون ، و لو كان من الأقارب الذين ليس لهم حق الحضانة مثل ابن العم فله حضانة إبنة عمه إذا كانت صغيرة غير مشتهاة ، بحيث لا يخشى عليها الفتنة .
وعليه مما تقدم ما هو موقف القضاء الجزائري من هذا الترتيب إذا تمت إحالة حالة عليه تتعدى فيها الحضانة إلى أبعد من الدرجة الخامسة ؟ مع العلم أن المادة 2 2 2 من قانون الأسرة الجزائري تحيلنا إلى أحكام الشريعة الإسلامية بالمفهوم الواسع دون تحديد المذهب الذي تأخذ به في ظل تعدد المذاهب الفقهية و تنوعها . حقيقة قد جرى العرف على أن المذهب السائد و الغالب الجاري العمل به هو المذهب المالكي ، لكنه من الأحسن على المشرع أن يضبط هذه القرابة في مادة قانونية كما فعلت بعض القوانين العربية كالقانون السوري في المادة 139 ، و القانون الكويتي في المادة139 ، و القانون المصري في المادة 20 .
و تجدر الإشارة في الأخير أن المادة 64 في المشروع التمهيدي لقانون الأسرة وقع فيها تغيير في ترتيب مستحقّي الحضانة و جاءت كما يلي :
" الأم أولى بحضانة ولدها ، ثم الأب ، ثم الجدة لأم ، ثم الخالة ، ثم الجدة لأب ، ثم الأقربون درجة ... " .
و جاء في عرض أسباب هذا التعديل عن طريق تقديم الأب على الجدة و الخالة في إسناد الحضانة على اعتبار أن الأب أولى منهم و أكثر حرصا على رعاية أبنائه . [/color]
المبحث الثاني : آثار الحضانة
إن انحلال الرابطة الزوجية ، من شأنه أن يرتب إسناد حضانة الأولاد لأحد الزوجين أو غيرهما ممنّ هو أحق بها قانونا و شرعا ، و لعلّها تكون الأم مبدئيا لكونها الأنسب و الأجدر بها ، و ينتج عن ذلك آثر تتطلبها ممارسة الحضانة ، و مراعاة مصلحة المحضون لينشأ سليما ، و يتجلى ذلك فيما تتطلبه الحضانة من نفقة على المحضون ، و إضافة إلى ذلك و كون الحاضنة تبذل مجهودات مادية و معنوية مضنية في سبيل تربية المحضون ، و السهر على مصالحه .
فهل يتطلب ذلك مقابلا لها بما يعبر عنه بـ " أجرة الحضانة " ؟
كما أن ممارسة الحضانة تقتضي أن يكون تحت سقف بيت ، ينموا في دفئه المحضون ، تحت رعاية الحاضنة له .
و زيادة على ذلك فإن حضانة الطفل بعد طلاق والديه ، يفترض ابتعاده عن أحدهما ، و لمجابهة ذلك اقتضى القانون و الشرع، من أن يحكم القاضي بحق الزيارة عند اسناد الحضانة .
تلك هي الآثار المترتبة عن الحضانة و التي سنتناولها كما يلي :
المطلب الأول : نفقة المحضون و أجرة الحاضنة
إن حضانة الطفل بما تنطوي عليه من تغذية و كسوة ،و علاج ، و تربية
و سكن ، و كل ما يتطلبه المحضون من احتياجات لمعيشته ، و تنشئته التنشئة القويمة ، كل ذلك يتطلب مجهودات مادية قوامها المال ،و تتجلى في نفقة المحضون ،لكن هل نفقة المحضون من شأنها أن تنطوي على مقابل لما تبذله الحاضنة من مجهودات مضنية ، في سبيل رعاية المحضون و حسن تنشئته ؟ أم أن هذه الجهود تتطلب لها مقابلا مستقلا عن نفقة المحضون ، بما يسمى بأجرة الحاضنة؟
ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في الفرعين الآتيين :
الفرع الأول: نفقة المحضون
1- نصت المادة 78 من قانون الأسرة الجزائري في تعريفها للنفقة في مفهومها العام على:
(( تشمل النفقة : الغذاء و الكسوة و العلاج ، و السكن و أجرته ، و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة )) .
و هذا معناه أن النفقة هي كل ما يحتاج إليه الإنسان لإقامة حياته من طعام و كسوة و علاج ، و سكن و خدمة و كل ما يلزم بحسب العرف و العادة ، و هي ما يصرفه الزوج على زوجته و أولاده و أقاربه بحسب المتعارف عليه بين الناس ، و حسب وسع الزوج .
و النفقة تجب للفروع على الأصول ، كما تجب للأصول على الفروع حسب القدرة و الإحتياج ، و الأصل أن النفقة تعود إلى سببين اثنين هما : الزواج و القرابة
2- و بخصوص نفقة المحضون نصت المادة 72 من قانون الأسرة الجزائري على أن :
(( نفقة المحضون و سكناه من ماله إذا كان له مال ، و إلا فعلى والده أن يهيء له سكنا وإن تعذر فعليه أجرته )) .
و قد استمد المشرع الجزائري وجوب نفقة المحضون من مال أبيه ، إن لم يكن للمحضون مال ، و هذا ما ذهب إليه جمهور أئمة المذاهب الأربعة في الشريعة الإسلامية ، ذلك أن الأب ملزم بالنفقة على الأولاد ، في إطار عمود النسب .
فرغم أن الأصل هو أن نفقة الولد و سكناه تكون من ماله إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال قام واجب أبيه في أن ينفق عليه ، و في هذا نصت المادة 75 من قانون الأسرة الجزائري على : (( تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكن له مال ، فبالنسبة للذكور إلى سن الرشد ، و الإناث إلى الدخول ، و تستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لآفة عقلية أو بدنية ، أو مزاولا للدراسة و تسقط بالإستغناء عنها بالكسب.))
