ترجمة الشيخ بيده:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :
فهذه ترجمة لشيخنا محمد بن جميل زينو
نفع الله بعلمه ذكرها بنفسه وضمنها طريق هدايته الى التوحيد ,
ووجه فيها نصائحه الى مختلف الجماعات الإسلامية
وذلك في كتاب ( كيف اهتديت إلى التوحيد والصراط المستقيم )
والذي كتبه قبل خمسة عشر عاماً.....وقد تجاوز عمره الآن خمسة وثمانون عاماً
نسأل الله أن يبارك في عمره وعمله وعلمه . اللهم آمين ...
قال حفظه الله تعالى ونفع بعلمه :-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد فقد تلقيت رسالة من طالب تركي من بلدة ( قونية ) هذا نصها : إلى محمد بن جميل زينو المدرس في دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة . السلام عليكم ورحمة لله وبركاته .
أستاذنا الكريم : أنا طالب في كلية الشريعة ( في قونية ) , وأخذت كتابكم " العقيدة الإسلامية " " أطروحة " وترجمت كتابكم إلى اللغة التركية ولكن أحتاج إلى ترجمة حياتكم للطبع , وأنا أريد من فضلكم أن ترسل هذه المعلومات إلى العنوان الآتي شكراً لفضيلتكم من الآن والسلام على من اتبع الهدى .
" بلال بارومجي "
وقد طلب مني بعض إخواني من طلبة العلم أن أكتب قصة حياتي والمراحل التي مررت بها منذ الصغر إلى أن بلغت من العمر قريباً من 70 سنة وكيف اهتديت إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة عقيدة السلف الصالح التي تستند على الدليل من القرآن الكريم والحديث الصحيح , وهذه نعمة كبيرة لا يعرفها إلا من ذاقها :
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً , وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً ) " رواه مسلم "
ولعل القاريء يجد في هذه القصة عبرة ودروساً نافعة لمعرفة الحق من الباطل . والله أسأل أن ينفع بها المسلمين , ويجعلها خالصة لوجهه الكريم .
محمد بن جميل زينو
1/1/1415هـ
الولادة والنشأة
ولدت في مدينة حلب في سوريا عام 1925م [1] حسب الجواز ، الموافق 1344هـ ، وعمري الآن ثلاث وسبعون سنة ، ولما بلغت من العمر عشر سنين تقريباً دخلت في مدرسة خاصة وتعلمت القراءة والكتابة .
انتسبت إلى مدرسة ( دار الحفاظ ) وبقيت فيها خمس سنوات حفظت خلالها القرآن غيباً نع التجويد.
دخلت مدرسة في حلب كانت تسمى ( الكلية الشرعية التجهيزية ) وهي الآن الثانوية الشرعية ، وهي تابعة للأوقاف الإسلامية ، وكانت المدرسة تدرس العلوم الشرعية والعصرية : فقد درست فيها التفسير ، والفقه الحنفي ، والنحو ، والصرف ، والتاريخ والحديث وعلومه ، وغيرها من العلوم الشرعية .
ومن العلوم العصرية درست فيها الفيزياء ، والكيمياء ، والرياضيات ، واللغة الفرنسية ، وغيرها من العلوم التي برع فيها المسلمون قديماً كعلم الجبر مثلاً .
أ – وأذكر أني درست علم التوحيد في كتاب اسمه ( الحصون الحميدية ) وهو يركز على توحيد الرب ، وإثبات أن لهذا العالم خالقاً ورباً ، وقد تبين لي فيما بعد أنه خطأ وقع فيه كثير من المسلمين والمؤلفين ، والجامعات ، والمدارس التي تدرس العلوم الشرعية ، لأن المشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم :
قال الله تعالى :
( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون )
" سورة الزخرف 87 "
بل الشيطان الذي ـ لعنه الله ـ كان يعترف بأن الله ربه :
قال تعالى يخبر عن قوله :
( قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض )
" سورة الحجر 39 "
ب- أما توحيد الإله الذي هو الأساس الذي ينجو به المسلم ، فلم أدرسه وكنت لا أعلم شيئاً عنه ، شأن بقية المدارس والجامعات الذين لا يدرسونه ، ولا يعلم عنه الطلاب شيئاً .
والله تعالى أمر الرسل جميعاً أن يدعو إليه ، وقد دعا إليه خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم قومه ، فامتنعوا واستكبروا كما أخبر الله عنهم :
( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )
" سورة الصافات "
لأن العرب المشركين كانوا يعرفون معناها ، وأن من قالها لا يجوز له أن يدعو غير الله ، وباقي المسلمين يقولونها بألسنتهم، ويدعون غير الله ، فينقضونها .
ج- أما توحيد الصفات فكانت المدرسة تتأول آيات الصفات كبقية المدارس في أكثر بلاد المسلمين مع الأسف الشديد .
وأذكر أن المدرس كان يفسر قول الله تعالى :
( الرحمن على العرش استوى ) " سورة طه "
( استوى : بمعنى استولى ) ويستشهد بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
قال ابن الجوزي : هذا الشعر لا يعلم قائله ، وقال آخرون : نصراني ، وكلمة ( استوى ) ورد تفسيرها في البخاري عند قول الله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء ) . " سورة البقرة "
قال : مجاهد و أبو العالية : ( استوى : علا وارتفع ) .
" انظر البخاري كتاب التوحيد جـ 8/175 "
فهل يجوز لمسلم أن يترك قول التابعين في البخاري ، ويأخذ بقول شاعر مجهول ؟ وهذا التأويل الفاسد الذي ينكر علو الله على عرشه يخالف عقيدة الإمام أبي حنيفة ، ومالك وغيرهما، فقد قال الإمام أبو حنيفة الذي يدرسون مذهبه : ( من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر ، لأن الله يقول: " الرحمن على العرش استوى " . " سورة طه "
وعرشه فوق سبع سماوات ) . " انظر شرح العقيدة الطحاوية 322 "
وقد حصلت على شهادة المدرسة عام 1948م ، ونلت الشهادة الثانوية العامة ، ونجحت في مسابقة بعثة الأزهر ، لكنني لم أذهب لأسباب صحية ، ودخلت دار المعلمين في حلب ، وعملت مدرساً لمدة 29 سنة تقريباً ، ثم تركت التدريس .
بعد استقالتي من التدريس جئت بعمرة إلى مكة عام 1399هـ ، وتعرفت على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وعرف أن عقيدتي سلفية ، فاعتمدني مدرساً في الحرم المكي وقت الحج ، ولما انتهى موسم الحج أرسلني إلى الأردن للدعوة إلى الله ، فذهبت ، ومكثت في مدينة " الرمثا " في جامع صلاح الدين ، فكنت إماماً وخطيباً ومدرساً للقرآن ، وكنت أزور المدارس الإعدادية وأوجه الطلاب إلى عقيدة التوحيد ، فكانوا يتقبلونها بقبول حسن .
وفي شهر رمضان من عام 1400هـ جئت بعمرة إلى مكة ، وبقيت إلى بعد الحج وتعرفت على طالب من طلاب دار الحديث الخيرية بمكة ، وطلب مني أن أكون مدرساً عندهم لأنهم في حاجة إلى مدرسين ، ولا سيما في مصطلح علم الحديث ، فاتصلت بمديرها فأبدى استعداده ، وطلب مني تعميداً من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، فكتب إلى المدير يطلب منه أن أكون مدرساً عندهم ، فدخلت المدرسة ، ودرست الطلاب التفسير ، والتوحيد ، والقرآن الكريم وغيرها من الدروس .
ومن فضل الله بدأت بإصدار رسائل صغيرة ، مختصرة ، وبسيطة، فكان لها قبول في جميع بلاد العالم ، وقد ترجم بعضها إلى الإنجليزية ، والفرنسية ، والبنغالية ، والأندنوسية ، والتركية ، والأوردية ، وغيرها من اللغات ، وسميتها :
( سلسلة التوجيهات الإسلامية ) وصلت إلى أكثر من عشرين رسالة طبع منها مئات الآلاف ، وأكثرها مجانية ، يجدها القاريء على ظهر غلاف الرسالة بأسمائها وأرقامها .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ، ويجعلها خالصة لوجه الله تعالى.
كنت نقشبندياً
كنت منذ الصغر أحضر الدروس في المساجد والحلقات للذكر وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية ، فأخذني إلى زاوية المسجد وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية ، ولكن لصغر سني لم استطع أن أقوم بما أمرني به من الأوراد إلا أنني أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا، وأسمع ما يقولون من القصائد والأناشيد ، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع ، فيزعجني هذا الصوت المفاجيء في الليل ، ويسبب لي الرعب والمرض ، وعندما تقدمت في السن بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحي لأحضر معه ما يسمونه ( الختم ) فكنا نجلس على شكل حلقة ، وأحد الشيوخ يوزع علينا الحصى ويقول : "الفاتحة الشريفة ، الإخلاص الشريف " فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة والإخلاص ، والاستغفار ، والصلاة على النبي بالصورة التي يحفظونها، وأذكر منها ( اللهم صلي على محمد عدد الدواب ) يقولونها جهراً آخر الذكر وبعدها يقول الشيخ الموكل بالختم : ( الرابطة الشريفة ) ويقصدون بها أن يتصوروا شيخهم في حال ذكرهم لأن الشيخ يربطهم بالله في زعمهم ، فكانوا يهمهمون ، ويصيحون ، ويعتريهم الخشوع حتى أن أحدهم شاهدته يقفز فوق رؤوس الحاضرين من مكان مرتفع من شدة وجده ، كأنه البهلوان فاستغرب هذا التصرف والصياح عند ذكر شيخ الطريقة ، ودخلت مرة على بيت قريبي هذا ، فسمعت نشيداً من جماعة الطريقة النقشبندية يقولون فيه :
دلوني بالله دلونــي على شيخ النصر دلوني
اللـي يبري العليـل ويشفــي المجنونــا
وقفت على باب البيت ، ولم أدخل ، وقلت لصاحب البيت : هل الشيخ يبريء العليل ، ويشفي المجنون ؟ قال : نعم ، قلت له : الرسول عيسى بن مريم عليه السلام الذي أعطاه الله معجزة إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص يقول : بإذن الله ، فقال لي : وشيخنا يفعل بإذن الله ! قلت له : ولماذا لا تقولون بإذن الله ؟! علماً بأن الشافي هو الله وحده ، كما قال إبراهيم عليه السلام :
( وإذا مرضت فهو يشفين ) " الشعراء 80 "
ملاحظة على الطريقة النقشبندية
1- تمتاز هذه الطريقة بأورادها السرية الخفية ، فليس فيها رقص ولا تصفيق مما عند غيرهم من الطرق المشهورة .
2- هذا الاجتماع على الذكر ، وتوزيع الحصى على كل واحد ، والموكل بالختم يأمرهم أن يقولوا كذا ، ووضعهم الحصى في كأس ماء ليشربوا منه ، ويستشفوا به ، هذا كله من البدع التي أنكرها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حينما دخل المسجد ، فرأى جماعة يتحلقون ، وبأيديهم الحصى ، يقول أحدهم : سبحوا كذا ، افعلوا كذا عدد الحصى التي بأيديهم ، فقال لهم موبخاً : " ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ؟ هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد ، أو مفتحوا باب ضلالة " ؟!
" حسن رواهالدرامي والطبراني "
وهذه قضية منطقية سليمة ، فهؤلاء إما أن يكونوا أهدى من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم وفقوا إلى عمل لم يصل إليه علم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكونوا في ضلالة ، والفرض الأول منتف حتماً ، لأنه لا أحد أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يبق إلا الفرض الآخر .
الرابطة الشريفة : ويعنون بها أن يتصوروا صورة الشيخ أمامهم في الذكر ينظر إليهم ، ويراقبهم لذلك تراهم يخشعون ويصيحون بأصوات منكرة غير واضحة ، وهذه مرتبة الإحسان التي وردت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
ففي هذا الحديث يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نعبد الله كأننا نراه , وإذا كنا لا نراه , فإنه يرانا , هذه مرتبة الإحسان التي هي لله وحده , قد أعطوها لشيخهم وهذا من الشرك الذي نهى الله عنه بقوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) . " سورة النساء 36 "
فالذكر عبادة لله لا يجوز أن نشرك به أحداً ، ولو كان من الملائكة أو الرسل والمشايخ دون رتبتهم ، فلا يجوز إشراكهم من باب أولى ! والحقيقة أن تصور الشيخ في الذكر موجود أيضاً في الطريقة الشاذلية ، وغيرها من الطرق الصوفية كما سيأتي .
4- هذا الصياح الشديد الذي يعتريهم عند ذكر الشيخ ، أو طلب المدد من غير الله كأهل البيت ، ورجال الله ، هو من المنكرات بل هو من الشرك المنهي عنه ، فإذا كان الصياح عند ذكر الله منكراً ، لأنه يتنافى مع قول الله تعالي :
( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) .
" سورة الأنفال آية 2 "
وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم ) . " متفق عليه "
فإن الصياح والخشوع والبكاء عند ذكر الأولياء أشد إنكاراً لأن هذا يدل على الاستبشار الذي حكاه الله عن المشركين حين قال :
( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) . " سورة الزمر 45 "
5- الغلو في شيخ الطريقة ، اعتقادهم أنه يشفي المرضى ، مع أن الله تعالى ذكر قول إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم .
( وإذا مرضت فهو يشفين ) " سورة الشعراء 80 "
( وقصة الغلام المؤمن الذي كان يدعو للمرض ، فيشفيهم الله ، حين قال له جليس الملك : لك هذا المال إن أنت شفيتني ! فقال له الغلام (أنالا أشفي أحداً إنما يشفي الله إن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك) .
