|
القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
۞۩ موسوعة... افضل نساء العالمين ۩۞
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2014-08-19, 09:36 | رقم المشاركة : 46 | ||||
|
قاتلة السبعة (أم حكيــــــــــــــم) كانت يوم أحد حربًا على الإسلام والمسلمين، وكانت يوم اليرموك حربًا على الكفر والكافرين.. أسلمت يوم فتح مكة ولم يسلم زوجها "عِكرمة بن أبى جهل" وخرج من مكة، وذهب إلى اليمن بعد أن أهدر النبي ( دمه، فجعلت تغدو إلى النبي ( وتطلب منه الأمان لزوجها، فرقَّ النبي ( لحالها، وأذن لها أن تدركه تبشره بالعفو، فخرجت فى أثره وأدركته عند ساحل من سواحل تهامة وقد هَمَّ بركوب البحر، فدمعت عيناها وأخذت تقول له: يا ابن العم جئتك من أوصل الناس وخير الناس، لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك رسول اللَّه فأمَّنكَ. فقال : أنت فعلتِ ذلك؟ قالت: نعم، فقد كلمته فأمَّـنَك. فرجع معها "عكرمة"، وأتيا النبي ، فلما انتهيا إلى باب المسجد أسرعت الخُطا ودخلت، واستأذنت النبي فأذن، فتقدم "عكرمة" فبايع النبي على الإسلام وعلى الجهاد. إنها أم حكيم بنت الحارث -رضى اللَّه عنها-، ذات الوفاء النادر للزوج، والمعرفة الصحيحة بملكاته. فأحبتْ له الخير، وسعتْ بينه وبين رسول اللَّه تستأمن له، فأمّنه رسول اللَّه . وبذلك كانت سببًا فى إسلام زوجها، فحسن إسلامه، وجاهد فى اللَّه حتى رزقه اللَّه الشهادة فى موقعة أجنادين . تزوجت السيدة أم حكيم -رضى اللَّه عنها- بعد ذلك الصحابى الجليل خالد بن سعيد بن العاص -رضى اللَّه عنه- وقبل أن يدخل بها نادى منادى الجهاد أن استعدوا لقتال الروم ولكن فراسة خالد حدثته أنه مقتول غدًا -وفراسة المؤمن لا تخطئ، فإنه يرى بنور اللَّه- فعرض على امرأته أن يدخل بها فقالت: لو تأخرت حتى يهزم اللَّه هذه الجموع. فقال: إن نفسى تحدثنى أنى أقتل. قالت: فدونك. فأعرس بها عند القنطرة التي عُرفت بعد ذلك بقنطرة أم حكيم، ثم أصبح فأولموا عليهما. فما فرغوا من الطعام حتى وافتهم الروم، ووقع القتال فاستشهد خالد أمام عينيها، فشدَّت أم حكيم عليها ثيابها وخرجت إلى القتال؛ انتصارًا للدين وانتقامًا لمقتل زوجيها عكرمة وخالد وقتلى المسلمين، واستطاعت أن تقتل بعمود الخيمة التي بنى بها خالد فيها سبعة من الروم، ثم واصلت كفاحها، فسطَّر التاريخ حياتها بأحرف من نور، فرضى اللَّه عنها وأرضاها.
|
||||
2014-08-19, 09:55 | رقم المشاركة : 47 | |||
|
امرأة من أهل الجنة (أم زمـــــــــــــــــر) قال ابن عباس لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقال عطاء: بلى. قال ابن عباس: هذه المرأة السوداء، أتت النبي ( فقالت: إنى أُصْرَع وإنى أتكشَّف فادع اللَّه لي. فقال النبي (: "إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت اللَّه أن يعافيك" فقالت: أصْبِر، وقالت: إنى أتكشَّف، فادع اللَّه لى ألا أتكشَّف، فدعا لها النبي ) [متفق عليه]، فحقق الله رجاءها، فكانت نوبة الصرع لا تنتابها إلا وهى نائمة متمكنة، فلا تتكشَّف. إنها الصحابية الجليلة سُعَيْرَة الأسدية، من الحبشة، عرفت بأم زُفَر -رضى الله عنها-. كانت ترعى حق اللَّه فى نفسها، وتحرص على تعاليم دينها، ومع أنها كانت مريضة بالصرع فإنها لم تيأس أبدًا من رحمة اللَّه -سبحانه-، فهى تصبر على ما أصابها وتعلم أن ذلك من عزم الأمور، وأنه ما من شيء يُبْتَلى به المؤمن الصابر إلا كان فى ميزان حسناته يوم القيامة، وفى ابتلاء اللَّه للإنسان حكمة عظيمة يريد اللَّه بها تنقيته من الذنوب. لذا آثرت الآخرة على الدنيا؛ لأن ما عند اللَّه خير وأبقى، حين خُـيِّرت بين الدعاء لها بالشفاء وبين الجنة؛ فاختارت الجنة، ولكنها طلبت من رسول الله ألا تتكشف؛ لأنها ربيت فى مدرسة العفة والطهارة؛ مدرسة الرسول (، وراعت حق اللَّه -تبارك وتعالى- حين قال وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور: 31]. وكان رسول الله يثنى عليها، فرضى الله عنها وأرضاها |
|||
2014-08-19, 09:58 | رقم المشاركة : 48 | |||
|
أخت النبي (الشيماء) كانت تلاعب النبي وهو صغير، وتقول له: يا ربَّنَـا أبْقِ لَـنَا مُحَمَّـدًا حتى أرَاهُ يَافِــعًا وأمْـــــرَدَا ثُمَّ أَراهُ سَـيِّدًا مُـسَـوَّدَا واكْـبِـتْ أعَـادِيهِ مَعًا وَالْحُـسَّدَا وَأعْطِهِ عِزّا يَـدُومُ أبدًا وكان أبو عروة الأزدى إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب اللَّه دعاءها! إنها الشيماء "حذافة بنت الحارث" -رضى اللَّه عنها- أخت النبي من الرضاعة... وحاضنته مع أمها حليمة السعدية -رضى اللَّه عنها-. أحبتْ الشيماء أخاها رسول اللَّه، وتابعتْ أخباره أولا بأول، وسمعتْ بدعوته حين بُعث فصدقتْه وناصرتْه. رأتْ فى دعوته السلام والأمن والحب والتسامح والإخاء... ولما أغارت خيل رسول اللَّه على هوازن (قبيلة الشيماء)، وهزم بنو سعد، كانت فيمن أخذ من السبي، وكانت قد كبر سنها، وضعف جسمها وتغيرت ملامحها كثيرًا، فقالت لمن أسرها من المسلمين: أنا أخت صاحبكم. فلما قدموا بها، قالت: يا محمد! أنا أختك. وعرّفته بعلامة عرفها، فرحب بها وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، ودمعت عيناه، فقال لها: "إن أحببتِ أن ترجعى إلى قومك أوصلتُك، وإن أحببتِ فأقيمى مكرَّمة محبّبة". فقالت: بل أرجع. فأسلمـت وأعطـاهـا النبي نَعـَمًا، وغـلامـًا، وجـارية؛ إكـرامًا لها [ابن هشام]. ولما توفى رسول الله ارتد قومها (بنو سعد) عن الإسلام، فوقفتْ موقفًا شجاعًا، تدافع عن الإسلام بكل جهدها؛ حتى أذهب الله الفتنة عن قومها. وكانت -رضى اللَّه عنها- كثيرة العبادة والتنسُّك، واشتهرت بشِعرها الذي ناصرت فيه الإسلام ورسوله، وظلت تساند المسلمين وتشد من أزرهم حتى أتاها اليقين، فرضى اللَّه عنها. |