و تهدف هذه المادة إلى قيام واجب الأب بالنفقة على ابنه الذي لا مال له ، و تستمر هذه النفقة إلى بلوغ الولد الذكر سن الرشد ، أما الإناث فإلى زواجهن بالدخول بهن .
كما تستمر نفقة الأب على أولاده العاجزين عن الكسب لعاهة عقلية أو بدنية ، أو لسبب مزاولتهم الدراسة ، و يسقط واجب الأب في النفقة عند استغناء من قُدِّرت لمصلحته عنها بالكسب ، فلا تجب النفقة على الأب لفائدة ابنه المزاول للدراسة بعد أن ينهي دراسته و يستغني عن نفقة أبيه بأن يصبح له دخل من عمل أو حرفة .
كما يسقط واجب النفقة عن الأب المعسر .
فنستنتج هنا أنه لكي تكون نفقة من الأب على ابنه يجب أن يكون الأب قادرا ، و أن يكون الإبن محتاجا لها ، لكونه لا مال له أو لكونه صغير السن ، أو ذا عاهة أو مزاولا لدراسة إلى أن يستغني عنها بالكسب .
أما البنات فيبقى واجب الإنفاق عليهن قائما إلى زواجهن و الدخول بهن، فبذلك ينتقل واجب النفقة عليهن من الأب إلى الزوج .
ويبقى هذا حكم النفقة على الإبن سواء في إطار زوجية قائمة أو في إطار حضانة مسندة بعد انحلال علاقة الزواج .
3- و ينتقل واجب الأب بالإنفاق على الأبناء إلى الأم إن كان معسرا او عاجزا عن النفقة، و هذا ما نصت عليه المادة 76 من قانون الأسرة بنصها على : (( في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك .))
فَنَقَلَ المشرع هنا واجب النفقة من الأب العاجز عنها إلى الأم بشرط قدرتها على النفقة ، بأن يكون لها مال .
و يجدر القول هنا بأن المادة عبّرت عن اعسار الأب بكلمة
" عجز " ، ويقصد بها هنا عدم القدرة التامة على الكسب لا مجرد فقره و إعساره, و إلاّ لتقاعس الآباء عن الكسب و النفقة على أبنائهم المحضونين لدى مطلقاتهم أو غيرهم ممن يستحقها في إطار مراعاة مصلحة المحضون ، بل إن الفقهاء يذهبون إلى حد إمكانية الحكم بحبس الأب المتقاعس على كسب قوت أبنائه رغم قدرته على ذلك ، فالأصل ألا يحبس الوالد و إن علا في دَيْن لابنه و إن سَفُلَ ، إلا دَيْن النفقة .
و قد ذهب فقهاء الحنفية إلى حد تكليف الجد و العم و غيرهم من الأقربين درجة بنفقة الأبناء إن عجز عنها الأب .
4- تقدير قيمة النفقة :
الأصل أن ينفق الأب على ابنه المحضون دون ما حاجة إلى حكم قضائي ، لكن عند امتناع الأب عن الإنفاق يقوم لمن كانت له حضانة الولد حق المطالبة بنفقة المحضون لارتباط هذه النفقة بالحضانة ، فلا يمكن للحاضنة أن تمارس حضانتها للطفل إلا بتحقق الإنفاق عليه و قد نصت المادة 79 من قانون الأسرة الجزائري في مسألة تقدير النفقة على ما يلي : (( يراعي القاضي في تقدير النفقة حال الطرفين و ظروف المعاش و لا يراجع تقديره قبل مضي سنة من الحكم )) . و يظهر من هذه المادة أنها تحدد معايير تقدير النفقة بين الزوجين ، لكن لا مانع من اعتماد هذه المادة لتحديد نفقة
المحضون في إطار احتياجات هذا الأخير من أجل رعاية الولد و تعليمه و القيام بتربيته و تنشئته التنشئة السليمة و تحقيق الحماية له صحة و خلقا و يكون ذلك بلتلبية حاجياته المعيشية من مأكل و مشرب و كسوة و علاج و مسكن و دراسة ...
و ما يستمد من المادة 79 من قانون الأسرة الجزائري أن القاضي لماّ يقدر النفقة يأخذ بعين الإعتبار وسع الزوج .
كما يجب أن يراعي القاضي ظروف المعيشة و المستوى الإجتماعي ، و قد بيّن محمد صديق حسن خان هذه المعطيات على النحو التالي : (( ... أقول هذا يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال
و الأشخاص ، فنفقة زمن خصب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب، و نفقة أهل البوادي و المعروف فيها ما هو الغالب عندهم و هو غير المعروف من نفقة أهل المدن ، و كذلك المعروف من نفقة الأغنياء على اختلاف طبقاتهم غير معروف من نفقة الفقراء ...
وكذلك الحاكم عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة و الأمكنة ،
و الأحوال و الأشخاص مع ملاحظة حال الزوج في اليسر و الإعسار .
و حسب المادة 79 من قانون الأسرة الجزائري فإنه لا يجوز للحاضنة المطالبة بمراجعة نفقة محضونها إلا بعد مرور سنة من يوم الحكم بها.
كما يجب على القاضي حين إعادة النظر في تقدير النفقة أن يراعي المعايير السابقة .
