مصالي الحاج لــــــــم يكــن ضد الثــــورة ومجزرة ملوزة هي من أخطاء جبهة التحرير
الدكتور المجاهد رابح بلعيد من الرعيل الأول من الإطارات القليلة التي غادرت مجال البحث العلمي، وكراسي الجامعات لتلتحق بصفوف المجاهدين إبان الثورة التحريرية. لقد تخرج من جامعة سان فرانسيسكو في 1956 متحصلا على الليسانس في العلوم السياسية، بعد رحلة طويلة بين الجزائر وإيطاليا والولايات المتحدة التي وصلها أول مرة سنة 1946.
وعن طريق باحثة أمريكية مهتمة بشؤون شمال افريقيا تعرف على المرحوم محمد العربي دماغ العتروس وعن طريقه تعرف على محمد يزيد الذي وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد اندلاع الثورة التحريرية الكبرى وكان حلقة الوصل بين الدكتور رابح بلعيد وجبهة التحرير الوطني، التي التحق بصفوفها لا حقا في مكاتب المغرب في 1958. ثم أرسلته الجبهة إلى القاهرة عشية الإعلان عن الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية سنة 1958، وكان من ضمن الطاقم الإداري الملحق برئيس الحكومة المرحوم فرحات عباس، وبسبب خلاف في طريقة التعامل ضمه المرحوم لمين دباغين وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة إلى مكاتب وزارته مكلفا بالقسم الإنجليزي.
في هذا الحوار الذي أجرته يومية الجزائر نيوز يستعيد الشيخ بلعيد جزء من رصيده التاريخي الغني.
مصالي الحاج يظل في الذاكرة الجماعية للجزائريين حبيس صورتين متناقضتين، من جهة أب الوطنية ومن جهة أخرى خائن الثورة، من موقعكم كمعاصر لتلك الفترة وباحث في الميدان، أي الدلائل التاريخية تفند تنكر مصالي للثورة التحريرية؟
الأدلة هي الوثائق التاريخية... عد إلى الوثائق وسيتبين لك أن مصالي الحاج لو قال أنه يتبرأ من ثورة أول نوفمبر لكانت فشلت... جماعة اللجنة الثورية للوحدة والعمل حينما اندلعت الثورة، لم يعلنوا عن هويتهم ومن هم، لمدة حوالي أسبوعين لم يعلنوا عن مفجري الثورة، اتهام مصالي بالخيانة تهمة باطلة، بدليل أنه عندما قامت الثورة تبناها مصالي الحاج، أولا ببيان نشر بجريدة صوت الشعب الجزائري في عددها الأول لديسمبر 1954 تحت عنوان ''الجزائر تكافح من أجل استقلالها''، وأيضا حين بعث مصالي برسالة إلى عبد الخالق حسونة الأمين العام لجامعة الدول العربية في 25 نوفمبر، يقول فيها أنه عين أحمد مزغنة كسفير فوق العادة لدى الجامعة العربية، وطلب منه أن يساعد ممثل الجزائر، لكي يوضح للرأي العام العربي والإسلامي والعالمي، الوضع في الجزائر وخاصة منذ اندلاع ثورتنا المباركة، ثم قبل هذا وفي 8 نوفمبر، صرح للصحافة سريا، بأن الشعب الجزائري انتفض لاسترجاع استقلاله، وبعث بمبلغ معتبر إلى كريم بلقاسم عبر هنري بوليت، وهو مناضل تروتسكي، وقال حينها مخاطبا هذا الأخير ''يا هنري، هل بإمكانك السفر إلى الجزائر فورا''، ووافق هذا الأخير وحمّله رسالة إلى كريم بلقاسم فحواها ''هناك خلاف حاد بيننا ولكن الآن الثورة اندلعت وعلينا أن ننسى هذا الخلاف ونهتم بالثورة''...