" القصة رواها مسلم في صحيحة "
6- الذكر عندهم باللفظ المفرد وهو ( الله ) آلاف المرات هي وردهم , مع أن هذا الذكر بلفظ ( الله ) لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا التابعين , ولا عن الأئمة المجتهدين , بل من بدع الصوفية , لأن لفظ ( الله ) مبتدأ , ولم يأت بعده خبره, فأصبح الكلام ناقصاً , ولو أن إنساناً نادى اسم (عمر) عدة مرات , فنقول له : ماذا تريد من عمر ؟ فلم يرد علينا إلا باسم (عمر , عمر) لقلنا إنه معتوه , لا يدري ماذا يقول ؟ ويستشهد الصوفية على الذكر المفرد بقول الله تعالى : ( قل الله ) ولو أنهم قرأوا الكلام الذي قبله لعرفوا أن المراد قل الله أنزل الكتاب , ونص الآية : (( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى... قل الله )) . " سورة الأنعام 91 "
[ أي قل الله أنزل الكتاب ] .
كيف انتقلت إلى الطريقة الشاذلية
تعرفت على شيخ من الطريقة الشاذلية حسن الصورة والأخلاق وزارني في بيتي , وزرته في بيته , فأعجبني لين كلامه , وحديثه, وتواضعه , وكرمه , فطلبت منه أن يعطيني ورد الطريقة الشاذلية , فأعطاني أورادها الخاصة بها وكانت عنده زاوية يأوي إليها بعض الشباب , ويقيمون فيها الذكر بعد صلاة الجمعة .
زرته مرة في بيته ، فرأيت صورة شيوخ كثيرين للطريقة الشاذلية معلقة على الجدار فذكرته بالنهي الوارد عن تعليق الصور ، فلم يستجب، مع أن الحديث واضح ـ ولا يخفى عليه ـ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ) . " متفق عليه "
( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك ) . " رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
وبعد سنة تقريباً أحببت زيارة الشيخ ، وأنا في طريقي إلى أداء العمرة ، فدعاني مع ولدي ورفيقي إلى طعام العشاء وبعد الانتهاء قال لي : هل تسمع شيئاً من الأناشيد الدينية من هؤلاء الشباب ؟ فقلت نعم ، فأمر الشباب الذين حوله ـ وكانت اللحى الجميلة تعلو وجوههم ـ أن ينشدوا فبدأوا ينشدون بصوت واحد نشيداً خلاصته : ( من كان يعبد الله طمعاً في جنته ، أو خوفاً من ناره ، فقد عبد الوثن ) فقلت لهم : ذكر الله آية في القرآن يمدح فيها الأنبياء قائلا : (( أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين )) . " سورة الأنبياء 90 "
فقال لي الشيخ : هذه القصيدة التي ينشدونها هي : (لسيدي عبدالغني النابلسي ) ! فقلت له : وهل كلام الشيخ مقدم على كلام الله ، وهو معارض له ؟! فقال لي أحد المنشدين : سيدنا علي رضي الله يقول : "الذي يعبد الله طمعاً في جنته ، عبادة التجار " فقلت له : في أي كتاب وجدت هذا القول لسيدنا علي ، وهل هو صحيح ؟ فسكت ، فقلت له : هل يعقل أن يخالف علي رضي الله عنه القرآن وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن المبشرين بالجنة ؟ ثم التفت رفيقي قائلاً لهم :
ذكر الله تعالى عن وصف المؤمنين يمدحهم قائلاً :
(( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ))
" سورة السجدة 16 "
فلم يقتنعوا ، وتركت الجدال معهم ، وانصرفت إلى المسجد للصلاة فلحقني منم شاب ، وقال لي : نحن معكم ، والحق معكم ، ولكن لا نستطيع أن نتكلم ، وأن نرد على الشيخ ! قلت له : لماذا لا تتكلمون الحق ؟ قال : سوف يخرجنا من السكن إن تكلمنا : وهذا مبدأ صوفي عام فإن شيوخ التصوف أوصوا تلاميذهم ألا يعترضوا على الشيخ مهما غلط وقالوا لهم عبارتهم المشهورة : " ما أفلح مريد قال لشيخه لم ؟ " متجاهلين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) . " حسن أخرجه أحمد والترمذي "
وقول مالك رضي الله عنه : " كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم " .
مجلس الصلاة على النبي
ذهبت مع بعض المشايخ إلى أحد المساجد لحضور هذا المجلس فدخلنا حلقة الذكر ، وهم يرقصون ، ويمسكون بأيدي بعضهم ، ويتمايلون ، ويرتفعون ، وينخفضون ، ويقولون : الله ، الله ... وكل واحد من الحلقة يخرج إلى الوسط ، ويشير بيديه إلى الحاضرين لينشطوا في الحركة والتمايل .... حتى وصل الدور إلىّ لأخرج ، وأشار إليّ رئيسهم بالخروج ، لأزيد من حركتهم ورقصهم ، فاعتذر أحد المشايخ الذين معي وقال له : أتركه إنه ضعيف ، لأنه يعرف أني لا أحب مثل هذا العمل ، ورآني ساكناً لا أتحرك ، فتركني رئيسهم وأعفاني من الخروج إلى وسط الحلقة ، وكنت أسمع قصائد من أصوات جميلة ، لكنها لا تخلو من طلب المدد والعون من غير الله ! ولاحظت أن النساء يجلسن على مكان مرتفع ويتفرجن على الرجال وكانت فتاة منهن متبرجة قد ظهر شعرها وساقها ، ويداها ورقبتها ، فأنكرت ذلك في قلبي ، وقلت لرئيس المجلس في آخر الجلسة : إن فتاة فوقنا سافرة ، لو أنك ذكرتها مع النساء بالحجاب في المسجد لكان عملاً طيباً فقال لي : نحن لا نذكر النساء ، ولا نقول لهن شيئاً ! قلت له : لماذا ؟ قال لي : إذا نصحناهن فسيمتنعن عن الحضور للذكر ! فقلت في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله ، ما هذا الذكر الذي تظهر فيه النساء، ولا ينصحهن أحد ؟ وهل يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا وهو القائل:
( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ). " رواه مسلم "
الطريقة القادرية
دعاني أحد شيوخ الطريقة مع شيخي الذي درست عليه النحو والتفسير ، فذهبنا إليه في بيته ، وبعد تناول طعام العشاء وقف الحاضرون يذكرون ويقفزون ، ويتمايلون ، ويقولون الله ، الله ... وكنت واقفاً معهم لا أتحرك ، ثم جلست على المقعد حتى انتهى الشوط الأول ، ورأيت العرق يسيل منهم ، فجاءوا بمنشف ليمسحوا العرق عنهم ،وبما أن الوقت قارب نصف الليل ، فتركتهم وذهبت إلى بيتي ، وفي اليوم الثاني قابلت أحد الجالسين معم ، وكان مدرساً معي ، وقلت له : إلى متى بقيتم على حالكم ؟ فقال لي : إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل وذهبنا إلى بيوتنا للنوم ! قلت له : وصلاة الصبح مت صليتموها ؟ فقال لي : لم نصلها في وقتها ، وفاتتنا .
قلت في نفسي ما شاء الله على الذكر الذي يضيع صلاة الفجر ، وتذكرت قول عائشة تصف الرسول صلى الله عليه وسلم :
( كان ينام أول الليل ، ويحيي آخره ) . " متفق عليه "
وهؤلاء الصوفيون بالعكس يحيون أول الليل بالبدع والرقص ، وينامون آخره ليضيعوا صلاة الفجر ، وقد قال الله تعالى :
(( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )) .
[ أي يؤخرونها عن وقتها ] " سورة الماعون 4-5 "
وقال صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
" رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع "
التصفيق في الذكر
كنت في مسجد ، قد أقيمت فيه حلقة ذكر بعد صلاة الجمعة فجلست انظر إليهم ، ولكي يشتد بهم الوجد والطرب جعل أحدهم يصفق بيديه ، فأشرت إليه أن هذا حرام لا يجوز ، فلم يترك التصفيق ، ولما انتهى نصحته فلم يقبل ، وقابلته بعد مدة لأذكره بأن هذا التصفيق من عمل المشركين حين قال الله عنهم :
(( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية )). "سورة الأنفال35 "
[ المكاء : الصفير ، التصدية : التصفيق ]
فقال لي ولكن الشيخ الفلاني أباحه ! فقلت في نفسي : هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى :
(( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم)). " سورة التوبة 31 "
ولما سمع عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه الآية ، وكان نصرانياً قبل أن يسلم ، فقال يا رسول الله : إنا لسنا نعبدهم ! فقال له صلى الله عليه وسلم : ( أليس يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ قال بلى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فتلك عبادتهم ) . " حسن أخرجه الترمذي والبيهقي "
وحضرت ذكر آخر في مسجد كان المنشد يصفق أثناء الذكر ، فقلت له بعد الانتهاء : إن صوتك جميل ولكن هذا التصفيق حرام ، فقال لي : (نغم الغناء لا يتم إلا بالتصفيق ) وقد رآني شيخ أكبر منك فلم ينكر عليّ! ويلاحظ من حضر ذكرهم أنهم يلحدون في أسماء الله فيقولون : (الله – آه – هي – هو – ياهو ) وهذا التبديل والتحريف حرام يحاسبون عليه يوم القيامة .
الضرب بالشيش ( بسيخ الحديد )
هناك زاوية للصوفية قريبة من بيتنا ، ذهبت إليها لأطلع على ذكرهم ،وبعد العشاء حضر المنشدون ،وكانوا يحلقون اللحى ، وجعلوا قولون بصوت واحد :
هـات كـاس الـراح واسقنـــا الأقـــداح
يرددون هذا البيت ، ويتمايلون ، ويعيد البيت رئيسهم بمفرده ثم يتبعه الآخرون أشبه بجماعة المغنين والمطربين ! ولا يخجلون من ذكر الخمر في المسجد الذي جُعل للصلاة والقرآن , لأن الراح معناها هنا الخمر , والخمر حرمها الله في كتابه , والرسول في أحاديثه . ثم بدأت الدفوف تضرب بشدة , وتقدم أحدهم وكان كبير السن فخلع قميصه , وصاح بأعلى صوته : يا جداه ! ويقصد به الاستغاثة بأحد أجداده الأموات من أبناء الطريقة الرفاعية , لأنهم مشهورون بهذا العمل ! ثم أخذ سيخاً من حديد , وأدخله في جلد خاصرته , وهو يصيح يا جداه , ثم جاء رجل يرتدي اللباس العسكري , حليق اللحية , فأخذ كأساً من زجاج وجعل يقضمه بأسنانه ! فقلت في نفسي : إن كان هذا الجندي صادقاً فلماذا لم يذهب إلى اليهود ويحاربهم بدلاً من أن يكسر الكأس بأسنانه , وكان ذلك عام 1967م حينما احتل اليهود جزءاً كبيراً من الأرض العربية واندحرت الجيوش العربية , وخسرت الحرب , وكان هذا الجندي من بينهم لم يفعل شيئاً . مع أنه كان حليق اللحية .
1- إن بعض الناس يظنون أن هذا العمل كرامة ، ولم يعلموا أن هذا العمل من الشياطين المجتمعين حولهم يساعدونهم على ضلالهم ، لأنهم أعرضوا عن ذكر الله وأشركوا بالله حيث استغاثوا بأجدادهم، مصداقاً لقوله تعالى :
(( ومن يعش عن ذكر الله نقيض له شيطاناً فهو له قرين ، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون)). "سورة الزخرف 36-37"
والله تعالى يسخر لهم الشياطين ليزيدهم ضلالاً ، لقول الله تعالى :
((قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً)). " سورة مريم75 "
2- ولا غرابة من مساعدة الشياطين لهم وقدرتهم على ذلك ، فقد طلب سليمان عليه السلام من جنوده أن يأتوا بعرش الملكة بلقيس :
(( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك )) .
" سورة النمل 39 "
والذين ذهبوا إلى الهند كالرحالة ابن بطوطة وغيره شاهدوا من المجوس أكثر من هذا !
3- فالمسألة ليست مسألة كرامة ولا ولاية ، بل ضرب الشيش وغيره من عمل الشياطين المجتمعين حول الغناء والمعازف التي هي من مزامير الشيطان ، وأغلب الذين يقومون بهذه الأعمال يرتكبون المعاصي ، بل يشركون بالله جهراً فكيف يكونون من الأولياء وأصحاب الكرامات ؟ والله تعالى يقول :
آمنوا و(( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا و كانوا يتقون )) . " سورة يونس 62ـ63"
فالولي هو المؤمن التقي الذي يبتعد عن الشرك والمعاصي ، ويستعين بالله وحده عند الشدائد والرخاء ، وقد تأتيه الكرامة عفواً وبدون طلب وشهرة أمام الناس .
4- وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن أفعال أمثال هؤلاء وغيرهم فقال : ولا تحصل لهم هذه الأفعال عند قراءة القرآن والصلاة ، لأن هذه عبادات شرعية إيمانية ، محمدية ، تطرد الشياطين ... وتلك عبادات بدعية شركية ، شيطانية ، فلسفية ، تستجلب الشياطين .
5- والغريب أن واحداً ممن تأثروا بالفكر الصوفي هو (سعيد حوي) قد انطلت عليه هذه الأباطيل ، فراح يكتب عنها ، ويدعو إلى دراسة الطريقة الرفاعية ، ويروي حادثة سمع بها يقول عنها : حدثني رجل نصراني أن رجلا ضربه في بطنه ، فخرج السيخ من ظهره ... ! ثم يقول : وقد يكون صاحب هذه الكرامة فاسقاً ، فتكون لجده !! " انظر كتاب تربيتنا الروحية 74 "
فالكتاب يأخذ الحادثة عن رجل نصراني ، وقد يكون كاذباً ، وهل تكون الكرامة لفاسق ؟ ومتى كانت بالوراثة ؟ الكرامة تكون للأولياء المتقين ، ولا تكون بالوراثة ، ولا تكون لفاسق ، وإذا حصل شيء خارق للعادة لفاسق ، فلا يسمى كرامة ، كما زعم "سعيد حوي" بل يكون استدراجاً لهم ، ليزيدهم في الضلال ، وسبق أن ذكرت أن المجوس يقومون بأعمال أشد من ضرب السيخ !
