القصص القرآني و أثره في التنمية البشرية
يقص الله علينا من قصص من الأنبياء والأمم السابقة قصصاً تتضمن مواعظ وحكماً ليكون ذلك تذكرة لأولي الألباب الذين يريدون أن تكون لهم على الأرض قرار وأن تكون الأرض مرحلة انتقال إلى دار القرار. ومن هذه القصص التي قصها الله علينا في سورة آل عمران قصة مريم عليها السلام وقصة النبي عيس عليه السلام وكيف اختلف فيه الناس اختلافاً واسعا، وعرض علينا القرآن تقييما لأولئك الذين يحملون أمانة الحقيقة ثم يخونونها ولا ينقلونها إلا مشوهة أو مغلوطة أو دخلها التأويل، فيعيد الله ذكر حقيقة الأمر وعرض جليته، لأن الرسالة واحدة وحقيقتها لا تختلف. والمهم أن الإنسان إن تعرض للخبر والحقيقة العلمية لا ينقلها إلا كما وقعت لأن في ذلك حفظا للعلم وتكميلا لرحلة البشرية في عالم الحياة الدنيا. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ.
وحدث القرآن عن بعض من أهل الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) وأنهم كانوا أمام واقع النبوة على تصورات باطلة لا تصور الحقيقة التي يعرضها علينا القرآن الكريم سواء فيما تعلق بعيسى عليه السلام أو إبراهيم أو محمد صلى الله عليه وسلم، فيؤدي ذلك إلى تشويه الحقائق لدوافع وأسباب مختلفة، ولكن الله يحكم في النهاية بأنه سبحانه وتعالى: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77.
وليس الغرض من هذا الغرض السريع سوى التركيز على أمر هام وهو سلوك الشخص مهما كان مؤمنا أو كافراً، في هذه الدنيا خلال بناء ذاته وخلال تعامله مع محيطه، كيف يبني ذاته وكيف يكتسب الحقائق وكيف يرتبها حسب أولوياتها، ليكون على بينة من أمره.
قد يكون الشخص في وضع غير سوي يحس فيه بالنجاح إحساسا فيه مبالغة وتخييل ومجافاة للواقع، وهل ينتج ذاك الوضع شخصا مبتكرا أو قل شخصا ناجحا؟
إن المطلوب وجود جيل قد ربي على الطموح والفعالية، والقدرة على الابتكار، وفي سبيل ذلك عليه الأخذ بالأسباب، لأن لكل شيء سببا.
أولاً- الأمانة العلمية: إن التحلي بالأمانة العلمية من أخلاق الرجل المنصف الذي لا يميل أمام الحقيقة الناصعة يمينا ولا شمالاً، وإلى هذا يشير الله سبحانه بقوله: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا. القنطار الكثير يؤتمن عليه المرء، ويكون في حفظه ذا أمانة، والدينار القليل الذي لا يقدم ولا يؤخر بالنظر للقنطار يخون فيه الأمانة. إن الأمانة هي التي على المرء أن يتحلى بها في تعامله مع الحقائق والحقوق.
ثانياً- قبول الواقع دون حيد أو ميل:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. والمرء إن وضع في تعامله مع الحقائق هذا الحد ولم يؤمن لأن من كانت الحقيقة على يديه من قوم آخرين فإنه سيضيع كثيرا من الحقائق. وكذلك قالوا ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.
ثالثاً- واقعية العيش:
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ابن آدم ، عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك ، ابن آدم لا بقليل تقنع، ولا من كثير تشبع، ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك آمنا في سربك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء. ولعل هذا ليس تزهيداً عن الإقدام على الأعمال العظيمة، بل أن يكون الإنسان واقعيا في نظرته يبدأ مما هو عليه، ولا تنس تصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك.
رابعا- المصدر الموثوق:
وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين. ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (الآيات 57-58). نتلوه عليك من الآيات، أي نأمرك بها على سبيل التوعية والتوجيه وبيان سبيل الرشاد، لأن أمر الله كله تذكير وحكمة
خامساً- احترم نفسك بعملك، لأن الاحترام ليس منك وإنما ما يراه الناس من عملك الحسن.
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) فمن أوتي الكتاب والحكمة لا يدعوا إلى نفسه، إنما يبلغ ما عنده، ويعمل به، ويقدم للناس ما يحقق لهم الخير والسعادة، ثم إذا قال الناس بمدحه والالتفات إليه ذكر الله، لأن كلمة الله هي العليا.
سادسا- اقبل الخطأ، لأنه منك وحاول تصحيحه:
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. ولا تزر وازرة وزر أخرى.
سابعا- اعلم أن الحياة عمل وجد وكدح وليست باللهو واللعب. وإنك إن لم تعمل فلسوف تكون وراء الركب، واكسب الوقت، لأنه كالشمعة المشتعلة تضيء إلى نهاية : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
ثامنا - كن مخلصاً: واجعل هدفك رضا الله، من إذا أحببته وبذلت له روحك أمدك وأحيا بصيرتك وجعلك على هدى، وإليه أشار الله بقوله: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون فليس ما يدرسه المرء وما يقرؤه ميزة بذاته بل بما عمل به بناء على علمه الصحيح فكن ربانيا بما علمت وعملت واجعل نيتك الإخلاص لله عز وجل. يقال إن الرباني من ارتفع عنه ظِلِّ نفسه ، وعاش في كنف ظلِّه سبحانه. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعضا من هؤلاء في الحديث الذي رواه أبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.
اللهم اجعل الإيمان بك حليتنا، وأمدنا بقوة الإخلاص، وسدد أعمالنا، واهدنا سبيل الرشاد واجعلنا من اللذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
منقول