قال ابن ماجه في الرقائق ; باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا عبد الملك ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن لله مائة رحمة ، قسم منها رحمة بين جميع الخلائق ، فبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها تعطف الوحش على أولادها ، وأخر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة " .
ورواه مسلم ، عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن أبيه ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المسلم بكل [ ص: 51 ] الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار " . انفرد به البخاري من هذا الوجه .
ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو غريب ، وأحمد بن سنان ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله ، يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، فجعل في الأرض منها رحمة ، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والبهائم بعضها على بعض ، والطير ، وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة " . انفرد به ، وهو على شرط " الصحيحين " .
ثم أورد ابن ماجه ما أخرجاه في " الصحيحين " من طرق عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتابا يوم خلق السماوات والأرض : إن رحمتي تغلب غضبي " . وفي رواية : " سبقت غضبي " . وفي رواية : " فهو موضوع عنده على العرش " . وفي رواية : " فوق العرش " . وكلها روايات صحيحة .
وقد قال تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة [ الأنعام : 54 ] . وقال : ورحمتي وسعت كل شيء الآية : [ الأعراف : 156 ] . ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما [ غافر : 7 ] . هذا إخبار من الملائكة عن الله سبحانه أنه وسع كل شيء رحمة وعلما . وقال : فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ ص: 52 ] [ الأنعام : 147 ] .
ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال له : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " . ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم " . وهو ثابت في " صحيح البخاري " ، من طريق الأسود بن هلال ، وأنس بن مالك ، عن معاذ .
وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سهيل بن عبد الله ، أخو حزم القطعي ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ - أو تلا - هذه الآية : هو أهل التقوى وأهل المغفرة [ المدثر : 56 ] . قال : " قال الله تعالى : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله آخر ، فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له " .
وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إبراهيم بن أعين ، حدثنا إسماعيل بن يحيى الشيباني ، عن عبد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فمر بقوم فقال : " من القوم ؟ " قالوا : نحن المسلمون . وامرأة تحصب تنورها ، ومعها ابن لها ، فإذا ارتفع وهج [ ص: 53 ] التنور تنحت به ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أنت رسول الله ؟ قال : " نعم " . قالت : بأبي أنت وأمي ، أليس الله بأرحم الراحمين ؟ قال : " بلى " . قالت : أوليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها ؟ قال : " بلى " . قالت : إن الأم لا تلقي ولدها في النار . فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، ثم رفع رأسه إليها ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد ، الذي يتمرد على الله ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله " . إسناده فيه ضعف ، وسياقه فيه غرابة .
وقد قال تعالى : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى [ الليل : 15 ، 16 ] . وقال تعالى : فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى [ القيامة : 31 ، 32 ] .
وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى ، فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ " قلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه . فقال : " لله [ ص: 54 ] أرحم بعباده من هذه بولدها " .
ورواه مسلم عن حسن الحلواني ، ومحمد بن سهل بن عسكر ، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم ، عن أبي غسان محمد بن مطرف ، به . وفي رواية : " والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .
ثم قال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا عمرو بن هاشم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار إلا شقي " . قيل : يا رسول الله ، ومن الشقي ؟ قال : " من لم يعمل لله بطاعة ، ولم يترك له معصية " . وفى إسناده ضعف أيضا .
وفى " صحيح مسلم " من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل ، إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار " . وفي رواية : " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه إلى النار يهوديا أو نصرانيا " . قال : [ ص: 55 ] فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات ، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فحلف له .
وفي رواية لمسلم أيضا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها الله لهم ، ويضعها على اليهود والنصارى " .
وقال ابن ماجه : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في السجود ، فيسجدون له طويلا ، ثم يقال : ارفعوا رءوسكم ، قد جعلنا عدتكم فداءكم من النار " .
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته ، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه ، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه " . اللهم إرحمه برحمتك و أدخلوا جنتك أمين.