مسألة الماء المتنجس وحديث القلتين :
في المسألة قولان للفقهاء:
الأول : مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد قالوا بأن الماء إذا خالطته نجاسة وهو دون القلتين فهو نجس تغير أم لم يتغير ،أما إذا بلغ القلتين ولم يتغير فهو طهور لحديث عبد الله بن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " . رواه الحاكم
ما قدر القلتين ؟
يعتبر الماء كثيرا إذا بلغ قلتين فأكثر ، والقلة هي الجرة الكبيرة ، قال الأزهري : والقلال مختلفة وقلال هجر من أكبرها .
وحددها العلماء المعاصرون : بما يقارب200 كيلو جرام، أو بما يقارب (270) لترمن الماء.
الثاني : قول مالك وبه قال أهل الظاهر واختيار ابن تيمية : عدم التفريق بين القليل والكثير فإذا تغير بالنجاسة حكمنا بأنه نجس، وإذا لم يتغير بالنجاسة لا بلون، ولا بطعم، ولا بريح، فإنه يعتبر طهوراً ، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( الماء طهور لا ينجسه شئ ) رواه أحمد
وهو الراجح لأن علة النجاسة الخبث فمتى وجد الخبث في شئ فهو نجس ومتى لم يوجد فليس بنجس ؛فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما .
وأما حديث القلتين :فقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه. فمن قال: إنه ضعيف فلا معارضة بينه وبين حديث: "إن الماء طَهُور لا ينجِّسه شيء" ؛ لأن الضَّعيف لا تقوم به حُجَّة.
وعلى القول بأنه صحيح فيقال: إذا ورد حديثان متضادان في الحكم مثل حديث (القلتين) و(بئر بضاعة) ذكر العلماء أن حديث (بئر بضاعة) مطلق وحديث القلتين مقيد, فيحمل المطلق على المقيد .
وقال الشوكاني في السيل الجرار(وأما ماكان دون القلتين فلم يقل الشارع انه يحمل الخبث قطعا وبتا بل مفهوم حديث القلتين يدل علي أن ما دونهما قد يحمل الخبث وقد لا يحمله)
وقال ابن عثيمين : إن له منطوقاً ومفهوماً.
فمنطوقه: إذا بلغ الماء قُلتين لم ينجس، وليس هذا على عمومه؛ لأنه يُستثنى منه إذا تغير بالنَّجاسة فإنه يكون نجساً بالإجماع ،فهو عام خص منه المتغير بالنجاسة فيبقى الباقي على عمومه كما هو الصحيح عند الأصوليين.
ومفهومه أن ما دون القُلّتين ينجس، فيقال: ينجس إذا تغيَّر بالنَّجاسة؛ لأن منطوق حديث: "إن الماء طَهُور لا يُنَجِّسُه شيء" مقدَّم على هذا المفهوم، إذ إنَّ المفهوم يصدق بصورة واحدة، وهي هنا صادقة فيما إذا تغيَّر.
فالماء لا ينجس إلا بالتغير مطلقاً سواء بلغ القلتين أم لم يبلغ ، لكن ما دون القلتين يجب على الإنسان أن يتحرز إذا وقعت فيه النجاسة لأن الغالب أن ما دونهما يتغير .