بعث مصالي الحاج بمبلغ معتبر إلى كريم بلقاسم عبر هنري بوليت، وهو مناضل تروتسكي، وقال حينها مخاطبا هذا الأخير ''يا هنري، هل بإمكانك السفر إلى الجزائر فورا''، ووافق هذا الأخير وحمّله رسالة إلى كريم بلقاسم فحواها ''هناك خلاف حاد بيننا ولكن الآن الثورة اندلعت وعلينا أن ننسى هذا الخلاف ونهتم بالثورة''...
وهناك نقطة مهمة وهي أن الكل يعتقد أن هناك بيان وحيد للفاتح من نوفمبر، بينما في الحقيقة هناك بيان ثان لجيش التحرير، ولكنه أخفي ودفن وقد صدرا في نفس الوقت، لأن اللجنة الثورية للوحدة والعمل عندما اجتمعت في 10 أكتوبر 1954 قررت إصدار بيان جبهة التحرير و''بيان جيش التحرير إلى الأمة الجزائرية''... بيان جيش التحرير في رأيي هو الذي جعل الثورة تندلع، تكلم عن الجهاد والوحدة المغاربية، بينما بيان جبهة التحرير كان للتغطية وكان موجها أساسا إلى الرأي العام الخارجي، وكانوا يحاولون الإيحاء بأن الجماعة التي قامت بالثورة ليست من المتطرفين بل من المعتدلين، وهم مستعدون للتفاوض والتفاهم..
لكن ما هي خلفية الصراع و الخلاف بين مصالي ومفجري الثورة؟
الصراع كان صراعا حضاريا، كيف بدأت القضية؟ من أين جاءت اللجنة الثورية للوحدة والعمل؟ و من أين أتت جبهة التحرير؟ لا بد من العودة إلى الصراع مع بداية ربما ,1951 ممكن منذ حل المنظمة السرية في 18 مارس ,1950 الشيء الذي حصل هو عندما انحلت المنظمة السرية بن بلة والجماعة وقادتها، كلهم سجنوا، وبعدها المركزيون قالوا نحن لا علاقة لنا بهذا، طلبوا من بن بلة أن يقول في المحكمة أن ''لوس'' لا علاقة لها بالحزب، ولكن بن بلة رفض وقال ''أنا فخور بالقول أن المنظمة السرية تابعة للحزب''، بعدها بقي المركزيون وحدهم...
من هم المركزيون؟ لا بد أن نعود إلى مجازر 8 ماي ,1945 هذه المجازر مست أغلبية الشعب الجزائري، وفي ذلك الوقت كان ''الأمين دباغين'' رحمه الله، هو المسؤول عن الحزب في غياب مصالي الحاج، الذي كان في السجن و''الأمين دباغين'' سمح للطبقة المفرنسة من العناصر التي كانت تابعة لفرحات عباس وبن جلول... و هم شباب مثل كاتب ياسين... أهانهم المستوطنون، قتلوهم وأهانوهم، فبينما كان الجيش الاستعماري يقتل ويذبح في القرى والمداشر، كان المستوطنون أيضا يشنون حربا على الطبقة المفرنسة من الجزائريين، لأنهم كانوا يخشونهم، كان هؤلاء يطالبون بالاندماج، بينما كان المستوطنون يعتبرون ذلك كارثة وأرادوا أن ينتقموا من الطبقة المفرنسة، فأهانوا هذه الأخيرة ولكن رد فعل الشباب المفرنس، هو الرغبة في الانتقام، ولكن كيف؟ وكانت الطريقة هي الانضمام إلى حزب ثوري ولم يكن هناك حزب ثوري إلا حزب الشعب الجزائري، فانضموا إليه، وكذلك الذين كانوا متطوعين في الجيش الفرنسي مثل بن بلة، بوضياف، أوعمران... إلخ..... أهينوا هم أيضا ووصفوا بالقردة، هؤلاء أيضا أرادوا الانتقام وانضموا إلى الحزب، وفيما بعد هؤلاء الشباب الذين التحقوا بالحزب هم الذين أصبحوا يسيطرون على اللجنة المركزية، وبعد عام أو عامين نسوا الجرح القديم وأضحوا يقولون أنه من المستحيل قتال فرنسا وعادوا إلى فكرتهم الاندماجية الأولى، وبدأ مصالي الحاج يشعر بوجود اختلال وخاصة حينما عين جاك شوفاليي عمدة للجزائر العاصمة في ماي ,1953 وكان قبلها وزيرا للدفاع لمانديس فرانس ثم عضوا بالبرلمان الفرنسي واستقال، ثم عضوا بالجمعية الجزائرية واستقال منها أيضا، وبعد أن أصبح عمدة الجزائر نظمت انتخابات، حزب الشعب أي حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حصل على 25 مقعدا من أصل 46 مقعدا كان يضمها المجلس البلدي... فشوفاليي أخذ منهم نائبين هما لحول حسين وعبد الرحمان كيوان... المهم، شوفاليي قال لهم ''لنا الحق في هذا الوطن لأن أجدادنا عملوا بهذه الأرض، ولنا الحق بنفس الدرجة كالجزائريين، والمستوطنون مخطئون أيضا ورفضوا أن يقتسموا معكم الثروة والآن يجب أن ننظر كيف نحل هذه المشكل عن طريق مشاريع اقتصادية واجتماعية، ولابد أن نحسس الشعب الجزائري بضرورة التفاهم مع المستوطنين''.. وقال لهم لا نتكلم في السياسة وقام ببناء 10 آلاف مسكن وسماها بديار السعادة ولا تزال إلى يومنا هذا، ماذا يقول المركزيون في تقريرهم: ''وجدنا استعمارا جديدا مرنا، استطعنا أن نعمل معه ونحصل على بعض الامتيازات للشعب الجزائري''..
فشوفاليي أخذ منهم نائبين هما لحول حسين وعبد الرحمان كيوان... المهم، شوفاليي قال لهم ''لنا الحق في هذا الوطن لأن أجدادنا عملوا بهذه الأرض، ولنا الحق بنفس الدرجة كالجزائريين، والمستوطنون مخطئون أيضا ورفضوا أن يقتسموا معكم الثروة والآن يجب أن ننظر كيف نحل هذه المشكل عن طريق مشاريع اقتصادية واجتماعية، ولابد أن نحسس الشعب الجزائري بضرورة التفاهم مع المستوطنين''.. وقال لهم لا نتكلم في السياسة وقام ببناء 10 آلاف مسكن وسماها بديار السعادة ولا تزال إلى يومنا هذا، ماذا يقول المركزيون في تقريرهم: ''وجدنا استعمارا جديدا مرنا، استطعنا أن نعمل معه ونحصل على بعض الامتيازات للشعب الجزائري''..
مصالي الحاج في كتابه يقول في تقريره الذي بعث به إلى بلجيكا: ''شوفاليي يمثل الاستعمار الجديد وهو أخطر من الاستعمار التقليدي''... وحينما عقد اجتماعا سريا في بيته مع لحول حسين و كيوان... وبلغ الخبر مصالي الحاج، وقال أنا أعتبر ذلك خيانة، لأن السجن والحرمان والجوع، كل هذه المتاعب كانت ثمنا لقيادة الحركة الوطنية، وكان رد فعل المجموعة، أن قالت له أنك كبرت و''خرّفت'' ثم بدأت المعركة...
