بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
أيها الناس , اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه , وشكره على نعمه الكثيرة , وآلائه العديدة . اشكروهعلى القليل والكثير , فإنه قال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ). [إبراهيم:7]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يشكر القليل ,لم يشكر الكثير , ومن لم يشكر الله لم يشكر الناس , التحدث بنعمة الله شكر , وتركها كفر , والجماعة رحمة , والفرقة عذاب ) رواه أحمد وهوحديث صحيح كما في السلسلة الصحيحة، لللإمام الألباني (667 ).
>أيها المسلمون / إن من نعم الله علينا , نعمة الشباب الذين هم عماد الأمة، وجيل المستقبل , منهم يكون بناء الحضارة , ومنهم ينشأ العلماء والقادة و الموجهون , والصناع والمحترفون , هؤلاء الشباب إذا صلحوا كانوا قرة عين لآبائهم وسرورا وعزا لأمتهم , وخيرا ونفعا للبشرية ,هذا في الدنيا , و أما في الآخرة فإنهم يكونون شفعاء لأوليائهم كما قال تعالى : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم , وما ألتناهم من عملهم من شيء , كل امرئبما كسب رهين ) الطور 21 _ ألتناهم : ما نقصناهم من أجور أعمالهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة , فيقول : يارب , أنى لي هذه, فيقول : باستغفار ولدك لك." رواه أحمد ( 10610 ) . وإسناده حسن , وقال صلى الله عليه وسلم من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به , ألبس يوم القيامة تاجا من نور , ضوؤه مثل ضوء الشمس ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا , فيقولان : بما كسينا هذا ؟ , فيقال : بأخذ ولدكما القرآن ) رواه الحاكم ( 2139) وصححه على شرط مسلم , وحسنه الألباني .
عباد الله / لقد جاء الدخول المدرسي , وبدأ عام جديد للتحصيل والإفادة من العلوم المتنوعة , والاطلاع على فنون المعرفة , وهذا التعليم أمانة كبيرة ومسؤولية عظيمة , على الحكام وأولياء التلاميذ والمعلمين والموجهين والعاملين في حقل التعليم . فيجب على هؤلاء جميعا القيام بالأمانة و التحلي بروح المسؤولية , بتوفير الأجواء المناسبة والميسّرة للتعليم،وجعل الأهداف واضحة , لتكوين أجيال صالحة تعرف ربها وتطيعه , وتعرف نبيها صلى الله عليه وسلم وتتأسى به وتهتدي بهديه , وتعرف دين الإسلام وتتمسك به، وتعرف مالها من حقوق ، وما عليها من واجبات , أجيال تستعمل العلم والمعرفة بما يعود بالخير والسلام على الناس كلهم .
أيها الناس: إن الأولاد نعمة من الله سبحانه وتعالى، فلنتق الله في هذه النعمة، ولنسر بها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تربيتهم، وتكوينهم، وتعليمهم .
أيها المعلمون , رحمكم الله وقواكم وأعانكم على مسؤوليتكم , استعينوا بالله على ذلك , والتجؤوا إليه حتى يسهل لكم الصعاب، فاحرصوا كل الحرص على تربية التلاميذ على الأخلاق الحسنة، والآداب الرفيعة، والفضائل العالية، أكثر من الحرص على التعليم , فإن أمتنا في حاجة إلى الأخلاق الحسنة , والآداب الصالحة , والفضائل السامية أشد وأوكد من حاجتها إلى العلم , لأن الأمة ما تدهورت هذا التدهور الشنيع من نقص العلم فقط , بل من نقص الأخلاق والأداب, وإنه من الخطأ الكبير، والشر المستطير، أن ننظر إلى الأخلاق على أنها أمر ثانوي، و غير ضرورية ! كيف يكون ذلك والله تعالى قد أكّد على الأخلاق في القرآن الكريم في آيات عديدة , قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى , وينهى عن الفحشاء و المنكر والبغي , يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل 90 .
قال العلماء إن هذه الآية هي أجمع آية للبر و الفضل ومكارم الأخلاق .
كيف يظن كثير منا أنه لا أهمية للأخلاق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق". رواه أحمد ( 8882 ) وهو حديث صحيح ، كما في صحيح الجامع (2349) وقال صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل ليدرك بأخلاقه درجات قائم الليل , صائم النهار" . رواه أبوداود .وغيره وهو حديث صحيح كما في صحيح الجامع ( 1620)
فيا أيها المعلم ـ مهما كان تخصصك ـ مع حرصك على تعليم التلاميذ ما ينفعهم من علوم، لا تهمل جانب الأخلاق والآداب , وامزج لهم العلم بالحياة , والحياة بالعلم , واغرس فيهم حب الإبداع و التطوير والاكتشاف و الاختراع , والله يثيبك على ذلك بالأجور الكثيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم :" الدال على الخير كفاعله " ، رواه أحمد وغيره، وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع 3399.
أيها الطلاب / أيها التلاميذ : احرصوا على تعلم ما ينفعكم وينفع أمتكم في الدين والدنيا والآخرة , حافظوا على اللغة العربية , لغة القرآن والسنة , فهي تزيد في العقل والمروءة ،وهي لغة سهلة ميسرة وغنية , وغناها لا يجعلها صعبة , واجعلوا اللغات الأخرى مكملة لما ينقصكم في علوم الدنيا , واحذروا أن تكون مزاحمة للغة العربية ،ومشوشة لها.
تعلموا ما يجب عليكم تعلمه من الدين , ثم ليتخصص كل امرئ فيما يميل إليه ويحبه من علوم بشرط نفعها , تعلموا الآداب مع المعلمين والمسؤولين والتواضع لهم والإفادة منهم , والصبر على ما قد لا يعجبكم منهم. عاملوا زملاءكم بالرفق والرحمة ،واحذروا المعاصي فإنها تذهبوا نور العلم، وهي من أسباب كثرة النسيان . وابتعدوا عن سفاسف الأمور . اتركوا التشبه بالكفار في العادات والتقاليد والألبسة , وتسريحة الشعر والحركات. ، ومن أراد أن يستفيد منهم فليأخذ النافع من العلوم والتقنيات ، مثل : صناعة السيارات، والطائرات ، وتنظيم الشوارع والطرقات ، ونحو ذلك مما هو نافع . لكن مماّ يؤسف له أن كثيرا من العامة اليوم ـ خاصة الشباب ـ يجرون وراء ما لا ينفع ، وتركوا ما يفيدهم ويفيد الأمة، إلا من رحم ربي ،كما قال الشاعر :
منهم تعلمنا العود والسيجارة * وما تعلمنا كيف نصنع السيارة
فياأيها المعلمون، قوموا بواجبكم. ويأيها التلاميذ احرصوا على ما ينفع، ويأيها المسؤولون ـ من حكام ، وآباء ، ومديرين ، وموجهين ....ـ كونوا في المستوى المطلوب ، حتى يصدق فينا قول الله تعالى :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " من سورة الرعد 11.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أظن انني أستحق ولو هدية شكر