الذين يقولون أن الدولة وحدها المُذنبة في هذا الضياع الذي تعيشه الجزائر يهذون بالتأكيد، وهم بذلك يُبعدون البلاد عن التشخيص الحقيقي للحالة من خلال معرفة أسباب الداء، لأن المواطن ساهم على الدوام رفقة الدولة، في حمل معول التخريب الذي طال الكثير من القطاعات الحيوية، ومنها التعليم والتربية مع اختلاف نسبة المسؤولية طبعا، وربما ما قاله السيد وزير التربية بابا أحمد، أول أمس من وهران، هو أهم قرار يتخذه مسؤول جزائري منذ فترة طويلة بإلغائه لعتبة الدروس التي صارت مهزلة حقيقية، يرمي عبرها التلاميذ جزءا من المقرر العلمي، ويركّزون على ما يتم امتحانهم فيه فقط، لكن الطامّة الكبرى جاءت من رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعية أولياء التلاميذ، مدفوعا من الطلبة وأوليائهم، عندما رفض إلغاء العتبة واعتبرها مؤامرة على الطلبة الذين بلغ بعضهم هذا العام درجة من اللاوعي كادت أن تزلزل السير الحسن لآخر الامتحانات المحترمة في الجزائر، بعد أن أصبح النجاح بأي وسيلة كانت هو الهدف الوحيد للطلبة وأوليائهم وللأساتذة وحتى للوزير.
وكان من المفروض على الأولياء الذين يحلم الكثير منهم بأن يدرس أبناؤهم في كبريات الجامعات العالمية، أن يعودوا إلى سنوات السبعينيات التي أنجبت للجزائر كمال صنهاجي، وإلياس زرهوني والباحث العبقري بناط، ويقارنوا شهادة البكالوريا التي أحرزوا عليها من دون عتبة ومن دون دروس خصوصية وفي وسط اجتماعي ومادي بائس، وكيف نقلتهم إلى قمّة العلم في دول المعمورة، عندما كانت كل أبواب الجامعات الكبرى مفتوحة في وجه الحاصلين على بكالوريا الجزائر، بينما لا تعترف الجامعات العربية وحتى الإفريقية ولا نقول العالمية الآن بالشهادات الجزائرية، مما يعني أن ما يقومون به هو طعن في الظهر لأبنائهم وللمنظومة العلمية.
الجزائريون يشربون آبار النفط حد الثمالة، وهم يعلمون أن أبناءهم سيعطشون في القريب العاجل، ويبيدون الغابات وهم يعلمون أن أبناءهم سيتصحرون في السنوات القادمة، ولا يعملون وهم يعلمون أن الكسل وراثة وعدوى ستنتقل إلى أبنائهم، ويريدون الآن أن يُعلّموهم النجاح في أهم شهادة مازال يحترمها كل الجزائريين بأقل تعب، وإن أمكن من دون أدنى تعب.
لقد جلدنا في العقدين الماضيين ورجمنا التعليم والتربية معا بقيادة وزير التربية السابق، الذي ساهم بطريقة غير مباشرة في انهيار المستوى العام الذي صار ينطق ميوعة وانحطاطا في الشارع وفي البيت وفي قلب المدرسة، برغم تحسين المستوى المعيشي للمعلمين وبرغم المدرسة الموازية القائمة بذاتها والتي تتفوق في شغف التلاميذ بها، من أجل الحصول على الدروس الخصوصية على المدرسة النظامية، وعندما تبرز ملامح بعض التحسين تجد من ينسفه طلبا لمزيد من العفن، وإذا كان بابا أحمد مثل بن بوزيد ومحمد خروبي وغيرهم نتاج نظام أفقد الجزائريين بوصلة التعليم والتربية أيضا، فإن المواطنين لم يختلفوا عن القمّة إطلاقا، لأن المعلّم الذي يُجبر تلامذته على أن يحضروا إلى بيته لمنحهم دروسا خصوصية مقابل الأموال مواطن، والوالد الذي يقدّم هدية للمعلّم حتى يحصل ابنه على معدل عال مواطن، و"المتعلّم" الذي ينطق بكلام بذيئ في الشارع مواطن، وهنا تصبح الأزمة أكبر وهي اتحاد الشعب مع الدولة على تكريس الرداءة.