ومن حسم المعركة؟ فرنسا حسمت المعركة في 14 ماي 1952 عندما عاد مصالي الحاج من المشرق أين توجه في بداية 1951 واجتمع بعبد الكريم الخطابي ثم زار السعودية وحصل على مبلغ معتبر واتفق مع عبد الكريم الخطابي، أنه يتم تدريب الجنود الجزائريين تحضيرا للثورة، وعند عودته قال للمركزيين أنه سيقوم بجولة عبر التراب الجزائري لتهيئة الشعب الجزائري للنضال وعارضوا، قالوا له أنها كارثة وسيتكرر ماي ,1945 ولكنه صمم وتمسك برأيه وقام بجولة، ذهب إلى تبسة، عنابة، سكيكدة ومناطق أخرى وعاد إلى بوزريعة، ثم خرج بعدها في بداية شهر ماي متوجها إلى البليدة وقصر البخاري ثم عاد وتوجه إلى الغرب، مليانة، عين الدفلى... إلى غاية ''الأصنام'' (الشلف حاليا)، وصلها في حدود الساعة الثانية، وكان البوليس الاستعماري يحضر له كمينا، تركوا سيارته تمر ثم أطلقوا النار على الجماهير، قتلوا ثلاثة أشخاص وجرحوا سبعة آخرين ثم حاصروه في فيلا أحد المناضلين، وفي الساعة الخامسة مساء ذهب مفتش شرطة يدعى ''تازاريي'' وألقى عليه القبض واقتاده إلى بوفاريك، ومن هناك كانت تنتظره طائرة نقلته إلى فرنسا... و منذ ذلك الوقت لم يعد إلى الجزائر..
ألا تعتقدون أن يد المخابرات الاستعمارية كانت وراء بث التفرقة واستغلال بعض الأحداث لصالحها؟
كان هناك اختراق وكان العقيد شون مكلفا بالمكتب الثاني بالمخابرات العسكرية يبعث بتقرير شهري إلى وزارة الداخلية، وقد سبق وأن كتب عنه ''إيف كوريي''، التقرير كان ينقل تقريبا كل ما كان يدور في اللجنة الثورية للوحدة والعمل في اللجنة المركزية، وكان يساهم في إعداد التقرير شخص يدعى ''الجيلالي بلحاج'' برتبة مساعد، والذي كان المدرب للمنظمة السرية، وكان الرجل الخامس أي في هيئة أركان المنظمة وألقي عليه القبض في 18 مارس ,1950 وقد قال لي الأمين دباغين هددوه بزوجته وتم تجنيده، وهناك عملاء آخرون لا نعرفهم ولكن فرنسا كانت على علم بكل ما يجري.....
بالنسبة لسؤالك، مصالي الحاج الذي لم يساند الثورة، لدينا التقرير الذي بعث به إلى مؤتمر هورنو من حوالي 20 صفحة، ترجمته من الفرنسية إلى العربية ويقول في إحدى الفقرات : ''هل ثمة حاجة إلى تبيين هدفنا أمام أعضاء ومناضلين؟، هل من الضروري أن نذكر أننا نستهدف الثورة التي سوف تحرر بلدنا؟، و لكن من ذا الذي يمنعنا من أن نعيش أحرارا ومن المحرض على كل العوائق التي صادفناها والتي سوف لن نلقاها بالتأكيد في المستقبل''... هذه الفقرة مأخوذة من الكلمة المكتوبة لمصالي في مؤتمر بلجيكا، ذهبوا إلى مؤتمر بلجيكا وتقريبا المركزيين... مؤتمر بلجيكا انعقد في 15 جويلية، في 27 و28 مارس ,1954 اللجنة المركزية بإلحاح من محمد خيضر تمنح السلطة المطلقة لمصالي الحاج وتمنحه المبلغ المالي اللازم لتحضير المؤتمر الاستثنائي.
وفي ذات التاريخ فعلا كون مصالي الحاج لجنة بقيادة مزغنة و الأمين مرباح وكلفت بتحضير المؤتمر لحل الخلاف بين اللجنة المركزية والرئيس..