6- ثم إن رجلا سلفياً كلف أحد هؤلاء المشعوذين الذين يضربون بالشيش أنفسهم ، أن يدخل دبوساً في عينه ، فامتنع وخاف ، مما يدل على أنه يدخل الشيش في جلده بسيخ خاص ، والذين كانوا يتعاطون مثل هذه الأعمال ثم تابوا تحدثوا عن الدم الذي كان يسيل منهم ، ويغسلونه بعد ذلك .
7- وحدثني مسلم صادق رأى بعينه جندياً يضرب نفسه بسيخ حديد له شكل خاص ، ورأى الدم يسيل من مكان الشيخ ، ولما أخذوه إلى قائده العسكري قال له : نحن نضربك على رجليك بالبارودة فإن كنت صادقاُ فاصبر وتحمل ، ولما نفذ الضرب به بدأ يبكي ويصيح ويولول ، ويستغيث ، ولم يتحمل الضربات وبدأ الجنود يضحكون عليه ويهزأون به !!
*********
الخلاصــة
إن الضرب بالشيش لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، ولا التابعون ، ولا الأئمة المجتهدون ولو كان فيه خيراً لسبقونا إليه ،ولكنه من فعل المبتدعين المتأخرين المستعينين بالشياطين ، المشركين برب العالمين وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه البدع فقال :
( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ) . " صحيح رواه النسائي "
وعمل هؤلاء المبتدعة مردود عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم :
( من عملا عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) . " رواه مسلم "
[ أي مردود عليه ] .
وهؤلاء المبتدعة يستعينون بالأموات والشياطين ، وهو من الشرك الذي حذر الله منه بقوله : (( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار ، وما للظالمين من أنصار )) . " سورة المائدة 72 "
قال صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار ) .
[ الند : المثل والشريك ] " رواه البخاري "
وكل من اعتقد بهم أو ناصرهم ، فهو منهم .
الطريقـة المولويـة
كانت لهم زاوية خاصة في بلدي تسمى (المولوية) وهي مسجد كبير تقام فيه الصلوات ، وفيه عدد كبير من الأموات ، لها سياج قد بني فوق القبور من الأحجار المزخرفة المرتفعة ، والتي كتب عليها آيات من القرآن ، واسم صاحب القبر ، وأبيات من الشعر ، كان هؤلاء الجماعة يقيمون " حضرة " كل جمعة أو في المناسبات ويلبسون على رؤوسهم (الكلاخ) طربوش طويل من صوف رمادي ويستعملون الناي ، وبعض الآلات الموسيقية عند الذكر يسمع من بعيد ، وشاهدت أحدهم يقف وسط الحلقة ، وهو يدور حول نفسه مراراً ، ولا يتحرك من مكانه ، ويحنون رؤوسهم عند طلب المدد من شيخهم جلال الدين الرومي وغيره .
1- والغريب أن المساجد في كثير من بلاد المسلمين ـ وهذا المسجد منها ـ يدفنون الأموات فيها متشبهين باليهود والنصارى .
حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ) . " رواه البخاري "
والصلاة إلى القبور منهي عنها لقوله صلى الله عليه وسلم :
( لا تجلسوا إلى القبور ، ولا تصلوا إليها ) " رواه مسلم وأحمد "
أما البناء على القبور كالشواهد ، والقباب والجدران ، والكتابة عليها ، وتدهينها فاسمع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك :
( نهى أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ) . " أخرجه مسلم "
وفي رواية : ( نهى أن يكتب على القبر شيء )
" رواه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي "
[ يجصص : يطلى بالجص والدهان ].
2- أما استعمال المعازف في المساجد والذكر فهو من بدع الصوفية المتأخرين ، وقد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم الموسيقى بقوله:
( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ، والحرير ، والخمر والمعازف ) . " رواه البخاري تعليقاً وأبوداود وصححه الألباني وغيره "
ويستثنى من المعازف الدف يوم العيد والنكاح للنساء .
3- وكان هؤلاء يتنقلون في المساجد لإقامة ما يسمى ( النوبة ) وهي الذكر مع المعازف , وكانوا يسهرون في الليل ويسمع أهل الحي أصوات المعازف المنكرة !
4- كنت أعرف واحداً منهم كان يُلبس ولده ( البرنيطة ) التي يلبسها الكفار , فأخذتها سراً ومزقتها , فانزعج هذا الصوفي من تمزيق البرنيطة وعاتبني غاضباً , فقلت له : أخذتني الغيرة على ولدك الذي يتزيا بزي الكفار واعتذرت له , وكان يعلق لوحة في مكتبه كتب عليها : ( يا حضرة مولانا جلال الدين ) . فقلت له : كيف تنادي هذا الشيخ الذي لا يسمع ولا يستجيب ؟ فسكت . ( هذه خلاصة عن الطريقة المولوية ) .
درس عجيب من شيخ صوفي
ذهبت مرة مع أحد الشيوخ إلى درس في أحد المساجد ، وقد اجتمع إليه عدد من المدرسين والمشايخ ، وكانوا يقرأون في كتاب اسمه : (الحكم لابن عجيبة) وكان الدرس عن تربية النفس عند الصوفية ، وقرأ أحدهم في الكتاب المذكور هذه القصة العجيبة :
ـ دخل رجل صوفي الحمام للاغتسال ، ولما خرج من الحمام سرق المنشفة التي يعطيها صاحب الحمام للمغتسل ، وأبقى طرفها مكشوفاً حتى يراه الناس ويوبخونه ويسبونه ، لأجل أن يذل نقسه ويربيها على الطريقة الصوفية ،وبالفعل فقد خرج الصوفي من الحمام فلحقه صاحب الحمام ، ورأى طرف المنشفة تحت ثوبه ، فوبخه ، وأساء إليه ، والناس يستمعون إليه ويرون هذا الشيخ الصوفي الذي سرق المنشفة من الحمام ، وقد انهالوا عليه بالسب والشتم وغير ذلك مما يفعله الناس مع السارق ، وقد أخذوا صورة سيئة عن هذا الرجل الصوفي !!
ـ رجل صوفي آخر أراد أن يربي نفسه ويذلها ، فحمل كيساً في رقبته وملأه جوزاً ، وخرج إلى السوق ، وكان كلما مر صبي قال له : أبصق على وجهي حتى أعطيك جوزة : (فاكهة يحبها الأطفال) فيبصق الصبي على وجه الشيخ فيعطيه جوزة ، وهكذا كان البصاق من أولاد الشوارع يتوارد على وجه الشيخ طمعاً في أخذ الجوزة ، والشيخ الصوفي مسرور ، وعند سماعي لهاتين القصتين كدت أتميز غيطاً ، وضاق صدري من هذه التربية الفاسدة التي يتبرأ منها الإسلام الذي كرم الإنسان بقوله تعالى :
(( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر... )). " سورة الإسراء 70 "
فقلت للشيخ الذي معي بعد خروجنا : هذه هي الطريقة الصوفية في تربية النفس ! وهل تكون تربيتها في السرقة المحرمة التي حكم الشرع بقطع يد السارق ؟ أم هل تكون بالمهانة والصغار وارتكاب أخس الأعمال ؟ إن الإسلام يأبى هذا العمل ، ويأباه العقل السليم الذي كرم الله به الإنسان ، وهل هذه من الحكم التي سمى الشيخ كتابه : ( الحكم لابن عجيبة ) !!
ومن الجدير بالذكر أن هذا الشيخ الذي يترأس الدرس له أتباع وتلاميذ كثيرون ، فمرة أعلن الشيخ أنه يريد الحج فذهب التلاميذ للاكتتاب عنده وتسجيل أسمائهم ليرافقوه إلى الحج ، حتى النساء بدأن الاكتتاب وربما احتجن إلى بيع الحلي من أجل ذلك ، حتى بلغ عدد الراغبين كثيراً ، واجتمعت الأموال لديه كثيرة جداً ، ثم أعلن عدم استطاعته الحج ، ولم يرد الأموال لأصحابها ، بل أكلها بالحرام ، وصدق عليه قول الله تعالى :
(( يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله )) . " سورة التوبة 34 "
وسمعت أحد أتباعه وهو من الأغنياء الذين عاملوا الشيخ يقول عن الشيخ : أكبر دجال وأكبر محتال !!
الذكر في المساجد عند الصوفية
1- حضرت مرة ذكراً للصوفية في مسجد الحي الذي أسكن فيه وجاء رجل منهم حسن الصوت لينشد لهم الأناشيد والقصائد أثناء الذكر في حلقة اجتمع فيها أهل الحي ، وكان مما سمعته من هذا الصوفي قصيدة أذكر منها قوله : يا رجال الغيب ساعدونا وأنقذونا أنصرونا ... إلى آخر هذه الاستغاثات ، وطلب الحاجات من الأموات الذين لا يسمعون ، ولو سمعوا ما استجابوا لهم ، ولا يملكون النفع لأنفسهم فضلاً عن غيرهم ، وقد أشار القرآن إلى هؤلاء فقال :
(( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل خبير )) . " سورة فاطر 13-14 "
وبعد الخروج من الذكر وانتهائه قلت للشيخ إمام المسجد الذي شارك فيه : إن هذا الذكر لا يستحق أن يسمى ذكراً ، لأنني لم أسمع فيه ذكر الله ، ولا طلباً من الله ، ولا دعاء ، وإنما سمعت نداء ودعاء لرجال الغيب ، ومن هم رجال الغيب الذين يستطيعون نصرنا وإنقاذنا ومساعدتنا . فسكت الشيخ ، وأكبر رد على هؤلاء قوله تعالى :
((والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون)).
" سورة الأعراف 197 "
2- ذهبت مرة أخرى إلى مسجد آخر فيه عدد كبير من المصلين وفي المسجد شيخ صوفي له أتباع ، وبعد الصلاة قاموا إلى الذكر فبدأوا ينطون ويرقصون في الذكر وهم يصيحون : الله ـ آه ـ هي ، واقترب المنشد من الشيخ ، وبدأ يرقص أمامه ويتمايل كأنه مغنية أو راقصة ، وهو يتغزل بشيخه ، والشيخ ينظر إليه مبتسماً راضياً وكنت أزور هذا الشيخ أحياناً مع شيخي وهو من الصوفية أيضاً ، ومرة ذهبنا إليه بعد رجوعه من الحج ، وجلسنا نستمع إليه ، فبدأ يتحدث عن ركوبه في سيارة مريحة عريضة من نوع (أمريكي) وذلك حين تنقله من مكة إلى المدينة ، فقلت في نفسي : ما الفائدة من هذا الكلام ، وكان الأولى أن يتحدث عن فوائد الحج الاجتماعية والروحية وغيرها تحقيقاً لقول الله تعالى :
(( لشهدوا منافع لهم )) . " سورة الحج 28 "
كيف يعامل الصوفية الناس
1- اشتريت من أحد تلاميذ الشيخ الصوفي المذكور حانوتاً وشرطت عليه أن يكفل المستأجر إذا تأخر عن دفع الإيجار فرضي بذلك ، وبعد فترة امتنع المستأجر عن الدفع ، فراجعت المالك السابق الذي اشتريت منه ، فرفض أن يدفع شيئاً بحجة أنه ليس لديه ما يدفعه ، وبعد أيام قليلة يذهب هذا الصوفي مع شيخه إلى الحج ، فعجبت له ، وعرفت أنه كاذب. ثم شكوت أمري لبعض تلامذة الشيخ المقربين ما فعل هذا الرجل الذي غشني وباعني الحانوت من مستأجر لا يدفع الإيجار فلم يفعل شيئاً وقال لي : ماذا نفعل معه ؟ ولو كان منصفاً لاستدعاه وطلب منه أن يؤدي حق الناس .
وكنت أتردد على مكان هذا الكفيل ، وعنده معمل للنسيج ، فرآني أحد تلامذة الشيخ الذي كان ينشد القصائد ويتمايل أمام الشيخ راقصاً ، فعرف أني أريد زميله ، وطلبت منه أن يدلني عليه ، وذكرت له عمله ـ فبدلاً من أن ينصفني انهال عليّ بالكلام الفاحش والبذيء ، فتركته فقلت في نفسي هذه أخلاق الصوفية وقد حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :
( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ) " متفق عليه "
كيف اهتديت إلى التوحيد ؟
كنت أقرأ على الشيخ الذي درست عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما : وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) . "رواه الترمذي وقال حسن صحيح" فأعجبني شرح النووي حين قال : " ثم إن كانت الحاجة التي يسألها ، لم تجر العادة [2] بجريانها على أيدي خلقه ، كطلب الهداية والعلم .. وشفاء المرضى وحصول العافية سأل ربه ذلك ، أما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم " .
فقلت للشيخ هذا الحديث وشرحه يفيد عدم جواز الاستعانة بغير الله ، فقال لي : بل تجوز !! قلت : وما دليلك ؟ فغضب الشيخ وصاح قائلاً : إن عمتي تقول يا شيخ سعد ـ وهو مدفون في مسجد تستعين به ـ فأقول لها يا عمتي وهل ينفعك الشيخ سعد ؟ فتقول : أدعوه فيتدخل على الله فيشفيني !!
قلت له : إنك رجل عالم قضيت عمرك في قراءة الكتب ، ثم تأخذ عقيدتك من عمتك الجاهلة ! فقال لي عندك أفكار وهابية ، أنت تذهب للعمرة وتأتي بكتب وهابية !!!
