حصري مناقشة راي ابن خلدون في نسب الفاطميين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأنساب ، القبائل و البطون > منتدى القبائل العربية و البربرية

منتدى القبائل العربية و البربرية دردشة حول أنساب، فروع، و مشجرات قبائل المغرب الأقصى، تونس، ليبيا، مصر، موريتانيا و كذا باقي الدول العربية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حصري مناقشة راي ابن خلدون في نسب الفاطميين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-16, 16:46   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد البوخاري
نسابة خبير
 
إحصائية العضو










New1 حصري مناقشة راي ابن خلدون في نسب الفاطميين

نظريات ابن خلدون والنسب الفاطمي

بين الاثبات والنفي

تكثر بصفة مطردة الكتابات المختلفة والمتباينة حول الدولة الفاطمية بين دعاة تمجيدها تارة-انظر عبد الحليم عويس واسماعيل محمود- ورغبة في احياء ها اخرى . و يلاحظ المتتبع لما ينشر حول الدولة الفاطمية-كجزء من مشروع شيعي رافضي قام - من مقالات ومشاركات في المنتديات الواسعة الانتشار وبكثافة ووتيرة تتزايد باطراد . وما يلفت الانتباه اكثر هو المقالات والدراسات لانها تنجز من طرف رموز لها دلالتها ووقعها على نفوس القراء المحدودي الثقافة ثم أسلوبها الحداثي والمنطقي-كما يوحون لقرائهم-،ومن بين هذه الكتابات اعادة احياء النقاش بله التاكيد على صحة نسب الدولة العبيدية القائمة في كتامة المغرب ثم مصر بعدها.ويتم طرح الموضوع من زاوية جديدة بطرح فكرة تجديد كتابة التاريخ واستبعاد القراءة الغائية ثم فصل الاديولوجيا التي ظلمت-الشيعة – من طرف اهل السنة كما يروجون-انظر مقالات ادريس هاني- .ورغم ممارسة هؤلاء الكتاب نفس الدور باختيارهم في اثبات النسب المصادر الشيعية مما يخرج كتاباتهم من دائرة الموضوعية ويدخلها في اطار غائية من نوع اخر .
في محاولة طرح الموضوع للنقاش باعتماد مقولة الشيعة ومراجعهم- ونفرض جدلا ان المصادر السنية قد ظلمتهم فعلا- وناخذ اقرب المصادر الى تاكيد نظريتهم وهو عبد الرحمن ابن خلدون في كتابه العبر والمقدمة ايضا.حتى ان متاخري كتابهم معجبون به كما اعجب به قدمائهم . قال السخاوي في الضوء اللامع عن المقريزي صاحب الخطط "...والعجب أن صاحبنا المقريزي كان يفرط في تعظيم ابن خلدون لكونه كان يجزم بصحة نسب بني عبيد الذين كانوا خلفاء بمصر وشهروا بالفاطميين إلى علي ويخالف غيره في ذلك ويدفع ما نقل عن الأئمة من الطعن في نسبهم ويقول إنما كتبوا ذلك المحضر مراعاة للخليفة العباسي وكان صاحبنا ينتمي إلى الفاطميين فأحب ابن خلدون لكونه أثبت نسبهم وغفل عن مراد ابن خلدون فإنه كان لانحرافه عن آل علي يثبت نسب الفاطميين إليهم لما اشتهر من سوء معتقد الفاطميين وكون بعضهم نسب إلى الزندقة وادعى الالهية كالحاكم وبعضهم في الغاية من التعصب لمذهب الرفض حتى قتل في زمانهم جمع من أهل السنة وكان يصرح بسبب الصحابة في جوامعهم ومجامعهم فإذا كانوا بهذه المثابة وصح أنهم من آل علي حقيقة التصق بآل علي العيب وكان ذلك من أسباب النفرة عنهم...".وقد قالوا بان الشيخ السخاوي يقف الرأي المضاد- في ابن خلدون- ولا يخلو موقفه من غاية.

