معني اسم الله تعالى الرُّشيد
صفةٌ لله عزَّ وجلَّ، وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)
رواه أحمد (2/232) (7169)، والترمذي (207)، وأبو داود (517)
وسكت عنه، وحسنه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (50)
و ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/653)
و ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/338).
وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (12/155).
وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)): صحيح. والحديث روي عن عائشة، وابن عمر، وأبي أمامة، ووائلة، وأبي محذورة رضي الله عنهم أجمعين بألفاظ متقاربة..
قال الخطابي:
(الرشيد: هو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم
فعيل بمعنى مُفْعِل
ويكون بمعنى الحكيم ذي الرُّشد
لاستقامة تدبيره
وإصابته في أفعاله)
((شأن الدعاء)) (ص 97).
قال ابن القيم:
(وَهُوَ الرَّشيدُ فقولـه وفِعَالُهُ
رُشْدٌ ورَبُّكَ مُرْشِدُ الحَيْرَانِ
وكِلاهُما حقٌّ فهذا وصْفهُ
والفعلُ للإرشادِ ذاك الثَّاني)
((النونية)) (2/97).
وقال الهرَّاس:
(قال العلامة السعدي رحمه الله في شرحه لهذا الاسم الكريم: يعني أنَّ
(الرشيد) هو الذي قولـه رُشد وفعله كله رُشد، وهو مُرشد الحيران الضال
فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً وتعليماً وتوفيقاً. فالرُّشد الدال عليه اسمه (الرشيد) وصفه تعالى
والإرشاد لعباده فعله) اهـ.
قلت: وتسمية الله بـ (الرشيد) يفتقر إلى دليل.
وهذا الاسم لم يرد في القرآن بهذه الصيغة
ولكن تكلم عليه العلماء استنباطًا
لما جاء في القرآن في قول الله -تعالى-
(وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ)[الأنبياء: 51]
وقوله: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)[الكهف: 10]
وقوله -تعالى-: (ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)[الكهف: 17]
والرشد هو الصلاح والاستقامة
وهو خلاف الغي والضلالة
والرشيد كما يذكر الرازي على وجهين:
أولهما: أن الراشد الذى له الرشد,
ويرجع حاصله إلى أنه حكيم ليس في أفعاله عبث ولا باطل
وثانيهما: إرشاد الله يرجع الى هدايته
ودلالة اسم الله الرشيد أنه المتصف بكمال الكمال عظيم الحكمة بالغ الرشاد
, وهو الذى يرشد الخلق ويهديهم إلى ما فيه صلاحهم ورشادهم في الدنيا وفى الآخرة
لا يوجد سهو في تدبيره ولا تقديره.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-
في شفاء العليل:
“رشيد يحب أهل الرشد
وهو الذي جعل من يحبه من خلقه كذلك
وأعطاه من الصفات ما شاء
وأمسكها عمن يبغضه, وجعله على أضدادها
فهذا عدله، وذاك فضله
والله ذو الفضل العظيم“
وهو الرشيد في أقواله وأفعاله
وهو مرشد الحائرين
قال -تعالى-: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) [الجن: 1- 2].
عبـــاد الله:
فإذا كان هذا هو معنى اسم الله الرشيد وتلك دلالته فإن الله -سبحانه وتعالى- له إرشادات عظيمة في حياة العباد فمنها:
أنه -سبحانه- أرشدنا إليه وعرفنا به من خلال مخلوقات وكتبه ورسله،
قال -تعالى-: (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ
وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة 163/164]
وقال -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 102، 103].
وأرشدنا الله إلى دينه وهدانا إليه،
قال -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ
* فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات: 7، 8].
وأرشدنا -سبحانه- إلى أن الشيطان عدو يضل العباد عن الصراط، فمن تولاه كان من اتباعه وحزبه
قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6].
وأرشدنا -سبحانه وتعالى- إلى التعامل مع متطلبات الحياة
فارشد الطفل الرضيع إلى ثدي أمه,
وأرشد الانسان إلى رزقه وعلاجه وما ينفعه ويضره
بل أرشد المخلوقات الأخرى غير الإنسان إلى ذلك
فهو الذي أرشد الأسماك تقطع بين شهري يناير ومارس من كل عام آلاف الأميال مهاجرة من مختلف الأنهار والبحيرات العذبة عبر العالم إلى أعماق المحيط الأطلسي لتضع بيضها وتموت, بَيْد أن صغارها
التي لا تعرف شيئًا عن موطن أمهاتها، تعود أدراجها إليها قاطعة نحو 5000 كم في رحلة طويلة وعجيبة ورائعة
ولم يحدث قط أن ضلت الأنواع الأوربية إلى المياه الأمريكية أو العكس ولا الأفريقية عن الآسيوية والعكس
فمن غير الله -تعالى- قد “هداها” سبلها؟!.
أيها المؤمنون:
ومن إرشاد الله لعباده أنه -سبحانه- دلهم على الجنة وطريقها وحذرهم من النار وسبلها؛
قال -تعالى-: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)[مريم: 63]
وقال -سبحانه-: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ *سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ
* لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[إبراهيم: 48-52].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
قلت ما قرأتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الشيخ محمد صالح المنجد