وكنت لا أعرف شيئاً عن الوهابية إلا ما أسمعه من المشايخ : فيقولون عنهم: الوهابيون مخالفون للناس لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم, ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم , وغيرها من الاتهامات الكاذبة! فقلت في نفسي إن كانت الوهابية تؤمن بالاستعانة بالله وحده , وأن الشافي هو الله وحده , فيجب أن أتعرف عليها , سألت عن جماعتها فقالوا لهم مكان يجتمعون فيه مساء الخميس , لإلقاء دروس في التفسير والحديث والفقه , فذهبت إليهم مع أولادي وبعض الشباب المثقف , فدخلنا غرفة كبيرة , وجلسنا ننتظر الدرس , وبعد فترة دخل علينا شيخ كبير السن , فسلم علينا وصافحنا جميعاً مبتدئاً بيمينه ، ثم جلس على مقعد ، ولم يقم له أحد ، فقلت في نفسي هذا الشيخ متواضع لا يحب القيام.
بدأ الشيخ الدرس بقوله : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، إلى آخر الخطبة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ، ثم بدأ يتكلم باللغة العربية ، ويورد الأحاديث ، ويبين صحتها وراويها ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه ، وأخيراً وجهت له الأسئلة المكتوبة على الأوراق ، فكان يجيب عليها بالدليل من القرآن والسنة ، ويناقشه بعض الحاضرين فلا يرد سائلاً ، وقد قال في آخر درسه : الحمد لله على أننا مسلمون وسلفيون : ( وهم الذين يتبعون السلف الصالح : الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته )، وبعض الناس يقولون إننا وهابيون ، فذا تنابز بالألقاب ، وقد نهانا الله عن هذا بقوله : (( ولا تنابزوا بالألقاب )) " سورة الحجرات 11 "
وقديماً اتهموا الإمام الشافعي بالرفض فرد عليهم قائلاً :
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
ولما انتهى خرجنا مع بعض الشباب معجبين بعلمه وتواضعه وسمعت أحدهم يقول : هذا هو الشيخ الحقيقي !!!
معنـى وهابـي
أطلق أعداء التوحيد على الموحد كلمة ( وهابي ) نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب ، ولو صدقوا لقالوا ( محمدي ) نسبة إلى اسمه ( محمد ) ، وشاء الله أن تكون " وهابي " نسبة إلى ( الوهاب ) وهو اسم من أسماء الله الحسنى . فإذا كان الصوفي ينتسب إلى جماعة يلبسون الصوف ، فإن الوهابي ينتسب إلى الوهاب ، وهو الله الذي وهب له التوحيد ، ومكنه من الدعوة إليه بتوفيق الله .
مناقشة مع شيخ صوفي
1- لما علم الشيخ الذي كنت أدرس عليه أنني ذهبت إلى السلفيين واستمعت إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني غضب غضباً شديداً لأنه يخشى أن أتركه وأتحول عنه ، وبعد فترة من الزمن جاءنا شخص من جيران المسجد ليحضر الدرس معنا في المسجد بعد المغرب ، وبدأ يقص علينا أنه سمع من درس أحد المشايخ الصوفي يقول : إن تلميذاً له تعسّر على زوجته المخاض والولادة ، فاستغاث بشيخ صغير ( ويقصد نفسه ) فولدت ، وذهب العسر عنها ، فقال له الشيخ الذي ندرس عليه : وماذا فيها ؟ فقال له : هذا شرك ، فقال له الشيخ : أسكت ، أنت لا تعرف الشرك ، أنت رجل حداد ، ونحن المشايخ عندنا علم ، ونعرف أكثر منك، ثم نهض الشيخ إلى غرفته، وجاء بكتاب " الأذكار للنووي "وبدأ يقرأ قصة ابن عمر أنه كان إذا خدرت رجله قال : يا محمد !! فهل أشرك ؟ فقال له الرجل : هذا ضعيف " أي غير صحيح " فصاح الشيخ به غاضباً : أنت لا تعرف الصحيح من الضعيف ، ونحن العلماء نعرف ذلك ، ثم التفت إليّ وقال لي : إذا حضر هذا الرجل مرة أخرى سأقتله ! وخرجنا من المسجد ، وطلب الرجل مني أن أرسل ولدي معه ليأتي بكتاب (الأذكار) بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ، فجاء به وأعطاني إياه ، وإذا بالقصة يقول عنا المحقق ( ضعيف ) وفي اليوم الثاني أعطاه ولدي الكتاب فوجد أن القصة غير صحيحة ، فلم يعترف بخطئه وقال : هذه من فضائل الأعمال يؤخذ فيه بالحديث الضعيف!! أقول : إن هذه ليست من فضائل الأعمال كما يزعم الشيخ ، بل هي من العقيدة التي لا يحوز الأخذ فيها بالحديث الضعيف علماً بأن الإمام مسلم وغيره يرون عدم الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال . والقائلون من المتأخرين بجواز الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بشروط عديدة قلّ أن تتوفر ، وهذه القصة ليست حديثاً ، وليست من فضائل الأعمال بل هي من أساس العقيدة كما أسلفت ، وفي اليوم الثاني جئنا إلى الدرس ، وبعد تسليم الشيخ من الصلاة ، خرج من المسجد ، ولم يجلس كعادته إلى الدرس .
2- حاول الشيخ أن يقنعني بأن الاستعانة بغير الله جائزة كالتوسل ، فبدأ يعطيني بعض الكتب ، ومنها كتاب " محق التقول في مسألة التوسل" لمؤلفه ( زاهد الكوثري ) ، فقرأت فيه ، فإذا به يجيز الاستعانة بغير الله ، ويأتي إلى حديث : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " فقال عنه الكوثري : طرقه واهية ( أي ضعيف ) لذلك لم يأخذ به علماً بأن الحديث ذكره الإمام النووي في كتابه الأربعين النووية ، ورقمه التاسع عشر ، وقد روى الحديث الإمام الترمذي وقال عنه حسن صحيح واعتمده النووي وغيره من العلماء، فعجبت من الكوثري كيف رد الحديث ، لأنه خالف عقيدته، فازددت بغضاً فيه وفي عقيدته ، وازددت حباً في محبة السلفيين وعقيدتهم التي تمنع الاستعانة بغير الله للحديث المتقدم ولقول الله تعالى :
(( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) . " سورة يونس 106 "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ).
" رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
3- وعندما رآني شيخي لم أقتنع بالكتب التي أعطاها لي ، هجرني وأشاع عني ( وهابي احذروه ) فقلت في نفسي لقد قالوا عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (ساحر أو مجنون ) وقالوا عن الإمام الشافعي رافضي فرد عليهم قائلاً
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافض
واتهموا أحد الموحدين بالتوهب فرد عليهم قائلاً :
إن كان تابع أحمد متوهباً فأنا المقـر بأنني وهابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي رب سوى المتفرد الوهاب
لا قبة ترجى ، ولا وثن ولا قبر له سبب من الأسباب
وأنني أحمد الله الذي هداني للتوحيد وعقيدة السلف الصالح ، وبدأت أدعو إلى التوحيد وأنشره بين الناس أسوة بسيد البشر الذي بدأ دعوته في مكة بالتوحيد ثلاثة عشر عاماً ، وتحمل مع أصحابه الأذى فصبر ، حتى انشر التوحيد ، وتأسست دولة التوحيد بفضل الله .
موقف المشايخ من التوحيد
1- أصدرت نشرة مكونة من أربع صفحات عنوانها : ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، إياك نعبد وإياك نستعين ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ) وشرحت معناها ، واستشهدت بقول النووي في شرح الحديث ، وقول غيره من العلماء الداعين إلى التوحيد ، ولئلا يقول المشايخ عن النشرة إنها وهابية ذكرت قول الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه : " الفتح الرباني "
( سلوا الله ، ولا تسألوا غيره ، استعينوا بالله ولا تستعينوا بغيره ، ويحك بأي وجه تلقاه غداً ، وأنت تنازعه في الدنيا ، معرض عنه، مقبل على خلقه مشرك به ، تنزل حوائجك بهم ، وتتكل بالمهمات عليهم ! ارفعوا الوسائط بينكم وبين الله ، فإن وقوفكم معها هوس ، لا ملك ولا سلطان ، ولا غنى ، ولا عز إلا للحق عز وجل ، كن مع الحق ، بلا خلق ).
[ أي كن مع الحق بدعائه بلا واسطة من خلقه ].
هذه خلاصة النشرة المكونة من أربع صفحات صغيرة ، وقد سمحت بطبعها وزارة الإعلام ، وطبعت منها ثلاثين ألف نسخة ، وقد وزع ولدي منها نسخاً قليلة ، وسمع أحد المشايخ يقول : هذه نشرة وهابية ، ووصلت إلى شيخ كبير في البلد فأنكرها ، وطلب مقابلتي فذهبت إلى بيته وكان هذا الشيخ قد درس معي في مدرسة الخسروية بحلب ، وهي الآن الثانوية الشرعية ، ولما قرعت الجرس خرجت بنت فقلت لها : " محمد زينو " ، فدخلت ثم رجعت ، فقالت لي : سيأتي للمدرسة بعد قلبل . فانتظره هناك ، فجلست عند دكان الحلاق المجاور لبيته حتى خرج ، فلحقته ، وقلت له : ماذا تريد مني ؟ فقال لي : لا أريد هذه النشرة ! قلت له: لماذا ؟ فقال : لا نريدها ، فقلت له ـ وقد وصلنا إلى باب المدرسة ـ : سأدخل معك إلى المدرسة وأقرأ الرسالة ، فقال : لا يوجد عندي وقت ! قلت له : طبعت منها ثلاثين ألف نسخة ، وكلفتنا مالاً وجهداً ، فماذا نفعل بها ، هل نحرقها ؟ فقال لي : نعم أحرقها !! قلت في نفسي سأذهب إلى الشيخ محمد السلقيني أستاذي في الفقه الحنفي ، فذهبت إليه ، وقلت له : عندي رسالة صغيرة فقال لي أحد المشايخ : أحرقها ، فقال لي : اقرأها عليّ ، فقرأتها عليه، فقال لي : هذه الرسالة فيها القرآن الكريم كلام الله ، وفيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نحرقها ؟ فقلت له : جزاك الله خيراً ، سوف أوزعها ، ولن أحرقها ، وبعد فترة وزعتها ، ووجدت قبولاً عند الشباب المثقف ، حتى إنني وجدت من طبعها ووزعها في مكتبه الوتار بالمسكية في مدينة دمشق ، فحمدت الله على أن هيأ لهذه الرسالة من يطبعها ويوزعها مجاناً ليعم نفعها ، وتذكرت قول الله عز وجل :
((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون)). " سورة التوبة 31-32 "
ثم طبعت هذه الرسالة في كتابي ( منهاج الفرقة الناجية ) فالذي يريد الإطلاع عليها يقرأ الكتاب المذكور ، فسيجدها بنفس العناوين المذكورة آنفاً .
2- أهدى إليّ أحد المشايخ كتاباً فيه قصة ثعلبة المشهورة ولما أراد تجديد طبع الكتاب نصحته أن يرجع إلى أقوال العلماء ، ولا سيما في كتاب : ( الإصابة في أسماء الصحابة ) لابن حجر ، فقد نبه هو وغيره على عدم صحتها ، فلم يقبل النصيحة ، وقال لي : أنت نشيط أترك هذه المسائل ! قلت إذا تركتها فسوف أدعو إلى التوحيد الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله ابن عباس وهو غلام، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :
( يا غلام إني أعلمك كلمات ... إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ... ) إلى آخر الحديث الذي ذكره النووي وقال عنه الترمذي : ( حسن صحيح ) فقال لي : نحن نسأل غير الله !!!
رد الحديث بكل وقاحة وسوء أدب ، مخالفاً قوله تعالى :
(( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) . [ أي المشركين ] " سورة يونس 106 "
ثم مضت سنوات قليلة وإذا بهذا الشيخ الذي يسأل غير الله يقتل ولده ، ويوضع ولداه في السجن ،ويترك داره ويهاجر إلى بلد آخر، فلا يلوي على شيء ، وقدر الله أن ألتقي بهذا الشيخ في الحرم المكي الشريف، والأمل على أنه عاد إلى رشده ، ورجع إلى الله يسأله الستر والحماية والنصر فسلمت عليه ، وقلت له : إن شاء الله سنعود إلى بلادنا ، ويفرج الله عنا ، فيجب علينا أن نتوجه إلى الله ونسأله العون والتأييد ،فهو القادر وحده ، فما رأيك ؟ فقال لي : المسألة فيها خلاف ! قلت له : وأي خلاف ؟ أنت إمام مسجد وتقرأ في صلاتك كل ركعة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ويكررها المسلم في يومه عشرات مرات ، ولا سيما في صلاته ، فلم يتراجع هذا الشيخ الصوفي النقشبندي عن خطئه ، بل أصر ، ويدأ يجادل ، ويعتبر المسألة خلافية ليبرر موقفه الخاطيء ! إن المشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون أولياءهم في وقت الرخاء ، ولكن إذا وقعوا في شدة أو كرب سالوا الله وحده ، كما قال الله تعالى عنهم :
(( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وطنوا أنهم أحيط بهم ، دعوا الله مخلصين له الدين، لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين))."سورة يونس21"
وقال عن المشركين : (( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ))
" سورة النحل 53 "
3- دخلت مرة على شيخ كبير له طلاب وأتباع ، وهو خطيب وإمام مسجد كبير وبدأت أتكلم معه عن الدعاء وأنه عبادة لا يجوز إلا لله وحده ، وأتيت له بدليل من القرآن وهو قول الله تعالى :
(( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً)) . " سورة الإسراء 56-57 "
فما المراد من قوله : (( أولئك الذين يدعون ..)) ؟ فقال لي : الأصنام ، قلت له : المراد الأولياء الصالحون .. فقال لي : نرجع إلى تفسير ابن كثير فمد يده إلى مكتبه ، وأخرج تفسير ابن كثير فوجد المفسر يقول أقوالاً كثيرة أصحها رواية البخاري التي تقول: " قال ناس من الجن كانوا يُعبدون فأسلموا ، وفي رواية كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. فقال لي الشيخ : الحق معك ، ففرحت بهذا الاعتراف الذي قاله الشيخ ، وبدأت أتردد عليه وأجلس في غرفته ، وفوجئت مرة كنت عنده فقال للحاضرين : إن الوهابية نصف كفار لأنهم لا يؤمنون بالأرواح فقلت في نفسي لقد ارتد الشيخ وخاف على منصبه فافترى على الوهابية ، والإيمان بالأرواح لا ينكره الوهابية ، لأنها ثابتة في القرآن والحديث، ولكنهم ينكرون أن تكون للروح تصرفات كإغاثة الملهوف ، وعون الأحياء ، ونفعهم وضرهم ، لأن هذا من الشرك الأكبر الذي ذكره القرآن عن الأموات بقوله :
(( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير )). " سورة فاطر 14 "
فهذه الآية صريحة في أن الأموات لا يملكون شيئاً ، وأنهم لا يسمعون دعاء غيرهم ، وعلى فرض سماعهم لا يستطيعون الإجابة ، ويوم القيامة يكفرون بهذا الشرك الذي صرحت به الآية: (( ويوم القيامة يكفرون بشرككم )) " سورة فاطر 13 "
لا يعلم الغيب إلا الله
كنت مع بعض المشايخ في مسجد الحي نتدارس القرآن بعد الفجر ، وكلهم من حفظة القرآن الكريم . وقد مر معنا حين تلاوة القرآن قوله تعالى :
(( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ))
" سورة النمل 65 "
فقلت لهم : إن هذه الآية دليل واضح على أنه لا يعلم الغيب أحد إلا الله ، فقاموا علي وقالوا : الأولياء يعلمون الغيب !! فقلت لهم , ما هو دليلكم ؟ فبدأ كل واحد يقص قصة سمعها من بعض الناس , وأن الولي الفلاني يخبر بأمور غيبية ! قلت لهم : هذه القصص قد تكون كاذبة وليست دليلاً , ولا سيما وأنها تعارض القرآن , فكيف تأخذون بها , وتتركون القرآن ؟!! ولكنهم لم يقتنعوا وبدأ بعضهم يصيح وأخذه الغضب, ولم أجد واحداً منهم أخذ بالآية , بل اتفقوا جميعاً على الباطل ودليلهم قصص خرافية تناقلوها ليس لها أصل , وخرجت من المسجد ولم أحضر معهم في اليوم الثاني , بل جلست مع أطفال أقرأ معهم القرآن , فهو خير لي من الجلوس مع حفظة للقرآن يخالفون عقيدته ولا يطبقون أحكامه , والواجب على المسلم إذا رأى أمثال هؤلاء أن لا يجالسهم امتثالاً لقوله تعالى :
(( وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ))
" سورة الأنعام 68 "
وهؤلاء ظالمون أشركوا مع الله عباداً يعلمون الأمور الغيبية في زعمهم ، والله يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يقول للناس :
(( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون )) . " سورة الأعراف 188 "
وهؤلاء الحفظة لكتاب الله سيكون القرآن حجة عليهم لا لهم كما قال صلى الله عليه وسلم : ( والقرآن حجة لك أو عليك ) . " رواه مسلم "
وقد ضرب الله مثلاً للذين لا يعلمون بالكتب المنزلة مثل التوراة فقال : (( مثل الذين حملوا التوراة ، ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، والله لا يهدي القوم الظالمين )) . " سورة الجمعة آية 4 "
فهذه الآية وإن كانت في حق اليهود الذين علموا التوراة ولم يعملوا بها فهي تنطبق على كل من يعلم القرآن ولا يعمل به . وقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا العلم الذي لا ينفع فقال :
( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ) . " رواه مسلم "
[ أي لا أعمل به ، ولا أبلغه غيري ولا يبدل من أخلاقي وأقوالي وأفعالي ] " ذكره فيض القدير نقلاً عن المظهري "
وفي الحديث : ( اقرأوا القرآن واعملوا به ولا تأكلوا به .. ) .
" صحيح . أخرجه أحمد وغيره "
4- كنت أصلي في مسجد قريب من داري ، وكان إمامه يعرفني ، ووجد مني الدعوة إلى توحيد الله وعدم دعاء غيره ، فأعطاني كتاباً اسمه " الكافي في الرد على وهابي " ، ومؤلفه رجل صوفي فقرأت الكتاب من أوله إلى آخره بدقة ، وإذا به يقولفيه : إن هناك رجالاً يقولون للشيء كن فيكون ! فعجبت من هذا القول الكاذب ، لأن هذا من صفات الله وحده ، والبشر عاجزون عن خلق الذباب، بل عاجزون أن يستردوا ما أخذه الذباب من طعامهم ، وقد ضرب الله تعالى مثلاً للناس يبين ضعف المخلوقات فقال :
(( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب )) . " سورة الحج الآية 73 "
فحملت الكتاب إلى صاحبه وقد حفظ القرآن معي في دار الحفاظ وقلت له : هذا الشيخ يدعي أن رجالاً يقولون للشيء كن فيكون ، فهل هذا صحيح ؟ فقال لي : نعم ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كن ثعلبة ) فكان ثعلبة ! قلت له : هل كان ثعلبة معدوماً فأوجده الرسول صلى الله عليه و سلم من العدم ؟ أم كان غائباً ، وكان بانتظاره وقد تأخر ، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبحاً من بعيد تفاءل وقال : ( كن ثعلبة ) كأنه يقول أدعو الله أن يكون القادم هو ثعلبة ، حتى يسير الجيش ولا يتأخر ، فاستجاب الله دعاءه ، وكان القادم ثعلبة ، فسكت الرجل ، وغرف بطلان كلام الشيخ المؤلف ، والكتاب ما زال موجوداً عند صاحبه .
جولة مع جماعة التبليغ
1- جماعة التبليغ لها نشاط واسع في البلاد العربية والإسلامية ، حتى في البلاد الأجنبية كفرنسا وغيرها من البلاد .
وتمتاز هذه الجماعة بالتواضع في رحلاتها ، والإخلاص في دعوتها ، والنظام في سفرها ، ومأكلها ، وخروجها ، ومقر عملها المساجد التي تنزل فيها ، وتذهب إلى المقاهي وغيرها لتأتي بأهلها إلى المساجد لأداء الصلاة ، ويلقي أحد أفرادها بياناً على المجتمعين في المسجد ، وهذا عمل طيب .
2- للجماعة أمير عام هو الشيخ إنعام الحسن ، ومقره في الهند ولهم اجتماع عام ، وغالباً ما يكون في باكستان . وفي كل بلد لهم أمير يأخذون برأيه عند المشورة . ولهم كتاب يسمى ( تبليغي نصاب ) باللغة الأوردية ، وترجم بالعربي وللعلماء عليه مأخذ ، من حيث العقيدة ، وفيه أفكار صوفية وغيرها ، وأكثر ما يعتمدون عليه من الكتب هو :
أ) رياض الصالحين : وهو كتاب جيد ، ولا سيما النسخة المحققة التي تبين الحديث الصحيح من الضعيف ، وهذا مهم جداً عند أهل العلم .
ب) حياة الصحابة : كتاب جيد ، وفيه أحاديث ضعيفة وموضوعة ، يحتاج إلى تحقيق وتخريج ، كما سيأتي بيان ذلك فيما بعد إن شاء الله .
ج) ولهم صفات ستة يتمسكون بها ، ويعلمونها لأفراد جماعتهم،
وسيأتي مناقشتها فيما بعد ، وهذه الشروط كما يلي :
1- تحقيق كلمة " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " .
2- إقامة الصلاة بالخشوع والخضوع .
3- العلم مع الذكر .
4- إكرام المسلمين .
5- إخلاص النية لله تعالى .
6- الدعوة إلى الله تعالى .
الخروج مع التبليغ للدعوة
لقد تأثرت باديء الأمر في دعوتهم ، وخرجت معهم في مختلف البلدان :
1- خرجت معهم في مدينة حلب التي أسكنها ، وتجولنا في المساجد، ولا سيما يوم الجمعة ، فخرجنا جماعة إلى حي من أحياء حلب يسمى (قرلق) فيه مسجد كبير ، ودخلت المسجد قبل صلاة الجمعة ، وخرجت مع ابن عمتي ـ بناء على توجيه الأمير ـ إلى السوق ، ودخلنا " مقهى كبير " فيه ناس يلعبون بالنرد والطاولة ، والأوراق التي فيها تصاوير للصبي ، وللبنت والرجل الكبير وكانت مهمتنا تنحصر في دعوة الناس إلى الصلاة ، فدعوناهم واستجابوا إلا القليل منهم وعد بأن يكمل اللعب ثم يأتي للمسجد .
ولما انتهينا من الجولة في الأسواق ، ذهبنا إلى المسجد ، وكان الأمير ينتظرنا ، ولما وصلنا أعطاني كتاب " رياض الصالحين " وطلب مني أن أقرأ " من آداب المسجد " فقرأت فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا ، وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته ) . " متفق عليه "
فشرحت للحاضرين في المسجد الحديث ، وبينت لهم أن رائحة الدخان أشد من رائحة الثوم والبصل ، فعلى المسلم أن يتجنبه لأنه يضر جسمه ، ويؤذي جاره ، ويتلف ماله ، ولا فائدة من التدخين ..
وإذا بالأمير ينظر إلى الكتاب الذي أقرأه ، وهو "رياض الصالحين " كأنه يقول لي : هذا الكلام عن التدخين غير موجود في الكتاب ، فلا تقله! وهذا خطأ ، لأن التدخين منتشر بين المسلمين ، حتى بين المصلين، فلا بد من التحذير منه ، ولا سيما عند التحذير من أكل الثوم والبصل عند دخول المسجد .
ولاحظت عند الأحباب ( جماعة التبليغ ) بعض الأحاديث الضعيفة ، فذكرتهم بذلك فقالوا لي تعال معنا إلى الأمير العام وهو بالأردن ، فكلمه بذلك .
2- ذهبت مع الجماعة إلى مدينة (حماه) فكنا ندق الأبواب ، فيخرج صاحب البيت ، ويدعوه الأمير إلى الحضور إلى المسجد ليجتمع بهم ويسمع الدرس والبيان ، دخلت على أميرهم في مسجدهم ، فقال للوفود الحاضرين :
نحن سجدنا لله ، فأسجد الله لنا العالم !!
وهذا خطأ كبير ، فالسجود عبادة لا يجوز لغير الله .
قال الله تعالى : (( فاسجدوا لله واعبدوا )) . " سورة النجم آخرها "
ورأيت رجلاً يناقش الأمير قائلاً: لماذا تفصلون الدين عن السياسة؟ وتقولون : لا سياسة في الدين ، مع أن الدين فيه سياسة ، فسكت الأمير ولم يعط الجواب كما هي عادتهم ، ورأيت شاباً يدخن على باب المسجد وله لحية جميلة ، فنصحته أن يترك التدخين ، وأعطيته قلنسوة هدية ، فوضعها على رأسه ، وألقى السجارة في الأرض ، فعلم الأمير بذلك واستدعاني ، وأنكر عليّ ذلك وقال لي : أتركه يدخن في الغرفة المجاورة للمسجد حتى يتركه بنفسه ! أقول: هذا خطأ فادح ، يتركه يدخن حتى في الغرفة التي بجوار المسجد ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . " رواه مسلم "
ومررنا في سوق بلدة (حماه) فقال أحد المرافقين : لا أريد أن أمر بهذا السوق ، لأن والدي سوف يراني ويغضب ، لأنني تركته في الدكان وحده ، وتركت زوجتي وحدها في البيت ، وهي على أهبة الولادة فقلت له : هذا لا يجوز شرعاً ، اذهب إلى والدك واعتذر منه ، أو أكتب له رسالة ، واذهب إلى زوجتك واسأل عنها ، فقد تكون مريضة أو بحاجة إلى من يرعاها هي وأولادها ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول ) . " حسن رواه أحمد وغيره "
3- ثم ذهبنا إلى دمشق ، ودخلنا مسجد " كفر سوسة " فألقى بعد الصلاة شاب بياناً ذكر فيه حديثاً قال فيه : ( الدنيا قرار من لا قرار له ) وبعد أن انتهى من كلمته قلت له : هل هذا حديث صحيح ؟ فقال لي: سمعته من الأحباب ، قلت له : هذا لا يكفي ، فالتفت إلى رجل عالم بجانبه وسأله عن الحديث ؟ فقال له : هذا ليس بحديث ، ثم نصحته برفق أن يتحرى الأحاديث الصحيحة ويبتعد عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
ولما رآني أميرهم جاءني وقال لي : لا تعلمه ، الله يعلمه !!
علماً بأنه يخصص لهم دروساً في الفقه وغيره .
ومضت أعوام ، وجئت إلى مكة ، فرأيت الرجل يذهب إلى الحرم قبل صلاة الجمعة ، فلحقت به ، وسلمت عليه ، وقلت له: أنت أبو شاكر؟ فقال لي : نعم ، قلت له : أنت الذي كنت في دمشق وقلت لي : لا تعلم هذا الشاب ، الله يعلمه ؟ فقال : نعم ، قلت : كيف تقول ذلك ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم). " حسن انظر صحيح الجامع"
فقال لي : إنني أخطأت ، ونصحته ألا يرفض العلم والنصيحة ، علماً بأنه مدرس في الطائف ، ولا بد أنه تعلم حتى أصبح معلماً .
4- وذهبت في جولة معهم وكنا ثلاثة ، فدخلنا غرفة فيها شباب يلعبون بالورق ، ويسمونه ( الشدة ) وفيها تصاوير وأرقام وأعداد ، فتكلمت مع الشباب برفق ، وقلت لهم : هذا حرام يضيع أوقاتكم ، ويجر إلى لعب الميسر ، ويورث العداوة بين اللاعبين ، فاقتنعوا وبدأوا يمزقون الورق الذي كانوا يلعبون به ، وأعطوني بعضها حتى أشاركهم في تمزيقها ، فمزقت بعض الأوراق مشاركة لهم وكسباً للأجر ، ثم ذهبوا معنا إلى الصلاة في المسجد .
ولما علم بذلك أميرهم استدعاني ، وأنكر عليّ تمزيق الورق الذي كانوا يلعبون به ، قلت له : لقد طلبوا مني مشاركتي لهم في التمزيق ففعلت ، وهم الذين بدأوا بتمزيق الورق قبلي ، فلم يقبل ذلك !
قلت في نفسي : هؤلاء يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . " رواه مسلم "
5- ثم ذهبت معهم إلى الأردن ، ولهم مسجد كبير في (عمان) يجتمعون فيه ، فنزلنا في المسجد ، وصلينا فيه ، ثم ألقى أحد المسؤولين بياناً ذكر فيه أشياء غريبة ، قال يخاطب الحاضرين :
أ) يا أحبابنا لا تأكلوا كثيراً ، حنى لا تتغوطوا كثيراُ ، فالإمام الغزالي ذهب إلى الحج مدة شهر ولم يتغوط ( أي لم يذهب للحمام ) فقال له أحد الجالسين : من أين أتيت بهذه القصة ؟ فأنكرها عليه ، لأنه لا يمكن للإنسان البقاء مدة شهر دون قضاء حاجته ، ثم قام الرجل من المسجد ، وترك الاجتماع .
ب) ثم قال في بيانه وهو يقرأ من كتاب " حياة الصحابة " : لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف التقى بخادم اسمه (عداس) فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن بلده ؟ فقال من بلد (نينوى) قال له : من بلدة (يونس عليه السلام) ذاك أخي في النبوة ، فسجد عداس للرسول صلى الله عليه وسلم .
لقد استغربت هذا الكلام ، كيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسجد له (عداس) والسجود لا يجوز إلا لله .
وهذه القصة غير صحيحة ، وقد روي أن (عداس) أكب على قدمي الرسول صلى الله عليه وسلم يقبلهما ، وهذا التقبيل يختلف عن السجود تماماً ، فالكتاب " حياة الصحابة " يحتاج إلى تحقيق لمعرفة الصحيح من الضعيف والموضوع ، وقد نصحت الأخ ( محمد علي دولة ) وطلبت منه أن يحقق الكتاب لأنه هو الذي تولى طبعه ونشره ، فقال لي : الكتاب كله في الفضائل ، وليس فيه أحكام ، قلت له : هذا غير صحيح ، وأتيت له بحديث أورده مؤلف " حياة الصحابة " وهو :
( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) قال عنه المحدثون: إنه موضوع ، فسكت الأخ ( محمد علي دولة ) .
وقد التقيت بالشيخ نايف العباسي رحمه الله تعالى في دمشق وقلت له : لقد قرأت في كتاب " حياة الصحابة " الذي حققته ما يلي :
" لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف ، وقد دعاهم للإسلام ، فردوا عليه دعوته، وآذوه ، فجلس يقول :
( اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني ، أم إلى قريب ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي .. إلى آخر الدعاء ) " .
كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم معاتباً ربه : إلى من تكلني ؟! [ أي تتركني ] ، والله تعالى يقول له :
(( ما ودعك ربك وما قلى )) " سورة الضحى 3 "
[ أي ما تركك ربك وما أبغضك ] " انظر تفسر ابن كثير "
فقال لي الشيخ نايف العباسي : والله كلامك صحيح ، رسول الله لا يقول هذا الكلام ، ولكني حققت الكتاب من الناحية التاريخية واللغوية ، وهذا الكتاب يحتاج إلى مثل الشيخ ناصر الدين الألباني ليخرج أحاديثه . قلت له : إن الشيخ ناصر حفظه الله ضعّف الحديث ، وقال : في متنه نكارة ، ولعله يشير إلى قوله :
( إلى من تكلني ؟ ) التي تخالف القرآن والواقع .
6- حضرت اجتماعاً لهم خطب فيه أميرهم ( سعيد الأحمد ) فقال : مر الرسول صلى الله عليه وسلم على بناء فقال لأصحابه : لمن هذا ؟ قالوا لفلان ، ولما مر صاحب البناء على الرسول صلى الله عليه وسلم ، سلمّ عليه فلم يرد عليه السلام ، وأخبره الصحابة السبب ، فذهب الصحابي وهدم البناء حتى يرد عليه السلام .
أقول هذا الحديث غير صحيح ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) . " صحيح رواه أحمد "
مناقشة شروط الجماعة
1- تحقيق كلمة ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) .
إن التحقيق يعني الفهم والتطبيق ، فهل فهم معنى هذه الكلمة الطيبة ـ التي هي الركن الأول من أركان الإسلام الوارد في حديث جبريل الذي رواه مسلم ـ هؤلاء الجماعة ؟
وهل دعوا إلى تطبيقها والعمل بها ؟
الواقع أنهم لا يعلمون معناها الحقيقي ، وهو :
( لا معبود بحق إلا الله ، ومحمد مبلغ دين الله الذي ارتضاه ) .
والدليل على ذلك التعريف قول الله تعالى :
(( ذلك بأن الله هو الحق ، وأنما يدعون من دونه هو الباطل )) .
" سورة الحج 62 "
ولو عرفوا معناها لدعوا إليها قبل غيرها ، لأنها تدعو إلى توحيد الله ودعائه وحده دون سواه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( الدعاء هو العبادة ) . " رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
فكما أن الصلاة عبادة لله ، لا تجوز لرسول ولا لولي ، فكذلك الدعاء عبادة لا يجوز طلبه من الرسول أو الأولياء .
ولم أسمع من جماعة التبليغ من دعا إلى فهمها والعمل بها ، وأن الذي يدعو غير الله وقع في الشرك الذي يحبط العمل لقول الله تعالى :
(( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )) [ أي المشركين ] . " سورة يونس 106 "
2- إقامة الصلاة بالخشوع والخضوع :
وإقام الصلاة : يعني معرفة شروطها ، وواجباتها ، وأركانها ، وما يتعلق بها من أحكام : كسجود السهو مثلاً، طبقاً لما جاء في الحديث : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) . " رواه البخاري "
فهل قام جماعة التبليغ بتعليم هذه الأمور لجماعتهم ، وهل بينوا لجماعتهم أن الخشوع في الصلاة يعني حصر الفكر في القراءة والتسبيح وعدم إكثار الحركة في الصلاة وغيرها من الأعمال المهمة؟
3- العلم مع الذكر :
هذا الشرط كبقية الشروط لم يحققه جماعة التبليغ ، وسبق أن ذكرت أنني نصحت أحد الشباب الذي ألقى بياناً ذكر فيه حديثاً موضوعاً، فقال لي أميرهم ، أتركه لا تعلمه ، الله يعلمه ! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
( إنما العلم بالتعلم ) . " حسن انظر صحيح الجامع "
وزارني وفد منهم من الأردن ، وبينت لهم عقيدة التوحيد ، ومنها الاعتقاد أن الله في السماء كما أخبر عن نفسه في قوله تعالى :
(( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) . " سورة الملك 16 "
قال ابن العباس : هو الله تعالى .
وذكرت لهم حديث الجارية التي سألها الرسول صلى الله عليه وسلم: أين الله ؟ قالت في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت أنت رسول الله ، فقال لصاحبها : أعتقها فإنها مؤمنة ) . " رواه مسلم "
فأعجب الحاضرون بهذه المعلومات ، وطلبوا مني بعض الرسائل للعلم ، علماً بأن كثيراً منهم لا يريدون قراءة كتب العلم ، وقد أهديت لاثنين منهم بعض الرسائل ليأخذوها معهم ، ويقرأوها مع جماعتهم ، فلم يأخذوها ، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل الهدية. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( تهادوا تحابوا ) " حديث حسن انظر صحيح الجامع "
4- إكرام المسلمين :
الواقع أنهم يكرمون ضيوفهم ، ولا سيما عند الطعام ، ويتحدثون عن إكرام العلماء ، وليتهم أخذوا بنصيحتهم ، وقبلوا توجيهاتهم ، وقد خرجت معهم في عدد من البلدان ، فلم يسمحوا لي مرة بالتحدث إليهم ، بل يسمحون لواحد من جماعتهم ولو كان جاهلاً أن يتحدث إلى الناس ، وهذا يضر أكثر مما ينفع ، فيأتي بأحاديث مكذوبة كما مر قبل قليل . ويأتون بحديث لم يثبت عند الطعام ويقولون :
( تحدثوا عند الطعام ولو بثمن أسلحتكم ) .
5- إخلاص النية لله تعالى :
وهو شرط مهم ، وقد يتحقق عند بعضهم ، فيذهب بنية الدعوة ، وينفق من ماله ، والإخلاص محله القلب ، لا يعلمه إلا الله ، وكثيراً ما يتحدث أفرادهم ، ولا سيما الأمراء منهم عن دعوتهم ، وأنهم فعلوا كذا ، وكان عددهم كذا ، واستجاب لهم كثير من الأفراد ، واسأل الله أن يكونوا مخلصين في عملهم ، ولكن الإخلاص لا بد له من العلم ، حتى ينفع صاحبه ، وتنتفع به الأمة ، فقد ذكر البخاري رحمه الله تعالى في كتابه (باب العلم قبل القول والعمل) . واستدل بقول الله تعالى :
(( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) " سورة محمد "
وسبق أن ذكرت أن الأحباب ـ هداهم الله ـ لا يهتمون بالعلم .
6- الدعوة إلى الله :
هذا مبدأ طيب ، يجب على كل مسلم أن يهتم به كل حسب مقدرته ، ولكن الدعوة إلى الله لها شرط مهم بينه الله تعالى بقوله :
(( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) . " سورة يوسف آية 108 "
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم على الثقلين الجن والإنس آمراً له أن يخبر الناس أن هذه سبيله ، وطريقته ، ومسلكه ، وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ويدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان هو وكل من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه سلم على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي .
( وسبحان الله ) أي وأنزه الله ، وأجله ، وأعظمه ، وأقدسه عن أن يكون له شريك ، أو نظير ، أو عديل ، أو نديد ، أو ولد ، أو والد ، أو صاحبة، أو وزير ، أو مشير ، تبارك وتقدس وتنزه عن ذلك كله علواً كبيراً ) . " انظر تفسير ابن كثير ج /495 "
الخلاصــة
إن هذه الشروط وإن كانت غير منسجمة ، لكن الجماعة ينقصهم تطبيق هذه الشروط عملياً ، ولا سيما العلم ، وتحقيق كلمة التوحيد والدعوة إليها قبل غيرها أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بقي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إليها ، وتحمل في سبيلها الأذى ، ولكنه صبر حتى نصره الله ، والعرب تعرف معنى التوحيد في كلمة ( لا إله إلا الله ) ولذلك لم يقبلوها ، لأنها تدعوهم إلى عبادة الله ودعائه وحده، وترك دعاء غيره ولو كانوا من الأولياء والصالحين . قال الله تعالى عن المشركين :
(( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ، ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ، بل جاء بالحق وصدق المرسلين )) .
" سورة الصافات آية 36 "
الدين النصيحـة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم).
" رواه مسلم "
وعملاً بقول هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فإني أوجه نصيحتي لجميع الجماعات الإسلامية أن يتقيدوا بما جاء في القرآن ، والأحاديث الصحيحة ، حسب فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، كالصحابة والتابعين ، والأئمة المجتهدين ، ومن سار على طريقتهم :
الجماعة الصوفية
1- نصيحتي للصوفية أن يفردوا الله بالدعاء والاستعانة عملاً بقول الله تعالى : (( إياك نعبد وإياك نستعين )) " الفاتحة "
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ) .
" رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
وعليهم أن يعتقدوا أن الله في السماء لقول الله تعالى :
(( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) . " سورة الملك 16 "
قال ابن عباس : هو الله . " ذكره ابن الجوزي في تفسيره "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا تأمنوني ، وأنا أمين من في السماء ).
" متفق عليه "
[ ومعنى في السماء : أي على السماء ].
2- عليهم أن يتقيدوا بذكرهم بما ورد في الكتاب والسنة ، وعمل الصحابة.
3- ألا يقدموا قول مشايخهم على قول الله ورسوله ، عملاً بقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله )) .
" سورة الحجرات 1 "
[ أي لا تقدموا قولاً أو فعلاً على قول الله ورسوله ] " ذكره ابن كثير "
4- عليهم أن يعبدوا الله ، ويدعوه خوفاً من ناره ، وطمعاً في جنته عملاً بقوله تعالى : (( وادعوه خوفاً وطمعاً )) . " سورة الأعراف آية 56 "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( اسأل الله الجنة ، وأعوذ به من النار ).
" رواه أبو داود بسند صحيح"
5- على الصوفية أن يعتقدوا أن أول المخلوقات من البشر آدم عليه السلام وأن محمداً صلى الله عليه وسلم من نسل آدم ، وجميع الناس من ذريته خلقهم الله من تراب ، قال الله تعالى :
(( هو الذي خلقكم من تراب ، ثم من نطفة )). " سورة غافر آية 40 "
وليس هناك دليل على أن الله خلق محمداً صلى الله عليه وسلم من نوره ، والمعروف أنه ولد من أبوين .
جماعة الدعوة والتبليغ
1- نصيحتي لهم أن يتقيدوا في دعوتهم بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة ، وأن يتعلموا القرآن والتفسير والحديث حتى تكون دعوتهم على علم لقول الله تعالى :
(( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )). " سورة يوسف108 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم ).
"حسن انظر صحيح الجامع"
2- أن يتقيدوا بالأحاديث الصحيحة ، ويجتنبوا الأحاديث الضعيفة والموضوعة لئلا يدخلوا تحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) . " رواه مسلم "
3- على الأحباب أن لا يفصلوا الأمر بالمعروف عن النهي عن المنكر، لأن الله تعالى جمع بينهما في كثير من الآيات مثل قول الله تعالى: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )). " سورة آل عمران 104 "
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم ، ويأمر المسلمين بتغيير المنكر فيقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) . " رواه مسلم "
4- أن يهتموا بالدعوة إلى التوحيد ، وتقديمها على غيرها عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ). " متفق عليه "
وفي رواية ( إلى أن يوحدوا الله ). " رواه البخاري "
وتوحيد الله يعني إفراده بالعبادات ولا سيما الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ). " رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
جماعة الإخوان المسلمين
1- أن يعلموا أفراد جماعتهم التوحيد بأنواعه : توحيد الرب ، وتوحيد الإله ، وتوحيد الأسماء والصفات ، لأنها مهمة جداً يتوقف عليها سعادة الفرد والجماعات. وبدلاً من الإغراق في السياسة والواقع المزعوم ، وليس معناه جهل أحوال البلاد والعباد ولكن لا إفراط ولا تفريط .
2- أن يبتعدوا عن أفكار الصوفية المخالفة لعقيدة الإسلام ، فقد رأينا كثيراً منهم يذكر في كتبه عقائد صوفية باطلة :
أ- فهذا رئيسهم في مصر عمر التلمساني له كتاب ( شهيد المحراب) فيه عقائد صوفية خطيرة بالإضافة إلى تعلم الموسيقى.
ب- وهذا " سيد قطب " يذكر في كتاب ( الظلال ) وحدة الوجود عند الصوفية ، ذكرها في أول سورة الحديد ، وغيرها من التأويلات الباطلة وقد كلمت أخاه " محمد قطب " أن يعلق على الأخطاء العقدية باعتباره مشرفاً على طبعة (الشروق) فرفض وقال : أخي يتحمل المسؤولية ، وقد شجعني على مراجعته الشيخ عبد اللطيف بدر المشرف على مجلة التوعية بمكة .
ج _ وهذا " سعيد حوى " بذكر في كتابه (تربيتنا الروحية) عقائد الصوفية ، وقد مر ذكرها في أول الكتاب.
د ـ وهذا " الشيخ محمد الحامد " من سورية أهداني كتاباً اسمه : (ردود على أباطيل) فيه مواضيع جيدة كتحريم التدخين وغيرها ، إلا أنه ذكر فيه : أن هناك أبدالاً وأقطاباً وأغواثاً، ولكن لا يسمى الغوث غوثاً إلا حينما يلتجأ إليه !!! والالتجاء إلى الأغواث والأقطاب من الشرك الذي يحبط العمل وهي أفكار صوفية باطلة ينكرها الإسلام.
وقد طلبت من ولده عبد الرحمن أن يعلق على كلام والده فرفض ذلك.
3- أن لا يحقدوا على إخوانهم السلفيين الذين يدعون إلى التوحيد ومحاربة البدع والتحاكم إلى الكتاب والسنة ، فهم إخوانهم . قال الله تعالى : (( إنما المؤمنون إخوة )). " سورة الحجرات 10 "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ). " متفق عليه "
السلفيون ، وأنصار السنة المحمدية
1- وصيتي لهم أن يستمروا في دعوتهم إلى التوحيد والحكم بما أنزل الله ، وغيرها من الأمور المهمة.
2- أن يرفقوا في دعوتهم ، ويستعملوا اللين من القول مهما كان الخصم عملاً بقول الله تعالى :
(( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن )) . " سورة النحل 125 "
وقوله تعالى إلى موسى وهارون عليهما السلام :
(( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )) . " سورة طه 43 – 44 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ). " رواه مسلم "
3- أن يصبروا على ما يصيبهم من أذى، فإن الله معهم بنصره وتأييده، قال الله تعالى :
(( واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ، ولا تك في ضيق مما يمكرون ، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)). " سورة النحل آية 177-178 "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم ) " صحيح رواه أحمد وغيره "
4- ألا ينظر السلفيون إلى قول من خالفهم بأن عددهم قليل ، لأن الله تعالى يقول : (( وقليل من عبادي الشكور )) . " سورة النمل "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( طوبى للغرباء ، قيل من هم يا رسول الله؟ قال : أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) . " صحيح رواه أحمد وابن المبارك "
حزب التحريـر
1- وصيتي لهم أن يطبقوا تعاليم الإسلام على أنفسهم قبل أن يطالبوا غيرهم بتطبيقه , فقد زارني في سورية منذ عشرين سنة تقريباً شابان منهم , وقد حلقوا لحاهم , وظهرت رائحة الدخان منهم , وطلبوا مني المناقشة لأنضم إليهم , فقلت لهم : أنتم تحلقون اللحي , وتشربون الدخان , وهما محرمان شرعاً , ثم تبيحون لأنفسكم مصافحة النساء , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) . " صحيح رواه الطبراني "
فقالا لي : ورد في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء عند البيعة !! فقلت لهما : غداً ستأتياني بالحديث ، فذهبا ولم يعودا ، فعرفت كذبهما ، وأن البخاري لم يذكر ذلك أبداً ، وإنما ذكر البيعة للنساء بدون مصافحة .
والغريب أن يبيح المصافحة للنساء بعض الإخوان المسلمين ، أمثال الشيخ محمد الغزالي ، ويوسف القرضاوي ، بناء على مناقشة جرت بيني وبينه ، واستدل بحديث الجارية التي كانت تأخذ بيد الرسول صلى الله عليه وسلم ليقضي حاجتها .
" رواه البخاري "
أقول : إن استدلاله غير صحيح ، علماً بأن الجارية حينما أخذت بيده لم تمسه ، بل لمست كم القميص الذي على يده ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت :
( لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك ). " رواه البخاري "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إني لا أصافح النساء ).
" رواه الترمذي وقال حسن صحيح "
2- سمعت خطبة من شيخ ينتمي إلى حزب التحرير في الأردن يحمل على الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، ولما جئت إلى بيته شكا إلىّ والد زوجته ، وقال ، إن الشيخ ضرب زوجته على عينها فتأثرت ! فقلت له : أنت تطالب الحكام بتطبيق الشرع ، وأنت لم تطبق الشرع في بيتك ، هل أنت صحيح ضربت زوجتك على عينها، فقال : نعم ، ولكنها ضربة خفيفة بكأس الشاي ! قلت له : طبق الإسلام على نفسك أولاً ، ثم طالب غيرك بتطبيقه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم : ( سئل ما حق زوج أحدنا عليه ؟ قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) . " صحيح أخرجه الأربعة "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا ضرب أحدكم خادمه ، فليتق الوجه ) " حسن رواه أبو داود "
جماعة الجهاد وغيرهم
1- نصيحتي لهم أن يرفقوا في دعوتهم وجهادهم ، ولا سيما للحكام عملاً بقول الله تعالى لموسى حينما أرسله إلى فرعون الكافر :
(( اذهب إلى فرعون إنه طغى ، فقل هل لك إلى أن تزكى )).
" سورة النازعات آية 17 – 18 "
وقوله تعالى : (( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )). " سورة طه آية 43-44 "
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ).
" رواه مسلم "
2- النصيحة لأئمة المسلمين والحكام : تكون بمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، ونهيهم ، وتذكيرهم برفق ، وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة .
" انظر قول الخطابي في شرح الأربعين حديثاً "
قال صاحب العقيدة الطحاوية ( أبو جعفر الطحاوي ) : ولا نرى الخروج على أئمتنا ، وولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة .
1- قال الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ، وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر منكم )) . " سورة النساء آية 59 "
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني ) . " رواه البخاري ومسلم "
3- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال :
( إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف ) . " رواه مسلم "
4- وقال صلى الله عليه وسلم : (على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) . " متفق عليه "
5- وعن حذيفة بن اليمان قال : ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قال : قلت وما دخنه ؟ قال : قوم يستنون بغير سنتي ، ويهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ، فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت يا رسول الله ، صفهم لنا ، قال : نعم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، قلت : يا رسول الله ، فما ترى إذا أدركني ذلك؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة ، حتى يدركك الموت ، وأنت على ذلك ) . " متفق عليه "
6- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر , فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات , فميتته جاهلية). " متفق عليه "
7- وقال صلى الله عليه وسلم : ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم , ويحبونكم , وتصلون عليهم , ويصلون عليكم , وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم , ويبغضونكم , وتلعنونهم , ويلعنونكم , فقلنا : يا رسول الله , أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك , قال : لا , ما أقاموا فيكم الصلاة , ألا من ولي عليه وال ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يداً من طاعته ).
" رواه مسلم "
8- فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ، ما لم يأمروا بمعصية ، فتأمل قول الله تعالى :
((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)). " سورة النساء 59 "
كيف قال : ( وأطيعوا الرسول ) ، ولم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم ، لأن أولي الأمر ، لا يفردون بالطاعة ، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله ، وأعاد الفعل مع الرسول ، لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله ، بل هو معصوم في ذلك ، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله ، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله .
وأما طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ، ومضاعفة الأجور ، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل ، فعلينا بالاستغفار والتوبة وإصلاح العمل ، قال الله تعالى :
(( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير )).
" سورة الشورى 30 "
وقال تعالى : (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون )) . " سورة الأنعام 129 "
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم .
" انظر شرح العقيدة الطحاوية 380-381 "
9- جهاد حكام المسلمين : ويكون بتقديم النصيحة لهم ولأعوانهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) . " رواه مسلم "
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) . " حديث حسن رواه أبو داود والترمذي "
وبيان طريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا هو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ، ويصححوا عقيدتهم ، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح ، تحقيقاً لقول الله تعالى :
(( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )). " سورة الرعد 11 "
وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله :
( أقيموا دولة الإسلام في صدوركم تقم لكم على أرضكم ) وكذلك لا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها ألا وهو المجتمع ) .
قال الله تعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )).
" سورة النور 55 "
" اختصاراً من كتاب تعليقات على شرح الطحاوية للشيخ الألباني "
نصيحتي إلى جميع الجماعات
لقد بلغت من الكبر عتياً ، وعمري الآن تجاوز السبعين عاماً ، وإني أحب الخير إلى جميع الجماعات ، وعملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) . " رواه مسلم "
فإني أقدم النصائح الآتية :
1- أن يتمسكوا بالقرآن ، والسنة النبوية ، عملاً بقول الله تعالى :
(( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا )) . " سورة آل عمران 103 "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله ، وسنة رسوله ) .
" رواه مالك وصححة الألباني في صحيح الجامع "
2- إذا اختلفت الجماعات ، فعليهم أن يرجعوا إلى القرآن والحديث وعمل الصحابة عملاً بقول الله تعالى :
((فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً )). " سورة النساء 59 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها ) . " صحيح رواه أحمد "
3- أن يهتموا بعقيدة التوحيد التي ركز عليها القرآن ، وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته إليها ، وأمر أصحابه أن يبدأوا بها .
4- لقد عاشرت الجماعات الإسلامية ، فرأيت أن الدعوة السلفية تلتزم الكتاب والسنة حسب فهم السلف الصالح : الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته التابعين ، وقد أشار إلى هذه الجماعة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله :
( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة ) .
" رواه أحمد وحسنه الحافظ "
وفي رواية : (كلهم في النار إلا واحدة : ما أنا عليه وأصحابي).
" رواه الترمذي وحسنه الألباني "
يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى تفرقوا كثيراً ، وأن المسلمين سيفترقون أكثر منهم ، وأن هذه الفرق ستكون عرضة لدخول النار ، لانحرافها ، وبعدها عن كتاب ربها وسنة نبيها ، وأن فرقة واحدة ، تنجو من النار ، وتدخل الجنة ، وهي الجماعة المتمسكة بالكتاب والسنة وعمل الصحابة .
وتمتاز الدعوة السلفية بالدعوة إلى التوحيد ، ومحاربة الشرك، ومعرفة الأحاديث الصحيحة ، والتحذير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ومعرفة الأحكام الشرعية بأدلتها وهذا مهم جداً لكل مسلم .
وإني أنصح إخواني المسلمين أن يلتزموا بالدعوة السلفية ، لأنها هي الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله ) .
" رواه مسلم "
اللهم أجعلنا من الفرقة الناجية ، والطائفة المنصورة .
الخلاصـة
1- على الجماعات الإسلامية أن يبتعدوا عن التحزب الممقوت الذي يؤدي إلى الفرقة وأن يتعاونوا فيما بينهم فيما ينفع المسلمين ويعود عليهم بالخير والنفع لقول الله تعالى :
((وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)).
" سورة المائدة آية 2 "
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كونوا عباد الله إخواناً : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ، وأشار إلى صدره ، بحسب امريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
" رواه مسلم "
2- على الجماعات الإسلامية ألا يتحاسدوا ، ولا يتباغضوا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ) .
" رواه مسلم "
3- على كل جماعة من الجماعات الإسلامية أن يقبلوا النصيحة إذا كانت موافقة للقرآن والحديث الصحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة ) " رواه مسلم "
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) . " حسن رواه أحمد وغيره "
4- وأختم كلمتي بالدعاء الآتي :
اللهم أصلح ذات بيننا ، وألف بين قلوبنا ، وأهدنا سبل السلام ، اللهم اجعلنا هداة مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك ، وصلي الله على محمد وآله وسلم .