|||
2014-08-19, 09:59 | رقم المشاركة : 49 | |||
|
ماشاء الله ...جزاك الله خيرا أخي الكريم على ما قدمته من درر ثمينة.. |
|||
2014-08-19, 10:02 | رقم المشاركة : 50 | |||
|
العفيفة (مسيكـــة التائبـــة) كانت جارية لعبد اللَّه بن أُبى بن سلول -رأس النفاق فى المدينة-، فأسلمتْ وبايعتْ النبي على ألا تشرك باللَّه شيئًا، ولا تسرق ولا تزنى ولا تقتل أولادها، ولا تأتى ببهتان تفترينه بين يديها ورجليها، ولا تعصيه فى معروف. وذلك مصداقا لقوله تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الممتحنة:12]. وكان البِغاء من عادات الجاهلية المرذولة، حيث كان الرجل يدفع بجواريه وإمائه إلى را المتعة ومبتاعي الرذيلة رجاء الكسب وابتغاء المال. وذات يوم أراد عبد اللَّه بن أُبى أن يدفع بجاريته المسلمة إلى تلك السبيل المرذولة، لكن المسلمة العفيفة رفضت ذلك، وذهبت إلى رسول اللَّه ( تشكو إليه حالها، فاستمع إليها وقدَّر فيها عفتها، وحمد إليها صبرها. ثم ما لبث أن نزل عليه قول اللَّه تعالى وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)[النور: 33-34]. فأبطل الإسلام هذا الأمر من أمر الجاهلية، وحمى النساء -حرائر وإماءً- من أن يكرههن أحد على البغاء. وهكذا أسهمت هذه الصحابية الجليلة، "مُسَيْكَة" التائبة، فى تثبيت دعائم الفضيلة وصناعة مجتمع عفيف برفضها أن تكون أداة طيعة فى أيدى العابثين والماجنين من أصحاب النفوس الدنيئة والأخلاق المتردية، وصارت بذلك رمزًا للعفة والطهر، ومثلا لنظافة النفس ونقاء الطوية، ويكفيها عزَّا وفخرًا أن ينزل فى شأنها قرآن يتلى إلى يوم القيامة.. رضى اللَّه عن العفائف والطاهرات وعن السيدة مُسَيْكَة. |
|||
2014-08-19, 10:04 | رقم المشاركة : 51 | |||
|
الطبيبة المداوية (الشفعاء بنت عبد الله) قالت: أتيتُ النبي أسأله (أي: تطلب منه شيئًا)، فجعل يعتذر إلى (حيث لم يكن عنده ما يعطيه)، وأنا ألومه (لأنها لا تعرف السبب)، فحضرت الصلاة فخرجتُ، فدخلتُ على ابنتى -وكانت عند زوجها شرحبيل بن حسنة- فجعلت أقول له: قد حضرتْ الصلاة وأنتَ فى البيت؟ وجعلتُ ألومه، فقال: يا خالتى لا تلوميني، فإنه كان لنا ثوبٌ، فاستعاره رسول اللَّه . فقلت: بأبى وأمي، إنى كنت ألومه وهذا حاله ولا أشعر. قال شرحبيل: وما كان هذا الثوب إلا درعًا رقعناه.[أبو نعيم]. كانت تمتلك سمات رفيعة، يندر وجودها لدى النساء فى عصرها، وكانت مثقفة متعلمة، تخصصت فى معالجة الأبدان. أسلمت قبل الهجرة، وكانت تُرْقِى فى الجاهلية، فلما هاجرت إلى المدينة جاءت إلى النبي فقالت: يا رسول اللَّه إنى كنت أرقى بِـرُقًى فى الجاهلية، وأردت أن أعرضها عليك. فقال :"اعرضيها". قالت: فعرضتها عليه، وكانت رقية من لدغة النملة، وهى قروح تخرج فى الجنب وغيره من الجسد.فقال: "ارقى بها وعلميها حفصة" [ابن مندة وأبو نعيم]. وكان لها دور بارز فى مجال التعليم ومعالجة القروح والأمراض؛ لذا خصص لها رسول اللَّه دارًا بالمدينة تقديرًا لدورها الاجتماعي، وكانت تعيش فيها هي وابنها سليمان، وأصبحت تلك الدار مركزًا علميَّا للنساء، تعلمت فيها الكثيرات من نساء المؤمنين تعاليم الدين، بالإضافة إلى القراءة والكتابة والطب، وكان من بين المتعلمات السيدة حفصة زوج الرسول . وحرص خلفاء المسلمين بعد رسول الله على احترام مكانة الشَّفَّاء وتقديرها، فقد روى أن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- كان يقدمها فى الرأي، ويقبل نصائحها، ويقدم لها ما تحتاجه من عون وبِـرّ. إنها الصحابية "الشفاء بنت عبد الله القرشى العدوي"، وأمها فاطمة بنت وهب بن عمر المخزومية، وقيل اسمها ليلى لكن غلب عليها لقب "الشفاء". وقد روت "الشفاء" رضى اللَّه عنها عن النبي ، وروى عنها كثيرون. وتوفيت -رضى اللَّه عنها- سنة عشرين للهجرة، فى خلافة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه |
|||
2014-08-19, 10:07 | رقم المشاركة : 52 | |||
|
الطاهرة (زينب بنت علي) من أقوالها: "من أراد أن يكون الخلق شفعاءه إلى اللَّه فليحمده.. ألم تسمع قولهم: سمع اللَّه لمن حمده.. فخف اللَّه لقدرته عليك! واستحِ منه لقربه منك". لُقبت بالطاهرة لطهارة سريرتها ونسبها، فقد وُلدت فى السنة السادسة للهجرة لأبوين شريفين؛ فأبوها على بن أبى طالب - رضى الله عنه-، وأمها السيدة "فاطمة الزهراء" بنت رسول اللَّه -رضى اللَّه عنها- وإخوتها: "الحسن" و"الحسين" و"أم كلثوم" .. إنها السيدة زينب. تزوجت "عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب"، وأنجبت له ستة أولاد، منهم: "علي" و"محمد" و"عون"، و"عباس"، و"أم كلثوم". أدركت السيدة زينب جدها النبي فى طفولتها فحملها بين يديه، ونعمت برؤيته المباركة. نشأت فى بيت علم ودين، وشهدت اتساع دولة الإسلام فى عهد جدها عليه الصلاة والسلام، ثم فى