ثم أثناء هذه الفترة، وافق المركزيون على منح مصالي الحاج كل الصلاحيات ومبلغ خمسة ملايين لتحضير المؤتمر، وفي نفس الوقت ومن ورائه يقومون بتأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 23 أي خمسة أيام قبل ذلك، ومعنى ذلك أنهم كانوا ينوون الطعن في مصالي، لأنهم كانوا متيقنين أنهم غير قادرين على التغلب عليه، رغم أن مؤتمر هورنو هم من كان يطالب به... ومع هذا، رأى محمد خيضر رحمه الله، بأنه يستحسن خوض الثورة بصفوف موحدة وبدون خلافات وطلب من مصالي الحاج إيفاد مندوبين عن المصاليين ومن المركزيين نفس الشيء... وعين مصالي أحمد مزغنة وعبد الله فيلالي من بيرن بسويسرا، والمركزيين بعثوا لحول حسين ومحمد يزيد واجتمعوا تقريبا ووافقوا على قرارات المؤتمر، ولكن في آخر لحظة انفرد بوضياف بلحول ويزيد وقال لهم لا توافقوا على هذا المؤتمر الانفصالي وسوف تقف معكم اللجنة الثورية للوحدة والعمل... و عندما سمعوا هذا الكلام عادوا إلى الجزائر و عقدوا مؤتمرهم في 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، أوت، وسموه المؤتمر الحقيقي لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، انسحبوا: لحول حسين... مؤسس اللجنة الثورية للوحدة والعمل ليس بوضياف، بل المركزيون بدعم من شوفاليي، في أواخر ديسمبر 1953 عندما اتضح لهم أن مصالي انتصر عليهم وأقال بن خدة من الأمانة العامة، بعثوا لحول حسين إلى فرنسا بحجة تحضيره للمؤتمر لفدرالية حركة انتصار الحريات الديمقراطية الذي انعقد في 27 و28 ديسمبر ,1953 قالوا للحول عليك بالعودة إلى الجزائر لكي تنظم من جديد عناصر المنظمة السرية المبعثرين... وعاد فعلا واجتمعوا في مدرسة اسمها الراشدية كان عضو اللجنة المركزية، حسين بن الشيخ وبعد حوالي أسبوع في 23 مارس 1954 ولدت ''الكريا'' التي سميت بالقوة الثالثة، وفي أفريل صدر أول بيان لتأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وقرروا تأسيس جريدة ناطقة باسمها وسموه Le patriote"" وكان محررها هو لحول حسين...
عبان رمضان أرسل ياسف سعدي في مهمة إلى سويسرا وقال له إذهب إلى بوضياف وقل له أنت وبن بلة لا شأن لكم بالسياسة وعليكم بالتكفل بالتمويل وجمع السلاح ولا تتدخلوا في فدرالية فرنسا، نحن من سيتكفل بها، وكان اللقاء في زوريخ أين ألقي عليهم القبض قبل إطلاق سراحهم، وسعدي لم يذهب معهم إلى القاهرة، بل توجه إلى بلجيكا ومن بلجيكا حاول الدخول إلى الجزائر ولكن ألقي عليه القبض في مطار أورلي.. وفي كتابه معركة الجزائر الجزء الأول والجزء الثاني، يقول فيها، أنه أطلق سراحي بناء على صفقة بشرط أن يسلمهم جميع عناوين وأسماء المصاليين في القصبة.
خلفية عداء بوضياف لمصالي الحاج كانت بعد عودة مصالي الحاج من المنفى، ببرازافيل طلب من زوجته تحضير قائمة من المناضلين لأنه فقد الاتصال معهم بسبب السجن والنفي الذي أبعده عنهم، الشباب خاصة، وبعد اطلاعه على الأسماء اختار بلوزداد عقد مؤتمر سري في 15 فبراير 1947 وقرر فيه تكوين المنظمة السرية وعين بلوزداد على رأسها، فإبراهيم عجامي كان لا يزال على قيد الحياة ويقيم بعنابة، وقال لي وقد دونت ذلك، بأن بوضياف وديدوش مراد وإبراهيم شرقي وبن عودة، زاروا البيت رفقة حسين زيان وبوضياف كان ساخطا وكان يقول سنندد بالشيطان وسنكسر مصالي الحاج، سنكسر هذا الحزب... من كانوا بوضياف، إبراهيم شرقي، ديدوش مراد، عجايمي إبراهيم، بكوش عبد الباقي، عمار بن عودة، الذي لا يزال على قيد الحياة، ابن الزعيم حسين.. غضب إبراهيم عجامي قال لهم أنا سأتوقف عن العمل معكم... بوضياف كان ناقما على مصالي وقال كيف يعين شابا على رأس المنظمة السرية وحرمني من ذلك... منذ ذلك الوقت وبوضياف بقي يضمر الحقد لمصالي الحاج وحاول قتله في ماي ,1955 وكانت جماعة كبيرة مشاركة فيها من بينهم ياسف سعدي ولكن البوليس السويسري ألقى القبض على بوضياف، محساس وياسف سعدي بزوريخ..