ابن خلدون ونظرياته في اثبات النسب:
أولا -نظرية الاجيال الثلاثة: ونذهب في تاكيد بطلان نسب عبيد الله المهدي –العبيديين- من كتابات ابن خلدون نفسه بحيث نستغني عن كل المراجع -التي تثبت وتلك التي تنفي- ونقف موقفا محايدا بل نجعل ابن خلدون مقياسا حيث يعده الشيعة منصفا في هذه القضية وينقلون عنه فماذا يقول ابن خلدون؟ ‏"...وأول الأئمة المستورين عندهم :محمد بن إسمعيل وهو محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبيدالله المهدي صاحب الدولة بأفريقية والمغرب التى قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة ..." وهذا نسب المهدي ذكره بهذا السياق اكثر من مرة ،وينسبه مثلا في موضع اخر فيقول "...المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق..." اما في معرض رده على من انكر نسب المهدي فيقول "...لا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم بالمحضر الذي ثبت بغداد أيام القادر ،بالطعن في نسبهم وشهد فيه أعلام الأئمة ...وقد كان نسبهم ببغداد منكراً عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مئة سنة فتلوّن الناس بمذهب أهل الدولة...مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أول شيء يدل على صحة نسبهم ،وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية لمّيمون القدح فكفاه ذلك إثماً وسفسفة..." (العبر.ج4).
الا ان ابن خلدون قد وضع قانوانا – بغض النظر عن صلاحيته – يقول فيه "... فاعتبره واتخذ منه قانوناً يصحح لك عدد الأباء في عمود النسب الذي تريده من قبل معرفة السنين الماضية إذا كنت قد استربت في عددهم وكانت السنون الماضية منذ أولهم محصلة لديك فعد لكل مائة من السنين ثلاثة من الأباء فإن نفدت على هذا القياس مع نفود عددهم فهو صحيح وإن نقصت عنه بجيل فقد غلط عددهم بزيادة واحد في عمود النسب وإن زادت بمثله فقد سقط واحد‏.‏ وكذلك تأخذ عدد السنين من عددهم إذا كان محصلاً لديك فتأمله تجده في الغالب صحيحاً‏.‏.."(ابن خلدون المقدمة)
ومن هذا المنطلق الذي يثبت تناقض ابن خلدون بلسان ابن خلدون –الذي لم يكن اديولوجيا بخصوص نسب عبيد الله كما يزعمون- لكن فاته ان يطبق نظرية ثلاث اجيال في القرن فكيف يكون بين المهدي المتوفي سنة322 والمولود سنة260 واسماعيل المتوفي سنة 138 ثلاثة فقط محمد المكتوم وجعفر ومحمد الحبيب ؟
ثلاث اجيال خلال 184سنة فهذا ليس فيه زيادة بواحد المحتمل ولا نقصان واحد المحتمل كما قال ابن خلدون بل ينبغي ان يكون بينهما خمسا الى ست ، والسقوط زاد عن الواحد. فما رد من يعجبهم ابن خلدون ويولعون بنظرية ثلاثة اجيال رغم ما لها وما عليها.
ثانيا – نظرية العصبية القبلية: يذهب ابن خلدون بعيدا في انكار نسب بنو زيان وابطاله باعتماده نظرية العصبية القبلية ،يقول"...وكذلك ما يدعيه أبناء زيان ملوك تلمسان من بني عبد الواحد أنهم من ولد القاسم بن إدريس ذهاباً إلى ما اشتهر في نسبهم أنهم من ولد القاسم فيقولون بلسانهم الزناتي أيت القاسم أي بنو القاسم ثم يدعون أن القاسم هذا هو القاسم بن إدريس أو القاسم بن محمد بن إدريس‏.
‏ ولو كان ذلك صحيحاً فغاية القاسم هذا أنه فر من مكان سلطانه مستجيراً بهم فكيف تتم له الرياسة عليهم في باديتهم وإنما هو غلط من قبل اسم القاسم فإنه كثير الوجود في الأدارسة فتوهموا أن قاسمهم من ذلك النسب وهم غير محتاجين لذلك فإن منالهم للملك والعزة إنما كان بعصبيتهم ولم يكن بادعاء علوية ولا عباسية ولا شيء من الأنساب‏..."(العبر.ج7).
ونرد عليه بما اورده في تاريخه الطويل خاصة الجزء السابع بان الذي تولى ليس القاسم الذي فر بعد سقوط دولة الادارسة سواء سنة تاريخ الفرار الاول319 او سنة367 بعد سقوطها النهائي. انما تملكوا خلال القرن السابع وقصتهم أوردها بالتفصيل في الجزء السابع فليراجع هناك.ثم حتى لو صح ما ذهب اليه ابن خلدون بان العصبية تمنع فكيف يكون؟
1- ادريس بن عبد الله الكامل (مؤسس دولة الادارسة في المغرب) أميرا على اوروبة البربرية او كيف سمحوا له ثم بايعوا ابنه -ادريس التاج او الثاني كما يسمونه- وانتظروه وهو في بطن امه حتى يكبر احدى عشر سنة بدون تنصيب أمير يقوم بشؤونهم .اين كانت عصبيتهم؟أم ان عصبيتهم عجزت ان تلد لهم رجلا مناسبا
2- هذا من جهة ومن جهة اخرى كيف تقبل كتامة- وما أدراك ما عصبية كتامة – ان يرأسهم أبو عبد الله الشيعي ومن بعده المهدي وهو غريب عنهم. فأين كانت عصبيتهم أم أن الامر يقتصر على الزيانيين فقط.
خلاصة القول ان الاعتماد على نظريات ابن خلدون-التي لا نقلل من شانها- لم تعد ذات بال لمن يتكئ عليها لاثبات نسب وجاه أو غعادة احياء الدولة الفاطمية تحت غطاء أهل البيت ومسميات أخرى .









 


رد مع اقتباس
قديم 2009-12-16, 17:06   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
محمد القحطاني
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي شكر وتقدير

موضوع مفيد وقيم من رجل فريد وعبقري










رد مع اقتباس
قديم 2009-12-18, 22:28   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
وادي التاغية
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
لقد تحدث الدكتور راغب السارجاني في موقعه قصة الاسلام بكثب عن حقيقة الدولة الفاطمية في موضوعه خطر الشيعة وللمزيد من المعلومات ارجع الى موقع قصة الاسلام










رد مع اقتباس
قديم 2010-03-07, 22:26   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
بن حمودة
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم الاخ محمد البوخاري
ما تعليقك عن نسب الفاطميين ابناء المعتز










رد مع اقتباس
قديم 2010-03-08, 13:32   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
المنشدة رشا
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية المنشدة رشا
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع ممتاز تسلم ايديك خيو









رد مع اقتباس
قديم 2010-10-15, 10:23   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الحساني 111
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

لا مزيد فوق ما أوضحت سدد الله رأيك










رد مع اقتباس
قديم 2010-10-21, 19:15   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
koukou04
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

محمد البوخاري شوف خويا محمد موضوع الانساب في الشمال الافريقي فيه كثير من المغالطات والانتساب لشجرة المباركة كان في زمن ماضى كاصك الغفران عند المسيحين
فبعض الادارسة الامزيغ من المقربين لدريس الثاني من وزراءو ولات نسبوا انفسهم لي الادريس وانا شخصيا شفت رايط النسب الشريف يطالبون الاشراف بي تحليل حمض الوراثة وبعثه على الفور لتنقية النسب الشريف










رد مع اقتباس
قديم 2011-05-18, 03:06   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
الشريف صالح الهاشمي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الشريف صالح الهاشمي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السيد محمد البو خاري

احسنت .. بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2011-05-21, 10:18   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
محمد القحطاني
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

شــــكرا ... وبارك الله فيك ... تقبل احترامي لشخصكم الكريم










رد مع اقتباس
قديم 2011-10-08, 22:36   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*ابو محمد الجزائري*
مشرف سابق
 
الأوسمة
المرتبة الاولى 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2011-10-14, 10:10   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
الكوثري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية الكوثري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الأستاذ البخاري هل وقفت على كلام الإمام الباقلاني في نسب العبيديين وكلام الامام محمد زاهد الكوثري في إحدى مقالاته ؟










رد مع اقتباس
قديم 2012-03-05, 20:23   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
سمير بن لوصيف
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

هذا كلام قيم للأستاذ الدكتور خالد كبير علال في نقد تصحيح ابن خلدونلنسب العبيديين (الفاطميين)

ثامنا : دفاعه عن نسب العُبيديين الإسماعيليين:
دافع ابن خلدون عن العبيديين الإسماعيليين المعروفين بالفاطميين ، في ادعائهم للنسب العلوي ،و صحح انتسابهم إليه ، و خطّأ العلماء الذين أنكروا ذلك ، و قال إنهم غفلوا عن الشواهد و الأدلة التي تُثبت صحة دعوى العبيديين في انتسابهم لعلي بن أبي طالب . و ذكر خمسة أدلة لإثبات ما ذهب إليه ، نذكرها فيما يأتي تباعا .
أولها إنه قال إن العبيديين لو كانوا كاذبين مدعين للنسب العلوي لانكشف أمرهم سريعا ، ثم قارن حالهم بالقرامطة في ادعائهم للنسب العلوي ، كيف تلاشت دعوتهم ،و تفرق اتباعهم و ظهر خبثهم و مكرهم سريعا ، فساءت عاقبتهم و ذاقوا وبال أمرهم ، فلو كان حال العُبيديين كحال القرامطة لأنكشف أمرهم بسرعة .
و ردا عليه أقول : أولا لا يوجد دليل من النقل و لا من العقل يقول إن الكاذب لا بد أن ينكشف أمره بسرعة في هذه الدنيا و يعرفه الناس و يفشل في تحقيق مراده ، فكم من أكاذيب و أباطيل موجودة في الأديان و المذاهب و الدعوات و الأحزاب السياسية ، و لا يعرفها أكثر أتباعها , و لم ينكشف أمرها لديهم ، و هم يعتقدون أنها صحيحة و يموتون من أجلها ، و لهذا أخبرنا الله تعالى أنه هو الذي يحكم بين الناس يوم القيامة فيما اختلفوا فيه بحق و بغير حق ، رغم أنه سبحانه أنزل كتابه المعجز المؤيد بالبراهين الدامغة ، لأن الكذابين نجحوا في نشر أكاذيبهم لحجب نور الإسلام عن أكثر شعوب العالم ، و هي شعوب مُغيبة و مُخدرة ، و مُغرر بها ، و لا تعلم حقيقة الإسلام ، و هي على ضلال بسبب أعمال هؤلاء الماكرين الأفاكين الذين نجحوا قرونا طويلة في ممارسة لعبتهم القذرة في صد شعوب العالم عن الإسلام ، باستخدام الكذب و الشبهات و المغالطات و غيرها من أساليب الصد عن سبيل الله تعالى .
و ثانيا إن ما قاله عن القرامطة من أنهم لما كانوا كاذبين في ادعائهم للنسب العلوي ، تلاشت دولتهم و ظهر خبثهم و مكرهم سريعا ، هو كلام غير صحيح ، و مغالطة مفضوحة ، لأن القرامطة أسسوا دولة كغيرهم من كثير من مؤسسي الدول ، فاستمرت دولتهم نحو قرن من الزمن ، بجنوب الجزيرة العربية ، و حققوا انتصارات كثيرة على العباسيين و شكّلوا عليهم خطرا داهما ، حتى إنهم دخلوا الحرم المكي سنة 317 ، و قتلوا بداخله الحجيج ، و أخذوا الحجر الأسود إلى عاصمتهم بالبحرين ،و بقي عندهم عدة سنوات ، و لم تقدر الدولة العباسية على استرجاعه ، و لا على القضاء عليهم ، و قد وصل نفوذ هؤلاء إلى بلاد الشام . فهؤلاء على كفرهم و زندقتهم دامت دولتهم نحو قرن من الزمن ، و هي فترة ليست بالقصيرة ، فدول أخرى غير مطعون في نسبها عاشت نفس الفترة ، فالدولة الأموية عاشت 91 سنة ، و الدولة المرابطية عاشت نحو 91 سنة ، ، و أكثر من ذلك ، فإننا نجد الدولة الراشدة المؤمنة لا يزيد عمرها عن 30 سنة ، و دولة الصحابي عبد الله بن الزبير استمرت نحو13 سنة .
و ثالثا إن قوله بأن العبيديين لو كانوا كاذبين لانكشف أمرهم سريعا كما انكشف حال القرامطة ، هو قول غير صحيح ، و من مغالطاته ، لأن العبيديين هم أيضا انكشف أمرهم و خبثهم و زندقتهم ضلالهم بسرعة ، فإنهم لما ظهرت دولتهم بالمغرب الإسلامي(سنة 296ه) و أظهروا ادعاءهم للنسب العلوي ، أنكر عليهم ذلك العارفون بالنسب العلوي بمكة و المدينة ، و قد كان هذا (( الإنكار لباطلهم شائعا في الحرمين ، و في أول أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع أن يُدلّس أمرهم على أحد ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه )) . و قد ألف الزاهد الشريف أبو الحسين محمد بن علي بن الحسن العلوي الدمشقي(ت ق: 4ه) كتابا عن العلويين ، نفى فيه زعم عبيد الله المعدي انتمائه للبيت العلوي ، و بالغ في نفيه ، و قال إنه دعي و نحلته خبيثة ، مدارها على المخرقة و الزندقة .
و ضلالاتهم و منكراتهم هي أيضا ظهرت مبكرا ، فما إن أسسوا دولتهم حتى أظهروا ذلك جهارا نهارا ، فسبوا الصحابة و اضطهدوا أهل السنة ، و قتلوا منهم الآلاف ، مما حدا بعلماء السنة بالقيروان إلى إصدار فتوى بارتداد و زندقة هؤلاء ،و الدعوة إلى حمل السلاح لمقاومتهم .
و رابعا إنه لا توجد علاقة حتمية بين الكذب و سرعة الانكشاف ، فقد ينكشف الكذب و قد لا ينكشف لمعظم الناس و يستمر قرونا عديدة ، فالأرض تموج بالعقائد و المذاهب الباطلة ، و لم ينكشف كذبها و زيفها لمعظم أتباعها ، كما هو حال اليهود و النصارى و الهنود و البوذيين ، و معظم الفرق الإسلامية على نفس ذلك الحال ، لأن القائمين عليها هم على قدم وساق لضمان استمرار أكاذيبهم و مفترياتهم .
و خامسا إنه لا توجد علاقة حتمية بين سرعة السقوط و الكذب ، و لا بين طول الأعمار و الصدق ، لكن مقتضى زعم ابن خلدون هو وجود هذه العلاقة ، و هي بلا شك علاقة باطلة بدليل الشواهد الآتية ، منها أن هناك رجالا صادقين مؤمنين أسسوا دولا فلم تُعمر طويلا ، كدولة الراشدين ،و دوله الصحابي عبد الله بن الزبير –رضي الله عنهما- . و أن هناك رجالا كاذبين هم أيضا أسسوا دولا لم تعمر طويلا ، كدولة بابك الخرمي ،و دولة صاحب الزنج .
و منها أيضا دولة الحشاشين الإسماعيلية بقلعة ألموت ببلاد فارس، كانت دولة رافضية ضالة منحرفة مفترية على الله و رسوله و المؤمنين ، و مع ذلك عمرت أكثر من 170 سنة . و كذلك دولة برغواطة البربرية بجنوب المغرب الأقصى ، فقد كذب ملوكها على الله و رسوله الأكاذيب الكبار ، و فيهم من ادعى النبوة ، و أحلوا لرعيتهم المحرمات ،و شرعوا لهم صلوات من أهوائهم ، و مع هذا دامت دولتهم نحو 300 سنة ، على كفرها و زندقتها ، و قد عمرت أكثر من دولة العبيديين الإسماعيليين ، التي دامت 271سنة .
و يتبين مما ذكرناه أن التاريخ يُثبت عكس ما زعمه ابن خلدون ، و هو أن الكذابين هم الذين عمرت دولهم مدة طويلة ، و أن الصادقين المؤمنين لم تعمر دولهم –على قلتها-إلا قليلا ، حتى إن تاريخنا الإسلامي الطويل ، على كثرة دوله لم تتكرر فيه الدولة الراشدة إلى يومنا هذا .
و أما الدليل الثاني –الذي اعتمد عليه ابن خلدون – فمفاده أن مما يدل على صحة نسب العبيديين في ادعائهم للعلوية ، هو أن أتباعهم بعد سقوط دولهم ظلّوا يوالونهم ،و خرجوا مرارا للمطالبة بالخلافة ، و يقولون بالوصية لأئمتهم ، فلو ارتاب هؤلاء في (( نسبهم لما ركبوا أعناق الأخطار في الانتصار لهم ، فصاحب البدعة لا يُلبس في أمره ، و لا يشبه في بدعته ،و لا يكذب نفسه فيما ينتحله )) .