عهد "أبى بكر" و"عمر" و"عثمان" وأبيها "علي" -رضوان اللَّه عليهم أجمعين-. عاشت السيدة "زينب" أحداث الفتن التي وقعت فى صفوف المسلمين، فقد احتضنت أباها حين قُتل، ورحلت مع أخيها "الحسين" إلى الكوفة، وشهدت يوم كربلاء وكان أشد الأيام عليها حزنًا وألمـًا. ففى هذا اليوم - وهو يوم العاشر من شهر المحرم سنة 61 من الهجرة- كانت مع أخيها الحسين تحت الحصار الذي فرضه عليهم "عبيد اللَّه بن زياد" والى الكوفة، وفى أثناء الليل قال لها أخوها "الحسين": يا زينب إنى رأيت رسول اللَّه في المنام؛ فقال لي: "إنك تروح إلينا". فاضطربت "زينب" وأدركت أن ذلك يعنى أن الحسين قد حان أجله؛ فقالت: يا ويلتاه. فقال لها "الحسين": ليس لكِ الويل يا أخُيَّة! اسكتى يرحمك اللَّه. فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: واثكلاه؛ ليت الموت أعدمنى الحياة اليوم؛ ماتت "فاطمة" أُمي، و"علي" أبي، و"حسن" أخي، فنظر إليها الحسين بعطف وشفقة وقال: ياأُخية، لايذهبن حلمَكِ الشيطانُ. فقالت "زينب": بأبى أنت وأمى يا أبا عبد اللَّه، جعلت نفسي فداك، فقال: يا أُخية، اتقى اللَّه ،تعزِّى بعزاء اللَّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لايبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه اللَّه الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد واحد؛ أبى خير مني، وأمى خير مني، وأخى خير مني، ولى ولهم ولكل مسلم برسول اللَّه أسوة. فعزاها بهذا وبمثله، وقال: يا أُُخية، إنى أقسم عليك فأبرِّى قسمي، لا تشقِّى على جيبًا، ولا تخمشى على وجهًا، ولا تدعى على بالويل والثبور إذا أنا هلكت. وبالفعل استشهد الحسين -رضى اللَّه عنه- واستشهد معه ولداها "محمد" و"عون" وآخرون من أهل بيتها. فجعلت "زينب" تنظر إلى جثثهم، وتجمع أشلاءهم يشاركها فى ذلك من بقى معها من النساء والأطفال ودموعها لاتنقطع، وقلبها يكاد ينفطر من شدة الحزن والألم.. وحين أخذوها ومن معها إلى قصر ابن زياد بالكوفة، ومرت على جثة أخيها "الحسين" هاجت أشجانها وأحزانها وأخذت تنادي: "يا محمداه.. يا محمداه، صلى عليك ملائكة السماء، هذا حسين بالعراء، مُزَمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء،.. يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريتك مقتَّلة". فأبكت كل عدو وصديق. ولما وصلوا الكوفة، أدخلوا زينب وأهلها على ابن زياد والى الكوفة وقتئذٍ، فلما رآها قال لها: الحمد للَّه الذي فضحكم، كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فانتفضت قائلة: الحمد للَّه الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرًا، لا كما تقول أنت، وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر، والذين قتلتهم رجال كُتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللَّه بينك وبينهم فتختصمون عنده. فغضب ابن زياد وأمر بقتل على بن الحسين وكان صبيًا صغيرًا. فأسرعت عمته زينب، واحتضنته وقالت: حسبك يا بن زياد منَّا، أما يكفيك ما رُويت من دمائنا، وهل أبقيت منَّا أحدًا؟ أسألك باللَّه إن كنت مؤمنًا، إن قتلته اقتلنى معه. فقال ابن زياد: عجبًا للرحم ! واللَّه إنى لأظنها ودَّت لو أنى قتلتها معه؛ وصاح: دعوا الغلام مع نسائه. ثم انطلقت جنود ابن زياد بالسيدة زينب ومن معها إلى دمشق مقر خلافة يزيد بن معاوية، فلما دخلوا على "يزيد" فى قصره، بكت نساء آل هاشم إلا زينب، فقد قالت:صدق اللَّه يايزيد ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) [الروم:10]. أظننت يا يزيد أنه حين أُخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأساري، أن بنا هوانًا على اللَّه وأن بك عليه كرامة؟ وتوهمت أن هذا لعظيم خطرِك ،فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفيك، جذلان فرحًا حين رأيت الدنيا مستوثقة لك والأمور متسقة عليك؟ إن اللَّه إن أمهلك، فهو قولهوَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران: 178]. واللَّه ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك! وسترد على رسول اللَّه ( وآله برغمك، ولتجدن عترته ولحمته من حوله في حظيرة القدس يوم يجمع اللَّه شملهم من الشعث (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169]. وستعلم أنت ومن بوَّأك ومكَّنك من رقاب المؤمنين -إذا كان الحكَم ربنا، والخصم جدنا، وجوارحك شاهدة عليك- أيُّنا شر مكانًا وأضعف جندًا. فواللَّه ما اتقيتُ غير اللَّه، وما شكوت إلا للَّه، فكِد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك". فكان لهذه الكلمات وقع الصاعقة على يزيد، حيث صعب عليه الأمر فتاب إلى اللَّه، وقيل إنه قال للصبى "على بن الحسين" حين دعاه مودعًا: لعن اللَّه ابن مرجانة -يقصد عبيد اللَّه بن زياد- أما واللَّه لو أنى صاحب أبيك ما سألنى خصلة أبدًا إلا أعطيته إياها، ولدفعت عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن قضى اللَّه ما رأيت. ثم قال يزيد: "يا نعمان بن بشير" جهزهم بما يصلح، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينًا، وابعث معهم خيلا وأعوانًا فيسيرون إلى المدينة. ثم كساهم وأوصى بهم الشامي، فمازال ذلك الشامى يلطف بهم حتى دخلوا المدينة. فقالت فاطمة لأختها "زينب":يا أُخية لقد أحسن هذا الرجل الشامى إلينا فى صحبتنا فهل لكِ أن نكافئه؟ فقالت زينب: واللَّه ما معنا شيء نكافئه به إلا حُلينا. قالت فاطمة: فنعطيه حُلينا. فأخذت "زينب" سوارها وبعض حليها، وأخذت أختها "فاطمة" سوارها، وبعثتا بذلك إليه، واعتذرتا إليه، وقالت له: هذا جزاؤك بصحبتك إيانا بالحسن من الفعل. فقال الشامي: لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان فى حُـلِـيِّـكُنَّ ما يُرضينى ،ولكن واللَّه ما فعلته إل اللَّه ولقرابتكم من رسول اللَّه . أخذت "زينب" بعد ذلك تحكى لأهل المدينة ما فُعل بهم وما تعرضوا له، فخشى "يزيد" أن تؤلب عليه الناس، فأرسل إلى والى المدينة آمرًا بأن يفرق "آل البيت" فى الأقطار والأمصار. فجاء الوالى إلى السيدة "زينب" وطلب منها أن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء. فاختارت السيدة زينب أرض "مصر"، وسافرت إليها، فاستقبلها شعبها وأميرها "مسلمة بن مخلد الأنصاري" استقبالاً عظيمًا؛ فبقيت -رضى اللَّه عنها- فيها حوالى عام . وتوفيت سنة 65 للهجرة ودفنت فى جزء من هذه الدار، التي تحولت بعد ذلك إلى مسجد تقام فيه شعائر الصلاة؛ وهو المسجد الزينبى المشهور بالقاهرة. وقد روت السيدة "زينب" الكثير من الأحاديث، وروى عنها، فرضى اللَّه عنها وأرضاها. |
|||
2014-08-19, 10:12 | رقم المشاركة : 53 | |||
|
الأديبة الكريمة (سكينة بنت الحسين) جاء أهل الكوفة يعزُّونها فى مقتل زوجها، فقالت لهم: اللَّه يعلم أنى أبغضكم، قتلتم جدّى عليَّا، وقتلتم أبى الحسين، وزوجى مصعبًا فبأى وجه تلقونني؟ يتَّمتُمُونى صغيرة، وأرملتُمُونى كبيرة. وخرجت مع أبيها الحسين بن على إلى العراق، وعمرها آنذاك أربعة عشر عامًا، وعلى بُعد ثلاثة أميال من كربلاء ظهر جيش عدده ألف مقاتل أمر بتجهيزه عبيد اللَّه بن زياد بأمر من يزيد بن معاوية، وكان الحسين قد خرج متوجهًا إلى العراق فى ركب قليل كانت معه ابنته، فجمع أهله وقال لهم: يا أم كلثوم وأنت يا زينب وأنت يا سكينة وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب، إذا أنا قُتلتُ، فلا تشق إحداكن على جيبًا، ولا تخمش وجهًا، ولا تَقُلْ هجرًا (أى لا تقول كلامًا قبيحًا). فلما سمعت سكينة هذا الكلام أخذها البكاء، وأخذت دموعها تتساقط وهى الفتاة الرقيقة ذات الحس المرهف، التي لم تبلغ من العمر العشرين، ولكن معرفتها بأن مصير المجاهد الشهيد الجنة، كانت تخفف عنها الحزن وتلهمها الصبر، ولما اشتد القتال بين قافلة الحسين التي تجاوزت السبعين بقليل، وبين ذلك الجيش الذي أرسله يزيد بن معاوية حيث كان عدده فى بداية الأمر ألف رجل سرعان ما طوق الجيش قافلة الحسين وفتك بها، وفى ذهولٍ وقفت سكينة تنظر إلى البقايا والأشلاء، ثم ألقت بنفسها على ما بقى من جسد أبيها، وفيه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة، وعانقته، ولكنهم انتزعوها من على جسد أبيها بالقوة، وألحقوها بركب السبايا، فألقت سكينة نظرة أخيرة على ساحة القتال المملوءة بجثث الشهداء. ودارت الأيام، وعادت سكينة إلى الحجاز حيث أقامت مع أمها رباب فى المدينة. إنها السيدة سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب -رضى الله عنهم-، وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدى بن أوس. ولم يمض وقت طويل حتى توفيت "الرباب"، وعاشت سكينة بعدها فى كنف أخيها زين العابدين، وكانت قد خُطبت من قبل إلى ابن عمها عبد الله بن الحسن بن على فقتل بالطائف قبل أن يبنى بها، فكانت -رضى اللَّه عنها- ترفض الزواج بعد هذه الأحداث، ولما جاء مصعب بن الزبير يريد الزواج منها تزوجته، وكان شجاعًا جوادًا ذا مال ومروءة حتى قِيلَ فيه: "لو أنَّ مصعب بن الزبير وجد أنَّ الماء ينقص من مروءته ما شربه". وانتقلت سكينة إلى بيت مصعب وكان متزوجًا من عائشة بنت طلحة، وظلت سكينة تسعد زوجها، ولكن أين تذهب من قدرها المحتوم، فسرعان ما قُتِلَ مصعب، ثم تزوجت عبد اللَّه بن عثمان بن حكيم بن حزام، وأنجبت منه: عثمان، وحكيم، وربيعة، ثم مات عنها بعد ذلك، واستقر بها المقام فى المدينة حيث يسجى جدها المصطفى . وُلدت سنة سبع وأربعين من الهجرة وسُمِّيت آمنة على اسم جدتها آمنة بنت وهب، ولقبتها أمها الرباب سُكَيْنَة، واشتهرت بهذا الاسم، وفى الثلث الأخير من حياتها اشتغلت بتعليم المسلمين، حيث شربت من بيت النبوة أفضل الأخلاق فوُصِفَتْ بالكرم والجود، وأحبت سماع الشعر فكان لها فى ميادين العلم والفقه والمعرفة والأدب شأن كبير وقد تُوفيت السيدة سُكينة سنة 117هـ، بعد أن تجاوزتْ الثمانين من عمرها، فرضى الله عنها وأرضاها |
|||
2014-08-19, 10:13 | رقم المشاركة : 54 | |||
|