و قد أكدت المحكمة العليا على وجوب انفاق الأب على ابنه المحضون ، شرط أن يكون الإبن من علاقة شرعية و هذا ما جاء في قرارها الصادر في : 07/02/ 1987 م بأنه : (( من المقرر قانونا و شرعا أن نفقة الأولاد تجب على الأب إذا وُلِدوا من فراش صحيح ناشئ من عقد صحيح شرعا ، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية ))
5-و أخيرا فإن مجلس الوزراء قد اقترح في مشروع تعديل قانون الأسرة، المطروح لمناقشته أمام البرلمان ، و نظرا للمشاكل المتعلقة بدفع النفقة و ما ينعكس عنها من اكتضاض رفوف المحاكم بقضايا تتعلق بعدم دفع النفقة المستحقة قانونا للمحضونين ، و الإنعكاسات السلبية على حسن تربيتهم
و حسن تنشئتهم ، مما استدعى وجوب انشاء صندوق عمومي لدفع النفقة الغذائية و أجرة السكن ( المخصص لممارسة الحضانة و التي يبقى تحصيلها بطرق التنفيذ القانونية دون جدوى ، و من أسباب هذا الإقتراح أن المتضرر من عدم دفع النفقة هم بصفة أولية الأطفال ، فهذا الصندوق إن تم إنشاؤه يعتبر آلية جديدة لدفع النفقة و رفع الإحتياج عن المحضونين، مع العلم أن كل من فرنسا و مصر و تونس دول تعتمد على هذه الوسيلة لضمان دفع النفقة المستحقة قانونا ، إذ يتم إنشاء الصندوق في إطار قانون المالية ، على أن يحِّل الصندوق محل الدائن بالنفقة و تخوّل له جميع الطرق و الوسائل القانونية المجدية و الفعالة لتحصيل المبالغ التي يكون قد دفعها للدائن الأصلي بالنفقة .
الفرع الثاني
أجرة الحضانة
إن الحضانة بما تتمثل في رعاية الولد و تعليمه و القيام بتربيته على دين أبيه و السهر على حمايته وحفظه صحة و خلقا ، يجعل منها عملا متعبا و مضنيا و شاقا بما تتطلبه الحضانة من إمكانيات و جهود مادية
و معنوية و طاقة جسدية يمتدّ بذلها خلال سنوات الحضانة في سبيل رعاية الطفل ، و إنشاء شباب ليكونوا رجال الغد ، و التساؤل المثار هنا هو هل لهذه الجهود مقابل مادي يشكل أجرة للحضانة ؟ أم أن ذلك البذل يكون في إطار سنّة الحياة بأنّنا ربّانا آباؤنا و علينا تربية أبنائنا ؟
ذلك ما سنحاول الإجابة عليه فيما يلي :
1-الحضانة لا تتطلب أجرا :
رغم أن المشرع الجزائري قد نص على نفقة المحضون في المواد 77، 78 ، 79 من قانون الأسرة إلاّ أنّه لم يتطرّق إلى أجرة الحاضنة مما يتطلب منّا حسب المادة 222 من قانون الأسرة الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية و بالإطّلاع على الفقه نجده لم يثبت على موقف واحد بخصوص أجرة الحضانة فمنهم من قال بعدم وجود مقابل أو أجر للحاضنة على حضانتها للأولاد بعد طلاق ، و منهم من قال بحقِّها في أجرة الحضانة .
- فيرى الإمام مالك أنه ليس للحاضنة أجرة على حضانتها سواء كانت أمًّا للطفل أم لا ، و بغضِّ النظر عن حالتها المادية ، فإن كانت فقيرة و لولدها المحضون مال أنفق عليها منه لفقرها و ليس لحضانتها و للمحضون على أبيه النفقة و الكسوة و الغطاء و الفراش ، و الحاضنة تقبضه منه و تنفقه على الولد . و قول " اللّخمي " و هو من فقهاء المالكية " أنّ الأولاد إذا كانوا يتامى كان للأم أجرة الحضانة إن كانت فقيرة ، و الأولاد موسرين ، لأنّها تستحق النفقة في أموالهم و لو لم تحضنهم " ، و هذا يعني أنّ الأم في هذه الحالة لا تقبض مقابلا عن حضانتها للأولاد و إنّما تتلقى المال منهم لقيام واجب نفقة الفرع على الأصل لاحتياج الأخير له و يسر الأول .
2-حق الحاضنة في أجرة الحضانة :
يرى فقهاء الحنفية أنه تجب للحاضنة أجرة إن لم تكن الزوجيّة قائمة بينها و بين أبِ الولد ، و لم تكن معتدّة من طلاق رجعي، و كذلك لا تستحق أجرة الحضانة إذا كانت معتدة من طلاق بائن ، و تستحقّ النفقة من أب الطفل ، و هذا على أحد قولين مصحّحين في مذهب أبي حنيفة ، و عليه العمل و ذلك لأن هذه الأجرة ليست عِوَضًا خالصًا ، بل هي كأجرة الرضاع للأم مؤونة و نفقة و بما أن النفقة ثابتة لها بمقتضى الزوجيّة لقيامها ، أو وجود العدّة فإنّها لا تأخذ نفقتين من شخص واحد ، و إنّ تعدّد السبب و ما عدا هؤلاء من الحاضنات يأخذن أجرة للحضانة .
