3 – طـبـيـعـة الإدراك :
أ – الـنـظـريـة الـذهـنـيـة :
يـمـيّـز "ديـكـارت Descartes . R 21 آذار 1596" بـيـن الأفـكـار الـتـي هـي أحـوال نـفـسـيـة مـوجـودة فـي الـذات وبـيـن الأشـيـاء الـتـي هـي امـتـداد لـهـا، إن إدراك الـشـيء الـمـمـتـد لا يـكـون إلاّ وفـق أحـكـام تـضـفـي صـفـات الـشـيء وكـيـفـيـاتـه الـحـسـيـة وعـلـيـه فـإن الإدراك عـمـلـيـة عـقـلـيـة ولـيـسـت حـسـيـة
وقـد ذهـب "بـاركـلـي Berkeley 1685 – 1753 مـثـالـي ذاتـي" إلـى الـقـول أن "تـقـديـر مـسـافـة الأشـيـاء الـبـعـيـدة جـدا لـيـس إحـسـاسـا بـل هـو إحـسـاس عـقـلـي يـسـتـنـد أسـاسـا عـلـى الـتـجـربـة" ويــؤكــد مـــن جـهـة أخـرى أن " الأكـمـه" فـي حـالـة اسـتـعـادة الـبـصـر إثـر عـمـلـيـة جـراحـيـة لا يـتـوفـر عـلـى أيّـة فـكـرة عـن الـمـسـافـة الـبـصـريـة، فـكـل الأشـيـاء الـبـعـيـدة والـقـريـبـة بـالـنـسـبـة إلـيـه تـبـدو وكـأنـهـا مـوجـودة فـي الـعـيـن بـل فـي الـفـكـر، وقـد أثـبـت ذلـك الـجـراح الأنـقـلـيـزي شـيـزلـنـدن Sheselden فـيـمـا بـعـد.
نـقـد :
لـقـد أهـمـلـت هـذه الـنـظـريـة الـجـانـب الـمـوضـوعـي فـي عـمـلـيـة الإدراك، فـالـعـالـم لـيـس مـا نـفـكـر فـيـه، وإنـمـا الـعـالـم هـو هـذا الـذي نـحـيـاه ونـعـيـشـه ونـتّـصـل بـه ونـتـفـاعـل مـعـه، فـنـحـن نـدركـه فـي الـوقـت الـذي نـحـسـه.
ب – الـنـظـريـة الـجـشـطـالـتـيـة :
تـرى هـذه الـنـظـريـة أن الإدراك والإحـسـاس شـيء واحـد فـهـو اسـتـجـابـة كـلـيـة لـمـا تـغـرضـه عـلـيـنـا الـبـيـئـة مـن سـلـوك اتـجـاهـهـا، وعـلـيـه فـإن عـمـلـيـة الإدراك لا تـعـطـي الـصـور الـذهـنـيـة لـلـمـعـطـيـات الـحـسـيـة عـن طـريـق الـعـقـل، وإنـمـا نـدرك الـمـوضـوعـات فـي الـمـجـال الـعـقـلـي فـي صـورة صـيـغ تـفـرض عـلـيـنـا الانـتـبـاه لـهـا دون والـنّـتـيـجـة مـن كـلّ هـذا هـي أن الـعـالـم الـخـارجـي يـوجـد عـلـى شـكـل مـنـظـم وفـق قـوانـيـن مـعـيّـنـة، وعـوامـل خـارجـيّـة مـوضـوعـيّـة، كـالتـي أشـرتـا إلـيـهـا فـي الـسـابـق فـي فـقـرة الـعـوامـل الـمـسـاعـدة عـلـى الإدراك.
مـنـاقـشـة :
أهـمـلـت هـذه الـنـظـريـة دور الـعـوامـل الـذاتـيـة وجـعـلـت مـن عـقـل الإنـسـان مـجـرّد جـهـاز اسـتـقـبـال سـلـبـي، وإذا كـانت الذ{ات لا تـتـدخـل فـي عـمـلـيـة الإدراك فـكـيـف نـفـسّـر اخـتـلاف الـنـاس فـي إدراك الـشـيء الـواحـد؟ وكـيـف نـفـسـر الـخـلـل الـذي يـطـرأ عـلـى الإدراك إذا أصـيـب الـجـهـاز الـعـصـبـي لـلإنـسـان بـإصـابـة مّـا، ولـمـاذا لا نـدرك الأشـيـاء الـتـي لا تـنـتـبـه إلـيـهـا؟
وكـيـف يـمـكـن لـلإنـسـان أن يـدرك شـيـئـا إذا لـم يـكـن قـادرا عـلـى الأقـل عـلـى الـتـمـيـيـز بـيـن ذاتـه الـتـي تـدرك والـمـوضـوع الـمـدرّك.
جـ - الـنـظـريـة الـظّـواهـريّـة :
يـعـتـقـد أصـحـاب هـذه الـنـظـريـة أن الـشـعـور هـو الـذي يـبـنـي الـمـدركـات ويـنـظـمـهـا، ولذلـك فـهـو يـدعـونـنـا إلـى ضـرورة الاكـتـفـاء بـوصـف مـا يـظـهـر لـلـشـعـور قـصـد الـكـشـف عـن الـمـعـطـى دون أي اعـتـمـاد على فـروض أو نـظـريّـات سـابـقـة مـثـل فـكـرة الـجـوهـر عـنـد "ديـكـارت" وفـكـرة الـمـكـان عـنـد "كـانـط" وغـيـرهـمـا.
وهـكـذا فـالإدراك عـنـدهـم هـو امـتـلاك الـمـعـنـى الـدّاخـلـي لـلـشـيء اـمـحـسـوس، قـبـل إصـدار الـحـكـم، إنـه مـفـهـوم عـقـلـي كـمـا يـقـول "مـيـرلـويـونـتـي" وتـجـربـة حـيـويـة، ولـذلـك نـجـد الإدراك دائـمـا غـيـر تـام بـدون تـجـربـة ولا يـتـمّ إلاّ بـالانـتـبـاه ويـكـون مـضـطّـربـا فـي حـالات الإنـفـعـال.
مـنـاقـشـة :
إنّ ردّ الـمـعـرفـة إلـى وظـيـفـة الـشّـعـور يـصـعـب مـعـه الـتـمــيّـيز بـيـن الـشـعـور ومـوضـوعـاتـه مـا دام الـشـعـور هـو دائـمـا شـعـور بـشـيء
د – الـنـظـريّـة الـعـضـويّـة :
يـمـثّـل هـذه الـنـظـريـة كـلّ مـن "ورنـر Werner" و"ويـنـر Wapner" ويـؤكّـدان أنّ إدراك الـمـكـان لا يـتـمّ إلاّ بـتـظـافـر الـعـوامـل الـذّاتـيـة والـعـوامـل الـمـوضـوعـيّـة وقـد اعـتـمـدت عـلـى مـسـلّـمـات وهـي :
- الـتّـطـابـق بـيـن الـذات الـمـدركـة وشـدة المـنـبـّه
- الـتّفـاعل بـين الـتّـأثـير الـصّـادر عن الـمـوضوع والتأثـير الصّادر عـلى الـذّات
يـتّـضـح مـن هـذه الـنـظـريّـة الـطّـابـع الـتّـكـامـلـي فـي عـمـلـيـة الإدراك، فالعوامـل الـذّاتـيـة والـمـوضـوعـيـة أسـاسـيـة فـي عـمـلـيـة الإدراك.
المصدر / مدونة التربية والتعليم