امرأة لا تعرف الشر (فاطمة بنت الحسين) ذُكرت عند الخليفة عمر بن عبد العزيز -رضى اللَّه عنها- فقيل عنها: إنها لا تعرف الشر. فقال عمر: عدم معرفتها الشر جنَّبها الشر. كانت -رضى اللَّه عنها- توصى أبناءها دائمًا فتقول لهم: استتروا بستر اللَّه. إنها "فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب" -رضى الله عنهم . تقدم ابن عمها الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب -رضى الله عنهم- لعّمه الحسين للخطبة، فقال له الحسين: يا بن أخي، لقد انتظرت هذا منك، انطلق معي. فخرج به حتى أدخله منزله، ثم أخرج إليه بنتيه فاطمة وسُكينة، فقال: اختر، فاختار فاطمة. فزوَّجه إيّاها؛ فولدت له: عبد الله، وإبراهيم، وحسنًا، وزينب. ولما وقعت الفتنة ورفض الحسين بن على أن يكون أسيرًا، وقاتل حتى قُتِل، وقُتِلَ معه ابنه وأصحابه الذين ثبتوا معه بمكان يقال له: "الطّفّ" عند كربلاء. وانطلق بعلى بن الحسين، وأختيه فاطمة وسكينة وعمته زينب بنت على إلى عبيد اللَّه بن زياد، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فقال علي: أما واللَّه لو رآنا رسول اللَّه ( مغلولين لأحبّ أن يحلنا من الغُلِّ (القيد). قال: صدقت. فحلوهم من الغل (القيد)، قال: ولو وقفنا بين يدى رسول اللَّه ( على بُعد لأحب أن يقرّبنا. قال: صدقت. فقرَّّبوهم، ثم أمر بهم فجُهِّزُوا وأُخرِجوا إلى المدينة المنورة. وفى رواية أخرى أن فاطمة بنت الحسين جاءت إلى يزيد بعد أن قُتل أبوها الحسين بن علي، وقالت له: يا يزيد أبنات رسول اللَّه سبايا؟ قال: بل حرائر كرام، ادخلى على بنات عمك تجدينهن قد فعلن ما فعلت. ولما استشهد الحسن، قال لها: إنك امرأة مرغوب فيك، فكأنى بعبد اللَّه بن عمرو بن عثمان إذا خرج بجنازتى قد جاء على فرس لابسًا حُلته، يسير فى جانب الناس يتعّرض لك، فانكحى من شئت سواه، فإنى لا أدع من الدنيا ورائى همًا غيرك! قالت: ائمن من ذلك. وطمأنته بالأيمان لا تتزوجه، ومات الحسن بن الحسن فلما انقضت عدِتها أرسل إليها عبد الله بن عمرو يخطبها، فقالت: كيف بيميني التي حلفت بها؟! فأرسل إليها يقول: مكان كل مملوك مملوكان، ومكان كل شيء شيئان. فعوّضها من يمينها، فنكحته؛ وولدت له محمدًا الذي سُمى بالديباج لحسنه وجماله، والقاسم، ورقيّة. فكان عبد الله بن الحسن، وهو أكبر ولدها يقول: ما أبغضت بغض عبد الله بن عمرو أحدًا، وما أحببت حب ابنه محمد -أخي- أحدًا. وبعد موت زوجها عبد اللَّه بن عمرو خطبها عبد الرحمن بن الضحاك وكان حاكمًا للمدينة، فرفضت، فغضب عليها، فشكته إلى رجل شامى يدعى ابن هرمز، فقالت له: تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحاك وما يتعرض مني. كما أوفدت رسولا بكتاب إلى يزيد، فلما قرأه جعل يضرب بخيزران فى يديه ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك؛ هل من رجل يسمعنى صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ فقيل له: عبد الواحد بن عبد الله بن بشر الخضري. فدعا يزيد بقرطاس فكتب بيده إلى عبد الواحد، وهو بالطائف: سلام عليك، أما بعد؛ فإنى قد وليتك المدينة فإذا جاءك كتابى هذا فاهبط واعزل عنها ابن الضحاك وأغرمه أربعين ألف دينار، وعذبه حتى تُسْمِعنى صوته وأنا على فراشي. فلمّا علم ابن الضحاك هرب ونزل على مسلمة بن عبد الملك، فقال: أنا فى جوارك. فذهب مسلمة إلى يزيد فى قصره وذكر حاجة جاء من أجلها. فقال يزيد: كل حاجة تكلمت فيها هي فى يدك ما لم يكن ابن الضحاك. فقال: هو واللَّه ابن الضحاك،. فقال: والله لا أعفيه أبدًا وقد فعل ما فعل. فأغرمه عبد الواحد أربعين الف دينار وعذبه وطاف به فى جبة من صوف. وكانت فاطمة صاحبة حكمة، وراوية من راويات الحديث، ومما روته أنها قالت: كان النبي ( إذا دخل المسجد قال: "بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي، وافتح لى أبواب رحمتك" [أبو حميد وأبو أسيد]. وإذا خرج قال: " بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك" [أبو حميد وأبو أسيد]. وكانت -رضى الله عنها- تحب العلم وتحفظ القرآن الكريم، كما كانت تحب الشعر؛ رُوى أنه لما دخل الكميت بيتها، قالت: هذا شاعرنا أهل البيت. وأمرت له بثلاثين دينارًا، فدمعت عيناه وقال: لا والله لا أقبلها إنى لم أحبكم للدنيا. وتوفيت رضى اللَّه عنها فى عام 110 من الهجرة. |
|||
2014-08-19, 10:14 | رقم المشاركة : 55 | |||
|
الواعظة (هجيمة بنت حيي) كانت النساء تأتى لتتعبد عندها، ويقمن الليل معها كله، فإذا ضعفن عن القيام فى صلاتهن تعلقن بالحبال. ولم تَغْفَل عن ذِكْر الموت يومًا، قالت لشخص تعظه: هل تدرى ما يقول الميت حين يوضع فى قبره؟ يقول: يا أهلي.. يا جيراني.. يا حملة نعشي.. لا تغرنكم الدنيا كما غرتني. وكانت سائرة ذات يوم، فمرت على مكان يسمى وادى جهنّم فقالت لقائدها: اقرأ شيئًا من القرآن، فتلا قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115]. فما إن سمعتها حتى بكت، وقالت له عندما مرت على الجبال فى طريقها: أسمِع الجبال ما وعدها اللَّه، فقرأ قوله تعالى : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) [الكهف: 47]. فأخذتْ تبكى بشدة. وكانت تحثُّ الناس على العمل وعدم الركون والتواكل؛ فتقول لهم: ما بال أحدكم يقول: اللهمَّ ارزقني، وقد علم أن اللَّه لا يمطر عليه من السماء دنانير ولادراهم، إنما يرزق الله بعضكم من بعض، فمن أُعطى شيئًا فليقبله. وإن كان غنيًا؛ فليضعه فى ذوى الحاجة من إخوانه، وإن كان فقيرًا؛ فليستعن به على حاجته، ولا يرد على اللَّه رزقه الذي رزقه. كانت معروفة بالتواضع وعدم الاغترار بالنفس؛ فسألها البعض أن تدعو لهم، فقالت: أبلغتُ أنا ذلك؟! إنها هجيمة بنت حيى الوصابى من قبيلة حمير في دمشق ، حفظت القرآن وهى صغيرة. ولقبت بأم الدرداء الصغري، تزوجت من الصحابى المشهور أبى الدرداء، وقد سمعت الحديث عن زوجها، وعن أبى هريرة، وعائشة. وكانت زاهدة فقيهة ومحدثة وتابعية، قال لها زوجها ذات مرة: إذا غضبتِ أرضيتُكِ، وإذا غضبتُ فأرضيني؛ فإنك إن لم تفعلى ذلك فما أسرع أن نفترق. وقالت عند موته: اللهم إنّ أبا الدرداء خطبنى إلى أبوى فتزوّجنى فى الدنيا، اللَّهم فأنا أخطبه إليك، فأسألك أن تزوجنيه فى الجنة. فقال لها زوجها: فإن أردت ذلك فكنت الأول، فلا تتزوجى بعدي. وكانت أم الدرداء ذات جمال وحسب، فخطبها معاوية فأبت، وقالت له قصتها، فقال: عليك بالصيام. ومن أقوالها: "أفضل العلم المعرفة". وقالت: "تعلموا الحكمة صغارًا تعملوا بها كبارًا". وقد طال عمرها حتى سنة 81 من الهجرة. |