و قوله هذا غير صحيح ،و فيه تمويه و مغالطة ، تُبطله المعطيات الآتية : أولها إن كل أصحاب الأديان و المذاهب ، ما صح منها و ما بطُل ، لا يرتابون-في غالبهم- في عقائدهم و يركبون الأهوال من أجلها ، لكن هذا لا يدل بالضرورة على أن أفكارهم صحيحة ، لأن الحق لا يُعرف –بالضرورة- بتلك التصرفات ، و إنما الحق يُعرف أساسا بذاته و بالدليل الذي يحمله ، لذا فإن ثورة هؤلاء العبيديين للمطالبة بعودة دولتهم ليست دليلا على صحة نسبهم ، و إنما قد يدل ذلك على صدق ولائهم للعبيديين ، و هذا ليس دليلا على صحة نسب هؤلاء ، لأن كل الأديان و المذاهب لها أتباع مخلصون لها ، لكن إخلاصهم هذا ليس دليلا على صحة تلك العقائد و صوابها ، فكم من طوائف و ملل ضالة متحمسة لباطلها و ضلالها ! ، كحال اليهود في فلسطين ، فهم يدافعون عن دولتهم و يموتون من أجلها ،و مع ذلك فهم مغتصبون لفلسطين ، و لا يدل تعصبهم و موتهم من أجلها ، أنهم أصحاب حق في فلسطين .
و ثانيها إن صاحب البدعة الضال المنحرف الكذاب قد يلتبس أمره على كثير من الناس ، فيصدقونه و يُؤمنون بفكره ، و يضع لهم عقائد و تشريعات و ينشئ لهم مذهبا جديدا مزيفا ، و مع ذلك لا ينكشف أمره عند معظم أتباعه ، و الأمثلة على ذلك كثيرة جدا قديما و حديثا ، منها السبئية ، و الخرمية ، و الإسماعيلية ، و الإثنى عشرية ، و البهائية ، و القاديانية ، و غيرها كثير ، فثورة هؤلاء الأتباع انتصارا لمذاهبهم و تحمسهم لها ليس دليلا على صحتها ، فكذلك ثورة أتباع العبيديين بمصر لاسترجاع دولتهم ، فإنها لا تدل على صحة النسب العلوي ، على حد زعم ابن خلدون .
و الدليل الثالث مفاده أن عبيد الله المهدي الإسماعيلي لما دخل بلاد المغرب و استقر بسجلماسة عند المدراريين بجنوب المغرب الأقصى ، أرسل الخليفة العباسي إلى الأغالبة و المدراريين يُخبرهم بذلك و يحثهم على القبض على عبيد الله ، و هذا عند ابن خلدون دليل شاهد على صحة نسب العبيديين العلوي . فهل ما ذهب إليه صحيح ؟ ، كلا إنه ليس حجة مقنعة ، لأن الخليفة لما سمع بانتقال عبيد الله المهدي إلى المغرب سعى إلى القبض عليه ، لأنه يمثل خطرا عليه و على الأغالبة و المدراريين على حد سواء ، لذلك أغراهم به ،و حثهم على وضع حد له ، لأنه يهدد الجميع ، و تصرّفه هذا لا يدل على صحة نسب عبيد الله المزعوم ، و قوله –أي الخليفة- لهؤلاء بأن الذي دخل بلادهم هو المهدي ، يعني أنه عرّفهم بأنه هو الذي يدعي المهدوية و يرفع شعار العلويين ،و تصرّفه هذا طبيعي و ضروري ، كان يتصرّفه مع أي خطر يتهدده من أي جهة كانت .
و دليله الرابع هو أبيات شعرية للشاعر الشريف الراضي الشيعي العلوي ، يقول فيه :
أليس الذل في بلاد الأعادي + و بمصر الخليفة العلوي
مَن أبوه أبي و مولاه مولاي + إذا ضامني البعيد القصي
و هو –أي ابن خلدون- في اعتماده على هذا الشعر متناقض مع نفسه ، لأنه استدل هنا بشعر للراضي لإثبات صحة نسب العبيديين العلوي ، ثم هو في موضع آخر من مقدمته يُشير إلى المحضر الذي كتبه العباسيون للطعن في العبيديين المدعين للنسب العلوي ، و يذكر من بين الأعيان الذين وقّعوا على المحضر الأخوان الشيعيان الراضي و المرتضي . و قد أكدت ذلك مصادر تاريخية أخرى من أن الأخوين الراضي و المرتضي كانا من الموقعين على المحضر . مع العلم أنه لما انتشر ذلك الشعر بين الناس ،و تكلّموا في قائله أنكر الراضي ذلك و حلف أنه لم يقله .
و لا ندري هل تعمد ابن خلدون ذكر ذلك التناقض ، أم لم يتنبه له ؟ كما أن ذلك الشعر المنسوب للراضي ، إما أنه منحول عليه ، و إما أنه قاله نكاية في العباسيين قبل كتابة المحضر أو بعده ، بحكم العداء الموروث بين العباسيين و العلويين بسبب الحكم . مع أن موقفه الذي ذكره في المحضر هو الصحيح ، لأن أعيان بغداد من مختلف الطوائف وافقوا عليه ، و لأن الأدلة الكثيرة التي سبق ذكرها ، و التي سيأتي بعضها لاحقا ، كلها تؤيد ذلك ، و بذلك يتبين أن اعتماد ابن خلدون على ذلك الشعر في تصحيح نسب العبيديين ، هو اعتماد ضعيف جدا و لا يصح .
و دليله الأخير –أي الخامس- في تصحيحه لنسب العبيديين ، هو قوله بأن الانقياد للعبيديين و ظهور كلمتهم هو أدل شيء على صدق نسبهم . و دليله هذا هو أيضا غير صحيح ، لأنه لا توجد علاقة حتمية بين الصدق و قيام الدول ،و بين الكذب و عدم نجاحها ، لأن قيامها يخضع لأسباب كثيرة جدا ، أهمها حسن التنظيم ،و توفر القوة المادية و المعنوية ، و حسن اختيار الظروف المناسبة داخليا و خارجيا . كما أنه لا يوجد دليل نقلي و لا عقلي و لا تاريخي يدل على أن ظهور الدول و انتصارها يدل بالضرورة على أنها و أصحابها على صدق و صواب ، فالله تعالى يعطي الدنيا لمن يُحب و لمن لا يُحب ، قال سبحانه (( كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك ،و ما كان عطاء ربك محظورا )) –سورة الإسراء /20- ،و (( تلك الأيام نداولها بين الناس )) –سورة آل عمران/140- ، لكنه سبحانه لا يُدخل الجنة إلا من يُحب، و لا يُخلّد في النار إلا من لا يُحب ، و هذا معروف من دين الإسلام بالضرورة .
و الشواهد التاريخية على ذلك كثيرة جدا ، فمن الدول التي أسسها كذابون ضالون منحرفون : دولة القرامطة ، و دولة الحشاشين ، و دولة العبيديين ، و دولة البرغواطيين ، و دولة اليهود . و منهم أيضا كذابون فشلوا في تكوين دول لهم ، كزعيم الحركة الرواندية ، و صاحب الزنج ، و أستاذ سيس ،في ثوراتهم على العباسيين في القرنين الثاني و الثالث الهجريين .
و في مقابل هؤلاء هناك صادقون كثيرون أسسوا دولا ، كدولة الخلافة الراشدة ، و دولة عبد الله بن الزبير ، و دولة الزنكيين ، و دولة الأيوبيين ، و دولة المرابطين ، و منهم أيضا صادقون فشلوا في تكوين دول لهم ، كالحسين –رضي الله عنه- ،و العلويين السنيين الذين فشلوا في خروجهم على الأمويين و العباسيين .
و النصارى في زماننا هذا ظاهرون ،و يُهيمنون على العالم ، و يزعمون أنهم على دين المسيح-عليه السلام- ، فهل هذا الظهور دليل على صدق ديانتهم و صوابها ؟ ، طبعا لا ، لأنهم على دين محرف بشهادة القرآن الكريم ،و السنة النبوية ، و البراهين العقلية و العلمية الكثيرة ، فالظهور الدنيوي إذن ، ليس دليلا بالضرورة على الصدق و لا على الكذب ، و إنما صدق الدعوات و صحة أفكارها يقوم أساسا على الحق الذي تحمله المؤيد بالأدلة النقلية و العقلية و العلمية الصحيحة .

و بذلك يتبين أن أدلة ابن خلدون في إثبات صحة انتساب العبيديين للعلويين ، هي كلها لا تصح ، و فيها كثير من المغالطات و التمويهات و المخالفات لكثير من حقائق المنقول و المعقول و التاريخ . و في مقابل ذلك نجد أدلة إثبات كذب هؤلاء في انتسابهم للعلويين ، قوية و راجحة ، نذكر منها ما يأتي :
أولها إن كثيرا من البيوتات العلوية أنكرت ما زعمه العبيديون من انتسابهم للعلويين ، و قالت إنهم خوارج كذبة . و ثانيها هو إن هؤلاء العبيديين –لما أقاموا دولتهم- أظهروا كفرا بواحا ،و ادعى بعضهم الألوهية ، و سبوا الأنبياء و الصحابة ،و سفكوا الدماء ، و أحلوا الخمر و أباحوا الفروج . و من كان هذا حاله فهو كذاب في انتسابه للإسلام ، و كذاب أيضا في زعمه أنه على منهاج علي بن أبي طالب و بنيه- رضي الله عنهم- ، فما كان علي و أولاده على مذهب هؤلاء العبيديين الزنادقة ، و إنما كان هو و بنوه على مذهب أهل السنة و الجماعة . و إذا كان ذلك هو حال العبيديين فإنهم على الأرجح هم أيضا كذبة في انتسابهم للعلويين .
و الدليل الثالث هو أن العبيديين لما كوّنوا دولتهم ارتكبوا في حق أهل السنة بالمغرب الإسلامي جرائم نكراء ، و أقاموا لهم دار النحر ذبحوهم فيها كالكباش ظلما و عدوانا ، مما دفع علماء القيروان إلى إصدار فتوى بكفرهم و زندقتهم و الدعوة لحمل السيف لجهادهم . فهذه التصرفات التي قام بها هؤلاء العبيديون ، هي دليل قوي على أنهم ليسوا من العلويين ، لأن العلويين الذين انتسبوا إليهم و هم علي و أولاده ، كانوا من أهل السنة و لم يكونوا رافضة أصلا ، فهذه المخالفة دليل قوي علىكذبهم .
و الدليل الرابع هو أن هؤلاء العبيديين عندما ادعوا النسب العلوي كانوا في مرحلة التستر و الكتمان ، نظموا خلالها جماعتهم و ادعوا فيها ما شاءوا ، بعيدين عن أعين الناس ، و عليه فنحن من حقنا أن نشك في كل ما زعموه ،و ننكر الدعاوى التي لا دليل عليها و تردها الشواهد التاريخية ، خاصة و أنه قد ثبت أنهم بالفعل كانوا كذبة ضالين منحرفين .

