وصايا لقمان لابنه
وردت وصايا لقمان لابنه في سورةٍ كريمةٍ من سور القرآن العظيم، سُمّيت باسمه سورةُ لُقمان، ولقد تضمّنت تلك الوصايا أبعاداً تربويةً جليلة، حيث تحدّثت في البداية عن مسؤولية الآباء في تنشئة أبنائهم تنشئة صالحة، وحثت على الأخلاق الحميدة. ولقد منح الله لقمانَ الحكمة، وأطلق لسانه بهذه النصائح والوصايا، ونُجملها في النِّقاط الآتية:
شرح وصايا لقمان لابنه
عدم الشِّرك بالله حثَّ لقمان ابنه على إفراد الله عزَّ وجلَّ بالعبادة، ودعاه إلى توحيده دون سائر المخلوقات، فإنَّ غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل من أعظم الأعمالِ وأجلِّها، كما علينا توجيه عواطف الأبناء نحو حبِّ الله وحبِّ رسوله، ومحاولة تقريب صورة الإيمان إلى أذهانهم، بالحديث عن الإيمان بالرسل، والملائكة، والكُتب السماوية، بطريقةٍ جذّابة، تناسب عمر الأبناء وتفكيرهم، فالإيمان بالله يصرفهم عن طريق الشر، ويجعلهم من أصحاب الخُلق الحسن.
برّ الوالدين من أبواب البر للوالدين رعايتهما وقت الكبر، وخفض جناح الذّل لهما، ولقد جاء في الوصية تنبيهٌ عظيمٌ لمن كان أبواه على غير ملَّة التوحيد، بأن يعاملهما بالحسنى، وألّا يُفرط بتلك العلاقة الوثيقة بينه وبينهما، وإن أمراه بالشرك فعليه اجتناب ذلك بأفضل الطرق وأحسنها.
استشعار مراقبة الله في جميع الأحوال فالله عزَّ وجلَّ بصيرٌ سميعٌ لا تخفى عليه خافيةٌ في الأرض، ولا في السماء؛ فمن دلائل قدرته سبحانه أنَّه أحاط بكل شيء علماً، فضربت الآيات مثلاً أن لو كانت هناك حبة من خردل حجمها صغير جداً، وكانت مخفية في صخرة، أو في السماوات فإنَّ الله يعلم موضعها، وذلك من عظيم علمه، وذلك مدعاةٌ لترك المعاصي وصغائر الذنوب، والإقبال على الطاعات وكسب الحسنات، فإن تكن الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة فإنَّ الله يأتي بها.
الأمر بإقامة الصلاة حيث قال يا بني أقم الصلاة، وفي إقامة الصلاة تهذيبٌ لسلوك الإنسان، وإصلاحٌ لحال قلبه، والصلاة هي أوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة؛ فإن صلحت صلُح باقي عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، وقد بلغ من عناية الإسلام بالصّلاة أنّه أمر بأدائها والمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعتبر محاولة تغيير المنكر بالنّصيحة أوبالطرق الأخرى من المُساهمات التي تُصلح المجتمع، وتقوّمه، وتصونه، ولذلك حرص الإسلام حرصاً شديداً على إنكار المُنكر ولو بالقلب، حتى لا ينزلق المجتمع في الانحراف والسوء، إلّا أنَّ الدعوة إلى الله لها أساليبها الحكيمة، إذ إنَّ تغيير السلوك أو حتى القناعات يأخذ وقتاً طويلاً، كما يصعب على النفس أن تهجر الباطل في لحظة، لذلك كان في ختام هذه الوصية تنبيهٌ على تحمّل المشاق في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
التواضع لعباد الله نهى لقمان ابنه عن الكبر، وأمره بألّا يُعرض بوجهه عن الناس إذا كلّمهم، بل وصّاه أن يبسط وجهه لهم، واستخدم لفظة (لا تُصعّر)، والصعر: داءٌ يصيب الإبل فيلوي أعناقها، فاختار الأسلوب القرآني هذا التّعبير ليُنفّر من هذه الحركة المقيتة، كما وصّاه بأن يقصد في مشيه، بألّا يتبختر ويختال في مشيته، كما قد نهى الله تعالى المسلم أن يسير مسرع الخطى وهو يلهث، أو أن يُبطئ في مشيه كالخامل الكسول، بل عليه أن يتوسّط في ذلك.
خفض الصوت أثناء الحديث أمر لقمان ابنه بألّا يتكلّف في رفع صوته أثناء الحديث، والأدب كلُّه في غضِّ الصوت، ويقول سفيان الثوري في ذلك: "صياح كلِّ شيء تسبيح إلا نهيق الحمير".