تنبيهات على ملاحظات
لقد من الله تعالى عليّ ، وبدأت أدعو إلى توحيد الله تعالى وأصدرت أكثر من عشرين مؤلفاً طبع كل منها مرات متعددة بكميات كبيرة ، وترجم بعضها إلى اللغة الإنجليزية ، والفرنسية ، والأندونيسية ، والأوردية ، والبنغالية ، والتركية ، وغيرها ، وأكثر هذه الكتب كانت تطبع بمساعدة المحسنين ، وتوزع مجاناً ، وبعضها يباع في المكتبات التي يطبعونها على حسابهم ، وقد كتبت على كل كتاب العبارة الآتية : لكل مسلم حق الطبع والترجمة ، ومن له ملاحظة على الكتب ، فليخبر المؤلف مشكوراً .
1- لقد وصلني كتاب من الإمارات العربية عنوانه :
( عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير ) لمؤلفه : ( محمد عادل عزيزة ) فلما قرأته وجدته لم يلتزم الأمانة العلمية حتى في الأحاديث النبوية حيث بتر الحديث الذي ذكره ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى : (( يوم يكشف عن ساق )) " سورة القلم "
وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة .. ) . إلى آخر الحديث الذي رواه البخاري ومسلم .
وقال في كتابه : لقد تخبط محمد جميل زينو في كتابه ( منهاج الفرقة الناجية ) تخبطاً كثيراً في صفحة 16 وغيرها ، ويعلم الله أنني فرحت ، وقلت : لعلي أخطأت ، فأصلح خطئي .
ولما نظرت في كتابي المذكور وجدت ما يلي :
( قال الإمام أحمد ، قال الإمام الشافعي ، قال الخطيب البغدادي ) فهتفت للمؤلف وقلت له : ما هو التخبط الذي ذكرته في كتابي ؟ فقال لي : الكتاب ليس عندي ، فقلت له : لماذا حذفت الحديث الذي يفسر الآية من تفسير ابن كثير ؟ فقال لي : الحديث من المتشابهات !! فقلت له : ولماذا بترت قول ابن كثير في تفسير : (( وهو الله في السموات )) حيث اختار الوقف المفسر الطبري ، ليثبت أن الله في السماء ؟ فقال لي : حتى انظر ، ولم يعترف بخطئه ، وقد رددت على هذا المؤلف في كتاب اسمه : ( بيان وتحذير من كتاب عقيدة الإمام الحافظ ابن كثير ) .
2- وقد قرأت في كتاب عنوانه ( في مدرسة النبوة ) للأخ أحمد محمد جمال قال فيه : ولقد عجبت للأخ ( محمد جميل زينو ) حين كتب في جريدة الندوة يوم 26/4/1411هـ يستنكر صيغة للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم اعتاد بعض المسلمين ترديدها ، وهي تقول : ( اللهم صل على محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها ) وقال : إن الشافي والمعافي للأبدان والقلوب والعيون هو الله وحده ، والرسول لا يملك النفع لنفسه ولا لغيره .. إلخ ، وأود للأخ محمد زينو أن يعلم أن لهذه الصيغة مفهومين صحيحين :
أ- إن طب القلوب وعافية الأبدان ، ونور الأبصار صفة ، أو ثمرة للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد عرفنا من الأحاديث السابقة فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وبركاتها وأنها صادرة من الله عز وجل ...
وصلاة الله على العباد هي الرحمة والبركة والعافية والشفاء.
ب- إن طب القلوب ، وعافية الأبدان ، ونور الأبصار صفة للرسول نفسه .. وهذه أيضاً لا نكران عليها ، ولا غرابة فيها فالرسول صلى الله عليه وسلم ذاته ـ كما وصفه القرآن الكريم ـ رحمة في قول الله تعالى :
(( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . " سورة الأنبياء آية 107 "
وهو كذلك نور وضياء ، ـ كما وصفه القرآن في قوله عز وجل: (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً )). " الأحزاب آية 45-46 "
وفي روايات متعددة يصف الرسول نفسه بأنه رحمة مهداة إلى الإنسانية ليخرجها من الظلمات إلى النور ، ويشفي قلوبها وأبصارها ، وأبدانها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً .
يقول صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا رحمة مهداة ) .
" أخرجه ابن عساكر "
( إني رحمة بعثني الله ) . " رواه الطبراني "
( إني لم أبعث طعاناً ، وإنما بعثت رحمة ). " رواه مسلم "
1- أقول : إن الصيغة السابقة التي قال عنها المؤلف اعتاد الناس ترديدها . لا تجوز لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عبادة ، والعبادة مبناها على التوقف حتى يأتي الدليل ، ولا دليل على هذه الصيغة ، ولا سيما أنها تخالف جميع الروايات التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، والسلف الصالح ، بالإضافة إلى أن فيها غلواً وإطراء لا يرضاه الله والرسول صلى الله عليه وسلم . فهل يجوز لمسلم أن يترك الصيغة التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويأخذ بصيغة من أقوال الناس ، والتي تخالف الصيغ المشروعة ؟
2- لقد بتر المؤلف من كلامي شيئاً مهماً ، وهو استشهادي بقول الله تعالى : (( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله )).
" سورة يونس"
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) . " رواه البخاري "
3- وأما قول المؤلف : وصلاة الله على العباد هي الرحمة والبركة والعافية والشفاء ، قال ابن كثير :
الصلاة من الله تعالى على عبده ثناؤه عند الملائكة .
وقال غيره : الصلاة من الله عز وجل الرحمة " حكاه البخاري "
" تفسير ابن كثير جـ3/495 "
هذا التفسير الصحيح يبطل تفسير المؤلف ( أحمد محمد جمال ) الذي لا دليل عليه .
4- وأما استشهاده بقول الله تعالى : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)) " الأنبياء آية107 "
فإني أنقل للقاريء ما قاله العلامة محمد أمين الشنقيطي في تفسيرها : وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية : من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم ، وهذا المعنى جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله :
أ- كقوله تعالى : (( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون )). " العنكبوت آية 51 "
ب- وقوله تعالى : (( وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك )) . " سورة القصص آية 86 "
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ، أدع على المشركين ، قال : ( إني لم أبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة ) . " رواه مسلم "
" انظر أضواء البيان للشنقيطي 4/694 "
وأما الطبري فقال ما خلاصته : أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم مؤمنهم وكافرهم ، فأما مؤمنهم فإن الله هداه به وأدخله ـ بالإيمان به وبما جاء من عند الله ـ الجنة ، وأما كافرهم فقد دفع عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذبة لرسلها من قبله .
5- وأما قول المؤلف : وهو ( أي الرسول ) نور وضياء كما وصفه القرآن في قوله عز وجل : (( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً )) .
" الأحزاب آية 45-46 "
فإني أنقل للقاريء ما قاله المفسرون :
أ- قال ابن كثير في تفسيره :
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً على أمتك ، ومبشراً بالجنة ونذيراً من النار ، وداعياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه وسراجاً منيراً بالقرآن .
فقوله تعالى : (( شاهداً )) أي لله بالوحدانية ، وأن لا إله غيره، وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة .
(( وجئنا بك على هؤلاء شهيداً )) " النساء "
وقوله عز وجل : (( ومبشراً ونذيراً )) أي بشيراً للمؤمنين بجزيل الثواب ، ونذيراً للكافرين من ويل العقاب .
وقوله جلت عظمته : (( وداعياً إلى الله بإذنه )) أي داعياً للخلق إلى عباده ربهم عن أمره لك بذلك .
وقوله تعال : (( وسراجاً منيراً )) أي وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند . " انظر تفسير ابن كثير جـ3/497 "
ب- وقال ابن الجوزي في تفسير زاد المسير :
(( وسراجاً منيراً )) أي أنت لمن اتبعك ( سراجاً ) أي كالسراج المضيء في الظلمة يهتدى به . " جـ 6/400 "
ج- وقال الطبري في تفسيره : (( وسراجاً منيراً )) ضياء لخلقه بالنور الذي أتيتهم به من عند الله وإنما يعني بذلك أنه يهدي به من اتبعه من أمته . " نقلاً عن الطبري باختصار "
6- وقال المؤلف في كتابه ( في مدرسة النبوة ) :
وفي روايات متعددة يصف الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بأنه: " رحمة مهداة " إلى الإنسانية ليخرجها من الظلمات إلى النور ، ويشفي قلوبها ، وأبصارها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا رحمة مهداة ) .
" أخرجه ابن عساكر "
( إني رحمة بعثني الله ) . " رواه الطبراني "
( إني لم أبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة ) . " رواه مسلم "
أقول : إن كلام المؤلف ( أحمد محمد جمال ) عليه ملاحظات :
أ) لم يذكر المؤلف دليلاً على كلامه سوى ما أورده من حديث : ( إنما أنا رحمة مهداة ) وقد تقدم تفسير الرحمة في الآية للعلامة الشنقيطي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم .
ب) وأما قول المؤلف : ( ليخرج الإنسانية من الظلمات إلى النور .. ) فليته رجع إلى تفسير ابن كثير حيث قال فيها :
(( ليخرج الناس من الظلمات إلى النور )) . " سورة إبراهيم آية 1 "
أي إنما بعثناك يا محمد بهذا الكتاب لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد ، قال الله تعالى :
(( هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور )) . " الحديد آية 9 "
فالآيات صريحة بأنه أخرج الناس من الظلمات إلى النور بالقرآن المنزل عليه .
ج- وأما قول المؤلف : ( ويشفي قلوبها وأبصارها من الأسقام الحسية والمعنوية معاً ) ويقصد النبي صلى الله عليه وسلم !
فلم يأت بدليل صريح على ذلك ، علماً بأن الشافي للأمراض هو الله وحده ، قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :
(( إذا مرضت فهو يشفين )) " الشعراء "
أكد بالضمير المنفصل ، ليؤكد على أن الشافي هو الله وحده ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً ) . " أخرجه البخاري "
وقصة الغلام والأعمى التي وردت في الحديث تدل على أن الشافي هو الله وحده : فورد فيها أن الأعمى أتى الغلام بهدايا كثيرة وقال له سأهبها لك أجمع إن أنت شفيتني ، فقال : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك .
" فآمن بالله فدعا الله له فشفاه الله " . " القصة رواها مسلم 4/3005 "
فالآية السابقة والأحاديث المتقدمة تدل على أن الشافي هو الله وحده، ولم يذكر المؤلف ( أحمد محمد جمال ) مثالاً واحداً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بأنه ( يشفي ) كما زعم ، وهذا أمر خطير جداً ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
( من قال عليّ ما لم أقل ، فليتبوأ مقعده من النار ) . " حسن رواه أحمد "
وقد سألت سماحة الشيخ ابن باز مفتي السعودية عن كلام ( أحمد محمد جمال ) فقال : إنه شرك .
الخلاصـة
إن كلام المؤلف ( أحمد محمد جمال ) ليس عليه دليل ، وفيه غلو وإطراء نهى عنهما الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً :
1- ( إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ) . " صحيح رواه أحمد "
2- ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ) . " رواه البخاري "
ولا سيما حينما ادعى المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف نفسه ، بأنه يشفي القلوب والأبصار من الأسقام الحسية والمعنوية معاً ! وكلمة ( يشفي ) فعل مضارع يفيد الحال والمستقبل ، وهذا لا يمكن أبداً ، ولم يحدث هذا الشفاء في الوقت الحاضر والمستقبل .
3- وما ذكرته من التنبيهات على كتاب ( في مدرسة النبوة ) هو من باب النصيحة للمسلمين عامة ، ولقراء الكتاب المذكور خاصة .
والله أسأل أن ينفع بها المسلمين ويجعلها خالصة لله تعالى .
تنبيه هـام
أقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم له معجزات كثيرة ، ولكنها كانت في حياته ، وهذه نماذج منها :
أ- عن عبد الله بن مسعود قال : كنا مع رسول الله في سفر فقل الماء ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : اطلبوا لي فضلة من ماء . الصحابة يجيئون بإناء فيه ماء قليل ، فيدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يده في الإناء . قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله). قال ابن مسعود : لقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .
" رواه البخاري "
يلفت الرسول صلى الله عليه وسلم نظر أصحابه إلى أن الماء المبارك الذي ينبع من بين أصابعه إنما بركته من الله وحده الذي خلق هذه المعجزة ، وهذا حرص من الرسول على توجيه أمته إلى التوحيد، ولذا قال لهم : ( والبركة من الله ) .
ب- وهذا علي رضي الله عنه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشتكي عينيه ، فبصق الرسول صلى الله عليه وسلم في عينيه ، ودعا له ، فبرأ ، حتى كأن لم يكن به وجع . " رواه البخاري "
أقول : إن هذه المعجزات كانت في حياته ، وإن علياً دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن بصق في عينيه فبرأ ، لأن دعاء النبي مستجاب ، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فقد توقف طلب الدعاء منه وانقطعت المعجزات لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . " رواه مسلم "
وهذا أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يدافع عنه ، لما حضرته الوفاة دعاه الرسول إلى الإيمان فأبى ، ومات مشركاً ، ونزلت فيه (( إنك لا تهدي من أحبت ، ولكن الله يهدي من يشاء )) . " رواه البخاري "
دعاء الليل مستجاب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من تعار من الليل فقال حين يستيقظ)) .. لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي ، أو دعا استجيب له ، فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته )). " رواه البخاري وغيره "
[ تعارّ: استيقظ ]
قرأت هذا الدعاء من أجل شفائي من الأمراض فشفاني الله ، وقرأته من أجل تيسير بعض الأعمال المتعبة فأراحني الله ، وأنصح كل مسلم أن يقرأ هذا الدعاء لحل جميع المشاكل .
المرجع:
https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=130739