و الدليل الخامس يتمثل في المحضر الذي كتبه كبار علماء بغداد و قضاتها و أعيانها ، في سنة 402 هجرية ، أنكروا فيه دعوى العبيديين انتسابهم للبيت العلوي ، و شهدوا عليهم بالكذب و الزندقة ، و الضلال و الانحراف ، و وقّعوا على ذلك بخطوطهم ، على اختلاف طوائفهم ، من شيعة وسنة ، و من علويين و عباسيين ،و غيرهم .
فهذا المحضر دليل قوي ،و شاهد تاريخي على إجماع كبار علماء بغداد و أعيانها على تكذيب دعوى العبيديين في انتسابهم للبيت العلوي ، فما موقف ابن خلدون منه ؟ أشار إليه في مقدمته و تاريخه ،و قال إن الذين كتبوه سايروا فيه الدولة العباسية ، و إن معظمهم كانوا شيعة لها .

و موقفه هذا خطير جدا ، مؤداه أن علماء بغداد و أعيانها كتبوا ذلك المحضر تزلفا للخليفة و مراعاة له ، فكتموا الحقيقة ،و شهدوا شهادة زور ، فهذا اتهام خطير لهؤلاء وقع فيه ابن خلدون ، فصدّق العبيديين الكذبة المنحرفين , و كذّب كثيرا من علماء بغداد و أعيانها الصادقين ، كل ذلك لكي يُثبت ما ذهب هو إليه من صحة نسب العبيديين . و نحن قد سبق أن أبطلنا أدلته ،و أثبتنا أنها لا تنهض دليلا لإثبات ما زعمه ، و هذا المحضر الذي ذكرناه تؤيده الأدلة التي أوردناها ،و هو يصب فيها ، لكن ابن خلدون قلل من أهميته و قزّمه ، تدعيما لما ذهب إليه .
و أشير في هذا المقام إلى أمر هام جدا ، مفاده أن ابن خلدون في موقفه من تصحيح نسب العبيديين ، ساير فيه المؤرخ ابن الأثير (ت630ه) في دفاعه عن نسب العبيديين و تصحيحه ، فتبنى موقفه ،و اعتمد على أدلته ،و لم يُشر إلى ذلك ، وكأن ما قاله عنهم هو كله من عنده ،ولم يأخذه من عند ابن الأثير .
و بذلك يتبين من تتبعنا لمواقف ابن خلدون من مسألة نسب العبيديين الإسماعيليين ، أنه كان مصرا على تصديقهم في انتسابهم للعلويين ، و دافع عنهم بقوة ، فلماذا كل هذا الإصرار لإثبات نسب هؤلاء ؟ ! .
و إجابة على ذلك يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: (( و ابن خلدون لانحرافه على آل علي ، يُثبت نسب الفاطميين إليهم ، لما اشتهروا من سوء معتقد الفاطميين ، و كون بعضهم نُسب للزندقة و ادعى الإلهية ، كالحاكم ،و بعضهم في الغاية من التعصب لمذهب الرفض ، حتى قُتل في زمانهم جمع من أهل السنة ، و كان يُصرح بسب الصحابة في جوامعهم و مجامعهم ، فإذا كانوا بهذه المثابة ، و صحّ أنهم من آل علي حقيقة، إلتصق بآل علي العيب )) .

و لانحرافه –أي ابن خلدون- على العلويين كان الحافظ أبو الحسن الهيثمي يُبالغ في الغض من ابن خلدون و يسبه و يلعنه ، عندما بلغه إنه قال عن الحُسين (( قُتل بسيف جده )) ، لكن ابن حجر-الذي روى الخبر- قال إن مقولة ابن خلدون هذه لا توجد في تاريخه العبر ،و ربما كان ذكرها في النسخة الأولى منه ، ثمر تراجع عنها و حذفها .و عنها قال الشوكاني إنه إذا صحّت تلك المقولة عنه ، فهو ممن أضله الله على علم .
لكنني عثرت في المقدمة على ما يخالف ذلك ، فالرجل –أي ابن خلدون- دافع عن الحسين ، في قوله : (( و غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا ، فقال في كتابه الذي سماه بالعواصم و القواصم ، ما معناه ، إن الحسين قُتل بشرع جده ، و هو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل ، و من أعدل من الحسين في زمانه في إمامته و عدالته في قتال أهل الآراء ؟)) . فمقولة (( قُتل بسيف جده )) المنسوبة لابن خلدون تُشبه-في المعنى- مقولة (( قُتل بشرع جده )) المنسوبة لابن العربي ، و قد انتقده فيها ابن خلدون ، و دافع عن الحسين-رضي الله عنه- مما يدل على ان ابن خلدون بريء من تلك المقولة المنسوبة إليه في الحسين ، اللهم إلا إذا كان قالها ثم حذفها من تاريخه ، و هذا أيضا مُستبعد لأن ابن خلدون لم يُوافق ابن العربي فيما قاله عن الحسين .
لكن مع ذلك تبقى تهمة انحراف ابن خلدون على العلويين عموما قائمة و تلاحقه ، لأنه تَرجّح لدي أن ما نقله السخاوي عن ابن حجر في تأكيده على انحراف ابن خلدون على العلويين ، فيه جانب كبير من الصحة ، بدليل الشواهد الآتية :
أولها إنه-أي ابن خلدون- قال بصحة نسب العبيديين في ادعائهم للنسب العلوي من جهة ، و وصفهم بأنهم كانوا على الكفر و الإلحاد في الدين ،و التعمق في الرافضية. ثم سماهم بأهل البيت ،و أنهم رافضة طبقوا بمصر فقه أهل البيت من جهة أخرى، و قال أيضا : (( و شذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها ،و فقه انفردوا به ، و بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح ،و على قولهم بعصمة الأئمة ،و رفع الخلاف عن أقوالهم ،و هي كلها أصول واهية )) .
و كلامه هذا صريح لا لبس فيه ، بأن العبيديين من آل البيت كانوا على مذهبهم ،و عنهم أخذوه ،و هو الذي طبقوه بمصر ، و قد وصفهم بأنهم أهل كفر و إلحاد و ضلال ، و بما أنه زعم أنهم كانوا على مذهب آل البيت العلوي ، فهذا يستلزم أن آل البيت هم أيضا على ضلال و إلحاد و انحراف،و عنهم أخذ العبيديون ذلك الضلال ،و هذه نتيجة منطقية تستلزمها مقولة ابن خلدون ، مع العلم أن لازم المذهب ليس مذهبا بالضرورة .
و حاشا أهل البيت أن يكون ذلك حالهم ،و ما زعمه ابن خلدون كلام باطل من أساسه ، و لا توجد أية علاقة صحيحة بين آل البيت و هؤلاء الزنادقة الضالين ، فآل البيت العلوي و العباسي ، كانوا من أهل السنة ، و لم يقولوا بوجود الأئمة ،و لا بعصمتهم ،و لم يشذوا بأفكارهم عن مذهب أهل السنة ، كما زعم ابن خلدون ، و الأدلة على ذلك كثيرة جدا ، منها :
إنه صحّ الخبر أن عليا –رضي الله عنه- اعترف صراحة في خطبة له أن رسول الله –عليه الصلاة و السلام- لم يعهد إليه في الإمارة شيئا . و لم يخصهم و لم يعهد إليهم بشيء . و صحّ عنه إنه كان يقول أمام الناس: خير الناس بعد الرسول أبو بكر و عمر . و صحّ أيضا عن جعفر الصادق إنه قال : (( بَرِء الله ممن تبرأ من أبي بكر و عمر )) .
و الدليل الثاني هو أن روايات آل البيت الحديثية، موجودة في مصنفات أهل السنة ، و هم عندهم ثقات ، على رأسهم : علي بن ابي طالب ، و الحسن ، و الحسين ، و علي بن الحسين ،و زيد بن علي ، و جعفر الصادق، و غيرهم كثير .
و الدليل الثالث هو أن فقه أهل البيت العلوي لا يختلف عن فقه علماء أهل السنة و الجماعة ، و هو مدون في مصنفات السنيين مع فقههم دون تمييز ، كفقه علي بن أبي طالب ،و علي بن الحسين ،و جعفر الصادق –رضي الله عنهم- .
و بذلك يتبين أنه لو كان آل البيت على عقائد و فقه العبيديين الضالين ، ما جعل أهل السنة آل علي من جماعتهم و ما قبلوا رواياتهم الحديثية ،و لا فتاويهم الفقهية و ما جعلوها من فقههم ، الأمر الذي يُثبت قطعا أن ما زعمه ابن خلدون في أن مذهب العبيديين هو مذهب آل البيت ، هو زعم باطل ،و افتراء مُتعمد من ابن خلدون ، لأن زعمه ظاهر البطلان ، لا يغيب عن فقيه مثله .