و أجرة الحضانة تكون واجبة في مال الولد نفسه ، إذا كان له مال ، لأن نفقته تكون في ماله و أجرة الحضانة من النفقة ، ، و إن لم يكن له مال فإن أجرة الحضانة تكون على من تجب عليه نفقته ، و تكون على الأب إذا كان موجودا و كان قادرا ، فإن لم يكن له أب أو كان عاجزا فإنها تجب على غيره من سائر الأقارب ، و إذا أبت الأم أن تحضنه إلا بأجرة ،
و وُجدت متبرّعة فإنّ الأم أولى إذا كانت أجرة الحضانة على الأب ، و كان موسراً أو كانت المتبرّعة ليست من الحاضنات ، أما إذا كانت المتبرّعة من الحاضنات و كانت أجرة الحضانة على الأب و كان الأب غير موسر ، أو كانت أجرة الحضانة من مال الولد ، فإنّ المتبرعة أولى لأنّ الحضانة لمصلحة الولد ، و من مصلحته المحافظة على ماله ، و المتبرّعة تنظر إلى مصلحته في الجملة ، لأنّها ذات رحم محرم منه ، و أمّا عدم الوجوب على الأب و هو غير موسر فلأنّ إلزامه بأجرة الحضانة مع وجود المتبرّعة في هذه الحال مضارّة به ، و الله سبحانه و تعالى يقول :
(( لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده)) و الفرق بين التبرع بالحضانة و التبرع بالرضاعة أن المتبرعة في الرضاعة تُقدَّم في كل الأحوال قريبة كانت أو أجنبية ، سواء كانت النفقة على الأم أم كانت على الأب ، و سواء كان الأب موسرا أم معسرا ، و أما في الحضانة فلابدّ من أن تكون المتبرعة من الحاضنات ، و لابدّ من أن يكون الأب غير موسر ، أو تكون الأجرة من مال الولد .
- و يلاحظ أنّه إذا كان الأب معسرا ، و الولد لا مال له ، و لم توجد متبرعة فإن الأم تحضنه و تقدّر لها أجرة و تكون تلك الأجرة و الأداء على من يلي الأب من نفقة الولد و لكنّه يؤديها على أنّها دين على الأب يأخذه منه إذا أيسر ، أمّا إذا كان الأب عاجزا فإنه لا يجب عليه شيء ، و تكون الأجرة واجبة على من يليه في الإنفاق ، هذا ما قرره فقهاء الحنفية بالنسبة للأم إذا طالبت بالأجرة ، و وجدت متبرعة و كان الأب معسرا ، و الظاهر أن حكم غير الأم من الحاضنات كذلك إذا تبرّعت حاضنة و تمسّكت من هي أقرب منها بالأجرة ، إذ لا فرق بين الأم و غيرها بالنسبة للتبرع و الإعسار .
- و نستخلص عن مذهب الإمام أبي حنيفة أنّ أجرة الحضانة هي جزء من النفقة على المحضون فما جاء عنه أنّ : " أجرة الحاضنة ليست عِوَضًا خالصا و إنما هي كأجرة الرّضاع للأم مؤونة و نفقة " ، و ذلك ما ذهب إليه اتفاق عرف الفقهاء في كون أجرة الحضانة ليست عوضا خالصا و إنّما فيها شبه بالنفقة ، فنقول أنّ ما يدفع للحاضنة مقابل ما تقوم به من عمل هو أجرة ،
و إذا نظرنا إلى أنّ نفقة الطفل واجبة عليه في ماله ثم على أبيه و من جملة ما ينفق عليه ، الإنفاق على الحاضنة التي حبست نفسها لأجله ، فنقول أنّ ما يدفع إليها هو نفقة ، فهي ليست نفقة خالصة و لا أجرة خالصة.
- و بعدما وضّحنا ما يخص نفقة المحضون و أجرة الحاضنة ، و ما نظمه المشرع الجزائري في ذلك ، و تطرقنا إلى ما لم يبيّنه قانون الأسرة بخصوص المسألتين من خلال الفقه ، رجوعا إلى ما ذهب إليه العلماء المسلمون ، فتعرّضنا إلى مسائل نفقة المحضونه و ما حولها ، و يجدر بنا في المطلب الموالي أن نتعرض إلى مسألة سكن الحضانة ، و هو المكان الذي لابدّ من وجوده لممارسة حضانة الأطفال .
المطلب الثانى: سكن الحضانة
إن مناط معيشة الإنسان أن يكون له سكن يأويه و يحتمي تحت سقفه من حرّ الصيف و برد الشتاء ، و يجد فيه الدفء و الحنان
و الألفة ، فالطفل يتلقّى ما يلزمه من احتياجات مادية و معنوية ، من مأكل و مشرب و ملبس و غذاء لجسده و روحه ، و يحضن تحت سقف بيت تمارس فيه الحضانة .
الفرع الأول: المكلف بتوفير سكن الحضانة أو أجرته
1-لقد نصت المادة 72 من قانون الأسرة على أنّ : (( نفقة المحضون
و سكناه من ماله إذا كان له مال ، و إلاّ فعلى والده أن يهيّئ له سكنا
و إن تعذر فعليه أجرته )) .
- و نستشف من هذه المادة أنّ توفير سكن لممارسة الحضانة لازم و لصيق بها ، إذ هو المجال و الإطار الذي ينشأ فيه الطفل و يُرعى و يُربّى
و هو المكان الذي يُتَطَلَّبْ لتحقيق مضمون الحضانة ممّا نصت عليه المادة 62 من قانون الأسرة .
- جعلت المادة 72 من قانون الأسرة مسكن الحضانة من مال المحضون ، إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فعلى أبيه أن يوفّر له سكنا ليُحضن فيه و إلا فإنّه ( الأب ) يُكلَّف بدفع أجرة مسكن لممارسة حضانة ابنة فيه.
- إلاّ أنّه يجدر بنا أن نذكِّر هنا بما جاءت به الفقرة الثانية و ما بعدها من المادة 52 من قانون الأسرة ، بما يُفيد أنّه : " و إذا كانت حاضنة و لم يكن لها وليٌّ يقبل إيواءها يضمن حقّها في السكن مع محضونيهاحسب وسع الزوج ، و يُستثنى من القرار بالسكن مسكن الزوجية إذا كان وحيدا .
تفقد المطلقة حقها في السكن في حالة زواجها أو ثبوت انحرافها " .
