السيد الفريق أحمد قايد صالح
إحتراماتي للرتبة والبدلة
عندي كلمة لسيادتك بصفتك قائدنا وموظف لدى الشعب
انطلق من رسالتي هذه لسيادتكم بعد أداء واجب الاحترام منطلقا من أننا زملاء سلاح وشرف عسكري في مهمة نبيلة لخدمة الوطن ، طبعا انا لست برتبتك ولكن كنت إطار في الجيش كمقاتل “كوكسول” في أحد السرايا المستقلة وبعدها إداري أمين
السيد الفريق لايهمني مايقال او يقوله من إعتمد على لسانه في فرض ذاته ووجوده ولكن……
كان لديا زملاء في ساحات القتال بجبال وغابات ووديان تيزي وزو وبومرداس منهم من كان قائدي ومنهم من كنت أقوده ، أدينا القسم معا بنفس مضامينه بالرغم من إختلاف الرتب و الدفعات
كنت شاهد على موت زملائي وإستشهادهم برصاص خرق أجسادهم و عبوات ناسفة شطرتهم لأشلاء كنا نجمعها وقلوبنا تتفتت وتتألم من روع المنظر الذي كان يتكرر في كل خطوة ، كنا نمشط الغابات بأرجلنا ولا ندري متى تقطع ، كنا نفكر في كل شيء ونخطط لمعاركنا ولا نفكر في مصيرنا وهل سنرى أهلنا وأولادنا مرة أخرى ، كانت أجسادنا تتحرك كأنها تطارد الموت وقلوبنا تخاطب مستقبلنا وتثنيه على معانقة أحلامنا التي سجنت في غياهيب القادم فكنا لانراها ولا نجالسها وهي ترفض ضمنا لتهدأ روعنا
مات زميلي في عملية عسكرية برصاصة في رأسه فسارع صديقاه علهم يلقناه الشهادة وينقلوا وصيته لإبنه الذي ولد ولم يراه فإنفجر لغم وقطع الأول لأشلاء والثاني بترت كلتا ساقيه ذهب الممرض برفقة مسعفين لإسعاف الناجي ولكن….
تهاطل عليهم الرصاص من بندقية الخائن المجرم فأصيبوا جميعا
نعم ليست لقطات فيلم أكشن ولكن تم تصويرها بعيون رفقائهم لقطات كانت تمثيلية بواقعية التجسيد كل شيء كان فيها حقيقي وموت بشع وأجساد تناثرت بلغم حقيقي ودم يتطاير في كل مكان ، وأعضم من هذا المشهد هو موقفنا حين كنا ننقل جثمان الشهداء لأهاليهم
كنا ننقل بضع اطراف لشهيد لأمه التي إشتاقت لفلذة كبدها لم تره لشهور فقابلنا أبوه وهو يمسك بولدين تبين انهما أحفاده وتبين ذلك حين سمعناه يجيب سؤال الطفلين عن من نكون فأجابهم بأنهم زملاء أبوك ……
أم الشهيد تجمدت لان فطرت الأمومة وحسها أخبرها بأن ولدها هناك في سيارة الإسعاف لايستطيع إحتضانها ….
رغم كثرت عددنا لم نستطع إكمال كلمة لنُفهم أباه انه فقد جزء منه لاننا كنا نحبس الدموع فتلعثمت ألسنتنا وإذا به يسابق خطابنا بالتكبير (الله أكبر الحمد لله إبني شهيد ) فإنفجر بركان الأمومة بزغاريد أمه والدموع تحرق خديها فسقطت أرضاً فخرجت زوجة الشهيد في ذهول من وقع الخبر الذي نزل كالصاعقة على قلبها الذي لم يشبع من أنس زوجها الذي ودعته منذ شهور …
وفجأة أحسست بيد شبل الشهيد الضعيفة تمسك يدي وتترجاني ان أدله على مكان ابوه (عمي أريد رؤية أبي)
عجزنا أمام معضلة السؤال ، ماذا سنريه من أين سنأتيه بجسد أبيه ليراه قبل دفنه لانه بدون رأس وبلا أطراف بل هو بضع غرامات لحم في كيس وضع في صندوق مغطى بعلم
هي أحداث ومشاهد ومواقف كنا نواجهها تكرارا ومراراً طوعاً وكرهاً لسنين على التوالي
بعد آدائنا فترة الخدمة في ساحات القتال تم تحويلنا لوحدات في الحدود البرية لتأمين الحدود انا ومن بقي سالماً ظاهريا بعقول ضعفت مقاومتها وذاكرة محدودة سوداء بسبب مارأيناه وعايشناه بقلوب كادت تموت حسيا وكل يوم كان يحول واحد منا إلى المستشفى بسبب إنهيار نفسي وعقلي او بسبب مرض مزمن ناتج عن المبيت في الغابات في قساوة الطبيعة ببرودتها وحرها وأمطارها و.و.و.و……
تقاعدنا وكنا فرحين بفرنكات نتقاضاها لا تغطي إحتياجات عائلاتنا وكنا نلتقي بزملائنا المعطوبين والجرحى وهم مشردين بين المستشفيات العسكرية والمدنية لإقتناء الأدوية والأطراف الصناعية مذلولين بسبب الإهانات التي تواجههم في المستشفيات
وجوههم لونها أصبج أسود من الهموم والميزيريا لانهم لايملكون سكن ومرتب لا يؤمن لهم أبسد الإحتياجات
أين العدل سيدي ….؟!!!
كيف يكرم الإرهابي الذي قتل الشهداء وأصبحت الأرامل عاملات نظافة في مصانعهم ومحلاتهم العملاقة
أين الكرامة في تكريم القاتل وإهانة المقاتل وعائلة الشهيد
هذه كلماتي أوصلتها لك بالنيابة عن زملائي لنخبرك عن حال حماة الوطن وكرامتهم ، نشكوا لك تعنت وتعسف ضباط التي سلبتنا حقوقنا وقالت عنا أيادي خارجية لاننا طلبنا حقوقنا التي أمضيت انت على قوانينها ونشرت في الجريدة الرسمية
كما أحيطك علماً ان هذه التصرفات التي إنتهجها البعض هي فتنة بين الوطن وحماته ، لانهم بإهانتهم لنا سنكون عبرة لكل وطني حر غيور على وطنه أن يقتل وطنيته وأن لا يضحي بنفسه كي لا يكون مصيره كمصيرنا