واجتمعوا في الأسبوع الأول من ماي سنة ,1955 عبان رمضان أرسل ياسف سعدي في مهمة إلى سويسرا وقال له إذهب إلى بوضياف وقل له أنت وبن بلة لا شأن لكم بالسياسة وعليكم بالتكفل بالتمويل وجمع السلاح ولا تتدخلوا في فدرالية فرنسا، نحن من سيتكفل بها، وكان اللقاء في زوريخ أين ألقي عليهم القبض قبل إطلاق سراحهم، وسعدي لم يذهب معهم إلى القاهرة، بل توجه إلى بلجيكا ومن بلجيكا حاول الدخول إلى الجزائر ولكن ألقي عليه القبض في مطار أورلي.. وفي كتابه معركة الجزائر الجزء الأول والجزء الثاني، يقول فيها، أنه أطلق سراحي بناء على صفقة بشرط أن يسلمهم جميع عناوين وأسماء المصاليين في القصبة.
مصالي الحاج صحيح هو كان الرئيس، ولكنه كون حزبا وعندما يغيب الرئيس هناك إطارات ومناضلون وقواعد منذ عهد حزب نجم شمال إفريقيا منظم، وأخذ من الماركسية أسس التنظيم والهيكلة... الذي حصل هو فرنسا أرادت أن تضرب الحزب عن طريق المركزيين، وأنا تكلمت مع الدكتور الأمين دباغين رحمه الله، كيف سمح لهؤلاء الناس بالدخول إلى الحزب في 1948,.. المهم عندما بادر مصالي بهذا القرار الذي يستند إلى تفويض من مؤتمر هورنو ببلجيكا، وهو مجلس وطني للثورة الجزائرية "MNA" وليس المجلس الذي تأسس في مؤتمر الصومام، هذا الأخير تابع للحركة الوطنية الجزائرية، صحيح أن مصالي الحاج كان معزولا، ولكن كان هناك حزب وخلايا..
لنتحول إلى موضوع آخر أسال الكثير من الحبر ويتعلق بقضية جيش الجنرال بلونيس، هل تؤيدون الرأي القائل بأن بلونيس كان عميلا للاستعمار ضد جيش التحرير؟
الموضوع غمرته العديد من المزايدات وقد سلطت الضوء في محاضرة قدمتها في تلمسان بتاريخ 30 مارس سنة 2000 بعنوان ''موقف مصالي الحاج من الثورة الجزائرية''، ونشرت في جميع الصحف وتعرضت بالضبط لبلونيس... قضية بلونيس عندما اندلعت الثورة اكتشف مصالي الحاج أن كريم بلقاسم خانه رغم المبلغ المالي المعتبر الذي سلمه إياه هنري بوليت والوعود التي قطعها كريم بالكفاح تحت راية الـ "MNA" ... كريم بلقاسم كان مع اللجنة الثورية للوحدة والعمل واشترط للالتحاق بهذه الأخيرة، بأن يعين قائدا على الولاية الثالثة، ولم يقل لمناضليه من بدأ الثورة بل صمت ، و ساد الإعتقاد لفترة ثلاث أشهر تقريبا أن حركة إنتصار الحريات الديمقراطية مصالي هو الذي فجر الثورة ... المهم جماعة بلونيس بدأت فعلا تحارب فرنسا و لكن هذه الأخيرة كانت تراقب و في إحدى اليالي أمر كريم بلقاسم العقيد سليمان حيلس الملقب ''سي صادق'' كان قائد الولاية الرابعة و الذي لا يزال على قيد الحياة أن يأخذ كتيبة و يقضي على بلونيس .. هذا الأخير كان في مغارات مع جنوده ففاجأه سي صادق و قتل ما قتل و فر بلونيس مع مجموعة من جنوده إلى نواحي صور الغزلان و من ثم إلتحق بمنطقة دار الشيوخ بالجلفة و بقي