- و ما يهمنا من هذه المادة هنا هو أنّ التزام الأب المطلِّق بتوفير سكن لحضانة ابنه لا يقوم إلاّ بعد عدم وجود أب للمطلقة يقبل إيواءها مع محضونيها .
و هذا ما أكدت عليه المحكمة العليا في قرارها الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية بما يفيد أنّه : (( يجب على القضاة أن لا يرفضوا طلب الأم الحاضنة – التي يقوم احتمال عدم وجود وليّ يقبل إيواءها مع محضونيها بتخصيص مسكن يضمن حق المحضون بالإيواء فيه ، ضدّ الزوج الذي له مسكنان ، و هو معترف بذلك )) .
ما لاحظناه أنّ المادة 52 من قانون الأسرة تتوافق و تكمل ما جاءت به المادة 72 من نفس القانون ، إلاّ في كلمة " محضونيها " و التي تفترض وجود تناقض بين المادتين ، إذ حسب المادة 52 فقرة 2 لا نتصور قيام واجب الأب بتوفير سكن لابنه المحضون الوحيد لدى الأم المطلقة .
أكدّت على ذلك المحكمة العليا في قراراتها الصادرة عن غرفة الأحوال الشخصية .
لكن سجّلنا تراجع المحكمة العليا عن هذا الموقف و صارت بعد ذلك تعتبر أن اشتراط أن يكون للحاضنة التي تطلب سكنا للحضانة أكثر من ولدين ، تطبيقا للمعنى الحرفي للمادة 52 فقرة 2 من قانون الأسرة - لا سيما لفظ " محضونيها " - صارت تعتبره تطبيقا سيئا للقانون .
و هذا ما أكدت عليه في القرار الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية بما يفيد أنّ : (( قضاة المجلس لمّا أسّسوا قرارهم على أنّ الطاعنة لا يحق لها المطالبة بسكن لممارسة الحضانة أو بأجرته ،إلا إذا كانت حاضنة لأكثر من ولدين.
فإنهم بذلك قد أساؤوا تطبيق القانون ، و كان يتوجّب عليهم إلزام المطعون ضدهم بتوفير سكن للحاضنة أو تسليم أجرته )) .
كما أكّدت المبدأ الوارد في المادة 72 من قانون الأسرة بإلزام الأب بتوفير سكن للحضانة أو دفع أجرته ، و ذلك بالقرار الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية الذي مفاده أنّ : " عدم الإستجابة لطلب الطاعنة في تخصيص سكن لها لممارسة الحضانة أو منحها مقابل لإيجار سكن ، رغم القضاء لها بعد الطلاق بنفقة العدّة و نفقة إهمال و تعويضها عن الطلاق و الحكم لها بنفقة الأولاد المحضونين ، إلا أنّه و حسب المادة 72 من قانون الأسرة فإنّه يقع على عاتق الأب أن يوفر للمحضون سكنا أو أجرته ، ممّا كان يستوجب على القضاة أن يحكموا لها بالسكن أو بأجرته " .
2- سكن الحضانة و الزوجية قائمة :
- إنّ المادّتين 72 و 78 من قانون الأسرة تفيدان بواجب توفير مسكن الحضانة أو أجرته ، فالمادة 72 تعتبره كذلك سواء في مال المحضون إن كان له مال ، أو في مال أبيه أو من ينوب عنه في هذا الواجب حسب القانون و الشرع إن كان عاجزا .
و تزكي ذلك المادة 78 باعتبارها السكن في المرتبة الرابعة بعد الغذاء و الكسوة و العلاج، ويصلح ذلك على الطفل المحضون .
فإذا كانت الزوجية قائمة بين الأب و الأم ، فإنها ( أي الأم ) تحضن الأبناء في مكان الزوجية ، و كذلك إذا كانت معتدّة من طلاق رجعي أو بائن
و ذلك لأن المرأة تعتبر ناشزة إن تركت بيت الزوجية في هذه الأحوال ،
و لذلك إذا خرجت من المسكن في هذا الحال و معها ولدها ، أو لم يكن معها ولدها فللزوج أن يعيدها إلى مسكن الزوجية ، إذ له عليها حقّ الطاعة ، إن كانت زوجة ، و له عليها حقّ الإقامة في المسكن إن كانت معتدّة .
الفرع الثاني: مكان ممارسة الحضانة و مسألة الإنتقال بالمحضون
عند انقضاء عدّة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها فلا يُلزمها أحد على البقاء بالمحضون في بيت الزوجية ،فلها أن تنتقل به إلى مكان آخر من نفس البلد الذي بدأت فيه الحضانة .
نرى بأنّ المشرع الجزائري لم ينص صراحة على المكان الذي يجب أن تمارس فيه حضانة الصغير و لكننا نستنتج ذلك من خلال ما جاء في نص المادة 69 من قانون الأسرة ، إذ تنص على أنّه : " إذا أراد الشخص الموكل له حقّ الحضانة أن يستوطن في بلد أجنبي رجع الأمر للقاضي في إثبات الحضانة له أو إسقاطها عنه مع مراعاة مصلحة المحضون " .
بمفهوم المخالفة نجد أنّ المشرع يريد بالحاضن أن يمارس حقّه في الحضانة في بلد المحضون ، و الذي يعتبر محل إقامة أبيه ، حتى يتمكن هذا الأخير من مراقبة ابنه و زيارته و رعايته .
أمّا إذا أراد الحاضن أن يستوطن في بلد أجنبي رجع الأمر لسلطة القاضي التقديرية في أن يثبت الحضانة له أو إسقاطها عنه مراعيا في ذلك مصلحة المحضون .