|||
2014-08-19, 10:15 | رقم المشاركة : 56 | |||
|
بارك الله فيك
|
|||
2014-08-19, 10:16 | رقم المشاركة : 57 | |||
|
الصامدة (نائلة بنت الفرافصة) عندما اشتدت المحنة على عثمان بن عفان -رضى اللَّه عنه- وأُحْكِمَ عليه الحصار، صمدت معه، وتلقت عنه ضربات السيوف قبل أن تصل إليه، وما إن ألقى الرجال بحبالهم على أسوار منزله، ودخلوا عليه حتى أسرعت تنشر شَعْرَها، فقال عثمان: خذى خمارك فإن حُرْمة شَعْركِ، أعظم عندى من دخولهم علي. وحين هجم عليه أحدهم وهوى عليه بسيفه تلقت السيف بيدها فقطعت أناملها، فصرخت على رباح غلام عثمان، فأسرع نحو الرجل فقتله، وبينما كانت تهرع لإمساك سيف رجل ثانٍ لكن الرجل تمكن من أن يقطع أصابع يدها الأخرى وهو يدخل السيف فى بطن عثمان ليقتله، وحين هموا بقطع رأسه ألقت عليه بنفسها إلا أنهم لم يرحموا ضعفها، ولم يعرفوا لعثمان قدره، فحزوا رأسه، ومثَّلوا به، فصاحت والدم يسيل من أطرافها: إن أمير المؤمنين قد قُتل. إن أمير المؤمنين قد قُتِل. ثم دخل رجل عقب مقتل عثمان، فإذا رأسه فى حجرها. فقال لها: اكشفى عن وجهه. قالت: ولِمَ؟ قال الرجل: ألِطم حُرَّ وجهه فقد أقسمت بذلك. فقالت: أما ترضى ما قـال فيـه رسول اللَّه ، قال فيه كذا وكذا. فقال: اكشفى عن وجهه. ثم هجم عليها فلطم وجه عثمان، فدعت عليه قائلة: يبَّس اللَّه يدك، وأعمى بصرك. فلم يخرج الرجل من الباب إلا وقد يبست يداه، وعمى بصره. وتُركت جثة عثمان فى مكانها دون أن يجرؤ أحد على تجهيزه ودفنه، فأرسلت إلى حويطب بن عبد العزى وجبير بن مطعم، وأبى جهم بن حذيفة، وحكيم بن حزام، ليُجَهِّزُوا عثمان، فقالوا: لا نقدر أن نخرج به نهارًا. وحين حلّ الظلام خرجوا به بين المغرب والعشاء نحو البقيع، وهى تتقدمهم بسراج ينير لهم وحشة الظلام حتى تم دفنه بعد أن صلى عليه جبير بن مطعم وجماعة من المسلمين. ثم قالت ترثيه: ومالى لا أَبْكى وأُبكـى قرابتى وقد ذهبتْ عنا فضول أبى عَمْرِو وبعد أن دُفن عثمان -رضى الله عنه- خطبت نائلة -رضى الله عنها- في المسلمين، فقالت: معاشر المؤمنين وأهل اللَّه لا تستكثروا مقامي، ولا تستكثروا كلامي، فإنى حزينة أُصِبْتُ بعظيم وتذوقت ثكلا من عثمان بن عفان ثالث الأركان من أصحاب رسول اللَّه ، فقد تراجع الناس فى الشورى حين تقدم، فلم يتقدمه متقدم ولم يشك فى فضله متأثم. ولم تكتف نائلة بذلك بل أرسلت إلى معاوية بكتاب مرفق معه قميص عثمان ممزقًا مليئًا بالدماء، وعقدت فى زر القميص خصلة من شعر لحيته، قطعها أحد قاتليه من ذقنه، وخمسة أصابع من أصابعها المقطوعة. وأوصت إليه أن يعلق كل أولئك فى المسجد الجامع فى دمشق، وأن يقرأ على المجتمعين ذلك الكتاب، وكان بعض ما جاء فيه: إلى معاوية بن أبى سفيان، أما بعد: فإنى أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم، فإنه قال وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9]. وقد اجتمع لسماعه خمسون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وأصابعها. وعاشت نائلة حافظة لذكرى عثمان بن عفان -رضى الله عنه- وظلتْ وفية له، فلم تتزوج وكانت من أجمل النساء. وكلما جاءها خاطب رَدَّتْه، ولما تقدم معاوية -رضى الله عنه- لخطبتها أَبَتْ، وسألت النساء عما يعجب الخطاب فيها، فقلن: ثناياك (وكانت مليحة وأملح ما فيها ثغرها) فخلعت ثناياها، وأرسلت بهن إلى معاوية، وحين سُئلت عما صنعتْ، قالت: حتى لا يطمع فى الرجال بعد عثمان-رضى الله عنه-. تلك هي "نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص"رمز الشجاعة والصبر والصمود، ذات الأدب والبلاغة والفصاحة، تزوجها عثمان بن عفان-رضى اللَّه عنه- فكانت له زوجة مخلصة وفية ومطيعة، وكان عثمان يستشيرها دائمًا لسداد رأيها، وقد حظيت فى بيته بمكانة كبيرة. وقد زوجّها له أخوها ضب، وحملها إلى عثمان فى المدينة، وكان مسلمًا وكان أبوها نصرانيَّا، وقد تزوجها عثمان وهى نصرانية، وقبيلتها - قبيلة كلب - كلها يومئذ نصارى. وقد أسلمت نائلة على يديه، وأنجبت له من الولد ثلاثًا: أم خالد، وأروي، وأم أبان الصغرى. وقد روت السيدة نائلة عن عائشة -رضى اللَّه عنها- بعضًا من أحاديث رسول الله ، ثم توفيت بعد جهاد عظيم لخدمة الإسلام. |
|||
2014-08-19, 10:17 | رقم المشاركة : 58 | |||
|
