سؤال :كيف تتعامل الزّوجة مع زوجٍ مختلف عنها في الثّقافة والبيئة ؟
الجـــواب
فلا بدّ من توضيح أمرين مهمّين:
• النّقطة الأولى: تحديد معنى الثّقافة.
فثقافة المرء إمّا أن تكون ثقافةً خاضعَةً للشّريعة، أو لا تكون، لأنّ الثّقافة هي العلم المكتسَب، فإن كان واجبا أو مستحبّا وجب أو استُحبّ تحصيله، وإن كان مباحاً كالتوسّع في معرفة علم التّاريخ والاجتماع ونحوهما، فهو مباح، وإن كان محرّما كتعلّم الفلسفة وعلم الكلام وما يسمّونه بالفنون – كالرّسم والموسيقى ونحوهما- فهو محرّم.
إذا كانت الثّقافة بهذا المفهوم، فإنّه يدخل ذلك تحت قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ))، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )) فكلّ من الرّجل والمرأة ينبغي له أن ينتقِي من أوّل يوم مَنْ ثقافتُه تلك لا تتصادم مع الشّريعة الإسلاميّة.
ويوم فصلوا ( المؤسّسات الثّقافية ) عن الدّيــن، خرجوا علينا بالويلات والمنكرات، حتّى إذا أُنكِر عليهم، قَالوا: إنّـها فـن ثقـافـة !! وهي ليست إلاّ عفـن وسخـافـة.
أمّا إن قصدوا بالثّقافة ما يكتسبه المرء من عادات وتقاليد بحكم بيئته، فكيف تتعامل المرأة مع زوجها وكذا الرّجل مع زوجته إن كان يختلفان في الحالة الاجتماعيّة أو في العادات والتّقاليد ؟
فهذا يتّضح من النّقطة الثّانية إن شاء الله.
• النّقطة الثّانية: الكفاءة إن لم تكن واجبةً فهي مستحبّة بشدّة.
ومعنى الكفاءة أن يُكافِئ ويُماثِل أحد الزّوجين الآخر في النّسب، والحالة الاجتماعيّة من الفقر والغنى، والمستوى العلميّ، ونحو ذلك ممّا هو معتبر في كثير من الأعراف.
أمّا الحسب: فكان النّاس - ولا يزالون على ذلك في كثير من الأوساط - لا يزوّجون النّسيبة إلاّ من مثيلها، والنّسيب إلا من مثيلته، حتّى ذهب جمهور أهل الفقهاء إلى اعتبار الكفاءة بالحسب، بل ذهب كثير من الشّافعيّة إلى فسخ نكاح المولى إذا تزوّج عربيّة.
وخالف في ذلك الإمام مالك ورأى أنّ الكفاءة في الحسب لا تُعتبر كما في " الشّرح الصّغير "(2/399) و" بداية المجتهد " (2/16)، وهي رواية عن الإمام أحمد.
وهو الصّواب فإنّ الله أبطل هذا الأمر بقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: من الآية13]، وبقوله صلّى الله عليه وسلّم-فيما رواه مسلم أَنَّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ )).
بل إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم-وهو أعلى النّاس نسبا وأعظمهم حسبا-تزوّج صفيّة بنت حُييّ وهي يهوديّة، وزوّج زيدا-وهو مولاه- زينب بنت جحش الأسديّة، ثمّ تزوّجها وهو قرشيّ، وأمر فاطمة بنت قيس القرشيّة أن تنكح أسامة مولاه، وغير ذلك من الأحاديث والآثار.
ولكن يبقى الأمر مستحبّا، وذلك إذا جرى العرف على احتقار بعض الأنساب، وذلك للنّفرة الّتي تقع بين أهل الزّوجة والزّوج، بل وبين الزّوجين مع الأيّام.
أمّا الحالة الاجتماعيّة: فيُستحبّ أن يتزوّج الرّجل امرأة من طبقته، لأنّ ذلك أدْعَى إلى التّفاهم، بخلاف ما لو تزوّج غنيّةً، فإنّها تكون قد اعتادت على نمطٍ معيّن من المعيشة، إذ عاشت مخدومةً لا خادمة، فمع الأيّام تحدُث نفرة كبيرة بينهما بسبب تلك النّقلة غير المألوفة.
بل كلّ من جالسته من فقهاء الشّام كانوا ينصحون بأكثر من ذلك، وهو أن يتزوّج الرّجل امرأةً من بلده، تعرف طباعه وعاداته، وذكروا أنّه من النّادر أن ينجح زواج بين المختلفين بلدا.
أمّا المستوى الثّقافي: فمن المستحبّ أيضا – استحبابا مؤكّدا – أن يتزوّج المتعلّم من متعلّمة مثلِه، وكذا المرأة المتعلّمة تتزوّج من رجل مثلها، وقد تغتفر المفارقة الكبيرة إن كان الرّجل أكثر علما وثقافة من المرأة.
ذلك لأنّ المتعلّم يكون ذو نفسٍ طموحة جدّا، يريد أن تكون زوجته مثله، يفخر بها بين أهله .. يرغب في أن تكون هي السّاعدَ والمساعدَ الأكبر في تعليم الأولاد وتثقيفهم، فإن لم يجد بُغيَته فركها، ونفرت نفسه منها.
وكذا الأمر بالنسبة للمرأة، فإنّها تودّ لو يكون جلّ حديثها إلى زوجها دائرا في محادثات علميّة ثقافيّة .. يساعدها في تعليم أولادها .. تفخَر به بين أهلها وأقربائها ..
وأغلب الأزواج الّذين أعرفهم دون نسائهم في المستوى الثّقافي، إذا تشاجروا، وجدت أنّ الزّوج يشعر بعقدة نقص تُجاه زوجته، ويسوّل له الشّيطان أنّها ترى نفسها أحسن منه ... الخ من وحي الشّيطان الّذي همّه الأوحد هو أن يفرّق بين الزوجين.
ونحن نعلم – بحكم ما درسناه وتعلّمناه – أنّه لا ينبغي أن يكون شيء من ذلك كلّه .. ولكنّه الواقع، وليس له من دافع.
ويأتي الآن الجواب عن سؤالك – وكان لا بدّ من إيضاح تيكما النّقطتين -:
فإنّ المرأة، إن اختلفت عن زوجها في أحد هذه الأمور الّتي تفرضها البيئة، أو المسيرة العلميّة لأحدهما، فإنّه ينبغي لها أن تتنازل وتتواضع، فتُظهِر له دوما أنّه أجلّ منها، وأنّه معلّمها، وأنّها تحمد الله تعالى على أن جمع بينهما، فـ(( مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ ))، وما دامت ولا استمرّت عِشْرَةٌ بين اثنين أبدا إلاّ بتنازل أحدهما عن حقّه.
أمّا أن تؤذيه بأن ترميَه بالجهل، أو الانحطاط في الرّتبة، أو تُعيّرَه بحسبه أو جهته، فربَّ كلمة أجّجت نارا لا تخمد، وحربا لا تُوأَد .. فإنّ الكلام الجارح يزيل المودّة والمحبّة، وصدق من قال:
خـذي العفو منّي تستديمي مودّتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإنّي رأيت الحبّ في القلب والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهـب
أمّا الاختلاف في العادات والتّقاليد بحكم الاختلاف الجهويّ: فهذا لا يضرّ، ومن المُشَاهَد على أرض الواقع أنّ المرأة تتنازل عن عاداتها من أجل إرضاء زوجها، وتنشئة الأولاد على ذلك، حتّى لا يحدُث لديهم تعارض واصطدام في التّوجيه