و تؤكد المحكمة العليا في قرارها الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية ، و الذي مفاده أنّه: " من المقرر شرعا و قانونا أنّ إسناد الحضانة يجب أن تراعى فيه مصلحة المحضون و القيام بتربيته على دين أبيه، و من ثمّة فإنّ القضاء بإسناد حضانة الصغار إلى الأم التي تسكن في بلد أجنبي بعيدا عن رقابة الأب كما هو حاصل في قضية الحال ، يعدُّ قضاءا مخالفا للشرع و القانون و يستوجب نقض القرار المطعون فيه ."
قد تسقط الحضانة عن الأم في حالة انعدام أهليتها لذلك ، أو في حالة توفر فيها أهلية الحضانة لكن مصلحة المحضون لا تقتضي أن يعطيها لها ، فهنا تنتقل الحضانة من الأم إلى غيرها من النساء وفقا للترتيب الذي جاء في قانون الأسرة الجزائري في المادة 64 منه .
فإذا تولّت إحدى المحارم من النساء حضانة الطفل وجب عليها أن تقيم به في مكان إقامة أبيه و لا تنتقل بالمحضون إلاّ بإذنه ، أو بإذن من يقوم مقامه من الرجال في حالة عدم وجود الأب ، و إلاّ سقط حقّها في الحضانة إلا إذا أذن له أب المحضون بالسفر .
كما أنّه لا يحق للأب أن ينزع الولد من أمّه و يسافر به إلى مكان بعيد عن مكان إقامة الحاضنة ، أمّا في حالة انتقال الحاضنة إليه فالسؤال المطروح هنا هو :
هل يجوز للأب أو من يقوم مقامه أن يسافر بالمحضون ؟
إنّ المشرع الجزائري لم يفصِّل و لم يوضِّح هذه المسألة ، بينما قد اختلفت آراء الفقهاء بشأن هذه المسألة .
أ- المالكية : لقد سوى فقهاء المالكية بين الحضانة و الوليّ في إسقاط حضانتها إذا سافر أحدهما إلى بلد آخر بمسافة تقدّر بما يزيد عن ستِّ بُرَد، و هوما يعادل تقريبا 133 كلم بقصد الإقامة ، فإذا سافر الوليّ سواء كان الأب أو من يقوم مقامه بقصد الإقامة ، مسافة تبعد عن بلد الحاضنة بستِّ بُرَد فأكثر ، له أخذ الولد من الحاضنة بشرط أمن الطريق و أمن المكان المقصود ، و يسقط حق الحاضنة في الحضانة إذا سافرت معه ، و بالتالي فلا يسقط حقّه في الحضانة بانتقاله .
ب- الشافعية : إلا أنّ الشافعية قد فرّقوا بين السفر لحاجة ، و بين السفر لنقله ، فإذا أراد الوليّ السّفر لحاجة كان المحضون مع المقيم حتى يعود المسافر ، و ذلك لما في السفر من خطورة على المحضون .
أما إذا كان السفر لنقله كان الأب أولى بحضانة الصغير بشرط وجود الأمن في طريقه و أمن البلد المقصود له ، فإن لم يكن هناك أمن بقي الصغير في حضانة أمّه .
ج- الحنابلة : بينما يرى الحنابلة أنّه إذا أراد أحد الوالدين نقل المحضون إلى بلد مسافته أكثر من ستّ بُرَد و كان البلد و الطريق آمنا ، من أجل السكن ، فهنا الأب أحق بحضانته سواء كان الأب المقيم أم هو المنتقل لأنّ الأب هو الذي يقوم عادة بتأديب الأبناء و حفظ نسبهم .
د- الحنفية : يرى الحنفية أنّه إذا كان المحضون في حضانة أمّه أو غيرها فلا يجوز للأب الإنتقال به إلاّ برضاه ، لأنّ فترة الحضانة هذه من حقّها ، إلاّ إذا سقطت حضانتها و لا يوجد من يليها بالترتيب و انتقلت للأب ، فإذا أراد السّفر به جاز له ذلك على أن يكون سفر الأب بالمحضون إلى بلد قريب من بلد الأم لتمكينها من رؤيته ، و إلاّ يجوز ذلك .
و ما نستخلصه من اختلاف الآراء أنّ السفر لا يسقط حقّ الحضانة ، و هذا عند الحنفية ، بينما يسقطها في رأي الجمهور
( المالكية و الشافعية و الحنابلة ) .
إذ أنّه يجب أن تتوفر في السفر راحة الصغير و مصلحته و صحّته ، فإذا كان فيه مخاطر على المحضون فلا يجوز لأيّ من الأبوين أو غيرهما السّفر به.
و تجدر الإشارة أنّ المسألة ترجع للقاضي في تقدير ذلك إذا كان الإنتقال بقصد الإستيطان دائما مراعيا مصلحة المحضون .
الفرع الثالث: حق الحاضنة في السَّكن
نصت المادة 52/2 من قانون الأسرة على أنّه :" إذا كانت حاضنة و لم يكن لها وليّ يقبل إيواءها يضمن حقّها في السكن مع محضونيها حسب وسع الزوج و يستثنى من القرار بالسكن مسكن الزوجية إذا كان وحيدا " .
كما نصت المادة 467 /2 من القانون المدني على أنّه :
" و في حالة الطلاق يجوز للقاضي أن يعيِّن من الزوجين من يمكنه أن ينتفع بحق الإيجار باعتبار تكاليف هذا الزوج من أجل حضانة الأولاد خاصة " .
كما نصّت المادة 12/2 من المرسوم رقم 76-147 المتضمن تنظيم العلاقات بين المؤجِّر و المستأجر لمحلّ معدّ للسكن و تابع لمكاتب الترقية و التسيير العقاري على أنّه : " و في حالة الطلاق ، يؤول حقّ الإيجار و حقّ البقاء بالعين المؤجّرة للزوج المعيّن من قبل القاضي طبقا لأحكام المادة 467/2 من الأمر رقم 75-58 المتضمن القانون المدني " .
و ما يستفاد من هذه المواد المأخوذة من قوانين و مراسيم مختلفة ، أنّها تهدف إلى تمكين الأم المطلقة من مسكن أو أجرته لممارسة الحضانة .
فالمادة 52/2 من قانون الأسرة تقيم واجب الزوج في توفير مسكن أو أجرته للأم المطلّقة لتمارس الحضانة إن لم يكن لها وليّ يقبل إيواءها مع محضونيها ، على أن لا يكون هذا الحق منصبّا على بيت الزوجية الوحيد في ملك الزوج .
و أكّدت المحكمة العليا على ذلك في قرارها الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية و الذي مفاده أنّ : " المستفاد من القرار المطعون فيه أنّه اعتبر مسكن الزوجية المتكون من طابقين سفلي و علوي عبارة عن مسكنين ، و خصّص بالتالي الجزء السفلي للحاضنة لممارسة الحضانة
و هو قضاء لا يتماشى و المنطق ، فالشيء المجزّأ يعتبر واحدا ، فكان ينبغي على قضاة الموضوع أ ن يقضوا بأجرة السكن بدلا من تخصيص الجزء السفلي من المسكن ... " .
كما ذهبت المحكمة العليا في قرارها رقم 105366 الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية إلى التأكيد على ما جاءت به المادة 52/2 - السابقة الذكر - بحق الأم المطلقة في مسكن أو أجرته لممارسة الحضانة إن لم يكن لها ولي يقبل إيواءها .
أما المادة 467/2 من القانون المدني فإن المقصود من هذه الفقرة هو أنّه في حالة الطلاق ، يمكن للقاضي أن يُعَيِّْن من بين الزوجين من يستفيد من حقّ الإيجار بالنظر إلى التكاليف المسندة إليه لا سيما حضانة الأولاد . و يدخل ذلك في إطار وجوب توفير مسكن لممارسة الحضانة ، فمن خلال هذه المادة يمنح القاضي للزوجة حق الإيجار إن كانت حاضنة .
و هذا ما وافقه قرار المحكمة العليا في هذا الخصوص فأفاد أنّه : " لمّا كانت أحكام المادة 467 من القانون المدني التي تخوِّل للقاضي الذي يصرِّح بالطلاق ، إعطاء السكن الزوجي للزوج الذي أُسنِدت إليه حضانة الأولاد ، أخذت في اعتبارها أنّ السكن المذكور مؤجّرا و أن تأجيره باسم أحدهما ، أمّا إذا كان باسم غيرهما فإنّه ليس لأحدهما أن يستفيد منه تحت ظل نص هذه المادة ، و من ثمّ فإنّ القضاء بما يخالف هذا المبدأ يُعدّ خرقا للقانون .
و لمّا كان القرار المطعون فيه قد قضى بمنح السكن المؤجَّر باسم أم الزوج ، للزوجة المطلقة ، فإنّه بهذا القضاء قد خرق أحكام المبدأ المتقدّم ... ممّا يستوجب نقض القرار :" .
وفي نفس الإطار قرار المحكمة العليا الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية ، بما يفيد أنّه متى كانت أحكام المادة 467 من القانون المدني صريحة في النص على اختصاص القاضي الذي يفصل في دعوى الطلاق بالفصل في موضوع سكن الحاضنة ، و تقرير الإنتفاع بحق الإيجار ، و نتيجة لذلك فإنّه ليس لأي قاضٍ أن يحكم من جديد بتقرير حق الإنتفاع بالسكن أو باستبداله أو مراجعة الحكم الذي فصل فيه القاضي الذي قضى بالطلاق خاصة و أنّ الحكم بتقرير حق السكن ، كان أثرا من آثار الطلاق ، و من ثمّ فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعدُّ انتهاكا لأحكام المادة المشار إليها أعلاه ، و خرقا لمبدأ قوة الشيء المقضي به و تجاوزا للسلطة في نفس الوقت .
و ثبت في قضية الحال أنّ المجلس القضائي صادق على حكم بالإشهاد للمدّعية بمتعتها بالسكن الزوجي الكائن بوهران ، في حين أنّ الحكم الذي قضى بعد التصريح بالطلاق بمنح المطلّقة السكن الكائن بعين تموشنت أصبح نهائيا و حائزا لقوة الشئ المقضي به ، فإنّ المجلس القضائي بقضائه هذا إنتهك أحكام المادة 467 من القانون المدني ، و خرق مبدأ حجيّة الشيء المقضي به و تجاوز سلطته في نفس الوقت ، ممّا يستوجب نقض القرار المطعون فيه .
كما ذهبت المادة 12/2 من المرسوم رقم 76 / 147(1) إلى أبعد من ما ذهبت إليه المادتان المذكورتان سابقا ( 52/2 أسرة، 467/2 مدني ) من قيام حق الأم المطلقة الحاضن
المطلب الثالث: حق الزيارة
إن إسناد الحضانة إلى مُستحقِّها ، و الذي يكون في الغالب الأعمّ الأم ، باعتبارها الأولى بها رعاية لمصلحة المحضون ، ممّا يؤدي به حتما إلى الإبتعاد عن والده ، ممّا يستدعي معه إيجاد وسيلة للمحافظة على توازن الطفل من جهة ، و عدم الإضرار بالوالد من جهة أخرى، بتمكينه من زيارة و رؤية ابنه المحضون ، و عليه سنتناول في هذا المطلب ، حق الزيارة في الفقه ، ثمّ في القانون ، مع التدعيم ببعض قرارات المحكمة العليا.
الفرع الأول :حق الزيارة في الفقه
يتصّل بالحضانة حق الرؤية ، سواء كان رؤية الأب لولده ، و هو في حضانة النساء ، أو رؤية الأم لولدها ، إذا كان مع أبيه أو العاصب غير أبيه .
فالولد إذا كان في حضانة الأم ، و أراد أبوه أن يراه ، فإنّها لا تُجبر على أن ترسله له ليراه ، لكنّها لا تمنعه من ذلك .
و إذا كان مع أبيه بأن سقطت حضانة أمّه أو انتهت ، فالأب لا يُجبر على أن يُرسله لأمه ، بل هي إذا أرادت أن تراه ، لا يمنعها من هذه الرؤية .
و الزيارة على العادة لا تكون يومية ، بل يوما في عدد من الأيام ، لكن لابأس أن تزور الأم ابنها أو ابنتها يوميا إن كان منزلها قريبا.
و إن كانت الأم مع الولد بمنزل زوج لها ، فإنه يجب لكي يتمكن الأب من الزيارة أن يأذن بذلك الزوج ، لأنّ هذا حقّه . فإن لم يأذن به فعلى الأم إخراج الولد إليه لكي يراه و يتفقد أحواله و يباشر شأنه .
و يرى الإمام أبو زهرة أنّه : " ليس للحاضنة أن تمنع الأب من رؤية ولده ، و لا تُجبر على إرساله ، كما أنّه ليس له إن سقط حقُّ الأم في الحضانة أن يمنعها من رؤية ولدها و لا يُجبر على إرساله إليها .
الفرع الثاني : حق الزيارة في القانون
تنص المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري على أنّه :
" ... و على القاضي عندما يحكم بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزيارة".
ما يستشف من هذه المادة أنّه على القاضي أن يحكم بحق الزيارة لمرّات معينة و في أوقات و أماكن محدّدة عند الحكم بإسناد الحضانة .
و حق الزيارة من الحقوق التي حماها القانون نظرا لأهميته البالغة و رعاية دائمة لمصلحة المحضون ، بل رتّب عقوبات جزائية لمن يُخلّ بهذا الحق و يعبث به ، إذ تنص المادة 328 من قانون العقوبات بأنّه: " يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة ، و بغرامة من 500 دج إلى 5000 دج الأب أو الأم أو أيّ شخص آخر لا يقوم بتسليم قاصر قُضِي في شأن حضانته بحكم مشمول بالنفاذ المعجل ، أو بحكم نهائي إلى من له الحق في المطالبة ، و كذلك كل من خطفه ممّن وُكِّلت إليه حضانته ، أو من الأماكن التي وضعه فيها أو أبعده عنه ، أوعن تلك الأماكن أو حمل الغير على خطفه أو إبعاده حتى و لو وقع ذلك بغير تحايل أو عنف ، و تزداد عقوبة الحبس إلى 3 سنوات إذا كانت قد أُسقِطت السلطة الأبوية عن الجاني " .
و تكرّس حق الزيارة في عدّة قرارات للمحكمة العليا إذ جاء في القرار الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية أنّه : " متى أوجبت أحكام المادة 64 من قانون الأسرة على أنّ القاضي حينما يقضي بإسناد الحضانة أن يحكم بحق الزّيارة ، فإنّه من الواجب أن يكون ترتيب هذا الحق ترتيبا مرنا وفقا لما تقتضيه حالة الصغار ، فمن حق الأب ان يرى ابنائه علىالأقل مرّة في الأسبوع لتعهّدهم بما يحتاجون إليه و التعاطف معهم ،و من ثمّ فإنّ القرار المطعون فيه القاضي بترتيب حق زيارة الأب مرتين كل شهر ، يكون قد خرق القانون ، و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه .
و في قرار آخر مفاده أنّه : " من المستقر عليه فقها أنّ حق الشخص لا يُقيَّد به القانون ، فزيارة الأم أو الأب لولدها حق لكل منهما، و على من كان عنده الولد أن يسهِّل على الآخر استعماله على النحو الذي يراه ، بدون تضييق أو تقييد أو مراقبة ،فالشرع أو القانون لا يبني الشياء على التخوّف بل على الحقّ وحده ، و من ثمّ فإنّ القضاء بما يخالف هذا المبدأ يُعدُّ خرقا للقانون .
و لما كان ثابتا في قضية الحال أنّ المجلس القضائي لمّا قضى بزيارة الأم لابنتيها شرط أن لا تكون الزيارة خارج مقرّ الزوج ، فبقضائه كما فعل تجاوز اختصاصه و قيّد حرية الأشخاص و خالف القانون و الشرع ، و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه .
و ما تجدر الإشارة إليه في نهاية المطاف فيما يتعلق بحقّ الزيارة ، أنّ المشرع الجزائري لمّا أوجب على القاضي عند الحكم بالطلاق اسناد الحضانة إلى أحد الوالدين أو إلى غيرهما ، عليه أن يحكم بحقّ الزيارة من تلقاء نفسه و لو لم يطلب منه أحدهما ذلك ( المادة 64 من قانون الأسرة ) ، فالمشرع الجزائري في هذا الحكم قد أخرج القاضي من دائرة القاعدة القانونية التي مفادها أنّه لا يجوز للقاضي أن يحكم بما لم يطلُبه الخصوم ، و كان على القانون عندما ألزم القاضي أن يحكم بحق الزيارة أن يحدِّد معنى الزيارة ، و الحالات التي يمكن للقاضي أن يقضي فيها بسقوط حق الزيارة بناء على طلب الحاضن ..