الفارسة (خولة بنت الأزور) سبق الفارس الملثَّم جيش المسلمين، وفى شجاعة نادرة اخترق صفوف الروم، وأعمل السيف فيهم، فأربك الجنود، وزعزع الصفوف، وتطايرت الرءوس، وسقطت الجثث على الأرض، وتناثرت الأشلاء هنا وهناك، وتعالت الصَّرَخات من الأعداء والتكبيرات من جيش المسلمين. ليت شعري من هذا الفارس؟ وأيم اللَّه، إنه لفارس شجاع...كلمات قالها خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين في معركة أجنادين عندما لمح الفارس وهو يطيح بسيفه هامات الأعداء، بينما ظن بعض المسلمين أن هذا الفارس لا يكون إلا خالدًا القائد الشجاع.لكن خالدًا قد قرب منهم، فسألوه في تعجب، من هذا الفارس الهُمام؟ فلا يجبهم، فتزداد حيرة المسلمين وخوفهم على هذا الفارس ولكن! ما لبث أن اقترب من جيش المسلمين وعليه آثار الدماء بعد أن قتل كثيرًا من الأعداء، وجعل الرعب يَدُبُّ فى صفوفهم، فصاح خالد والمسلمون: للَّه درُّك من فارس بذل نفسه فى سبيل اللَّه ! اكشف لنا عن لثامك. لكن الفارس لم يستجب لطلبهم، وانزوى بعيدًا عن المسلمين، فذهب إليه خالد وخاطبه قائلا: ويحك لقد شغلتَ قلوب الناس وقلبى لفعلك، من أنت؟ فأجابه: إننى يا أمير لم أُعرِضْ عنك إلا حياءً منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور. فلما علم خالد أنها امرأة سألها -وقد تعجَّب من صنيعها-: وما قصتك؟ فقالت المرأة: علمتُ أن أخى ضرارًا قد وقع أسيرًا فى أيدى الأعداء، فركبتُ وفعلتُ ما فعلتُ.قال خالد: سوف نقاتلهم جميعًا ونرجو اللَّه أن نصل إلى أخيكِ فنفكه من الأسر. واشتبك جيش المسلمين مع الأعداء وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وكان النصر للمسلمين، وسارت تلك الفارسة تبحث عن أخيها، وتسأل المسلمين عنه، فلم تجد ما يشفى صدرها ويريح قلبها، فجلست تبكى على أخيها وتقول: "يابن أمى ليت شِعْرِي... فى أية بَيْدَاء طَرَحُوكَ، أم بأى سِنَانٍ طعنوك، أم بالْحُسام قتلوكَ. يا أخى لك الفداء، لو أنى أراك أنقذكَ من أيدى الأعداء، ليت شِعْرِى أترى أنى لا أراك بعدها أبدًا؟ لقد تركتَ يابن أمى في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها، ليت شعري، لقد لحقت بأبيك المقتول بين يدَى النبي (، فعليك منى السلام إلى يوم اللقاء. فما إن سمعها الجيش حتى بكوا وبكى خالد بن الوليد. وما هى إلا لحظات حتى أتى الخبر بالبشرى بأن أخاها مازال على قيد الحياة، وأن جيش الأعداء قد أرسله إلى ملك الروم مكبَّلا بالأغلال، فأرسل "خالدٌ" "رافعَ بن عميرة" فى مائة من جيش المسلمين ليلحق بالأعداء ويفك أسْرَ أخيها، فما إن سمعتْ بخروج "رافع بن عميرة" حتى أسرعتْ إلى خالد تستأذنه للخروج مع المسلمين لفك أسر أخيها، فذهبتْ معهم حيث أعدوا كمينًا فى الطريق، وما إن مرَّ الأعداء بالأسير حتى هجموا عليهم هجمة رجل، واحد وما لبثوا أن قضوا عليهم وفكوا أسر أخيها وأخذوا أسلحة العدو. تلك هي الفارسة الفدائية خولة بنت الأَزْوَر، صحابية جليلة، أَبْلت بلاء حسنًا فى فتوح الشام ومصر. وكانت من أشجع نساء عصرها. وتمر الأيام، وتظهر بسالة تلك المرأة، ومدى دفاعها عن الإسلام، ففى موقعة "صجورا" وقعت هي ونسوة معها فى أسر جيش الروم. ولكنها أبت أن تكون عبدة فى جيش الروم، فأخذت تحث أخواتها على الفرار من الأسر، فقامت فيهن قائلة: يا بناتَ حِمْيَر وبقية تبع، أترضين لأنفسكن أن يكون أولادكن عبيدًا لأهل الروم، فأين شجاعتكن وبراعتكن التي تتحدث بها عنكن أحياء العرب؟ وإنى أرى القتل عليكن أهون مما نزل بكُنَّ من خدمة الروم. فألهبت بكلامها حماس النسوة، فأبَيْن إلا القتال والخروج من هذا الذُّل والهوان. وقالت لهن: خذوا أعمدة الخيام، واجعلوها أسلحة لكُن، وكنَّ فى حلقة متشابكات الأيدى مترابطات، لعل اللَّه ينصرنا عليهم، فنستريح من معرَّة العرب. فهجمت وهجم معها النسوة على الأعداء وقاتلن قتال الأبطال حتى استطعن الخروج من معسكر الأعداء وتخلصن من الأسر. ولم تنته معارك خَوْلة فى بلاد الشام، فقد أُسِرَ أخوها ضرار مرة أخرى فى معركة مرج راهط، فاقتحمت الصفوف من أجله. وخاضت مع المسلمين معركة أنطاكية حتى تمَّ النصر فيها للمسلمين، كما اشتركتْ -أيضًا- فى فتح مصر، وغدتْ مفخرة نساء العرب ورجالهم. وظلتْ السيدة خَوْلة -رضى الله عنها- على إيمانها وحبها للفداء والتضحية، ودفاعها عن دين الله، ورفْع لواء الإسلام حتى تُوُفِّيتْ فى آخر خلافة عثمان بن عفان -رضى الله عنه-. |
|||
2014-08-19, 10:18 | رقم المشاركة : 59 | |||
|
المحسنة (أم عمارة بنت سفيان) كان بعضُ بائعى اللبن يخلط اللبن بالماء، واشتكى المسلمون من ذلك، فأرسل الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أحد رجاله ينادى فى بائعى اللبن بعدم الغش، فدخل المنادى إلى السوق ونادي: يا بائعى اللبن لا تَشُوبوا اللبن بالماء، فتغُشّوا المسلمين، وإن من يفعل ذلك؛ فسوف يعاقبه أمير المؤمنين عقابًا شديدًا. وذات ليلة خرج عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه- مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفى أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار ، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومى إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء . فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادي: لا يُشَابُ اللبن بالماء. فقالت الأم: يا بنتاه، قومى إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر. فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا. فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك، أعجب بالفتاة لورعها ومراقبتها لله رب العالمين. وقال: يا أسلم، علِّم الباب، واعرف الموضع. ثم مضي. فلما أصبح قال: يا أسلم، امضِ إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من بعل (زوج). فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم عاد فأخبر عمر. فدعا عمر أولاده، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية. فقال عبد اللَّه بن عمر: لى زوجة. وقال أخوه عبد الرحمن: لى زوجة. وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لى فزوِّجني. فبعث إلى الجارية فزوّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أمَّا لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس -رضى اللَّه عنه-. إنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد اللَّه بن ربيعة الثقفي، التي خَلَّدت اسمَها فى التاريخ، بأمانتها وخوفها من اللَّه تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، والذى أكرمها فى الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو عمر بن عبد العزيز. |
|||
2014-08-19, 10:19 | رقم المشاركة : 60 | |||
|
العابدة (رابعة العدوية) قامت فى جوف الليل تدعو اللَّه ضارعة وتقول: إلهي، أنارتْ النجوم، ونامتْ العيون، وغلقتْ الملوك أبوابها، وهذا مقامى بين يديك، إلهي.. ما أصغيت إلى صوت حيوان، ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنُّم طائر، ولا تنعم ظل، ولا دوِى ريح، ولا قعقعة رعد... إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالة على أنه ليس كمثلك شيء. سَيدِى بك تقرّب المتقربون فى الخلوات، ولعظمتك سَبَّحَتِ الحيتان فى البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات. أنت الذي سبح لك سواد الليل، وضوء النهار، والفلك الدوار، والبحر الزخار، والقمر النوار، والنجم الزهار، وكل شيء عندك بمقدار؛ لأنك اللّه العلى القهار. وذات مرة قالت لأبيها: يا أبتِ، لستُ أجعلك فى حلٍّ من حرام تطعمنيه. فقال لها: أرأيت إن لم أجد إلاحرامًا؟ قالت: نصبر فى الدنيا على الجوع، خير من أن نصبر فى الآخرة على النار. إنها رابعة بنت إسماعيل العدوية، وُلدت بالبصرة لرجل فقير صالح، ومات أبواها، وتركاها صغيرة تواجه مع أخواتها الثلاث صعوبات الحياة. ولما حلّ الجفاف هاجرت أخوات رابعة بينما أبت الهجرة معهن فتركنها وحيدة، حتى وجدها اللصوص، فأخذوها وباعوها لتاجر ثرى ذاقت تحت يده ذل الرق والعبودية. فلما علم التاجر أنها تصلى طوال الليل، ذهب ليتأكد من ذلك فسمعها تدعو: إلهى أنت تعلم أن قلبى يتمنى طاعتك، ونور عينى فى خدمتك، ولو كان الأمر بيدى لما انقطعت لحظة عن مناجاتك. ولكنك تركتنى تحت رحمة هذا المخلوق القاسى من عبادك. فرقّ لها فأعتقها وأطلق سراحها. انصرفت رابعة بعد ذلك للزهد والعبادة وقراءة القرآن، وظل ذلك دأبها طوال عمرها. وجاء أحد التجار يطلبها للزواج، فقال لها: إننى أربح فى اليوم ثمانين ألف درهم وأنا أخطبك لنفسي. فقالت له: إن الزهد فى الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن. صُم دهرك ، واجعل الموت فطرك، فما يَسُـرُّنى أن اللّه خولنى أضعاف ما خولك، فيشغلنى به عنه طرفة عين، والسلام. وعندما أتى رجل إليها ليعطيها أربعين دينارًا وقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك. بكت، ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: هو يعلم أنى أستحى منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟ يا هذا وما ترى من سوء حالي؟! ألستُ على الإسلام؟! فهو العز الذي لا ذُل بعده، والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه. فقام الرجل وهو يقول: ما سمعتُ مثل هذا الكلام. فقالت له: إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكلُّ، وأنت تعلم فاعمل. كانت رابعة العدوية تصلى الليل، فإذا طلع الفجر هجعت فى مُصَلاها هَجْعَة خفيفة حتى يسفر الفجر، فتثب من مرقدها وهى فزعة وتقول: يا نفس كم تنامين؟ وإلى كم تقومين؟ يوشك أن تنامى نومة لا تقومين منها، إلا لصرخة يوم النشور. ثم تبكى وهى ساجدة فإذا رفعت رأسها يُرى موضع سجودها مبلل من دموعها. قال لها رجل ذات يوم: يا رابعة ادع لى ! فقالت: من أنا، يرحمك اللّه؟!أطع ربك وادعه؛ فإنه يجيب المضطرين. وقالت لها امرأة: يا رابعة، إنى أحبك في اللّه. فقالت لها: فلا تعصى وأطيعى من أحببتنى فيه، فسألتها: أترين من تعبدينه؟ فقالت: لو كنت لا أراه ما عبدته. عاشت رابعة حتى صارت عجوزًا كبيرة لها ثمانون سنة، وكانت من زهدها فى الحياة أن بدت ضعيفة تكاد تسقط على الأرض وهى تمشي. وكانت تضع أكفانها أمامها، فإذا ذُكر الموت انتفضت وأصابتها رعدة. وحين قرب موتها قالت لخادمتها عبدة: يا عبدة لا تُؤْذِنِى بموتى أحدًا (أى لا تُخبريه)، وكَـفِّـنِـينِى فى جُبَّتى هذه وفى خمارى الصوف؛ ليكمل لى بهما ثوابى يوم القيامة . وتوفيت فى سنة مائة وخمس وثلاثين من الهجرة وعمرها ثمانون عامًا. وقبرها يقع بظاهر القدس . ومن أقوالها المأثورة: أستغفر اللَّه العظيم من قلة صدقي في قولي. أستغفر اللَّه. * كلوا خبز الدنيا واعملوا للآخرة. * مُحِبُّ الله لا يَسْـكُنُ أنينُه وحنينُه حتى يسكن فى جنة محبوبه. * وكانت توصى الناس بقولها: اكْـتُمُوا حسناتِـكُمْ كما تكتمون سيئاتكم |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
۩۞, ۞۩, موسوعة..., العالمين, افضل, نشاء |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc