إياكم والديوث، إياكم والسهام المسمومة:
وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ))
[النسائي، أحمد]
الديوث هو الذي لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله، فهو بنص الحديث الشريف ديوث.
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))
[الحاكم في المستدرك ]
لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: النظرة سهم من سهام إبليس، لأن السهم غير المسموم إذا أصاب جسدا أصاب موضعا بعينه، لكن السهم المسموم إذا أصاب جسدا سرى السم في كل الجسد، وهذا من أروع ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في غض البصر، فالذي ينظر إلى المرأة الأجنبية التي لا تحل له فحياته كلها يصيبها التسمم، فلا هو في دراسته كما ينبغي، أصبح شارد الذهن، ولا هو في تجارته كما ينبغي، ولا هو في وظيفته كما ينبغي، ولا هو في بيته كما ينبغي، وكان أمره فرطا.
(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))
[الحاكم في المستدرك]
أي إذا صرفت بصرك عن امرأة لا تحل لك فلا يمكن أن يفسر هذا إلا أنك مخلص لله عز وجل، لو تركت السرقة فربما كان تركك للسرقة خوفا من قسوة القانون، أو خوفا من الفضيحة، أو خوفا أن يعرف الناس ذلك، ولكنك إذا غضضت بصرك عن محارم الله من دون أن يكون هذا العمل رياء أمام الناس فاعلم علم اليقين أن هذا الغض يؤكد إخلاصك لله عز وجل.
(( النَّظْرةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٍ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانً يَجِدُ حَلاَوََهُ فِي قَلْبِهِ ))
[الحاكم في المستدرك ]
فلابد أن تشعر بلذة لا تعدلها لذة، وأن تشعر بحلاوة لا تعدلها حلاوة، إذا غضضت بصرك عن محارم الله، مخلصا بهذا الغض، وكأن الله سبحانه وتعالى جعلك تقبل عليه في كل يوم آلاف المرات، بعدد كل امرأة غضضت بصرك عنها، كلما غضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك فهذه قربة إلى الله عز وجل.
روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلاوَتَهَا ))
[أحمد]
إياكم والاستنباطات السخيفة: كشف وجه المرأة:
لكن من الاستنباطات السخيفة التي سمعتها مرة: أن غض البصر يقتضي أن يكون الوجه سافرا، وإلا فلا معنى لغض البصر، هذا استنباط لم يقله أحد، والدليل على أن الوجه يجب أن يكون مستورا أحاديث كثيرة، وآيات سوف نصل إليها بعد قليل في سورة النور، ولكن من هذه النصوص أن السيدة عائشة في حديث الإفك رضي الله عنها قالت: (( وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَ وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ ))
[ البخاري، مسلم وغيرهما]
و عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ:
(( جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ خَلَّادٍ، وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا، وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ، وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ ؟! فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ ))
[أبو داود]
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ:
(( مَدَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ بِيَدِهَا كِتَابًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَوْ يَدُ امْرَأَةٍ ؟ فَقَالَتْ: بَلْ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً غَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْحِنَّاءِ ))
[أحمد، الطبراني في الأوسط ]
لا يستنبط من آيات غض البصر أن الوجه يجب أن يبقى مكشوفا، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
(( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ))
[أبو داود، أحمد ]
استثناءات النظر جواز النظر إلى المرأة الأجنبية:
لكن هناك استثنائات، ألم يقل الله عز وجل: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
هناك استثناءات، حيث إنه يجوز في بعض الحالات النظر إلى وجه المرأة الأجنبية:
الحالة الأولى: النظر من أجل النكاح:
فمن هذه الحالات حالة النكاح، فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا ))
[الترمذي، النسائي، ابن ماجه]
أي أن يوفق بينكما.
وفي حديث آخر في مسند الإمام أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يُطَارِدُ امْرَأَةً بِبَصَرِهِ، فَقُلْتُ: تَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةً لامْرَأَةٍ فلا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا ))
[انظر سنن البيهقي ]
وفي حديث ثالث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ، قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً، فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا))
[أبو داود، أحمد]
فأن تنظر إلى امرأة أجنبية بنية أن تخطبها من أهلها فهذا شيء أباحه الشرع، هذا من استثناءات غض البصر.
الحالة الثانية: القاضي ومَن في حُكمِه للقضاء وردِّ الحقوق:
شيء آخر، المحقق، أو القاضي لا يدري ما إذا كانت هذه المرأة هي المعنية في هذه الدعوة، أو ليست كذلك، فله الحق أن ينظر إلى وجهها.
الحالة الثالثة: الطبيب للمعالجة:
والطبيب أيضا له الحق أن ينظر إلى وجه المرأة إذا كان يقتضي ذلك أن يعالجها.
هذه بعض الأحكام الشرعية المستنبطة من هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
احذروا فـ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
لكن قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
يعلم خائنة الأعين، فقد يفحص الطبيب امرأة، وينظر إلى موضع الألم، وهذا مباح له، فإذا اختلس نظرة إلى موقع آخر لا تشكو منه، فمن يعلم هذه النظرة الخائنة ؟ لا يعلمها إلا الله، لذلك جاء قوله تعالى:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
(سورة غافر: الآية 19)
وإذا نظر القاضي إلى وجه المرأة، ثم انتقل إلى مكان آخر لا يحل له فهذا مما يعلمه الله عز وجل، وكذلك المحقق، وكذلك من يباح له أن ينظر إلى النساء، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
معنى خبير أيْ يعلم علما دقيقا، يعلم حقيقة الأمر، هذه النظرة ماذا أردت بها ؟ هل تجاوزت الحد المفروض إلى حد لا يحل لك ؟
﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾
في غض البصر توخِّي حفظ الفرج، يعلم الإنسان علم اليقين أين هو من هذه الآية.
نصائح نبوية احترازا من الوقوع في الحرام:
نتابع تفسير هذه الآية.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، ولا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ))
[رواه مسلم، والترمذي]
وعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، ولا تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ ))
[رواه أبو داود، ابن ماجه]
وعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
(( كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ))
[البخاري، والترمذي، أبو داود، أحمد]
هذه كلها أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لا يُفَارِقُكُمْ إِلا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ ))
[الترمذي]
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام استأجر أجيرا فرآه يغتسل عريانا، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( خذ أجارتك، لا حاجة لنا بك، فإني أراك لا تستحيي من الله ))
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ))
[البخاري، مسلم ]
فالذي له محل تجاري على قارعة الطريق في الطابق الأرضي، وأمامه الناس يذهبون ويروحون هذا الحديث من لوازم من يجلس على الطرقات:
(( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ))
أما هذا الذي يجلس على مقهى الرصيف لينظر إلى الناس فهذا بعيد جدا على أن يكون من أهل الإيمان، لأنه من تنزّه في الطرقات، من تحدث عن النساء فقد جرحت عدالته، لكنّ المضطر، كمَن له محل تجاري في شارع مزدحم فما آداب الجلوس في هذا المحل التجاري، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ))
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره الشهير: " وقد قال كثير من السلف: إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل نظره إلى الأمرد، وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك، وحرمه طائفة من أهل العلم لما فيه من الافتتان، وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا ".
[تفسير ابن كثير(3/283)]
هذا بالنسبة للنظر إلى الأمرد، أي إلى الشاب الذي لم تنبت لحيته بعد.
وعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَسَمِعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يَقُولُ:
(( حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، قَالَ: وَقَالَ الثَّالِثَةَ ؟ فَنَسِيتُهَا، قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ ذَاكَ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، أَوْ عَيْنٍ فُقِئَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
[النسائي ]
بعض الحِكَم والأقوال في خطورة النظر إلى الحرام:
بعض الأقوال الحكيمة في هذا الموضوع: كل المصائب مبداها من النظـر ومعظم النار من مستصغر الشـرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بالقوس و لا وتـــر
***
وفي الأثر:
((...أَلاَ رُبَّ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلاً.... ))
[مسند الشهاب، الزهد لابن المبارك]
وكنت إذا أرسلت طرفك رائــدا لقلبك يوما أتعبتك المناظــر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليـه ولا عن بعضـه أنت صابـر
***
تفسير الآية 30، غض البصر
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي