السؤال:
ما حكم إسبال الإزار؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمراد بالإسبال هو: إطالةُ الثوب إلى ما تحت الكعبين، وهو غيرُ جائزٍ ـ شرعًا ـ للرجال مطلقًا، ويشتدُّ الإثمُ إذا قَصَد الخُيَلاءَ؛ فالإسبالُ يَستلزِمُ جرَّ الثوب، وجرُّ الثوب يَستلزِمُ الخُيَلاءَ ولو لم يقصده اللابسُ(١)؛ ويدلُّ عليه: حديثُ أَبي جُرَيٍّ الْهُجَيْمِيِّ رضي الله عنه قال: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ فَعَلِّمْنَا شَيْئًا يَنْفَعُنَا اللهُ بِهِ»، قَالَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ، وَإِيَّاكَ وَتَسْبِيلَ الْإِزَارِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ، وَالْخُيَلَاءُ لَا يُحِبُّهَا اللهُ..»» الحديث(٢)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ»(٣)؛ وعليه فإنَّ ما هو دون نصفِ الساق إلى الكعبين فلا حَرَجَ على فاعلِه، أمَّا ما أسفلَ الكعبين مِنَ الثياب فيَحْرُمُ لِمَا فيه مِنَ التوعُّد بالنار، ويؤيِّدُ عدَمَ جوازِ الإسبال ـ مطلقًا ـ حديثُ أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَحِقَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةٍ: إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، قَدْ أَسْبَلَ؛ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ وَيَتَوَاضَعُ للهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ»، حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ؛ فَالْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَحْمَشُ السَّاقَيْنِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمْرُو بْنَ زُرَارَةَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ خَلْقِهِ، يَا عَمْرُو بْنَ زُرَارَةَ، إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ»»(٤).
ولا يقال: إنه يُحْمَلُ المطلقُ على المقيَّد؛ لأنه لا يُتصوَّر تواردُهما في جانب النفي والنهي، وإنما شرطُ حملِ المطلق على المقيَّد دخولُه في باب الأوامر والإثبات دون المَنافي والمناهي؛ لأنه يَلْزَمُ الإخلالُ باللفظ المطلق مع تناوُل النفي والنهي، وهو غيرُ سائغٍ(٥).
أمَّا قصَّةُ أبي بكرٍ رضي الله عنه في قوله: «إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي، إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ»(٦)، فليس فيه دليلٌ على أنه كان يُطيلُ ثوبَه، بل غايةُ ما في الأمر أنه كان يَنْحَلُّ منه بالحركة أو غيرِها مِنْ غيرِ اختيارٍ، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «فكأنَّ شدَّه كان يَنْحَلُّ إذا تَحرَّك بمشيٍ أو غيره بغيرِ اختياره، فإذا كان مُحافِظًا عليه لا يسترخي؛ لأنه كلَّما كاد يسترخي شدَّه»(٧).
فالحاصل: أنَّ الثوب الزائدَ عن قَدْرِ لابِسِه ـ وهو ما أسفلَ الكعبين ـ ممنوعٌ شرعًا، قَصَد به الخُيَلاءَ أو لم يقصد؛ لأنَّ النهي قد تَناوَله لفظًا، فضلًا عن أنَّ الزائد مِنْ ثوب المُسْبِل يتعرَّض به للأذى وأوساخِ الطريق، وهو ـ في ذلك ـ مُسْرِفٌ ومتشبِّهٌ بالنساء.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-326