يكافح بإسم الأمنا ضد فرنسا و ضد جبهة التحرير أيضا إلى غاية مجزرة ملوزة في 22 ماي 1957 أمرت جبهة التحرير طبعا لا نقول جيش التحرير كتيبة بقيادة العقيد محمدي السعيد المدعو سي ناصر الذي كان قائد الولاية الثالثة و أخذ على عاتقه إبادة ملوزة بكاملها بأطفالها ، شيوخها و نسائها ... و أمر عبد القادر الباريكي بتنفيذ العملية و يقال أن هذا الأخير طلب رسالة ليحمي نفسه و يقال أيضا أن هذه الرسالة موجودة و الله أعلم ... و حينما قامت المجزرة بعدها دخل بلونيس و رأى المجزرة و فرنسا كانت تراقب وعلى علم بكل شيء ، من البداية كانت تترقب عن بعد من الأقوى بين الطرفين الأمنا و الجبهة ...و بعد وقوع المجزرة التي تأثر بها بلونيس حاول رائد في المخابرات الفرنسية لا أذكر إسمه و إتصل مرتين أو ثلاثة ببلونيس و في 7 جوان إستطاع إقناعه و عقد معه إتفاق على أن بلونيس يحارب جبهة التحرير و يرفع العلم الفرنسي و العلم الجزائري و طلب أن يكون مستقلا عن الجيش الفرنسي و هنا كثير من جماعة بلونيس إعتبروها خيانة و تمردوا ضده فقتل حوالي 300 عنصر منهم و الذين هربوا منه بقوا يقاومون هناك من إنضم إلى جبهة التحرير و هناك من بقوا بمفردهم مثل زياني عاشور ، مفتاحي ... إلى غاية 1962 و رفضو الإنضمام إلى الجبهة و في النهاية بلونيس نفسه تمرد على فرنسا و هذه الأخيرة هي التي قتلته و ليس الجبهة هناك من يقول في 14 أو 18 جويلية تعرض للتصفية ..
جماعة بلونيس بدأت فعلا تحارب فرنسا و لكن هذه الأخيرة كانت تراقب و في إحدى اليالي أمر كريم بلقاسم العقيد سليمان حيلس الملقب ''سي صادق'' كان قائد الولاية الرابعة و الذي لا يزال على قيد الحياة أن يأخذ كتيبة و يقضي على بلونيس .. هذا الأخير كان في مغارات مع جنوده ففاجأه سي صادق و قتل ما قتل و فر بلونيس مع مجموعة من جنوده إلى نواحي صور الغزلان و من ثم إلتحق بمنطقة دار الشيوخ بالجلفة و بقي يكافح بإسم الأمنا ضد فرنسا و ضد جبهة التحرير أيضا
نعود إلى مصالي الحاج و موقفه هناك مراجع مثلا محمد حربي في كتابه أرشيف الثوريين الجزائريين و كذلك مؤلف للإيف كوريي و رسائل بعثها مصالي الحاج إلى بلونيس يقول فيها لقد بلغني بالإتفاق بينك و بين فرنسا عبر الجرائد الفرنسية و أرجو أن تخبرني بالتفصيل عن الأمر ثم هناك الأمنا التي أصدرت بيانا من سبع أو ثماني صفحات تجده في مؤلف محمد حربي يقول أن الحكومة الفرنسية وضعتنا أمام الأمر الواقع و خدعتنا لو أرادت أن تتفاوض لقامت بذلك مع الأمنا و ليس مع بلونيس أي أن الحركة الوطنية الجزائرية إستنكرت الإتفاق ..
و إذا إعتبرنا هذا نقطة سوداء لماذا لا نتكلم عن جبهة التحرير عن الزوبير و آخرون هؤلاء كلهم إستسلموا مع جنودهم .. لماذا التركيز على بلونيس علينا أن نذكر التاريخ كاملا ..
مقتبس من ستار تايمز