لا يعين على طاعة الله إلا الله سبحانه، فإذا رأيت من نفسك غرورا فذكرها بذلك، إن الذي جاء يطلب منك خدمة و أديتها له إنما بعثه الله إليك رزقا من عنده وهذا هو الرزق الحقيقي الذي ينفع الإنسان لذلك كان الصالحون يفرحون بمن جاء يأخذ منهم أكثر من فرحهم بمن جاء يعطيهم و هؤلاء هم أهل الآخرة الذين يرجون الثواب عند الله و بهذا المقياس تعرف نفسك من أي الدارين أنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة.
كُنت أفرح بالسائل يطلب مالا أو خدمة فساق الله إلي أرزاقا من هذا الشكل كنت أفرح بها، فلما مضى الزمان و تسارعت الأحداث قسا قلبي فنسيت و غفلت كثيرا، فلاحظت أنه صار يفرح بالأعطيات أكثر من فرحه بالطلبات ثم صرت قلما أجد من أسدي له معروفا فعلمت أنما هي الذنوب كما في الحديث:" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" و كذلك فإن من البلاء الذي يكون آخر الزمان أن لا يجد المرء من يقبل صدقته. و اسمعوا إلى هذه القصة ,يقول أحدهم: سمعت مرة شريطا عن القرآن و عظمته و الدعوة إليه أوصى الشيخ في آخره بنشر المصاحف و إهدائها و حث على ذلك و ذكر بعظيم الأجر في ذلك، فقمت بشراء مصحف جيب صغير و قلت ربما أجد من يقبله مني فما هي إلا أيام حتى جاء إلي من يريده و يطلبه مني فلم أتردد أن أعطيته له و هو لا يدري أني إنما اشتريته لذلك ، فرحت بما ساقه الله إلي و أعانني عليه فهو الموفق للطاعات و إن كنت لم أستشعر عظمة قبول الله لطاعات عباده و توفيقه لهم إلا بعد أن صرت أتصدق فيرد علي مالي لسبب أو لآخر حتى أني مرة اشتريت مصحفا لأحدهم كنت متأكدا أنه لا يملك مصحفا و كنت خائفا أن لا يقبله حياء فقط ، إلا أني فوجئت أنه اشترى واحدا يوم اشتريت أنا، عند ذاك تذكرت الموقف الأول مع أول مصحف و كيف أن الله ساق إلي من يأخذه دون عناء مني و في هذه المرة ذهبت أنا إلى من يأخذه فلم يقبل.تأكدت حينها أن الطاعات إنما هي بتوفيق الله وحده ، فمن سار في رضا الرحمان يسر الله له سبل الطاعة و فتح عليه أبواب الخيرات ، و من اتبع هواه ردت عليه طاعاته و لم يوفق إلى معالي الأمور، كمن يعلم أن الصدقة تطفئ الخطيئة فيقول لا بأس أعصي ثم أتصدق لتكون هذه بتلك فيجد أنه يحال بينه و بين الصدقة.