و الشاهد الثاني -على إثبات ما قاله ابن حجر- هو أن ابن خلدون زعم أن مذهب العبيديين القائم على الكفر و الزندقة و الإلحاد ، هو مذهب آل البيت ، و هو الذي طبقوه بمصر ، و هذا يستلزم أن آل البيت كانوا مثلهم في ذلك الضلال كما سبق أن ذكرنا ذلك . و هذا أمر خطير جدا ، قرره ابن خلدون ، لكن الغريب أنه قرر ذلك و سكت عنه ،و لم يستخدم آية التطهير لينفي عنهم ذلك الضلال الكبير ، كما استخدمها في الدفاع عن إدريس بن عبد الله العلوي . و لا شك أن الدفاع عنهم لتنزيههم عن الكفر و الزندقة و الضلال و البدعة أولى من الدفاع عن أحدهم من بعض الفواحش ، لكنه سكت و لم يفعل ذلك ! ! فلم يُنزه العبيديين و لا آل علي ، رغم سهولة الدفاع عنهم ، لأن آية التطهير جاهزة حسب فهم ابن خلدون لها ، و مع ذلك لم ينزههم ، و يبدو و الله أعلم أنه فعل ذلك لكي يُسيء للعلويين بإلحاق العبيديين بهم .

و الشاهد الثالث –على إثبات ما قاله ابن حجر- هو أن ابن خلدون زعم أن بداية الدعوة العُبيدية بالمغرب الإسلامي تعود إلى أيام جعفر الصادق المتوفى سنة 148ه ، الذي أرسل بعض دعاته إلى المغرب لنشر دعوته قبل قيام الدولة العبيدية سنة 296ه ، و ابن خلدون في زعمه هذا يُساير الرواية العبيدية التي تقول ذلك ، و هو زعم باطل ، لأن جعفر الصادق كان سنيا و لم يكن عُبيديا رافضيا إسماعيليا ، مما قد يُشير إلى أن إثبات ابن خلدون لتلك العلاقة المزعومة الهدف منها الإساءة لآل علي.

و بذلك يتبين مما ذكرناه في مبحثنا هذا أن دفاع ابن خلدون عن العبيديين و تصحيحه لنسبهم العلوي ، لم يكن موفقا فيهما ، لأن أدلته كانت ضعيفة جدا ، لم تصمد أمام النقد العلمي المُدعم بالشواهد المتنوعة الصحيحة ، مما يُرجح مقولة ابن حجر العسقلاني ، من أنه –أي ابن خلدون- كان يرمي من وراء موقفه من نسب العبيديين الطعن في آل علي و الإساءة إليهم ، لأنه كان منحرفا عليهم ، و الله أعلم بالصواب .










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مناقشة, الفاطميين, خلدون, حصري

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc