سؤال:كيف يتعامل كل طرف مع الغيرة الزّوجيّة ؟
الجـــواب
الغيرة نوعان:
1) النّوع الأوّل: غيرة مشروعة محمودة.
وهي الّتي تحمِل الزّوج على حبّ زوجته، والزّوجة على حبّ زوجها، ولولا الغيرةُ ما تحرّكت القلوب ولا الجوارح، وما حُرِست الدّيار، ولا حُمِيت الذّمار، كما قال ابن القيّم رحمه الله:" إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلت المحبّة, بل ترحّل الدّين كلّه ".
وذمّ الله تعالى من خلا قلبه من هذه الصّفة، فقد روى النّسائي وغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ )).
في رواية قَالُوا: فَمَا الدَّيُّوثُ ؟ قَالَ: (( الَّذِي لاَ يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ )).
ومن أنفس ما حفظه لنا علماؤنا قصّة تكتب بماء الذّهب-وقد ذكرها ابن الجوزي في " المنتظم "، وابن كثير في " البداية والنّهاية "- في أحداث 686 هـ:
جرت لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الرّي، ادّعت على زوجها صداقا قدره 500 دينار، وقالت: ما سلّمه لي أبدا. فأنكر الزّوج، فجاء الشّهود الّذين حضروا مجلس العقد، فقال الشّهود: " نريد أن تُظهر لنا وجهها حتّى نعلم أنّها الزّوجة "..
ومن المقرّر أنّ هذا من المواطن التي أباح الله فيها النّظر إلى المرأة، إذ لا يخفى عليكم أن نظر الرجل إلى المرأة محرّم إلاّ في مواطن ضيّقة كالخِطبة والمعاملة كبيع وإجارة، وفي الشهادة كما في قصّتنا هذه .. لكن ..
لمّا سمع الزّوج ذلك صرخ .. صرخ وقال:" لا تفعلوا هي صادقة فيما تدّعيه ".
إنّه يريد صيانة زوجته من أن يراها الرّجال ..
فلمّا رأت الزّوجة ذلك منه، وأنّه ما أقرّ إلاّ ليصون وجهها، قالت:" هو في حِلٍّ من صداقي في الدّنيا والآخرة "..
لذلك قال ابن الجوزيّ رحمه الله قبل أن يذكرها: " ومن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السّنة .." ثمّ روى القصّة بسنده. ولذلك قال قاضي الريّ: "اكتبوها في مكارم الأخلاق ".
2) النّوع الثّاني: غيرة ممنوعة مذمومة.
وهي الّتي يصحبُها سوء الظنّ، والتجسّس، والاتّهام بالباطل، فهذه من الشّيطان، يريد أن يفرّق بين المرء وزوجه، فقد روى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَقُولُ: (( مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ: فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ )). أي: الغيرة المحمودة إن كانت هناك شبهة كما ذكرنا في الجواب عن السّؤال السّابق، والمذمومة إن لم يكن ثمّة ما يدعو إليها.
فكيف يتعامل الزّوجان تجاه هذه الغيرة، فعليهما بـ:
أ) الدّعاء: فقد روى الإمام أحمد-وهو في صحيح مسلم بألفاظ أخرى- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا وَضَعْتُ زَيْنَبَ، جَاءَنِي النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَخَطَبَنِي ... فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ ؟. فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ ))..
ب) حسن الظنّ - كما سبق تفصيله في الجواب عن السّؤال السّابق-.
ت) حمل النّفس على تقبّل الغيرة: فإنّ الغيرة طبعٌ، وإذا اشتدّت فينبغي توطين النّفس على قبولها، لأنّ الشّدة تقابل باللّين، والنّار تقابل بالماء، وما على الأزواج إلاّ أن يقرءوا قصص أمّهات المؤمنين وغيرتهنّ على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
بل إنّ أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها دعت على نفسها بالموت !! روى البخاري عنها أنّها رضي الله عنه ( رَكِبَتْ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ، وَتَقُولُ: " يَا رَبِّ ! سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي ".
ث) إظهار المشاعر:
فلا بدّ في هذه الحالة أن يزيد كلّ منهما من إظهار مشاعر المودّة ومحبّة والإعجاب تجاه الآخر، فإنّ ذلك ممّا يُطفِئ بشدّة نار الغيرة، ويخفّف من لهيبها, ولكنّ أغلب البيوت اليوم لا تعاني من فقر الدم، بقدر ما تعاني من فقر المشاعر.
نسأل الله التّوفيق والهداية